رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

أسرار خدعة «التعليم العالى» للطرمخة على فضيحة تراجع ترتيب مصر بالتصنيفات العلمية

وزير التعليم العالي
وزير التعليم العالي

أستاذ جامعي: القائمين على التعليم العالي يركزون على زيادة أعداد النشر الدولي للأبحاث للدخول بالتصنيفات الدولية للجامعات للتباهي بمراكز متأخرة

وائل كامل: أرجح أنه تم توجيه استطلاع الرأي لحصول جامعة بعينها على مركز في التصنيف

عضو هيئة تدريس بجامعة حلوان: لا تحدثني عن جودة بحثية وموازنة البحث العلمي للأقسام العلمية لا تكفي لتوفير مستلزمات تجربة بحث واحد

كامل: معيار الأبحاث المنشورة ومعدل النشر سبب تصدر الجامعات الخليجية للتصنيف

أستاذ جامعي: استغرب فرحة البعض بتصدر مصر قوائم الأكثر عددًا في نشر الأبحاث العلمية دوليًا لأن معظمها أبحاثًا لا تفيد الوطن

وائل: كدا كدا زبون الجامعات الخاصة موجود ولذلك لا تهتم بوجودها في التصنيفات العالمية

حسين حمودة: الجامعات الخاصة ليست سوى مشروعات اقتصادية تدر أرباح على القائمين عليها

ياسر عبدالعزيز: لابد للجامعات المصرية من توفير الإمكانات التي تساعد على تحقيق المعايير التي تعتمد عليها تلك التصنيفات لتأتي في الصدارة


"مصر ستظل منارة العلم للأجيال القادمة"، كلمات يرددها وزير التعليم العالي والبحث العلمي في الكثير من المؤتمرات أو الندوات العملية، إلا أن التصينفات العالمية للجامعات المصرية تنُم عن وضع وصفه البعض بالـ"مُزري"، بعد تصدُر عدد من الجامعات العربية قوائم التصنيفات العالمية للجامعات في المنطقة العربية، لاسيما وأن حتى الجامعات المصرية الخاصة التي تسوّق لنفسها بأنها تمتلك الإمكانيات العلمية والمادية التي تؤهلها لتكون في الصدارة، لم يدخل منها إلا جامعة واحدة في التصنيف، وهي جامعة "المستقبل"، التي احتلت المرتبة الـ "71-80" بين الجامعات العربية لعام 2021.


تقدُم العديد من الجامعات العربية على الجامعات المصرية، أثار الكثير من التساؤلات لدى البعض، ما مدى أهمية تلك التصنيفات، لاسيما بتفاخر القائمين على التعليم العالي والبحث العلمي بوجود الجامعات المصرية في قوائم التصنيفات حتى ولو في مراكز متأخرة؟ ولماذا تهاوت مكانة الجامعات المصرية –بحسب وصفهم- في حين تأكيد المسؤولين على أن مصر تتقدم في مجال التعليم والبحث العلمي؟ وما الذي ينقص الجامعات المصرية حتى تتصدر قوائم التصنيف العالمي؟ وماذا عن الجامعات الخاصة التي تستنزف الطلبة وأولياء أمورهم بمصروفات مرتفعة؟

 

جامعات خليجية في الصدارة

احتلت جامعة الملك عبدالعزيز السعودية المرتبة الأولى، في تصنيف الجامعات للمنطقة العربية 2021 "QS"، والذي يقيس أداء المؤسسات التعليمية في المنطقة العربية، بينما جاءت الجامعة الأمريكية في بيروت في المركز الثاني، وتوزعت المراكز من الثاني إلى الثامن بين جامعات قطرية وإماراتية وسعودية وعُمانية.

 

جامعات مصر تراجع ملحوظ

وجاءت الجامعة الأمريكية بالقاهرة في المركز التاسع رغم حصولها على المركز الثامن في تصنيف عام 2019، في حين حصلت جامعة القاهرة على المركز الـ "11" وجاءت جامعة عين شمس في المركز الـ "14" بتراجع مركز عن تصنيف عام 2019، بينما تمكنت جامعة الإسكندرية من خطف المركز الـ "16"، والتي جاء ترتيبها في المركز الـ "12" عام 2019، وحافظت جامعة أسيوط على المركز الـ "32".

 

الغريب من وجهة نظر البعض هو تقدم جامعة الأزهر بحصولها على المركز الـ "44"، على جامعة حلوان التي حصلت على المركز الـ "49"، رغم فقر الإمكانيات العلمية والمادية لجامعة الأزهر.

 

والصدمة الكُبرى حصول الجامعة الألمانية بالقاهرة على المركز الـ "51- 60"، والجامعة البريطانية على "71- 80".

 

وتمكنت جامعة المستقبل دخول السباق لعام 2021 للمرة الثانية على التوالي، بحصولها على المركز الـ "71-80"، بتقدم ملحوظ بعدما كان ترتيبها "111- 120" عام 2020.



معايير تصنيف QS
ويعتمد تصنيف QS على عدة عدة معايير، تستحوذ السمعة الأكاديمية فيها على 40% من إجمالي التصنيف، وتعتمد في الأساس على استطلاعات الرأي.

 

والمعيار الثاني الذي يعتمد عليه التصنيف هو نسبة الطلبة إلى أعضاء الهيئة التدريسية، ويستحوذ على نسبة 20% من إجمالي التصنيف، بينما يستحوذ معيار الأبحاث المنشورة لأعضاء هيئة التدريس ومعدل النشر واستشهادات الباحثين في العالم بالأبحاث المقدمة من الباحثين والأكاديميين في الجامعة، على نسبة20% من إجمالي التصنيف.

 

ويتمثل المعيار الرابع في آراء جهات التوظيف حول جاهزية وكفاءة خرّيجي الجامعة، ويستحوذ على10% من إجمالي التصنيف، بينما يقيس المعيار الخامس نسبة أعضاء هيئة التدريس الأجانب في الجامعة، ويستحوذ على 5% من إجمالي التصنيف.

 

وأخيرًا يقيس المعيار السادس من تصنيف QS للجامعات، نسبة الطلاب الأجانب والدوليين في الجامعة، ويستحوذ على نسبة 5% من إجمالي التصنيف.

 

بروباجندا تصنيفات خادعة
"إنها بروباجندا تصنيفات دولية وخادعة"، بدأ أستاذ التربية الموسيقية بجامعة حلوان، وائل كامل، حديثه مع «النبأ»، متسائلًا: هل الهدف الأساسي الذي  ينبغي تحقيقه للتعليم بمصر هو البحث خلف مراكز التصنيفات الدولية؟


التصنيفات الدولية غالبًا ما تستخدم البيانات بشكل عام، والتي يسهل جمعها أو التي تستقبلها الجامعات، وليس بالضرورة البيانات الأكثر دلالة على الواقع الفعلي للجامعات بدون تجميل، بحسب وائل كامل.


"خلاص بقى هدفنا احنا كنا كام السنة اللي فاتت والسنة دي  بقينا كام، ونسينا الأهداف الأهم، زي احتياجات المجتمع من التعليم العالي ومهلات وقدرات الخريجين على التفكير التحليلي وقدرتهم على تطوير مهاراتهم بشكل يناسب احتياجات سوق العمل"، هكذا أبدى «كامل»، استنكاره للحالة التي وصل إليها التعليم العالي والبحث العلمي في مصر.

 

ويشير عضو هيئة التدريس بكلية التربية الموسيقية بجامعة حلوان، إلى أن كل تصنيف من التصنيفات الدولية للجامعات له معايير ومنهجية مختلفة تمامًا عن الآخر, ولذلك يجب ألا نخدع أنفسنا ونضع كل أهدافنا وخططنا في التواجد بتلك التصنيفات، مقابل إهمال احتياجات مجتمعنا والعملية التعليمية ومخرجاتها وقدرات الطلاب والخريجين وأعضاء هيئة التدريس والمنظومة الإدارية.



مشكلات لا حصر لها
تعاني الجامعات المصرية من مشكلات لا حصر لها، ورغم ذلك يتحدث الكثيرون عن التصينفات، التي تعتمد على معايير كثيرة تفتقر إليها الكثير من الجامعات المصرية، من وجهة نظر «كامل».

 

"لا تحدثني عن جودة بحثية موازنة البحث العلمي للأقسام العلمية لا تكفي لتوفير مستلزمات تجربة بحث واحد، ولا تحدثني عن جودة عملية تعليمية وأساتذة الجامعة يعانون أشد المعاناة بسبب الرواتب الضعيفة، ولا تحدثني عن جودة النظم الإدارية ولازالت ورقه الدمغة في الدور الرابع عند مدام عفاف، ولا تحدثني عن جودة العملية التعليمية وتوزيع الطلاب على الجامعات يتم بمقياس خاطئ -مجموع ثانوية- وقد يخالف ميول واتجاهات ورغبات بعض الطلاب، مما يقتل الإبداع والابتكار ويحول التعلم من غاية إلى وسيلة للحصول على شهادة"، بهذا الأسلوب وتلك الكلمات حصر عضو هيئة التدريس بجامعة حلوان المشكلات التي مازالت تستشري في الجامعات المصرية، لافتًا إلى أن الأشياء التي تفتقر إليها الجامعات المصرية ونظام التعليم بشكل عام، عوامل مطلوبة لتحقيق جودة حقيقية في العملية التعليمية وليست جودة خادعة بتستيف الأوراق كما يحدث الآن.

 

تصريحات المسؤولين تكشف النظرة السطحية للتطوير، لاسيما وأنهم يركزون على ضرورة زيادة أعداد النشر الدولي للأبحاث للدخول بالتصنيفات الدولية للجامعات؛ فقط للتباهي بمراكز متأخرة فيها بدون النظر بعين الاعتبار للمجتمع المحلي واحتياجاته ومشاكله التي ينبغي أن يساهم بحلها البحث العلمي، وجودة تلك الابحاث ومستوى الإنفاق والميزانيات المخصصة لها، بحسب وائل كامل.

 

ويستنكر وائل كامل أن هناك من يسعد بتصدر مصر في قوائم الأكثر عددًا في نشر إنتاج البحث العلمي دوليًا، رغم أن معظمها أبحاثًا لا تفيد الوطن.

 

ويرى «كامل»، أن أهم معيار جعل عدد من الجامعات الخليجية تتصدر القائمة، هو معيار "الأبحاث المنشورة ومعدل النشر.."، لاسيما وأنها اعتمدت على تعيين أجانب بها ونسب أبحاثهم إليها و"كله بالفلوس".


جامعات استثمارية
"كدا كدا زبون الجامعات الخاصة موجود، ونسبة طلابها مرتبطة بمعدل الدخل ونسب الفقر والغنى بمصر، علشان مش مهتمة بوجودها في التصنيفات العالمية ولا غيرها"، هكذا علق وائل كامل على عدم وجود الجامعات الخاصة في التصنيف رغم التسويق لها بأنها تقدم خدمات علمية وتعلمية ذات جودة عالية.


ويرجع «كامل» أسباب عدم وجود الجامعات الخاصة في التصنيف، إلى أن معظم أعضاء هيئة التدريس بالجامعات الخاصة هم منتدبون من جامعات حكومية، والقليل من الجامعات الخاصة لديها طاقم تدريسي خاص بها، بالإضافة إلى كونها جامعات استثمارية في المقام الأول وتحسب كل خطواتها بناء على المكسب والخسارة، وبالتالي في حالة صرفت على البحث العلمي، لن تجد مؤسسات علمية تتبناه ليخرج للنور، فتكون المصروفات دون عائد ولن يفيدها وجودها بتصنيفات دولية.


تلاعب في التصنيف
يعتقد وائل كامل أن الجامعات الخاصة الحديثة تفتقد معيار "السمعة الأكاديمية"، الذي يستحوذ على النسبة الأكبر في التصنيف، متسائلًا: كيف لجامعة حديثة لم تخرج سوى دفعتين فقط أن تحتل مركز ضمن الـ 100 جامعة عربية في تصنيف "QS"!

"أنا أرجح أنه تم توجيه استطلاع الرأي حتى تحصل مثل هذه الجامعة على مركز في التصنيف"، خصوصًا في معيار آراء جهات التوظيف حول جاهزية وكفاءة خريجي الجامعة، مثلما حدث مع معيار السمعة الأكاديمية، لاسيما وأن تكون الجامعة حديثة النشأة، كانت تلك وجهة نظر عضو هيئة التدريس بجامعة حلوان.

 

استفادة لا تُذكر
وكشف «كامل» إلى أن الاستفادة الوحيدة التي حصلت عليها مصر من التصنيفات الدولية تنحصر في زيادة أعداد الوافدين فقط، ونصح كامل القائمين على التعليم العالي والبحث العلمي، بالبحث عن جودة منتج الجامعات المصرية، واستفادة المجتمع المصري منه بشكل فعال، وعيوبه ومميزاته ومعوقات تطويره وقوة تأثيره بدلًا من البحث عن موقع الجامعات المصرية على خريطة جامعات العالم لجلب بضع دولارات من الطلاب الوافدين.

 

واختتم «كامل»، حديثه مع «النبأ» بأن التركيز على التصنيفات الدولية هو تركيز خادع وكاذب يخدم في المقام الأول والأخير دول أخرى تبني على الأبحاث المصرية ويستكملوها ليستفيدوا منها وتخرج كمنتج نهائي، بل ونعود لنستوردها منهم وندفع الكثير من الأموال.



تقدم محمود ولكن..
"أتصور أن أرقام التصنيف بالنسبة للجامعات المصرية قبل 10 سنوات، ومقارنة هذه الأرقام بالتصنيفات الحديثة في السنتين الأخيرتين، تشير إلى تقدُم الجامعات المصرية عن المواقع القديمة المتأخرة"، بهذه الكلمات بدأ أستاذ الأدب العربي بكلية الآداب جامعة القاهرة، حسين حمودة حديثه مع «النبأ»، مُشيرًا إلى أنه رغم ذلك مازالت الجامعات المصرية بحاجة إلى الوصول إلى مراكز أكثر تقدُمًا.

 

ويكشف «حمودة» الوسائل والطرق التي تحتاجها الجامعات للحصول على المزيد من التقدُم، والتي تتمثل في إتاحة موارد كافية تسمح لهذه الجامعات أن تقوم بمهامها على نحو أفضل، خصوصًا بما يتعلق بتوفير البيئة والإمكانيات المناسبة للبحث العلمي، بالإضافة إلى التفكير في إيفاد البعثات العلمية إلى البلدان المتقدمة، حيث يستطيع الدارسون الحصول على أحسن المعارف.

 

يمكن التفكير في تنظيم التخصصات المطلوبة وتوزيع الطلاب والطالبات على هذه التخصصات بطريقة أفضل بدلًا من الطريقة الروتينية المتبعة، مُضيفًا أن هذه الوسائل وغيرها يمكن أن تتيح المجالات للتعليم والتعلم بشكل يُحدث تقدم في العملية التعليمية، كما إنه يمكن الاعتماد على مناهج تعليمية وتربوية حديثة، والتي تم تجريبها واختبارها، وهذه المناهج هي التي يُعتمد عليها في الجامعات العربية التي حصلت على مراكز متقدمة، بحسب «حمودة».


واختتم «حمودة» حديثه مع  «النبأ» بأن سبب غياب الجامعات الخاصة عن التصنيفات العالمية للجامعات، يكمن في أنها ليست فرصها أكبر من الجامعات الحكومية، من حيث المستوى التعليمي، رغم حصولها على موارد مالية كبيرة، التي يمكن استخدامها للارتقاء بالإمكانات التعليمية، إلا أنه يتم التعامل معها كأرباح طبيعية في عدد كبير من الجامعات الخاصة، والتي لا تعدو كونها مشروعات اقتصادية تدر أرباح على القائمين عليها.


أمر لابد منه
ويتفق أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، ياسر عبدالعزيز، مع «كامل»، بشأن أن الجامعات المصرية بحاجة إلى الاهتمام برفع كفاءة البحث العلمي وتخصيص موازنة ملائمة له، وتوفير المزيد من الإمكانات التي تعمل على تطور العملية التعليمية والبحث العلمي بشكل عام في مصر.

 

واختتم «عبدالعزيز» حديثه مع «النبأ»، بأنه في حالة أرادت الجامعات المصرية التقدم في مثل هذه التصنيفات، فلابد من توفير الإمكانات التي تؤهلها لتحقيق المعايير التي تعتمد عليها تلك التصنيفات، لتأتي في الصدارة.