25 يناير أنقذت البلاد من نظام متصلب

عشر سنوات مرت على ثورة 25 يناير، التي مثلت نقطة فارقة في تاريخ الشعب المصري، خاصة أن هذه المدة شهدت أحداثا جساما لم يعشها المصريون منذ مئات السنين، على الرغم من أنها أنقذت البلاد من نظام متصلب.
ويكفي لتأكيد أن ما جرى في العقد الأخير، ليس له مثيل في تاريخ مصر طوال القرن العشرين تقريبا، هو أن هذه السنوات العشر شهدت ثورة خلعت رئيسا بقي في الحكم 30 عاما، ثم ثورة أخرى عزلت الرئيس الذي جاء بعده، بل وأطاحت بجماعة تجذرت في أعماق الأرض المصرية على مدار ما يقرب من 90 سنة.
هذه التحولات الدراماتيكية في حياة المصريين، خلال 10 سنوات فقط، أدت إلى تغيرات كثيرة في الشخصية المصرية، فأصبح المواطن البسيط ولعًا بالسياسة، يدرك أهميتها في حياته وتأيرها المباشر على أهم احتياجاته، فرأينا كبار السن يتزاحمون على صناديق الاقتراع في جميع الاستحقاقات التي احتاجت الدولة فيها لرأي الشعب.
عامل آخر كان له أبلغ الأثر في التغييرات التي حدثت سواء على سلوك الشعب، أو على الأحداث التي شهدتها الدولة المصرية، وهو الانتشار الواسع جدا، لوسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت عالما مفتوحا للشباب يتبارون فيها، ويدلي كل برأيه ورؤيته، دون أن يخشى حسابا ولا ملاحقة، والسؤال الآن ماذا جرى للمصريين إثر كل ذلك بعد مرور هذا العقد العجيب، وما الذي يحتاجونه للحفاظ على ما تحقق من مكتسبات؟
تأميم ناعم للإعلام
ويرى عمرو بدر، رئيس لجنة الحريات وعضو مجلس نقابة الصحفيين، أن السنوات العشر التي مرت على ثورة 25 يناير، تخللتها أحداثا كثيرة ومتغيرات أثرت في المصريين، مشيرا إلى أنه لا يجب النظر لتلك السنوات "جملة واحدة"، بل يجب أن تقسم إلى ثلاث مراحل، لأن ما حدث منذ اندلاع الثورة في 2011، وحتى 2013، كانت فيه مساحة التعبير عن الرأى عريضة، وهو ما انعكس على ممارسة الصحافة والإعلام آنذاك، وأفرز انتخابات حرة ونزيهة، سواء برلمانيا أو رئاسيا، بغض النظر الأشخاص الذين وصلوا إلى المقاعد في المؤسستين.
وقال: "كانت هذه الانتخابات انعكاسا حقيقيا لإرادة الناخبين في ذلك الوقت، ناهيك عن ظهور أحزاب جديدة أثرت الحياة السياسية وقتها، وكل ذلك في هذه الفترة القصيرة، التي تلاها مرحلة انخفضت فيها حرية التعبير، منذ 2014، وحتى عام 2016، وصولا إلى مرحلة الانغلاق التام، ومصادرة المجال العام تمامًا، وانتهاء بالوضع الحالي، الذي سقط فيه سقف الحرية تمامًا، ولم نعد قادرين على التعبير، ولم تعد الصحافة قادرة عن ممارسة دورها بشكل جدي، لأن ما حدث هو تأميم ناعم للإعلام".
وأضاف بدر: "ليس من الطبيعي أن يكون الصوت الواحد هو المسيطر على إعلام دولة بحجم مصر، شهدت ثورة عظيمة، دفعت ضريبتها من دماء أبنائها، وتحدث عنها العالم بأسره، فمصر تستحق وضعا أفضل من هذا، إعلاميا، لأن الصوت الواحد يمثل خطرا كبيرا على السلطة، وبدون قنوات شرعية ومتعددة تعبر عن هموم المواطن، وتكون متنفسًا يعبر فيه عن آلامه وأوضاعه المعيشية، سيتجه لإعلام خارجي، أو يصل لنقطة اللاعودة، نتيجة الكبت المكتوم، ما يدفعه للانفجار مجددا".
وأشار إلى أن تجربة 25 يناير، تجعل الجميع يدركون أنه مهما سيطرة الدولة على الأمور الحياتية، فلن يستمر هذا للأبد، إذ إن نظام مبارك سيطر لمدة ثلاثين عاما، على الإعلام أو الأحزاب وكل شيء، لكن في النهاية انفجرت الأوضاع، مضيفا: "وعليه يجب أن تدرك الدولة أن التعددية، وتباين الآراء، في مصلحة النظام وليس ضده، ولو مارس الإعلام دوره الحقيقي، لما اتجه الناس إلى السوشيال ميديا، ولعادت هذه المواقع لدورها الطبيعي، الاجتماعي، ولما تحولت من منصات اجتماعية، إلى منصة إخبارية وإعلامية بديلة، تختلط فيها الحقيقة بالأكاذيب.
إعلام يحترم العقل
ويدوره يرى الدكتور صفوت العالم، الخبير الإعلامي، أن الشخصية المصرية لديها وعي مجتمعي، ولديها قدرة على متابعة الشأن العام، وأيضا لديها حس نقدي مرتفع للغاية، لهذا فهي تحتاج فقط إلى أداء اعلامي يحترم العقل، والمشاعر.
وقال: "أعتقد أن الدرس المهم من ثورة 25 يناير، هو ضرورة أن يتسق أداء المؤسسات السيادية والأمنية والمجالس التشريعية، مع حالة النضج والوعى التي وصل إليها الشعب، بالإضافة إلى ضرورة أن يكون أداء الإعلام محترما لعقول ومشاعر المواطنين، حتى يمكن أن يحقق الوعي والاقتناع بكل القرارات والسياسات، التي تتخذ".
وأضاف: " من المؤكد أنه غير مقبول أن تتحول معظم القنوات الأساسية والرئيسة في تنمية الوعي، إلى قنوات لبث البرامج الرياضية والتركيز عليها، فلا يمكن أن يشكل لاعب الكرة، مهما كانت شعبيته وجماهيريته، الرأي العام، لذا فلا مفر من ظهور إعلام تنويري، يسعى إلى تنوير وتنمية الوعي العام، ومواجهة الدعاية المضادة، فمصر مليئة بآلاف الخبرات التي يجب أن تقدم الآراء الجادة المستنيرة، والتي تدعم قضايا العمران والتنمية، كما يجب أن يستمع الجميع بآذان صاغية للآراء المختلفة، وكثير من المفكرين والخبراء والاقتصاديين الذين يقدمون آراءً وأفكارًا جديدة قد تكون أفضل كثيرا للمجتمع من الآراء التي تنافق وتجامل الحكومة والنظام السياسي.
تقدم لافت
في المقابل ترى الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع في جامعة عين شمس، أن الفترة الحالية تشهد تقدما لافتا، لكل نواحي الحياة في مصر، التي باتت تعيش نموا ملحوظا، رغم أن هناك صراعا بين الدول الكبرى، طوال السنوات الماضية، لكى لا ترى مصر مثل هذا التقدم الذي تعيشه.
وقالت: "دول عدة حاولت زعزعة استقرار مصر، باستخدام الربيع العربي، الذي يعد في ذاته محاولة لضرب استقرار المنطقة العربية، لأنه ليس من المنطقي أن يكون هناك ربيع قائم على سفك الدماء وتدمير البلاد، وأن يتصدر المشهد السياسي فصيل لا يعي كيف تدار الدولة، وحتى اليوم هناك دول تصرف مبالغ طائلة لتنال من مصر ومكانتها".
ولفتت إلى أن هناك عدة عوامل جعلت المواطن بعد 2010، لا يشعر بالرضا من النظام الحاكم آنذاك، منها أن عجلة التنمية لم تكن تسير على الوجه الأكمل، مما جعل المواطن يعاني، ولكن لا نغفل أن الزيادة السكانية تلتهم كل مظاهر النمو، مشيرة إلى أن عدم شعور المواطن بالرضا أعطى الدول المناهضة لاستقرار مصر فرصة لكي تؤجج تلك المشاعر لتنفجر الأوضاع في 2011، وتخرج عن السيطرة.
وشددت أستاذة علم الاجتماع على أن مصر تعافت سريعا من آثار ثورة يناير، وها هي مع حلول السنة العاشرة، نجدها رجعت لمكانتها كدولة، مشيدة بما تشهده البلاد من قفزات على الأصعدة كافة، الأمر الذي يعد خير دليل عليه، هو تطور المستوى الاقتصادي، ومعدلات التنمية.
ووجهت الدكتورة سامية خضر رسالة إلى الشعب المصري، تطالبه بضرورة أن يعي حالة التطور التي يشهدها، خاصة أن كل ما يحتاجه المواطن متوفر له، وهناك تطوير تشهده المنظومة التعليمية، كما أن قرى كاملة يتم تطويرها، بالإضافة زيادة في عدد المدن الجديدة البديلة للعشوائيات.