رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

كواليس خطة حفظ الجبهة الداخلية والاستعداد لحرب أكتوبر بأوامر «السادات»

النبأ

لعب رجال الشرطة دورا بارزا في نصر أكتوبر، تمثل في حفظ الجبهة الداخلية للبلاد، واليقظة التامة لمواجهة أي محاولة لاستغلال الانشغال بالحرب، في ارتكاب جرائم تهدد السلام الاجتماعي للمواطنين.

وخلال السطور التالية يكشف عدد من رجال الأمن خلال تلك الفترة، كواليس الخطة التي جرى تنفيذها بأوامر الرئيس الراحل أنور السادات، من أجل الاستعداد لحرب أكتوبر، وحتى تحقق النصر. 

ويحكي اللواء الدكتور أيمن حلمي، مدير العلاقات العامة والإعلام بوزارة الداخلية سابقا، بعض هذه الكواليس قائلا لـ"النبأ": "أولا أوجه تحية إعزاز وتقدير لكل رجل من رجال القوات المسلحة، والشرطة مما تحملوا مسؤولية تحقيق نصر أكتوبر المجيد، كما حيا شعب مصر الوفي الذي سيظل درع هذا الوطن في مواجهة الصعاب.

وأضاف: "أثناء تحضير للحرب كلف الرئيس السادات، ممدوح سالم وزير الداخلية، في مايو 1971 ببدء تصفية مراكز القوى التي، تستهدف الانقلاب على الشرعية الدستورية لرئيس الجمهورية، وكان أول ما فعله هو وضع خطة لتأمين الجبهة الداخلية، استخدمت أيضا في الاستعداد لخوض حرب العبور". 

وواصل: "بعدها بدأنا التدريبات القتالية لسرايا الأمن المركزي، اعتبارا من مايو 1973، وشملت عمليات الكمين، والإغارة، وتمييز طائرات العدو، ومقاومة الهابطين بالمظلات، والدوريات الجبلية والصحراوية".

وتابع: "قبل الحرب بـ4 أيام عقد ممدوح سالم اجتماعا مع المسؤولين بقطاعات الدولة للتعرف على آخر ما وصل إليه مستوى الجنود".

ولفت حلمي إلى أن رجال الشرطة كانوا في مواقعهم، وكل منهم يعلم جيدا أن له دور مهم في خطة النصر، التي تقتضي الدفاع الشعب، والتصدي لكل من يحاول أن يمس الجبهة الداخلية بالضرر، مضيفا: "لكن الإحصاءات أثبتت عظمة شعب مصر، حيث لم تسجل أي جريمة من أي نوع، فور اندلاع الحرب، والإعلان عن تقدم القوات المسلحة على جبهات القتال في سيناء، حيث تفرغ الجميع لمتابعة الأخبار، والدعاء للجنود بالنصر، ثم اتجه الكل إلى تقوية الجبهة الداخلية وتوفير احتياجات المعركة من تبرع بالدم وخلافه، حتى أن رجال الشرطة أنفسهم كان كل منهم لا يذهب إلى بيته بعد انتهاء العمل قبل أن يزور مراكز التبرع بالدم للتبرع لصالح مصابي العمليات الحربية".

وتابع حلمي: "لا يمكن نسيان دور الشرطة في جميع المناطق، خاصة على خط القناة، لمنع أعمال التهريب، وكذلك دور رجال الحماية المدنية، ووجودهم مع الأهالي لمواجهة وتخفيف آثار هجمات وغارات العدو، رغم أن معدات وسيارات الحماية المدنية كانت مجهزة وقتها بإمكانات قليلة قياسا على المتوفر منها حاليا". 

بدوره قال اللواء أحمد جاد، رئيس أكاديمية الشرطة السابق، إن الشرطة لعبت دورا وطنيا عظيما في حرب أكتوبر، معبرا عن تهانيه لشعب مصر العظيم، بهذه المناسبة الذكرى العظيمة. 

وأشار إلى أن هذا النصر قلب موازين القوى، وأبهر العالم، بعد أن أجمع خبراء عسكريون على استحالة تنفيذ فكرة العبور، لكن عبقرية التخطيط وعنصر المفاجأة وإدارة المصريين للمعركة حققت هذا المستحيل. 

وأضاف: "من يسترجع التاريخ يرى بوضوح أن وزارة الداخلية، كان لها دور كبير في تأمين الجبهة الداخلية، وبصفة خاصة في مدن القناة، حيث تم وضع خطة متكاملة لتأمين المنطقة، بدأت بالفعل منذ بداية عام 1973 التدريبات القتالية لسرايا الأمن المركزي، الذين جرى إعدادهم أيضا لتأمين الموانئ، والمنافذ، والمطارات والمنشآت المهمة في الدولة".

وتابع: "وفي مدينة السويس وقعت معركة كبيرة بين قوات العدو، وبين الشرطة وشعب السويس، في ميدان الأربعين، أسفرت عن خسائر كبيرة في الجانب الإسرائيلي، حيث تم أسر 68 ضابطا، وعشرات الجنود، بفشل بسالة ضباط الشرطة والمواطنين الذين كانوا حريصين على الشهادة أكثر من الحياة".

وأضاف: "في الإسماعيلية أيضا، كان لقسم الدورية اللاسلكية دور بارز في إحباط محاولات استهداف العدو لطرق إمداد القوات المسلحة بالمؤن، كما أحكمت الشرطة رقابتها على مداخل المدينة، عن طريق نشر نقاط تفتيش بطول الطرق وعرضها طوال فترة المعركة".

ويحكي اللواء أحمد جاد أنه في بورسعيد قامت قوات الدفاع المدني والإنقاذ بجهود كبيرة للحفاظ على الأرواح والممتلكات، وتخفيف آثار غارات العدو، التى استخدم فيها القنابل الحارقة، مضيفا: "كان لسرعة إطفاء الحرائق وأعمال الإنقاذ، أكبر الأثر في تحقيق تماسك الجبهة الداخلية، كما اشتركت قوات الشرطة مع القوات المسلحة، في نصب كمائن ليلية على ساحل البحر، لمواجهة التسلل من قبل العدو عبر الإبرار البحري، أو الجوي خلف خطوط الجيش المصري".

وواصل: "كان هنالك دور كبير لكلية الشرطة بعد حرب 1967، وحتى حرب 1973، حيث بادرت بتدريب طلابها والعاملين فيها، والمدنيين أيضا، على استعمال الأسلحة الحديثة، والقتالية في المدن، ومقاومة إبرار المظلات للعدو، وتم تدريب ما يزيد على 3500 من العناصر بكل هذه المجالات، وكانوا جميعا على أهبة الاستعداد، لتقديم المساعدة والعون للقوات المقاتلة وفق ما تمليه ظروف الحرب". 

بدوره عبر اللواء محمد نور الدين، مساعد وزير الداخلية للأمن المركزي السابق، عن امتنانه وكل الشعب المصري، للقوات المسلحة ورجال الشرطة على دورهم الوطني المخلص خلال حرب أكتوبر، مشيرا إلى أن عناصر الأمن المركزي، من الضباط والجنود، تعاملوا ببسالة منقطعة النظير خلال فترة القتال.

وقال: "تخرجت في كلية الشرطة عام 72، وعينت ملازم أول بالأمن المركزي، وخلال حرب أكتوبر المجيدة، أسندت إلينا في الأمن المركزي، مسؤولية كبرى، هي حماية ظهر القوات المسلحة، وتأمين خطوطها الخلفية، ضد أي عمليات للتسلل أو التخريب من جانب العدو".

وأضاف: "قامت قوات الأمن المركزي بأداء المهام الجسيمة التي أوكلت إليها، بكفاءة بالغة، ووطنية صادقة، وتم تكليفنا بأداء هذه المهام التي كان من المفترض تخصيص قوات عسكرية لأدائها، نظرا للمظهر العسكري المتميز لقوات الأمن المركزي، والمستوى المرتفع الذي بلغته وحداتها، سواء في الانضباط أو التدريب أو التسليح، مما جعل القيادة تثق في أن هذه القوات أقرب ما تكون للجيش النظامي القادر على أداء المهام بنجاح".

وتابع: "وأسندت الى قوات الأمن المركزي، خلال الحرب عدة مهام حيوية، منها تأمين منطقتي الإسماعيلية وبورسعيد، وتم تشكيل مجموعة كبيرة من الأمن المركزي للتأمين، وكان إجمالي القوة 34 ضابطا، و1196 ضباط صف وجندي، وأرسلت فور قيام قوات العدو بالعبور من ثغرة الدفرسوار، إلى الضفة الغربية للقناة ليلة 15 ـ 16 أكتوبر، وتم تخصيص المهام المسندة إليها لقائد الجيش الثاني".

وواصل: "نظرا لخطورة المناطق التي تقرر أن تتمركز فيها هذه القوات بالنسبة لقربها الشديد من ساحات المعارك غرب القناة، روعي تقوية تسليحها لاحتمال تعاملها مع قوات العدو ودباباته، حيث تم تزويد أفراد الأمن المركزي، علاوة على البنادق الآلية وهي التسليح الشخصي، بعدد من الهاونات 60 مم، والرشاشات الخفيفة، والبنادق ذات الوصلات "إنرجا" المضادة للدبابات، والقنابل اليدوية، والقنابل المضادة للدبابات من طراز حسام، كما تم تدريب ضباط الأمن المركزي الموجودين مع تشكيلاتهم في بورسعيد والإسماعيلية، على كيفية التعامل مع دبابات العدو بالقنابل طراز حسام، وذلك بمعرفة ضباط القوات المسلحة، بالتنسيق مع الجيش الثاني الميداني".

وأوضح أن المهام التي أسندت إلى هذه القوات تتضمن حراسة وتأمين طريق الإسماعيلية – القاهرة الزراعي، الممتد شمال ترعة الإسماعيلية، وذلك في القطاع من مدينة الإسماعيلية شرقا، حتى التل الكبير غربا، مع التركيز على بعض النقاط المهمة على الطريق، وهي: البعالوة – القصاصين – المحسمة – أبو صوير – الكوبري العلوي، والعمل على منع أي عمليات نسف، أو تدمير من جانب العدو، وذلك عن طريق الكمائن، ونقاط الحراسة الثابتة.

كذلك حراسة المنشآت والأهداف الحيوية في مدينتي الإسماعيلية، والقنطرة غرب ومنطقة أبو خليفة، ومنطقتي الكاب والتينة ومدينة بورسعيد، وتأمين الطرق الفرعية المؤدية الى طريق القاهرة – الإسماعيلية الزراعي، وكذا القرى الواقعة في الأراضي الزراعية، بالإضافة إلى حراسة وتأمين المعديات المقامة على ترعة الإسماعيلية، والاشتراك مع القوات المسلحة في تأمين الكباري على امتداد الترعة.

كما تم تشكيل مجموعة من الأمن المركزي، بهدف تأمين منطقة القاهرة، وكان إجمالي القوة 50 ضابطا و500 ضابط صف وجندي، وتم تخصيص المهام المسندة إليها بالتنسيق بين قائدها وقائد المنطقة العسكرية المركزية بالقاهرة، وكان أساس عملها هو استخدام الكمائن ونقاط الحراسة الثابتة لحراسة وتأمين وصلات الطرق الفرعية مع طريقي القاهرة – الإسماعيلية الصحراوي والزراعي، حراسة وتأمين تفرعات طريق القاهرة – السويس، حراسة وتأمين طريق القطامية الخلفي، حراسة وتأمين مدخل حلوان من ناحية الطريق الجنوبي القادم من اتجاه خليج السويس.

وأشار إلى أنه تم تشكيل مجموعة من الأمن المركزي، تتكون من 30 ضابطا و6 سرايا قتالية، وكانت مهمتها الأساسية هي نجدة المنشآت والأهداف الحيوية، بدائرة المنطقة المركزية، وتدمير أي قوات ينجح العدو في إبرارها من الجو.

ولفت إلى أنه كانت هذه المهمة مسندة من قبل وحدات القوات المسلحة، لكن تقرر إسنادها الى قوات الأمن المركزي، بعد أن أثبتت جدارتها في أداء المهام العسكرية التي أوكلت إليها. 

ولفت إلى استشهاد عدد من رجال الشرطة في معارك السويس ومنهم: الرقيب أول محمد سلامة إبراهيم حجازي، والعريف محمد عبد اللطيف إسماعيل، والعريف محمد مصطفى حنفي، والعريف محمد علي الشيتي، والعريف محمد سعد أحمد علي ومعهم 8 من الجنود والخفراء.