رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

كورونا وجدل الدين والإعلام والثقافة والإلهاء بالرياضة

الدكتور عمار على
الدكتور عمار على حس

1)

بمناسبة الرهان على وعى الشعب في أيام الوباء، أتذكر ما رآه المفكر الكبير د. زكى نجيب محمود، رحمة الله عليه، منذ أربعين سنة، من أن مثقفى مصر قبل 1952 كان مطلوبا منهم تنوير الشعب والأخذ بيده إلى الأمام، أما بعدها فأريد لهم أن يبرروا للناس ما هم فيه، ويرددوا تصورات الجمهور التي هي في النهاية من صناعة الحكم.

وأقول هنا إن المثقف الحقيقى يمشى أمام السلطان ليقوده ويرشده وليس خلفه ليبرر له ويحميه ولا حتى إلى جانبه ليقول ليس في الإمكان أبدع مما كان. والمثقف منحاز إلى الناس، يفهم أشواقهم إلى التقدم والحرية والعدل، ويأخذ بأيديهم إلى أفضل السبل لبلوغ هذه الغاية، وهو معارض بطبعه ليس حباً في المعارضة وإنما لأنه يجب أن يتمسك بالأفضل والأمثل لمجتمعه دوما.

وعلى المثقف أن يقوم بدوره هذا، بما في وسعه، لكن لا يحيد عنه. وعلى المجتمع أن يدرك هذا الدور ويشجعه، ويعين صاحبه في مواجهة كل ضغوط تريد أن تزيحه من الطريق لتخلو رؤوس الناس إلى من يريد السيطرة عليها، وإخضاعها، ليصبحوا مجرد قطيع من الأغنام.

هنا لا بد أيضا من التنبيه إلى خطورة تسليم أغلب عقول شبابنا لمجموعة من متعصبى الرياضة على فراغ عقولهم، فيعلمونه الكراهية والمقت والسب والقذف والتناحر الأعمى، ثم يأتى من يحدثهم في خطاب دينى عقيم عن الوسطية، وفى خطاب سياسى عابر عن التعاون، وفى خطاب اجتماعى بائس عن التصدى للتطرف، وفى خطاب ثقافى باهت عن الإبداع. إنها لعبة الإلهاء المدمرة، التي تلعب على غرائز الجمهور.

(2)

قال الإعلامى بالأمس: لن نتحمل الإغلاق في العيد، اقتصادنا لا يستطيع. عاد الإعلامى نفسه اليوم، وقال: لا بد من الإغلاق، اجلسوا في بيوتكم؟ إن بعض المذيعين الذين يقولون اليوم ما يناقض ما قالوه بالأمس يثيرون العجب والضحك. هل ذاكرتهم مثل السمك والذباب، تنسى كل عدة ثوان؟ أم أنهم أشبه بآلات تُعبأ بالكلام، وتنطلق حين يضغط صاحبها على الزر؟ أم مسخ باعوا عقولهم ونفوسهم، ولا أقول كرامتهم وحريتهم، فهذه أمور لا يعرفونها؟ ماذا هم؟.

بهذه المناسبة أيضا أقول للقائمين على الإعلام: لا تفسدوا ما تبقى. فقد فوجئت بمذيعة تخطب على قناة إخبارية مصرية تفقد احترافيتها ومهنيتها تباعا. إنها ظاهرة أطلقها إعلاميون مصريون لا مثيل لها في العالم تقوم على قاعدة جهنمية تقول: «قدم خبرا واحدا تحت ركام من كلام فارغ»، ويا ليت هؤلاء يجيدون الخطابة، فلا صوت ولا لغة ولا معلومات ولا معرفة ولا مصداقية ولا حتى طلة مقبولة.

(3)

ربما يكتشف الذين يزعمون أن كورونا غضب إلهى أنهم كانوا يمارسون دورهم التاريخى في التغطية والتعمية على جريمة بشرية بشعة، بإلصاقها زورا وبهتانا بالله الرحمن الرحيم. فها هي آراء تتراكم وتتعزز يوما إثر يوم على احتمال أن يكون الفيروس ابن معامل بشرية، وليس ابن الطبيعة. فتشوا عن البشر.

من يطالب بهذا يهاجمه متشددون بأنه يرفض آيات الله التي تبين عقابه لأمم وأقوام عبر التاريخ. وهو موقف منهم يثير العجب، فالوباء الحالى لم يقصد قوما بأعينهم، إنما ذهب إلى الكل، حتى في الجزر النائية في وسط المحيطات الهائجة. عند هذا الحد والأمر مقبول في الأخذ والرد، لكنه، من أسف، يتطور إلى اتهام أصحاب هذا الاتجاه بأنهم قليلو الإيمان أو معدوموه. وهنا أذكر هؤلاء بالآية القرآنية: «فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى» وأسأل: هل توقف من يحكمون على إيمان الناس عند هذه الآية؟ أظن أنهم مروا عليها ولم يفهموها، وإلا ما كل هذا الغرور الذي يجعل البعض هنا على «تويتر» مثلا، يعلقون على كثير مما يكتب، باعتبار المعلق «وكيل الله» والمعلق عليه في ضلال مبين.

(4)

«شهداء فوق العادة».. إنهم الذين واجهوا عدوا مجهولا، فرض تضحية أكبر، وجهدا أشد، ومعاناة أكثر في ظل تعتيم وتجاهل وعمل في ظروف قاسية. إنهم أبطال الطب والوقاية الذين وقفوا في الصفوف الأولى في وجه وباء لا يرحم، حتى اللحظة الأخيرة، فاللهم ارحمهم، وأسكنهم فسيح جناته، ويا صاحب القرار في بلادنا انظر في معاملة هؤلاء كما يعامل شهداء الجيش والشرطة في المعركة ضد الإرهابيين.

(5)

وجد الأميون أنفسهم مضطرين إلى تعلم الكتابة كى يتواصلوا مع الآخرين عبر هواتف ذكية. فرصة جيدة، فالحاجة أم الاختراع، لكنهم للأسف وجدوا أمامهم سيلا من أخطاء فادحة لخريجى المدارس والجامعات في الإملاء والنحو والصرف وفقر التعبير، فضلا عن الألفاظ النابية، وثقافة الكراهية، وغياب المنطق.

(6)

كان يمشى على قدميه، وينظر في غيظ إلى راكبى السيارات، ويقول: متعجرفون لا يحسنون القيادة. أصبح يركب سيارته، وينظر في تأفف للعابرين، ويقول: بلهاء دهماء لا يحسنون حتى السير في الشوارع.