رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

كارثة.. 10% من المصريين «دخلوا» العيادات النفسية بعد أزمة فيروس كورونا

النبأ

«الضغوط النفسية تغيّر الشخص من مرح إلى كتلة من الصمت»، لم يكن يعلم سيجموند فرويد أنه سيأتي يومًا ويغرق العالم في بحر الضغوط النفسية عندما قال تلك المقولة، ولم تترك جائحة كورونا غنيا ولا فقيرا إلا وقد أثرت في نفسيته تأثيرًا سلبيًا بنسب متفاوتة، لا سيما مع العزلة التي يعيشها الكثيرون خوفًا من لعنة كورونا، ورغم أن أسلافنا أخبرونا أن "العز في العزلة" إلا أنهم قالوا: "لكنه لا بد للناس من الناس".


شكاوى متعددة انطلقت عبر «السوشيال ميديا» من تأثيرات العزلة أو الحجر المنزلي الذي يعيشه المصريون على حالاتهم النفسية، فبعضهم أصابه الملل وآخرون وصل بهم الأمر إلى التفكير في الانتحار، الأمر الذي أثار عددًا من التساؤلات في الأذهان، على رأسها كيف أثرت أزمة كورونا على نفسية وحياة المصريين؟ وبماذا ينصح أساتذة علماء النفس والاجتماع المصريين للتخفيف من الآثار النفسية للأزمة؟


مصريون في العيادات النفسية

"بالطبع أثرت أزمة كورونا في نفسية بعض المصريين بالسلب"، بهذه العبارة بدأ استشاري الطب النفسي وأمراض المخ والأعصاب بجامعة القاهرة، جمال فرويز حديثه، مُشددًا على أنه من الضروري أن تحدث أزمة كورونا قلقا، إلا أنه يجب ألا يتطور إلى خوف وهلع.


تأثر المصريين بدرجات متفاوتة بأزمة كورونا، -بحسب فرويز- "المصريين مش كلهم على وتيرة واحدة في التأثر بالأزمة، ومنقسمون لثلات فئات"، الأولى تمثل نسبة 10% وهي التي تتعامل مع الأزمة بخوف وتوتر وقلق شديد، للدرجة التي دفعتهم إلى عدم الخروج بشكل شبه نهائي من منازلهم، وعدم التعامل مع الآخرين.


وصل عدد كبير من هذه الفئة –بحسب فرويز- إلى العيادات النفسية، بعد إصابتهم باضطرابات النوم والأكل والاضطرابات السلوكية.


هنروح في داهية

بينما تمثل المجموعة الثانية، وهي الأخطر- كما يؤكد فرويز لـ"النبأ الوطني"-10% من الشعب المصري، والتي تنكر وجود أزمة من الأساس، وتعيش حياتها بشكل طبيعي جدًا ولا تفوت الفسح والتجمعات، بل لا ينساقون وراء التحذيرات "الفئة دي بتتعامل مع أزمة كورونا باعتبارها مزحة أو كذبة، ومبرراتهم أكل العيش".


ويرى استشاري الطب النفسي، أنه لو استمرت هذه الفئة على التعامل بهذه الطريقة ستؤدي عواقب وخيمة على المجتمع بأكمله "الفئة دي كل همها الاستمتاع باللحظة ودايمًا مبرراتهم دينية، ويقول لك: سيبوها على ربنا، ولو فضلوا على كدا هنروح في داهية".


لا تخافوا ولكن احذروا

الفئة الثالثة والتي تمثل السواد الأعظم من المصريين بنسبة 80% من الشعب، وهي التي تتعامل مع أزمة كورونا من خلال إجراءات احترازية تتمثل في التقليل من الخروجات والقلق الذي يقودهم إلى الاحتياطات الواجبة في هذه الحالة.


لما كان القلق مطلوب تجاه الأزمة –من وجهة نظر الطب النفسي- فإن الخوف والهلع الذي يصيب البعض يؤدي إلى التوتر الشديد وارتفاع نسبة الأدرينالين، وبالتالي تظهر أعراض مرضية عضوية بينها آلام القولون، بل يؤدي الخوف والتوتر الشديدين إلى إضعاف المناعة النفسية والعصبية الأمر الذي يجعل الناس أكثر عرضة للإصابة بفيروس كورونا.


روشتة علاج

"اهدأ" هي كلمة السر للروشتة التي يضعها جمال فرويز للمصريين للتعامل مع أزمة كورونا، والتي تتمثل في طقس معين من شأنه التقليل من حدة الضغوط النفسية الناجمة عن أزمة كورونا، وهو الاستلقاء على السرير بدون وسادة في غرفة مظلمة وهادئة، والتنفس من الفم 20 مرة، ثم إغلاق العينين لمدة تبدأ من 5 دقائق فما فوق.


وينصح فرويز بالمداوة على هذا الطقس لمدة أسبوعين، الأمر الذي يساعد على التحكم في الجهاز العصبي اللاإرادي، وبالتالي تقوية المناعة النفسية والعصبية والتقليل من خطر الإصابة بكورونا.


الملل يسيطر على المصريين

أكدت دراسات أجرتها King's College London أن قضاء أسابيع من العزلة –بالنسبة للمحجورين صحيًا- يؤدي بالضرورة إلى اضطرابات نفسية عدة، على رأسها اضطرابات ما بعد الصدمة والاكتئاب، بيد مشاعر أخرى بينها الغضب والخوف والالتباس قد تصل إلى تعاطي المخدرات، الأمر الذي جعل البعض يربط بين نتائج تلك الدراسات وبين حالة العزلة التي يعيشها المواطنون بصورة أخرى في منازلهم، لاسيما مع التوتر والضغط النفسي الناجم عن تفشي فيروس كورونا والإجراءات المتبعة ومتابعة أخباره.


باتت السوشيال ميديا متنفس المصريين للتعبير عن التأثيرات السلبية لأزمة كورونا بشكل عام والعزلة بشكل خاص على نفسياتهم، ورغم أن الكثيرين فكروا في اللجوء إلى الانتحار في بعض الأحيان إلا أنه كعادتهم بدأ البعض الآخر في إطلاق "الكوميكس" للسخرية من حالة الملل التي سيطرت على جميع البيوت المصرية، كطريقة للخروج من المأزق والعمل على تحسين الحالة النفسية.


"نعمل من الفسيخ شربات"

ويرى أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية طه أبو حسين، أن التأثير الإيجابي لتفشي فيروس كورونا أكثر بكثير من تأثيراتها السلبية من الناحية الاجتماعية على حياة المصريين، لاسيما وأنها أعادت إلى الحياة المصرية النظام وأجبرت الناس من خلال الحظر المفروض عليهم على تنظيم حياتهم بشكل طبيعي، من خلال العودة إلى منازلهم مبكرًا وأتاحت لهم أوقاتًا للترفيه عن أنفسهم بصور مختلفة، وأوقاتًا أخرى للتواصل الأسري، بخلاف أوقات العمل.


"لازم نعمل من الفسيخ شربات" هكذا علق "أبو حسين" على الأزمة، واصفًا أزمة تفشي كورونا بالضاغطة والقاسية، وأننا يجب أن نخرج منها بقيم إيجابية وتنظيم سلوكي على مستوى المجتمع المصري، وآخر اقتصادي على مستوى المعنيين بالاقتصاد في الدولة.


ويضيف أستاذ علم الاجتماع لـ"النبأ الوطني" أنه يجب ألا يتعامل المصريين مع أزمة جائحة كورونا بشكل مبالغ فيه، وألا يفرض الناس على أنفسهم سياجا صارما كما هو موجود داخل بعض الدوائر المجتمعية.


لا تسموه حظرًا

وينصح "أبو حسين" المصريين بضرورة متابعة أخبار الأزمة ولكن لا بد من النظر إليها نظرة إيجابية، والتخلص من التوتر والقلق الذي من شأنه أن يؤدي إلى التشديد المؤذي على المستويين النفسي والاجتماعي، مُستطردًا: يجب تجازو مرحلة القلق والتوتر التي سيطرت على المصريين مع بداية الأزمة واستبدالها بالتكيف مع الأطر الخاصة والعامة في الحياة المتاحة حاليًا خلال الأزمة.


واختتم أستاذ علم الاجتماع تصريحاته، قائلًا: "يا أيها المحظورين لا تسموه حظرًا وإنما تنطيمًا"، في إشارة منه إلى أن الحظر المفروض على المصريين، ما هو إعادة لتنظيم حياتهم وإعادتها إلى طبيعتها.


اتهدوا.. كورونا أسقطت العولمة

وتتفق أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، سامية خضر مع "أبو حسين" فيما يتعلق بالتأثير الإيجابي لأزمة كورونا على المجتمع المصري، وترى أن أزمة كورونا أعادت المجتمع إلى أساس الإنسان المصري الحقيقي، بل إنها أسقطت العولمة التي كانت تدق على أدمغة المصريين وتضغط عليهم، كما أنها أعادت للأسرة المصرية التواصل والتجمع، بل أجبرت الرجل المصري على دخول المطبخ، ومساعدة الأم في الأعمال المنزلية.


"كورونا قالت للمصريين اتهدوا"، هكذا علقت "خضر" على تأثير كورونا الإيجابي على نفسية المصريين، لاسيما وأنها ساعدتهم على التخلص من العصبية والتوتر، ودفعتهم إلى مسايرة النظام المفروض عليهم، لافتة إلى أنه كان هناك تأثير سلبي لأزمة كورونا ولكن في بداية الأمر، إلا أنه سرعان ما تحول إلى إيجابي.


وتنصح أستاذ علم الاجتماع المصريين من خلال "النبأ الوطني" بضرورة الاستفادة من الأزمة بصور إيجابية، على رأسها الاهتمام بتنمية المواهب تخفيفًا من الضغوط النفسية والتوتر الذي يصيب البعض، لافتة إلى أنه يجب على الأمهات الاهتمام بأطفالها وأسرتها وتنمية مهاراتهم.