رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

كورونا.. بين العلم والهلع!

محمد علي  إبراهيم
محمد علي إبراهيم


73عاما بين تفشى الكوليرا فى مصر عام 1947 وكورونا هذا العام.. اختلف تعامل الدولة باختلاف المتغيرات والتقدم الطبى والتوعية الإعلامية ومستوى التعليم واتساع المدارك ووجود فضائيات تحذر وتدرب.. وشركة طيران وطنية خافت على أهلها ونقلت مواطنيها وهو ما لم تفعله دول مثل ليبيا والسودان وإثيوبيا وتشاد وغيرهم وتركوا مواطنيهم ينامون فى المطارات على أمل ويستيقظون على لا جدوى!


أزمة أو حرب مختلفة تساوت فيها الدول الغنية والفقيرة.. الشمولية والديمقراطية.. فقد تكون ثرياً ومعك كل التكنولوجيا الحديثة على هاتفك المحمول أو التابلت وفى محفظتك عدد من كروت الائتمان ثم لا تجد فندقاً تنام به أو مطعماً تأكل فيه أو تجد مقعدا على طائرة..

لقد تابعت الإصابات فى العالم كله فى صحف غربية ومحطات وشاشات تليفزيونية... فى البداية اصطبغت الأخبار بالموقف السياسى فقد عزا الإعلام النكبة إلى ديكتاتورية الصين وإخفائها الأزمة لفترة.. لكن الأيام أثبتت أن الديمقراطيات الكبرى أصيبت بالهلع أيضاً وزاد عدد ضحاياها مقارنة بعدد السكان.. فمثلاً توفى فى إيطاليا أعداد تقارب الصين بينما اقتصرت وفيات كوريا الجنوبية التى تقل نسبياً عن بلد الفاتيكان (50 مليون نسمة) حوالى 94 شخصاً فقط حتى 19 مارس.. هنا يلعب التقدم التكنولوجى والتأمين الصحى الشامل دورا فى احتواء الأزمات.. فقد أعلنت روما وسيول معا اكتشاف المرض فى أواخر يناير الماضى.. توفى فى كوريا 67 من إجمالى 8000 حالة إيجابية وذلك بعد فحص أكثر من 220 ألف شخص وبالمقابل مات فى إيطاليا 827 من إجمالى 12 ألف حالة إيجابية، وذلك بعد فحص 73 ألف شخص فقط.. هنا لابد أن نسأل لماذا جاء الفارق لصالح كوريا.. الحقيقة أن كوريا طبقت إجراءات أكثر تشددا من إيطاليا وتقول إنها استفادت من أعراض ما سمى أنفلونزا الشرق الأوسط التى اندلعت عام 2015..

بالتالى فقد خضع كل مواطن فى كوريا الجنوبية لبرامج اختبار شاملة حتى لأولئك الذين يعانون من أمراض لا علاقة لها بكورونا مثل المصابين بضغط الدم وأمراض القلب والسكرى..

نظام التأمين الصحى فى كوريا متقدم مثلما هو الحال فى إيطاليا، لكن التقدم التكنولوجى فى كوريا ساعد السلطات على أن تكون كل بيانات السكان الصحية والفئات العمرية مدونة على التليفونات المحمولة.. الأكثر تطوراً أن المصاب أو المشتبه بأنه يعانى الأعراض يبلغ السلطات من خلال رقم مختصر ويكون الرد عليه بالتوجه لأقرب مستشفى به سرير خال، حيث يسمح النظام بأن تكون كل الطاقة الاستيعابية للمستشفيات بجميع أقسامها موجودة على قاعدة بيانات كبيرة منذ عام 2000 ولم يكن ذلك تحسبا لوباء أو مرض تفشى فجأة ولكنه مصمم لنقل المتوفين فى حوادث الطرق بالطائرات الهليكوبتر بسرعة إلى أقرب مستشفى يوجد به مريض ينتظر إجراء زراعة قلب أو كبد أو كلى وذلك فى حالات الطوارئ..

هذا النظام جعل أعداد الوفيات تقل عما كانت فى منتصف فبراير الماضى ومع ذلك مازالت السلطات هناك فى حالة طوارئ قصوى استلزمت نظاما لتوزيع الكمامات بحيث لا يسمح لمواطن واحد بالحصول على أكثر من كمامة ولا يحصل على أخرى إلا إذا قدم التى تلفت.. ونتيجة لهذا التدقيق رفعت أمريكا حظر التجول الذى فرضته على جنودها فى كوريا..

تقول صحيفة الواشنطن بوست فى «تلقيح» على الصين ولكنه حقيقى.. إن الديمقراطية فى كوريا الجنوبية أقوى من الحكومة والأحزاب والبرلمان والشعب سريع فى إظهار غضبه واحتجاجه إذا ما أحس بأى تقصير فى أى ناحية من نواحى الحياة.. ونتيجة للوعى المتزايد للشعب والشفافية فى وسائل الإعلام والتصريحات الحكومية فإن نظام العزل الإجبارى يطبق على المصابين بغض النظر عن الجنس أو الدين أو الوظيفة.. الكوريون لا يعترفون بمسألة المناعة لدى الشباب أكثر من كبار السن.. صحيح أن نسبة الأطفال المصابين فى كل دول العالم ضئيلة بالنسبة لكبار السن، إلا أن أى طفل فى كوريا تظهر على أى من أفراد أسرته المخالطين له أى أعراض، يتم عزله أيضاً بلا تهاون.. والدليل على دقة التتبع فى كوريا الجنوبية أن سيدة (61 عاما) ظهرت عليها أعراض المرض ولم تكن ذهبت للصين أو لها علاقة بووهان حيث انتشر المرض..

تم فحص بياناتها واكتشفوا أنها تتردد على كنيسة وفورا تم فرض العزل عليها رغم أن الفيروس لم يكن قد تحول لوباء بعد، لأنها أصيبت به فى 20 يناير ومع ذلك تمت ممارسة أقسى إجراءات على رواد الكنيسة التى اتضح أن 69% من الإصابات جاءت منها..

وعلى الفور تم إنشاء 50 مركزا للفحص على كل الطرق السريعة واستتبع ذلك إقامة 130 مركزا للطوارئ وإعطاء ضباط ومسؤولى الحجر الصحى سلطة قضائية تخولهم مصادرة سيارة المصاب وتعقيمها ونقله قسرا إلى أقرب مركز..

البلاء ليس فيه هزار أو تهاون أو استظراف.. الأسبوع الرابع حاليا هو أهم أسبوع فى الحرب.. لا نريد أن نفعل مثل إيطاليا التى منحت الجميع إجازات فتدفقوا على المولات والنتيجة أن من يستحق الوضع على جهاز التنفس الصناعى أصبح بالقرعة.. حفظ الله مصر..

نقلا عن "المصري اليوم"