رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

اللحظات الأخيرة لـ«السفاحين» على «طبلية» الإعدام

النبأ

لم تكن شمس يوم الأربعاء ٢١ ديسمبر ١٩٢١، تشرق حتى رفعت الرايات السوداء على سارية سجن الحضرة إعلانًا بأن حكمًا بالإعدام سيتم تنفيذه.

وفى السابعة والنصف، اصطفت هيئة التنفيذ أمام غرفة الإعدام وجاء حراس السجن بـ "ريا"، أول امرأة في تاريخ مصر سينفذ فيها حكم الإعدام.

كانت ترتدي ملابس الإعدام الحمراء وعلى رأسها طاقية بيضاء، تسير بأقدام ثابتة، إلا أنها كانت ممتقعة اللون خائرة القوى وقد استمعت بصمت إلى حكم الإعدام الذى تلى عليها.

مأمور السجن، ثم سألها "محمد حداية" باشا محافظ الاسكندرية إذا كانت تحتاج إلى شيء، فقالت إنها تريد رؤية ابنتها "بديعة"، فأخبره المأمور أنها زارتها قبل يومين، فقالت: "يعنى ماشوفش بنتى؟!" ثم دخلت إلى غرفة الإعدام، وكانت آخر عبارة قالتها "أودعتك يا بديعة يا بنتى بيد الله." ثم نطقت بالشهادتين ونفذ الحكم، واستمر نبضها دقيقتين وظلت معلقة لمدة نصف ساعة.

وبعد الثامنة بقليل اقتيدت "سكينة" إلى ساحة التنفيذ وكانت كثيرة الحركة والكلام، بينما يقرأ عليها مأمور السجن نص الحكم وكانت تتمتم بعبارات تُعلق بها على ما تسمعه، فعندما ذكر الحكم أنها قتلت 17 امرأة قالت: "هو أنا قتلتهم بإيدى؟!"، ثم قالت بتحدٍ: وأيوه قتلت واستغفلت بوليس اللبان، وأتشنق وما يهمنيش.. أنا جدعة." 

وعندما دخلت إلى غرفة المشنقة قالت للجلاد وهو يوثق يديها خلف ظهرها: "هوّ أنا رايحة أهرب ولا أمنع الشنق بإيدى، حاسب.. أنا صحيح ولية لكن جدعة والموت حق".

ولما كانت تحت الحبال قالت:  "سامحونا... يمكن عِبنا فيكم."

وقال تقرير طبيب السجن إن "سكينة بنت علي همام دخلت السجن بصحة جيدة ولم تكن تعاني من شيء إلا من جرب فى أنحاء جسدها وكانت عند التنفيذ جريئة ورابطة الجأش، وأن آخر عبارة فاهت بها هى: "أنا جدعة وهاتشنق محل الجدعان وقتلت ١٧ واستغفلت الحكومة."

وفي حوالي التاسعة جاؤوا بحسب الله سعيد، وكان جريئًا هو الآخر وعلق على منطوق الحكم بإعدامه قائلًا: "بتقولوا قتلت ١٧، الحقيقة أنهم 15 بس، ولو عايزين أعدهم واحدة واحدة وأسميهم كمان، ولو كنت عشت سنة واحدة كمان لكنت قطعت لكم دابر العواهر، وحرمتهم يمشوا فـى الشوارع، دول بيستغفلوا رجالتهم، ويبيعوا أعراضهم بربع  ريال.. تشنقونا عشان شوية عواهر».

وعندما دخل إلى حجرة الإعدام قال للشنّاق: "شوف شغلك كويس، شد واربط زى ما أنت عاوز.. كله موت."

وكانت ألفاظه عن العواهر وبيع الأعراض خشنة لا تكتب وقد ظل يكررها بصوت عال حتى سقط فى حفرة الإعدام.

وفى اليوم التالى - الخميس ٢٢ ديسمبر ١٩٢١ كان أول الذين أعدموا هو "عبد الرازق يوسف" وآخر ما نطق به هو "مظلوم".

وفى الثامنة جاءوا بـ"محمد عبد العال" وكان رابط الجأش صلب العود ولما تلى الحكم عليه قال: "صلى على النبى أنا قتلت سبعة مش سبعتاشر!"، وكان آخر ما قاله قبل أن ينطق بالشهادتين: "كتّف.. شد حيلك."

وفى الثامنة و40 دقيقة جئ بالأخير "عرابى حسان" وقد أكثر من تبرأ من الجرم وقال إنه سيلقى ربه طاهر اليدين وكان خائر القوى وآخر ما طلبه كان شربة ماء وآخر ما قاله قبل النطق بالشهادتين هو: "مظلوم".

وفى اليوم الأول لتنفيذ أحكام الإعدام أحاطت بالسجن مجموعة من نساء منطقة "جنينة العيونى" بحي اللبان يهتفن ويزغردن، وكانت إحداهن تغنى: «خمارة يا أم بابين.. وديتى السكارى فين؟»، والباقيات يرددن المقطع خلفها وعندما خرج محافظ الاسكندرية هتفن: عاش اللى قتل ريا.. عاش اللى قتل سكينة.

أما بديعه فطبقًا لما ورد في كتاب «حكايات من دفتر الوطن.. رجال ريا وسكينة» للكاتب صلاح عيسى، فقد أودعت "بديعة" ابنة "ريا" بأحد الملاجئ بالإسكندرية، وتوفيت بعد ثلاثة أعوام من تنفيذ الأحكام أي عام ١٩٢٤، توفيت بديعة بنت ريا محروقة إثر حريق في الملجأ.