رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

ثقافتنا.. بين الأمس واليوم

عمر حبيب
عمر حبيب


بعد أن استعرضنا سوياً القلب وهو مركز الإنسان والعضو الذي ينبض بالإيمان و بحب العقيدة ، وجب علينا كما تحدثنا عن غذاء القلب ألا ننسى غذاء العقل.. وغذاء العقل يأتي من الثقافة، والثقافة كما نعلم هي اللون المميز لحضارة الشعوب، وحضارة كل بلد تختلف باختلاف ثقافة شعبها، والثقافة كما نعلم هي عبارة عن مركب من عدة عناصر: هي القراءة ( سواء في العلوم أو الآداب) ، والفنون (من موسيقى و شعر و سينما و غيرها) ، والمهارات الشخصية (كتعلم اللغات، والكمبيوتر، وغيرها). 

وفيما يلي سنعود بالذكريات قليلا إلى الماضي، لنستعرض لمحة من بعض تراث وإنجازات المجتمع المصري في مجالات الثقافة المختلفة، وما حدث من تباين بين الماضي والحاضر، وسوف نبدأ في مجال القراءة والكتب.

كان المجتمع المصري في القرن الماضي وقتما كان متلوناً بمختلف الجنسيات والأعراق من إنجليز وفرنسيين وإيطاليين ويونانيين، بالإضافة إلى الطوائف الدينية المختلفة من يهود و أرمن و غيرهم، كل ذلك كان له عظيم الأثر في رسم تلك الخطوط العريضة في ثقافة المجتمع المصري، على الرغم من أن التعليم العالي لم يكن مكفولا للجميع بسبب إرتفاع نفقات الدراسة في التعليم الجامعي و الذي كان مقصوراً على أبناء الطبقة الراقية و الأرستقراطية ، و لكني هنا لا أتحدث عن التعليم و لكني أتحدث عن الثقافة ... و هناك فرق.

فقد أكون متعلماً تعليماً جامعياً محترماً وأحمل شهادة الماجستير أو الدكتوراه و لا أعلم مثلاً من هو مؤلف رواية البؤساء أو ما هي عاصمة جواتيمالا أو ما هو نظام الحكم في المملكة المتحدة.

الثقافة ليست لها علاقة بمستوى التعليم أو معدل الدرجات أو عدد الشهادات العليا التي تحصل عليها.. بل ثقافتك لها علاقة وثيقة بتكوين شخصيتك، وحبك للتعلم، وإضافة شئ جديد لحياتك كل يوم ، و ذلك لن يتم إلاعن طريق القراءة.

فالمجتمع المصري منذ حوالي أكثر من خمسين عاماً كان مثالاً حياً و نموذجاً يُحتذى به في الثقافة الواعية و العقلية المتميزة وهذا على جميع أصعدة و فئات الشعب.. من وكيل الوزارة و حتى العامل البسيط ، فكانت المقاهي و صالونات الحلاقة ومجالس السمر هي في الواقع عبارة عن منتديات ثقافية زاخرة بكل أنواع و ألوان الثقافة من أدباء و شعراء و موسيقيين و مفكرين، وكان المواطنون المصريون على إختلاف طبقاتهم و مستواهم التعليمي على دراية كاملة بكل الأحداث الجارية من سياسة و أدب و رياضة في ذلك الوقت، و كانت الكتب و الجرائد و المجلات في مختلف المجالات منتشرة في كل بيت مصري على إختلاف رغباتهم و إنتماءاتهم.

كان الطبيب والمهندس و المحامي والمعلم و غيرهم يتشاركون الأفكار و الميول الثقافية المتنوعة فيما بينهم، وكانت الكتب المختلفة في العلوم و الآداب لها بالغ الأثر في إثراء عقلية و شخصية المواطن المصري ووضعه على خطى الصدارة وسط شعوب العالم العربي و الغربي في ذلك الوقت الذي كان فيه الغرب في أوروبا و أمريكا يخطون أولى خطواتهم نحو التقدم و صنع الحضارة.

كان في ذلك الوقت و كما قلنا أن أقصى معدل تعليمي يصل إليه المواطن المصري هو البكالوريا أو الثانوية العامة ثم يسلك بعدها السلك الوظيفي، أما التعليم الجامعي فكان قصراً على أولاد الذوات و من يمتلك القدرة على تحمل نفقاته .. أما بالنسبة للفتيات فكان اقصى ما تصل إليه هو سنة التوجيهي أو البكالوريا ثم تلزم المنزل في إنتظار إبن الحلال لتبدأ دورها بعد الزواج في تأسيس أسرة قويمة ترسخت أسسها فيما تعلمته داخل بيت أهلها من طهي و أعمال منزلية مختلفة كالحياكة و غيرها.

أترى ماذا أقصد ؟؟... حتى الفتيات كان لهن طابعهن الثقافي الخاص الذي جعل منهن بعد ذلك أمهات عظيمات و ربات بيوت ساهمن في تربية و نشأة كبار العلماء و المفكرين و الموهوبين في شتى مجالات الحياة.

كان لوجود الأجانب في مصر دور كبير في التأثير على ثقافة المصريين في ذلك الوقت .. فأنا أذكر في حكايات أبي وجدي عن تلك الفترة أن اليونانيين كانوا أصحاب لمحلات البقالة و أفران الخبز ، و الإيطاليين كانوا يعملون في مجال الحلاقة و المقاهي والمطاعم، أما اليهود فكانوا محتكرين لصناعة الذهب و القماش .. فأصبحت ثقافة المصريين متأثرة بتلك الثقافات المستوردة التي حلت ضيفة عليهم وقتها نتيجة التعامل المستمر بشكل يومي مع أبناء هذه الجاليات دون الشعور بأي إختلاف أو عنصرية أو تمييز.

ولعلنا نرى هذا التأثير العميق في إستخدام اللغة و مفردات الكلمات من خلال مشاهدتنا للأفلام القديمة، فكانت على سبيل المثال اللغة الفرنسية هي اللغة شبه السائدة على حوار المصريين في ذلك الوقت و كذلك بعض مفردات اللغة التركية .. وكان المصريون وخصوصا طلبة التعليم العالي يجيدون الفرنسية إجادة تامة، الأمر الذي كان له الفضل في إرسالهم لبعثات خارجية إلى أوروبا و نيل شهادات الدكتوراه من أعرق جامعاتها كالسوربون و غيرها.

إذن ماذا حدث الآن ؟؟... هل اختفت ثقافة الشباب باختفاء تلك الثقافات الأجنبية ؟؟.. و لماذا لم يعد الشباب مقبلا على القراءة و الكتب مثل الجيل الماضي ؟... هل السبب يرجع إلى ظروف الشباب الإقتصادية و أنهم غير قادرين على شراء الكتب ؟.. هل هو بسبب إستسهال قراءة أي شئ عن طريق الإنترنت بغض النظر عن صحة المعلومة ؟..أم هل هو بمنتهى البساطة عدم إهتمام الأهالي و عدم إكتراث الشباب بتشكيل و تكوين شخصية مستقلة لهم مبنية على ثقافة خاصة ؟؟.

كي أُصدقك القول يا صديقي ، فأنا لا أعلم السبب الحقيقي وراء إنطفاء شعلة القراءة والثقافة لدى الشباب، فانا لاأعتقد مثلا أن السبب إقتصادي لأنك إذا لم تستطع شراء كتاب معين فإنك من السهل أن تستعيره من إحدى المكتبات العامة أو دور الكتب و الثقافة أو تقوم بتنزيله من على الإنترنت ، فالقراءة أصبحت أسهل بكثير من الماضي في رأيي الشخصي ، و أصبح الآن أيضا من السهل الحصول على أي كتاب لأي مؤلف في أي مجال من مجالات الحياة بضغطة زر واحدة فقط على جهاز الكمبيوتر ... فما السبب إذن ؟؟... و ماذا يمنعنا من تحقيق شخصيتنا الثقافية المتفردة ؟.

إن أول آية نزل بها الوحي على رسولنا الكريم هي " إقرأ" و ذلك لأهمية القراءة ، و الله عز وجل قبل أن يستخلف آدم عليه السلام في الأرض علمه الأسماء كلها ... و ذلك لأهمية التعلم.

والدراسات الحديثة تحث على أهمية القراءة للإنسان ، و ينصح الخبراء بضرورة القراءة لمدة نصف ساعة على الأقل يومياً لإبقاء العقل البشري متوهجاً و للحفاظ على ديناميكية أدائه و نشاطه.

إذا أردت أن تعلو و تسمو في سماء الحياة فعليك بالقراءة . لا يهم ماذا تقرأ، لست أشترط عليك نوعاً معيناً من الكتب أو مجالا محدداً للقراءة و لكن قم بتغذية عقلك حتى لا يصاب بالوهن وتخسر أنت الكثير .