رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

«انفراد».. كواليس الحرب الخفية بين شيخ الأزهر و«بارونات» الصحافة والإعلام

الطيب ومكرم محمد
الطيب ومكرم محمد أحمد


شهدت الأيام الماضية، بوادر أزمة جديدة بين الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وأجهزة الدولة والإعلام، وهو الصدام الممتد منذ 2014 مع إطلاق الرئيس عبد الفتاح السيسي الدعوة لتجديد الخطاب الدينى. 


ومؤخرا وفي مفاجأة من العيار الثقيل خرج الدكتور أحمد الطيب ولأول مرة عن صمته، وكشف عن بعض كواليس هذا الصدام، رغم حرص الأزهر على مدار السنوات الماضية التأكيد على حسن العلاقة بين الأزهر والدولة والإعلام، وكشف «الطيب» عن تعرُّض الأزهر لاضطهاد وحصار إعلامي غير مسبوق من قِبل القنوات والصحف اليومية الصادرة في البلاد، التي تسيطر على غالبيتها الدولة، وعدم السماح لهم بنشر أي مقال، أو إجراء أي مقابلة تلفزيونية بسهولة.


وقال "الطيب" خلال لقاء مسجَّل بثته القناة الأولى: "إننا لو أردنا أن نردَّ بمقال على مقال يشتم الأزهر لا يُسمح لهذا المقال بالنشر إلا بعد عناء شديد، ولا يرى النور".


وأضاف: "إذا أردنا أن يخرج في القناة طرف ثان ليتحدث فبصعوبة شديدة، وكثيرًا ما يُرفض، كانت هناك حملة على الأزهر الشريف وهذه الحملة لا تصبُّ -والله- إلا في فلسفة داعش ونظام داعش وحرب داعش".


كلام «الطيب» قوبل بانتقادات كبيرة من قبل وسائل الإعلام المختلفة، وأكد الإعلامي محمد الباز، أن حديث الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، عن حصار الإعلام لمواقف الأزهر، غير دقيق وغير صحيح.


وعقب «الباز» على تصريحات شيخ الأزهر قائلا: «لا أستطيع تكذيب شيخ الأزهر، ولكنني أتشكك فيما يقوله، فالقنوات التي يحصل منها شيخ الأزهر على المعلومات غير أمينة في نقل الحقيقة".


وتابع: "أي حد عاوزينه يطلع يتكلم عن الأزهر تعالوا اتكلموا، لكن تصدير صورة أن هناك اضطهادًا للأزهر في الإعلام غير صحيح".


وواصل: "لا يليق بشيخ الأزهر يطلع علينا بكلام غير دقيق وغير صحيح، نرجو تصحيح هذه الصورة".


كلام «الطيب» لقي استحسانًا من الأبواق الإعلامية الإخوانية، حيث استغلت تصريحات شيخ الأزهر لصب هجومه على الدولة المصرية والرئيس عبد الفتاح السيسي، وأبرزت وسائل الإعلام المناصرة للإخوان الخلافات التاريخية بين الدولة والإمام الأكبر، ساردة الوقائع المختلفة التى شهدت هجوما على «الطيب» والأزهر بسبب ملف تجديد الخطاب الديني، وتمسك الطيب بالإخوان داخل المشيخة قبل أن تجبره الدولة على التخلص منهم وعلى رأسهم الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر السابق.


ردود الفعل المصرية والخارجية تجاه حديث «الطيب» عن التضييق الإعلامي على الأزهر وعلمائه، تسبب في خروج تصريحات غير رسمية من مشيخة الأزهر للعمل على التهدئة، وقال الكاتب الصحفي أحمد الصاوي، رئيس تحرير جريدة «صوت الأزهر»، إن بعض وسائل الإعلام المحلية والدولية وبعض القنوات التلفزيونية ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، يتداولون تصريحًا لفضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، يتحدث فيه عن قدر من التضييق الإعلامي من بعض وسائل الإعلام على الأزهر وردوده على ما يثار حوله.


وأكد «الصاوي» أن التصريحات المروّجة عن فضيلة الإمام، مقتطعة من إحدى حلقات برنامجه الأسبوعي المذاع على شاشة التلفزيون المصري والتي تم تسجيلها وإذاعتها قبل 3 سنوات، وتحديدًا في فبراير من عام 2016.


وأضاف «الصاوي» أن شيخ الأزهر في تلك الحلقة كان يعبر عن وضع يراه حاصلًا في ذلك التوقيت، وليس بالضرورة أنه وضع وتصور ما زالا قائمين.


ولفت «الصاوي» إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها توظيف تصريحات سابقة لفضيلة الإمام قالها قبل سنوات وكأنها جديدة، لتخدم بعض الأفكار والأطراف والمواقف الحالية، أو تحاول افتعال توتر ليس له أساس، داعيًا وسائل الإعلام إلى التدقيق فيما تنشره عن شيخ الأزهر، والتأكد من حداثته عبر التواصل مع المركز الإعلامي للأزهر الشريف، أو بالبحث البسيط على محركات البحث الإلكترونية.


المثير في الأمر أن المركز الإعلامى لمشيخة الأزهر لم يعلق على كلام «الطيب» ويؤكد ما قاله الكاتب الصحفى أحمد الصاوى، رغم حرصه الدائم على نفي أو الرد على أى شائعات تتعلق بالإمام الأكبر شيخ الأزهر. 


ووفقا للمعلومات، فإن مشيخة الأزهر لديها حالة من الرضا عن ما قاله «الطيب» مؤخرا، ولذلك لم تتعمد الخروج للرد على ما ثار عقب تلك التصريحات، وأفادت مصادر داخل المشيخة، أن قمة التضييق الإعلامي التي حدثت للأزهر من قبل وسائل الإعلام وخاصة المرئية والفضائية، حدثت إبان أزمة الاعتراضات على قانون الأحوال الشخصية الذي وضعته مشيخة الأزهر، وفوجئ «الطيب» برفض عدد من القنوات الفضائية وبرامج «التوك شوك» ظهور علماء من المشيخة مندوبين عنها للرد على الانتقادات الموجهة للقانون.


وأضافت المصادر أن تلك البرامج حرصت على استضافة المعارضين للقانون فقط، والسماح فقط بمداخلات تليفونية لمشايخ الأزهر المقربين من المشيخة وحدث ذلك في برنامج واحد خاص بالإعلامي وائل الإبراشي، وهو ما أغضب شيخ الأزهر كثيرًا، رغم إعطائه الضوء الأخضر لعدد من المقربين منه للظهور إعلاميًا للرد على الانتقادات الموجهة للقانون وهذا لم يحدث، ما اضطر الأزهر للرد على تلك الانتقادات عبر الصفحات الخاصة لعلماء الأزهر المقربين من «الطيب»، وعبر وسائل الإعلام التابعة للمشيخة سواء كانت إلكترونية أو ورقية.


وكشفت المصادر، أن شكوى التضييق الإعلامى على الأزهر ليست وليدة الصدفة، فهناك شكوى أرسلها عدد من علماء جامعة الأزهر وقياداتها، كذلك عدد من كبار العلماء وقيادات قطاع المعاهد الأزهرية والمجلس الأعلى للأزهر، قدموها للطيب، تتضمن تعرضهم لتضييق إعلامى متعمد من الدولة، ورفض الرد على ما يثار على الأزهر ما بين الحين والآخر، ونشر جهود الأزهر في ملف تجديد الخطاب الديني، الأمر الذى ترتب عليه نقل شيخ الأزهر شكواهم للمسئولين ولكن لم يرَ أى تقدم في هذا الملف.


وفجّرت المصادر مفاجأة من العيار الثقيل، وهى أن مشيخة الأزهر تبحث التقدم خلال الفترة المقبلة بمذكرة رسمية إلى اللجنة الدينية في مجلس النواب، والمجلس الأعلى لتنظيم للإعلام برئاسة الكاتب الصحفى الكبير مكرم محمد أحمد، على أن تتضمن هذه المذكرة تعرض الأزهر لحالةٍ من التضييق الإعلامي، ورصد عدد من الوقائع المتعلقة بهذا الأمر على مدار السنوات الماضية.


وأكدت المصادر أن الأمر الخاص بتلك المذكرة مازال قيد البحث والدراسة، في حين يرفض شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب التسرع في تقديم تلك المذكرة في الوقت الجارى، حتى لا يتم استغلالها للتصعيد في الأزمة واستغلالها بالخارج وتحديدًا عبر وسائل الإعلام الإخوانية؛ بل يريد «الطيب» الانتظار لحين بيان نتائج التصريحات الأخيرة التى أدلى بها بخصوص التضييق الإعلامي، خاصة أنّ الفترة الماضية شهدت اتصالات ووعود من جهات ومسئولين بالدولة بالتأكيد على حرص الدولة على الأزهر، وسماع صوته وإبراز دوره، وأن الفترة المقبلة سوف تشهد إتاحة حرية أمام الأزهر وعلمائه.


ومن المنتظر أن تتضمن مذكرة الأزهر عددًا من الوقائع الهامة التى تعرض فيها الأزهر للتضييق الإعلامى، أبرزها: استضافة القنوات التلفزيونية الحكومية شخصياتٍ لديها خصومة مع الأزهر، وكانت سببا مباشرا في الصدام معه بحجة إصدار فتاوى تخالف ثوابت الدين، وذلك في إشارة واضحة إلى برنامج الدكتور سعد الدين الهلالى، المذاع على القناة الأولى، ومن الوقائع أيضا: نشر وسائل الإعلام شائعات مغرضة حول الأزهر منها ما نشر حول فتوى عدم فرض الحجاب مؤخرا، وأن الأزهر يبيح ترك الحجاب.


ومن الوقائع أيضًا: خروج «الطيب» عن النص أحيانًا، ودفاعه عن بعض الفتاوى الشرعية في أحيانٍ أخرى، ما تقوم به وسائل الإعلام المحسوبة على الدولة، من مهاجمة الرجل والإساءة إليه، إذ تصدرت صورته مجلة «روز اليوسف» الحكومية أواخر نوفمبر 2018، تحت عنوان: «الفقيه الذي عذَّبنا.. وهذه معاركك الحقيقية يا فضيلة الإمام».


كذلك، شن وزير الثقافة الأسبق جابر عصفور، في مقال بصحيفة "الأهرام" الحكومية، هجومًا على شيخ الأزهر، بسبب مخالفته لتوجهات السيسي ومحاولة الأخير تجديد الخطاب الديني، حتى ولو على حساب الثوابت المسلم بها.


وشنَّت وسائل إعلام مصرية حملةً هجومية على شيخ الأزهر في أعقاب الانتقادات العلنية التي وجَّهها السيسي له، وشملت الحملة صحفيين وكتابًا، وحتى شخصيات أزهرية، أبرزها الدكتور أسامة الأزهري الذي كتب مقالًا في جريدة الأهرام الحكومية انتقد فيه تراجع المشيخة وعدم استجابتها لمطالب السيسي حول تغيير الخطاب الديني، وتخلفه عن مستوى الخطورة التي تحيط بالوطن، ووجه كُتاب مقالات وإعلاميون بارزون في قنوات مصرية اتهاماتٍ صريحة لشيخ الأزهر، شملت إحداها وعيدًا صريحًا من رئيس تحرير صحيفة الدستور للطيب إذا لم يستقِل!.


ومؤخرًا نشرت صحيفة مستقلة شهيرة تقريرًا يهاجم الطيب بشدة، معتبرةً أن رجاله يخوضون معركة فتنة على طريقة «الإخوان».