رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

المخططات «القذرة» لتركيا بعد ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا.. وتهديد الأمن القومى لمصر

السيسي وأردوغان
السيسي وأردوغان


الاتفاق الأمني والبحري الذي تم توقيعه بين الدولة التركية برئاسة رجب طيب أردوغان، ورئيس حكومة الوفاق الليبية برئاسة فايز السراج، ما زال يثير الكثير من الجدل وعلامات الاستفهام، حول مدى تأثير هذا الاتفاق على الأمن القومي المصري والعربي، وتأثيره كذلك على الوضع الأمني داخل ليبيا، والخيارات المتاحة أمام مصر لمواجهة هذا الإجراء التركي، وسيناريوهات المواجهة العسكرية بين القاهرة وأنقرة في ليبيا.

تحالف مصري يوناني قبرصي
أثار الإعلان التركي عن توقيع اتفاق عسكري جديد مع حكومة الوفاق الليبية مخاوف مصرية يونانية قبرصية، وقد كانت ردود الأفعال من جانب الأطراف المعنية قوية وعنيفة.

وشددت مصر في بيان لوزارة الخارجية على أن الاتفاق غير شرعي ومن ثم لا يلزم ولا يؤثر على مصالح وحقوق أية أطراف ثالثة، ولا يترتب عليه أي تأثير على حقوق الدول المشاطئة للبحر المتوسط، ولا أثر له على منظومة تعيين الحدود البحرية في منطقة شرق المتوسط.

وأكد وزير الخارجية سامح شكري ونظيره اليوناني نيكوس دندياس في القاهرة، عدم شرعية الاتفاق بين رئيس حكومة الوفاق الليبي فايز السراج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لترسيم الحدود البحرية في البحر المتوسط.

وقال الوزيران في بيان إن التدخل التركي في ليبيا يتعارض مع التسوية السياسية، وطلبت اليونان وفق البيان دعم الناتو في التصدي للمحاولات التركية للاعتداء على سيادتها.

واعتبرت مصر واليونان أن رئيس المجلس الرئاسي الليبي، فايز السراج، تجاوز الصلاحيات المقررة في اتفاق الصخيرات خلال إبرام مذكرتي التفاهم حول الأمن والمناطق البحرية مع تركيا.

وأكدت مصر واليونان وقبرص بأن هذه الاتفاقية ليست قانونية وليس لها أثر قانوني، وأن حكومة السراج ليست مخولة بتوقيع مثل هذه الاتفاقيات بحكم عدم شرعيتها، كما انتقد مجلس النواب الليبي هذا التصرف.

وقال عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي، إن الهدف من مذكرة التفاهم هذه هو استباحة أراضي الدولة الليبية وأجوائها وموانئها ومياهها الإقليمية من قبل الجيش التركي.

وأضاف صالح أن مذكرة التفاهم يترتب عليها احتلال تركي لأراضي ليبيا وانتهاك سيادتها.

واعتبر رئيس البرلمان الليبي أن ترسيم الحدود البحرية بين دولة ليبيا والجمهورية التركية باطل لعدة أسباب، منها أن ليبيا وتركيا لا تربطهما حدود بحرية مشتركة.

إعادة الإمبراطورية العثمانية
يقول اللواء نبيل فؤاد، الخبير العسكري والاستراتيجي، إن هذا الاتفاق يدخل في إطار المشروع التوسعي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يسعى إلى إعادة الإمبراطورية العثمانية، وبالتالي هو يحاول التواجد في معظم منطقة الشرق الأوسط، ويلعب دور القوى الكبرى فيها، من هنا فكر في موضوع ليبيا.

وأشار إلى أن فايز السراج في وضع عسكري صعب جدا، لاسيما وأن قوات المشير خليفة حفتر على أبواب العاصمة الليبية طرابلس، وبالتالي فايز السراج يبحث عن ما يساعده في هذه المعركة، لافتا إلى أن هذا الاتفاق يمثل مشكلة جسمية لمصر، لأن ليبيا دولة جوار بالنسبة لمصر، ولها معها حدود طويلة، وبالتالي تواجد شخص مثل أردوغان توجهاته مضادة لمصر سيكون له تأثير على الأمن القومي المصري، لاسيما وأن الرئيس التركي يساعد المليشيات ويقوم بتسليح جماعات معادية لمصر، وهو يعلم أن مصر هي مركز الثقل بالنسبة للدول العربية، وهي دولة إقليمية كبرى في الشرق الأوسط، وأردوغان يريد أن يكون قوى كبرى في الشرق الأوسط مثل مصر.

وأضاف «فؤاد» أن هناك هدفًا أخر لهذه الاتفاقية، وهو التنقيب عن الغاز في البحر الأبيض المتوسط، مشيرا إلى أن هذا الموضوع ليس له أي تأثير على مصالح مصر في البحر الأبيض المتوسط، لأن أردوغان ينقب عن الغاز في المناطق التي تقع أمام قبرص، لكنه لو نجح في سياساته بالنسبة للغاز قد يدفعه ذلك للتوسع في المستقبل، وبالتالي قد يؤثر ذلك على مصالح مصر في البحر الأبيض المتوسط.

ويرى الخبير العسكرى أن أردوغان لم يصل حتى الآن إلى الحدود المصرية، ولكنه يدعم حكومة فايز السراج في مواجهته العسكرية مع الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، وبالتالي لو نجح أردوغان في التواجد في ليبيا وتوثيق علاقاته بحكومة فايز السراج، سيقوم بدعم وتسليح المليشيات ودعم جماعة الإخوان المسلمين، وهذا سيكون له تأثير سلبي على سير لمعارك في ليبيا وعلى الأمن القومي المصري، وبالتالي هذا الاتفاق ليس في مصلحة مصر.

وأوضح الخبير العسكري والاستراتيجي، أن حدود مصر الغربية محمية ومؤمنة تماما، حيث توجد هناك المنطقة العسكرية الغربية، وهي تعادل جيش ميداني وتقوم بتأمين المنطقة مع قوات حرس الحدود، وبالتالي لا يوجد أي مشاكل بالنسبة لحدود مصر الغربية، لكن المشكلة ستكون في حال تمكن أردوغان من ليبيا. مشيرا إلى أن هذا الاتفاق سيكون له تأثير على سير العمليات العسكرية بين حكومة الوفاق بقيادة فايز السراج والجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، وسيقوي من موقف حكومة فايز السراج العسكري، وسيعيق قوات المشير خليفة حفتر من دخول طرابلس واقتحامها، لاسيما وأن طرابلس ما زالت هي العاصمة الرسمية التى يعترف بها العالم. 

واستبعد سيناريو تقسيم ليبيا، متوقعا تصعيد العمليات العسكرية داخل ليبيا بين طرفي الصراع، مؤكدا أنه ليس من مصلحة أي طرف تقسيم ليبيا بما في ذلك تركيا، لافتا إلى أن الموقفين الروسي والأمريكي غير واضح حتى الآن، مؤكدا أن تركيا قامت بالفعل بنقل عناصر تنظيم داعش الإرهابي إلى ليبيا، مستبعدا أي مواجهة عسكرية بين مصر وتركيا في ليبيا، لافتا إلى أن مصر ستواجه أي محاولة لتهديد حدودها بكل قوة وحسم ولكنها لن تتدخل عسكريا بشكل مباشر في ليبيا، وستدعم الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، وستراقب الوضع في ليبيا عن كثب وستقوم باتخاذ الإجراءات المناسبة لأي تهديد لأمن مصر.

وأضاف أن مصر تضع المنطقة العسكرية الشرقية في ليبيا تحت سمعها وبصرها، كما تقوم بمراقبة القبائل في تلك المنطقة، حتى لا يتم تجنيدها للعمل ضد مصر، مشيرا إلى أن حكومة فايز السراج هي الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا، لكن ليس لها الحق في عقد اتفاقيات دولية وهذا يضعف من هذه الاتفاقية، مستبعدا تماما تشكيل تكتل إقليمي من الدول المجاورة لليبيا للوقوف في وجه المخطط التركي ومواجهة مشروع أردوغان التوسعي في المنطقة، لاسيما وأن أردوغان لم يتدخل بشكل مباشر في ليبيا، لكن دوره ما زال مقتصرا على دعم حكومة الوفاق الليبية بالأسلحة والذخائر والدعم الفني.

خائن وعميل باع أرضه
يقول اللواء حمدي بخيت، الخبير العسكري والاستراتيجي وعضو لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان، إن هذا الاتفاق يأتي في إطار مخطط الجانب التركي للتغلغل في المنطقة، عن طريق استغلال نقاط الضعف وعدم الاستقرار داخل الدول العربية وليبيا من هذه الدول غير المستقرة، وظروفها تسمح بتدخلات خارجية عن طريق قياداتها، فمثلا فايز السراج رجل باع وطنه لدولة أخرى، وبالتالي لا يصح أن يكون رئيسا لوزراء ليبيا أو ينتمي لها.

وأشار إلى أن فايز السراج لا يحمل أي رخصة قانونية لإبرام اتفاق مع أي دولة، لأنه رئيس مجلس الوزراء، وهذه الاتفاقية لا تتم عن طريق شخص رئيس الوزراء ودولة أخرى، ولكن تتم على مستوى مجلس الوزراء ككل، وهذا لم يحدث، كما أن تركيا تقوم الآن بإنشاء جسر لنقل الإرهابيين من  شمال سوريا وهي المنطقة التي قامت بتفريغها من حزب العمال الكردستاني كحزب إرهابي كما تدعي إلى ليبيا كمنطقة تمركز على الحدود المصرية، لكن من الواضح أن تركيا تلعب لعبة قذرة جدا، سرعان ما سوف تنهار بانهيار نظام أردوغان، لاسيما وأن الأتراك غير موافقين على سياسات أردوغان وخسارة العالم من أجل فكر جماعة إرهابية مثل الإخوان المسلمين، وهذا واضح في الأحزاب المعارضة داخل تركيا، وبالتالي ظروف تركيا لا تؤهله للعب هذا الدور في المنطقة بعيدًا عن القوى التي تؤثر في المنطقة، ومنها الاتحاد الأوروبي في غرب المتوسط ومصر في شرق المتوسط.

وأكد «بخيت» أن هذا الاتفاق سيكون له تأثير على الأمن القومي المصري، وهذا واضح لاسيما وأن تركيا تختلق تحالفات وصيغ غير قانونية للتدخل في شئون الآخرين ومنها مصر، وبالتالي تداعيات هذا الاتفاق على الأمن القومي المصري كبيرة، لاسيما وأن تركيا ترعى الإرهاب على الحدود الغربية لمصر، وترعى عملية نقل العناصر الإرهابية من منطقة لأخرى داخل منطقة الشرق الأوسط والقرن الإفريقي، كذلك أن كل ما يخص مصادر الطاقة في شرق المتوسط أصبح مهددا، وبالتالي تركيا تعتدي بشكل مباشر على قيم الأمن القومي المصري. 

وتابع: وبالتالي على مصر حشد جميع المنظمات الدولية والمؤسسات والقيادات الليبية وخاصة مجلس النواب الليبي ضد أردوغان، وكذلك دول الاتحاد الأوروبي ودول حوض المتوسط، وغيرها من الدول المعارضة لسياسات أردوغان، ويمكن تشكيل تحالف من هذه الدول والمؤسسات للوقوف في وجه أردوغان، لاسيما أن تصرفات فايز السراج لا تحمل أي صفة قانونية، كما أنها تشكل تهديدا لدول المنطقة، مستبعدا تماما حدوث أي مواجهة عسكرية بين مصر وتركيا في ليبيا، خاصة أن سيناريوهات المواجهة العسكرية والحرب التقليدية مكلفة جدا جدا، وبالتالي ستظل حرب المعلومات والحرب النفسية وحرب الاستخبارات وحرب القيادة والسيطرة والحرب الالكترونية، هي السائدة في المنطقة أو على مستوى العالم كله.

وقال أيضًا إن الحروب التقليدية ستؤدي إلى انهيار اقتصاديات الدول، مؤكدا أن هذا الاتفاق سيقوي موقف الجيش الليبي والمشير خليفة حفتر، لأن الشعب الليبي عندما يدرك في الغرب الليبي أنه تحت قيادة خائنة وعميلة تبيع قيم الوطن بلا مقابل لمجرد الحصول على كرسي أو مجد شخصي، سيثير حفيظة الليبيين، لأنهم سيعلمون أن من يقودهم خائن وليس ذا حيثية وطنية أو حيثية ولاء وانتماء.

أتوقع أسوأ الاحتمالات
من ناحيته، يقول اللواء طلعت مسلم، الخبير العسكري والاستراتيجي، إن هذا الاتفاق هو محاولة لإضفاء الشرعية على العلاقات الخاطئة بين تركيا وفايز السراج في ليبيا، وإعطاء الشرعية لتركيا للتمركز في ليبيا، من أجل الإساءة إلى الدول العربية، وخاصة الدول المجاورة لليبيا، ولو حدث ذلك سيمثل خطورة على الأمن القومي المصري والعربي، وسيؤدي إلى تعقيد الأزمة في ليبيا، لاسيما وأن أردوغان سيحاول إقامة قاعدة عسكرية في ليبيا، وهذا القاعدة يمكن استخدامها ضد الشعب الليبي والدول العربية المجاورة لليبيا. 

ولم يستبعد الخبير العسكري، حدوث احتكاكات عسكرية بين الجانبين المصري والتركي في ليبيا، قائلا: «من الطبيعي أن أتوقع أسوأ الاحتمالات وحدوث اشتباكات متفرقة، وبالتالي القوات الجوية سيكون لها التأثير الأكبر في هذا الموضوع»، مشيرًا إلى أن الأمر يحتاج إلى درجة من التعاون بين مصر وكل الدول العربية لاسيما الدول المجاورة لليبيا، وهذا يمكن أن يكون نواة لتكتل عربي مطلوب.