رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

حكاية شخصية «سى السيد» بطل ثلاثية نجيب محفوظ

بطل فيلم بين القصرين
بطل فيلم بين القصرين


«سي السيد» الحقيقي الذى ظهر فى ثلاثية الكاتب الكبير نجيب محفوظ، اسمه عبد الجواد محمد سعيد، ولد عام 1905 في درب الأتراك الذي تغير اسمه لشارع الشيخ محمد عبده خلف الجامع الأزهر بالقاهرة، وكان يعمل بالعطارة، أما والده فقد تزوج من تسع نساء أنجبت له ثلاث منهن، فكان لـ«سي السيد» أخ شقيق واحد أكبر منه بينما كان أخوته وأخواته لأبيه كثيرين في صعيد مصر حيث كان أبوه يسافر ليجلب بضاعته.


بدأ «سي السيد» العمل مع والده في محل العطارة منذ أن كان عمره 12 عاما، وكون سمعة طيبة حتى أصبح من أكبر تجار العطارة في الحسين. 


ولا يزال المحل قائما ويحمل نفس الاسم «البركة» ويقع في شارع جوهر القائد بحي الحسين بنفس مكانه منذ 160 عاما، ويديره الآن ابن «سي السيد» الحاج محمد عبد الجواد الذي ورث العطارة عن والده ويعاونه فيها أبناؤه سامح وإيهاب.


عاش سي السيد "الأصلي" في منزله الكائن بمنطقة الباب الأخضر أمام مسجد الحسين، وكان يفضل أن يرتدي الطربوش والجلباب البلدي الذي يتوسطه حزام من الحرير وقفطان (لبس يشبه لحد ما ملابس طلاب وشيوخ الأزهر)


كانت تربطه صداقة بكبار الكتاب والفنانين، وكانت جلساتهم المفضلة إما في قهوة الفيشاوي أو في محل العطارة الخاص به، وعلى رأس هؤلاء الكاتب الكبير نجيب محفوظ وأنيس منصور والمخرج الكبير حسن الإمام ويوسف السباعي.


وعن تفاصيل اليوم العادي في حياة أسرة سي السيد الحقيقي يقول ابنه الحاج محمد في أحد الحوارات الصحفية: «كانت حياتنا منظمة ودقيقة جدا، فكانت أمي تستيقظ مبكرا لتحضر لأبي طربوشه وتساعده في لبسه عند خروجه لصلاة الفجر ثم تبدأ في إعداد طعام الإفطار حيث كان أبي يعود ليفطر بعد الصلاة، ونكون نحن قد استيقظنا أنا وأخواتي فنقف أمامه ويجلس الى الطبلية وكنت أجلس معه أنا والبنتان الصغيرتان أما أخواتي الكبيرات فكن يأكلن بعده مع أمي لانشغالهم في أعمال البيت مش لأنه كان بيمنعهم زي ما قيل في الفيلم والرواية، وبعد الإفطار كان يذهب ليفتح الدكان، وبعد الظهر كان يعود إلى البيت لتناول طعام الغداء، وبعد الغداء كان ينام ساعة أو ساعتين ثم يستيقظ ليعود إلى المحل ولم أكن أراه عند عودته ليلا».


ويؤكد الحاج محمد في حديثه عاتبا على الكاتب نجيب محفوظ لما وصف به شخصية سي السيد في الفيلم فيقول:«كان والدي رجل صالحًا ورعًا، دائمًا ما يعقد حلقات الذكر داخل محل العطارة الخاص به حتى منتصف الليل ويحضر هذه الحلقات كبار العلماء والشيوخ في مصر مثل الشيخ محمد أبو الليل وهو من علماء الأزهر الشريف والمقرئين أمثال الشيخ البهتيمي والشيخ مصطفى إسماعيل والشيخ طه الفشني والشيخ محمد الفيومي المنشد الديني والشيخ محمود عبد الحق والشيخ عبد الباسط عبد الصمد".


ويستطرد ابن سي السيد الحقيقي كلامه ويقول إنه لا ينكر أن والده اتسم بالحزم والشدة والقسوة في بعض الأحيان، وأنه كان من الصعب عليه وعلى أخواته البنات الست التحدث إليه مباشرة في أي موضوع، لذا فقد كانوا يوكلون الأمر إلى والدتهم السيدة "أمينة".


ويتذكر كيف كانت تهرول أمه بالمبخرة وتمطره بالدعوات أو بكلام يفتح نفسه مثل "ربنا يفتح عليك ويوقف لك ولاد الحلال". 


ويستطرد قائلا:"ولكنه كان أيضًا يسمح لنا بقليل من الرفاهية، حيث كان يذهب بنا إلى منطقة روض الفرج لنستقل مركبًا تنقلنا إلى القناطر الخيرية، كذلك كنا نذهب معه إلى السينما لنشاهد الأفلام المحترمة فقط مثل فيلم "هذا جناه أبي" والذي قام ببطولته زكي رستم وفيلم "خلود" بطولة فاتن حمامة وعز الدين ذو الفقار". 


جدير بالذكر أن أبناء"سي السيد" في الرواية هم ثلاثة ذكور (ياسين وفهمي وكمال) وابنتان هما (عائشة وخديجة)، لكن الشخصية الحقيقية كان لديه ولد واحد و6 بنات.


توفى سي السيد عبد الجواد في 5 ديسمبر 1955، أي قبل عام واحد من صدور الثلاثية، وكانت وفاته صدمة كبيرة لابنه "محمد"، فلم يحصل على التوجيهية واكتفى بالثقافة لكي يباشر تجارة والده ويزوج أخواته البنات. 


ويذكر الحاج محمد أن نجيب محفوظ ظل يتردد عليه، وتخلل زيارته الأخيرة لمحل عطارة "سي السيد" عتاب بينهما عن الصفات التي أضافها على شخصية والده في الثلاثية، فقد وصفه بـ«المجون ومجالسته للعوالم»، وهي صفات لا تمت إلى "سي السيد" الأصلي بصلة، فما كان من محفوظ إلا أن أجابه ضاحكًا: « الأكلة ما تحلاش من غير بهارات».


والثلاثية.. روائع أدبية ألفها الأديب المصري نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل للأدب، تعد أفضل رواية عربية في تاريخ الأدب العربي حسب اتحاد كتاب العرب، تتكون الثلاثية من القصص الآتية بالترتيب: بين القصرين (1956)، قصر الشوق (1957)، السكرية (1957)، الشخصية الرئيسية بالروايات الثلاث هي شخصية السيد أحمد عبدالجواد، والقصص الثلاث تتبع قصة حياة كمال ابن السيد أحمد عبد الجواد من الطفولة إلى المراهقة والشباب ثم الرشد، وأسماؤها مأخوذة من أسماء شوارع حقيقية بالقاهرة بحي الجمالية التي شهدت نشأة نجيب محفوظ.


عند صدور الثلاثية في منتصف الخمسينات فوجئ «محفوظ» باهتمام كثير من النقاد بأعماله السابقة حتى أن الناقد لويس عوض كتب مقالا عنوانه: «نجيب محفوظ.. أين كنت»، سجل فيه أن الحفاوة بمحفوظ مبررة ولكنها تدين النقاد الذين تجاهلوه طويلا.


يركز محفوظ في السرد الروائي على النمط الإنساني لا على العقدة كما يعتمد على التحليل النفسي والنقد الاجتماعي بلا ميلودراما. 


ويصبح التاريخ في سطور الرواية "حيا مشهودا" في الأحداث والطرز السائدة في العمارة والأساس المنزلي والملابس والموسيقى والغناء والتقاليد والعلاقات الاجتماعية والسياق الاقتصادي.


يكتب إزاء شخوصه جميعا بنوع من الحيادية، ويرسم لكل نموذج إنساني تناقضه الداخلي العميق وأبعاده النفسية والموضوعية المستقلة عن النماذج الأخرى وعن شخصية المؤلف. 


حسب بعض النقاد لا نجد عند نجيب محفوظ على الشخصية الوحيدة الجانب.


كما يرى بعض النقاد أن هناك قطبين لأزمة المرأة خلال زمن الرواية التي تبدأ أحداثها عام 1917 أحدهما إيجابي يمثله السيد أحمد عبد الجواد والثاني سلبي تمثله زوجته أمينة والعلاقة بينهما بين ذات وشيء، علاقة غير متجانسة وغير متكافئة وغير إنسانية قوامها الاستبداد المطلق في طرف والخضوع المطلق في الطرف الآخر.


يعيب الناقد نجيب سرور على "جميع النقاد" عدم انتباههم إلى الكوميديا "الواضحة والبارزة جدا" في ثلاثية محفوظ مبديا دهشته من أن خط الكوميديا "فات كل نقادنا" رغم كون الكوميديا طابع أصيل للمزاج المصري الذي لا تستوقفه إلا النكتة الصارخة غير المعتادة.


علق طه حسين سنة 1956 عن الثلاثية قائلا: «أتاح للقصة أن تبلغ من الاتقان والروعة ومن العمق والدقة ومن التأثير الذي يشبه السحر ما لم يصل إليه كاتب مصري قبله».


تأثر نجيب محفوظ في ثلاثيته بمدارس غربية ثلاث: المدرسة الواقعية الفرنسية متمثلة في أونوريه دي بلزاك وجوستاف فلوبير، الطبعانية متمثلة في إميل زولا، مدرسة الروائيين الإنجليز الإدوارديين مثل جلزورذى وبنيت.


حُولت الروايات الثلاثة لأفلام سينمائية شهيرة.