رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

«5» وقائع تفضح «مافيا» السرقات العلمية فى الجامعات (تحقيق)

سرقة البحوث العلمية
سرقة البحوث العلمية - أرشيفية

مصطفى الضبع.. أكاديمى تعرض لسرقة فصل كامل من كتابه: «مسارات التأويل.. دراسات فى النقد التطبيقى»

عبير الأيوبى.. تعرضت للسطو على رسالة الدكتوراه الخاصة بها من زميلة أخرى

إبراهيم العايدى.. نقل رسالة كاملة من كتاب «هنرى جوتييه» الفرنسى بأجزائه السبعة

عادل محمد عوض.. سطا على منتج علمى لزميل له بالكلية وعنونه بـ«الطفل فى أدب نجيب محفوظ» 

3 أساتذة بـ«جامعة طنطا» يسرقون كتبًا لباحثين من خارج مصر 

«هندفن أطفالك أحياءً».. أستاذ النحو والصرف يتراجع عن فضح «لصوص العلم» بعد تهديده

رئيس «البحث العلمى»: لا أنفى وجود السرقات وستظل تحدث ولن تنتهى أبدًا

قطر والسعودية تمنعان التعامل مع الجامعات المصرية بعد تصريح خطير لـ«النمنم»

عبد الحكيم راضى: كلية الآداب بـ«جامعة القاهرة» مليئة بوقائع السرقة الحديثة

خبير قانونى: معظم حالات السرقات العلمية تُكتشف بالصدفة.. وهذا سبب انتشار «لصوص العلم» 


«توقف عن مواجهتنا وإلا سندفن أطفالك أحياءً أمام عينيك».


كلمات أثارت الفزع في قلب محمود محمد (اسم مستعار)، أستاذ النحو والصرف والبلاغة بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، عندما رد على اتصال هاتفي في أحد الأيام.


تراجع «محمود» عن حربه ضد «مافيا» السرقات العلمية بإحدى الجامعات المصرية، والتي هددته بدفن أطفاله، واحتفظ بالمستندات التي تدينهم في مكتبه الخاص، وقرر عدم خوض المعركة: «خفت أن أفقد أولادي ولولا ذلك ما كنت سكت عن الحق أبدًا». 


ما يزيد عن عقد؛ بالتحديد منذ عام 2007، بدأ محمود محاربة «مافيا» السرقات العلمية بإحدى الجامعات المصرية، الأمر الذي كلفه تشويه سمعته، وحرق سيارته إلى أن وصل بالأساتذة «لصوص العلم» لتهديده بدفن أطفاله.


لم يترك محمود بابًا إلا طرقه لكشف «مافيا السرقات العلمية»، حتى أنه تقدم بالعديد من الشكاوى والمذكرات في حق السرقات العلمية التي قام بها ستة من الأساتذة، بينهم عمداء كليات وآخرون رؤساء أقسام، وبعضهم يحتلون مناصب أعلى، بحسب "محمود محمد".


الخوف من التهديدات كان سببًا رئيسيًا في امتناع «محمود» نشر المستندات التي يحتفظ بها، وعزاؤه الوحيد في الأمر أنّ اللصوص الستة سيحالون للتقاعد.


يوثق هذا التحقيق لتفشي ظاهرة السرقات العلمية بالجامعات المصرية، التي أصبحت تؤثر على مكانة مصر العلمية بالخارج.


مصر الأولى بالسرقات العلمية

«مصر تحتل المرتبة الأولى عالميًا في السرقات العلمية داخل الجامعات»، وفقًا لتأكيدات مسؤول رفيع المستوى بوزارة التربية والتعليم، كان ذلك تصريحا تلفزيونيا لوزير الثقافة الأسبق، حلمي النمنم، أغسطس 2016.


حالات السرقات العلمية بالجامعات المصرية كثيرة، فأروقة أعرق الجامعات شهدت سرقات علمية بعضها تم الإعلان عنه، وما خفي كان أعظم.


علم مسروق وأمل مفقود

"حاول أن تفعل شيئًا، فأحد فصول كتابك مسروق من قبل إحدى الباحثات بجامعة المنوفية"، كلمات رنت في أذن أستاذ الأدب العربي بالجامعة الأمريكية، مصطفى الضبع، بأحد أيام يونيو 2016.


صدمة كبيرة تلقاها «الضبع» عندما اكتشف سرقة فصل كامل من كتابه المعنون بـ«مسارات التأويل.. دراسات في النقد التطبيقي» من قِبل الدكتورة (أ.س.ص) أستاذ مساعد بقسم علم الاجتماع كلية الآداب جامعة المنوفية.


أعد مصطفى الضبع عدته للدفاع عن إنتاجه العلمي، الذي لطالما سهر من أجله ليالٍ طوال ليخرج في أحسن صورة تليق بمكانته العلمية، حصل على نسخة من كتاب المذكورة لمقارنتها بكتابه.


حمل أستاذ الأدب العربي عدته وتوجه إلى الجهات المختصة لتقديم شكوى في الأكاديمية التي سطت على ما لا تملكه من علم.


الشكوى المقدمة ضد (أ.س.ص) شُكلت بدفتر وارد مكتب رئيس جامعة المنوفية برقم 3996 بتاريخ 27/8/2017 والتي أشر عليها عميد الكلية بـ"عاجل جدًا" في اليوم التالي الموافق 28/7/2017 برقم 3981.


أمر عميد الكلية رئيس قسم الاجتماع بعد تأشيره على الشكوى بتاريخ 26/9/2017 تحمل رقم 1052 بتشكيل لجنة ثلاثية من أساتذة القسم بتاريخ 27/9/2017 بفحص الكتابين الواردين بشكوى «الضبع»؛ للوقوف على مدى صحة سرقة (أ.س.ص).


وأكد تقرير اللجنة العلمية الدائمة بالمجلس الأعلى للجامعات تخصص الاجتماع، برئاسة الدكتور عبد الرزاق جلبي، أنّ جميع الأبحاث التي تقدمت بها (أ.س.ص) للحصول على الترقية لدرجة أستاذ مسروقة من آخرين.


أغسطس 2017 خاطبت اللجنة الدائمة رئيس جامعة المنوفية لاتخاذ الإجراءات اللازمة، بشأن الجريمة التي اقترفتها الدكتورة (أ.س.ص) إلا أن واقعة السرقة تلك، بحسب الدكتور مصطفى الضبع لم تلق اهتماما من قِبل الدكتور معوض الخولي رئيس الجامعة حينها وإلى الآن لم يتم البت في الأمر.


رغم اكتشاف اللجنة أن المذكورة سرقت أبحاثها كاملة من عدد من الأساتذة كان من بينهم الفصل الرابع  المعنون بـ"مسارات الوعي الاجتماعي في الأدب" من كتاب مصطفى الضبع، وجاء يحمل نفس العنوان ونفس الترتيب في كتابها، الذي طبعته ودرسته لعدد من السنوات لطلبة الفرقة الثالثة قسم علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة المنوفية.


يقول «الضبع» الذي تقدم بنسخة من كتابه للجنة ونسخة من كتاب (أ.س.ص) المسروق والمعنون بـ"قراءات في علم اجتماع الأدب"، الكتاب الذي تدعي الدكتورة تأليفه وتضع عليه اسمها مسروق من آخرين وليس من كتابي المذكور فقط، حيث أثبتت اللجنة أنها سرقت الفصل الخامس من كتاب للراحل الدكتور عاطف أحمد فؤاد، المعنون بـ"علم اجتماع الأدب" المنشور عام 1966، كل ذلك أشار إليه في شكواه.


وكشفت التحقيقات حينها أنها قد سرقت أيضًا الفصل السادس بالكامل إلا أن اللجنة لم تتوصل إلى مصدر السرقة، رغم إدانة الدكتورة (أ.س.ص) إلا أن رئيس الجامعة اكتفى فقط بإحالتها لمجلس التأديب.


"عامًا كاملا انتظر أن يفصل القضاء في القضية"، يقول الضبع تلك الكلمات ممزوجة بطعم الأمل بعدما لم تجد شكواه للجهات المختصة نفعًا، بحسب وصفه.


نهاية شهر يوليو الماضي هو التاريخ الذي كان يطل منه بصيص الأمل للضبع للحصول على حقه، لبت المحكمة في القضية التي رفعها ضد (أ.س.ص).


الأمل عاد من جديد يطرق أبواب أستاذ النقد، مصطفى الضبع، واستعاد حقه في مجهوده العلمي، التي استباحته المدعوة (أ.س)، وذلك بعدما تواصل معنا الضبع صباح يوم الخميس الموافق، 17 أكتوبر الجاري، بعد صدور العدد الورقي المنشور به التحقيق، وأخبرنا أن المحكمة أيدت تهمة السرقة على المذكورة.


رغم أن حُكم المحكمة ما هو إلا حُكم مبدئي، إلا أنه خطوة في طريق الوصل إلى الحق، حيث حكمت المحكمة بـ 10 آلاف جنيهًا غرامة، و100 ألف أخرى كتعويض، إلا أنها من حقها أن تستأنف على الحُكم.


«الخليج» يتجنب جامعات مصر

ومنذ تصريح وزير الثقافة السابق حلمى النمنم، الذى قال فيه إن مصر تحتل المرتبة الأولى فى السرقات العلمية عالميا داخل الجامعات، وفي الشهر ذاته من نفس العام، منعت السعودية مواطنيها من دراسة الماجستير والدكتوراه بالجامعات المصرية، معللة ذلك باكتشاف شهادات ماجستير ودكتوراه مزورة منسوبة للجامعات المصرية، لم تمض إلا أيام قليلة على ذلك القرار وقررت السلطات القطرية منع مواطنيها من الدراسة بمصر بشكل عام، بل استبعدت الجامعات المصرية من قائمة الجامعات المعتمدة؛ لعدم تطابقها مع المعايير الأكاديمية القطرية بحسب وصفها.


جهد كبير بذلته الباحثة عبير الأيوبي، للحصول على الدكتوراه في اللغة العربية من جامعة القاهرة 2008، برسالة معنونة بـ"لغة الإعلان التجاري بالصحافة الكويتية: دراسة نصية"، انتابتها السعادة بعد تحقيق الحلم، ولكن بعد ثلاث سنوات تعكر صفوها.


2011 اكتشفت الأيوبي أن زميلة لها في نفس القسم ونفس الجامعة حصلت على الدكتوراه مع مرتبة الشرف الأولى، بعدما سطت على رسالتها، فقط بعد تغيير الباحثة "إ.م.ر" عنوانها إلى "الإعلان التجاري في الصحافة السعودية: دراسة نصية".


استغاثت «الأيوبي» بالجامعة إلا أن استغاثتها لم تجدِ نفعًا، لاسيما وأن المشرف على الرسالتين واحد.


عُينت (إ.م.ر) بالدرجة العلمية الممنوحة من جامعة القاهرة بإحدى الجامعات الخليجية، وبدأت ترتاد المراكز العملية لتقديم دورات في تخصص الرسالة مدفوعة الأجر.


2015 طبع ونشر مركز الملك عبد الله الدولي لخدمة اللغة العربية الرسالة للسارقة بعدما تقدمت بها للمركز الذي منحها مكافأة على العمل الرائع.


لم تتحمل عبير الأيوبى الأمر وتقدمت بشكوى إلى المركز وأرفقت معها الوثائق التي تثبت السرقة، وبناءً عليه اتخذ المركز قرارًا بسحب الكتاب من السوق وإتلاف ما لديه من نُسخ؛ بعد تأكد لجنة من المختصين من السرقة.


لجأت الباحثة المتضررة إلى الفيسبوك، وبدأت تنشر أجزاء من الرسالتين للمقارنة بينهما، وكشف ذلك عن تطابق تام بين المضمونين.


«آداب القاهرة».. سرقات كثيرة

يعلق أستاذ النقد الأدبي بكلية الآداب جامعة القاهرة، وخبير بمجمع اللغة العربية على قضية السرقات العلمية، عبد الحكيم راضي، بأن هناك الكثير من وقائع السرقة العلمية بالجامعات المصرية.


"لدينا في كلية الآداب جامعة القاهرة بعض الوقائع الحديثة للسرقات العلمية"، قال راضي تلك العبارة، وأردف: «لكن منعًا للحرج ولتجنب الخوض في مثل هذه المعارك لن أتحدث عنها».


ويرى «راضي» باعتباره أحد الخبراء الذين لطالما يتم انتدابهم للفصل في بعض قضايا السرقات العلمية، أن السبب الرئيسي في تفشي الظاهرة وعدم معاقبة لصوص العلم رغم ثبوت السرقات العلمية في حقهم، هو تستر رؤساء الجامعات أو رؤساء الأقسام على الأمر بدعوى عدم إثارة البلبلة تجاه المؤسسة التي يديرها.


"حالات كثيرة اكتشفنا فيها أن المدعي والمدعى عليه لصوص للعلم"، بهذه العبارة يوضح خبير التراث الدكتور يسري عبد الغني، وأحد الخبراء الذي يتم انتدابهم للفصل في قضايا السرقات العلمية، الحال الذي وصلت إليه الجامعات المصرية بتفشي ظاهرة السرقات العلمية بها.


تنتشر في المكتبات المركزية التابعة للجامعات أقسام للنزاهة البحثية، تعني بمراجعة رسائل الماجستير للطلاب ثم يعطى الطالب تقرير يؤكد أن الاقتباس في رسالته لم يتعد الـ20%، هذا ما أكده الدكتور يسري عبد الغني، ورغم ذلك تنتشر ظاهرة السرقات العلمية في الجامعات المصرية.


لم تقتصر السرقات العلمية على الباحثين الجدد فقط، بل هناك بعض الأساتذة يلجأون إلى السرقات العلمية بغرض الحصول على ترقيات ودرجات علمية أعلى، وفي الغالب يسطو المشرف على رسائل طلبة الماجستير جزء من رسالة الطالب وينشره في إحدى المجلات العلمية باعتباره بحثا جديدا له للحصول على الترقية، أو أن يتقدم أن يتقدم به إلى اللجنة الدائمة بالمجلس الأعلى للجامعات للحصول على ترقية.


31 أغسطس 2017 سحب المجلس الأعلى للثقافة جائزة الدولة التشجيعية من الدكتور إبراهيم العايدي، والتي حصل عليها ضمن جوائز الدولة لعام 2016، فضيحة كبرى كما وصفها الوسط الثقافي آنذاك وذلك لأن العايدي كان قد تقدم لنيل جائزة الدولة التشجيعية لعام 2016 عن كتاب "Ancient Egyption Geographic" القاموس الجغرافي المصري القديم، وبعد فحص اللجنة المختصة للكتاب حصل على الجائزة، إلا أن اعتراض وزير الثقافة السابق على ممدوح الدماطي على منحه الجائزة؛ لسرقته الرسالة من أخرى، أدى إلى تشكيل لجنة لفحص الرسالة.


أتت الرياح بما لم تشته سفن العايدي"فأثبتت اللجنة السرقة العلمية وتأكد لهم نقل الرسالة كاملة من كتاب "هنري جوتييه" الفرنسي، بأجزائه السبعة، وتمت ترجمته إلى الإنجليزية، وحُجبت الجائزة عن العايدي طبقًا لأحكام قانون جوائز الدولة التشجيعية  375 لسنة 1985.


اعترض رئيس أكاديمية البحث العلمي، محمود صقر على تصريح النمنم  ووصفه بالاتهام الذي لا سند له، واستنكر تصريح وزير الثقافة الأسبق بدعوى أنه غير مختص في الأمر.


السرقات العلمية تحدث لا أنفي وجودها وستظل تحدث ولن تنتهي أبدًا، وذلك لأن الأمر مرتبط بالسلوك البشري، وفقًا لوصف رئيس أكاديمية البحث العلمي، محمود صقر.


سابقة تاريخية

تتنوع أشكال السرقات العلمية، إلا أن ترجمة رسائل علمية من لغات أخرى أشهرها في الجامعات المصرية أو اقتطاع أجزاء من أبحاث أخرى، مثلما يفعل بعض الباحثين الراغبين في الترقي أو الحصول على درجات علمية أعلى، رغم أن المجلس الأعلى للدراسات العليا والبحوث أقر بتاريخ 18 فبراير 2016 نسبة الاقتباس في الرسائل العلمية "الماجستير والدكتوراه" بحد أقصى 25%.


نوفمبر 2018 شهدت أروقة كلية دار العلوم بجامعة القاهرة فضيحة مدوية، بعد اتهام أستاذ البلاغة ورئيس القسم بكلية دار العلوم عادل محمد عوض بالسرقة العلمية، والتي تعود لعام 2017 بعدما سطا على منتج علمي لزميل له بالكلية وعنونه بـ"الطفل في أدب نجيب محفوظ"، وهو المحتوى ذاته للزميل محمد حسن عبد الله المعنون بـ"الطفل في روايات نجيب محفوظ".


وكان الأستاذ محمد حسن، قد لجأ للقضاء باعتباره الملاذ الوحيد للحصول على حقه وللدفاع عن منتجه العلمي الذي كلفه سنوات من الجهد.


يناير 2019 طالبت محكمة 6 أكتوبر الابتدائية جامعة القاهرة بسحب الدرجة العلمية من الدكتور عادل محمد عوض بعدما ثبت في حقه اتهامه بالسرقة، وفق محضر تسلمته المحكمة نوفمبر 2018.


قرار المحكمة رقم 258 لسنة 5 قضائية اقتصادية ألزم "عوض" بدفع تعويض 20 ألف جنيه للمتضرر.


رغم حكم المحكمة كان السارق يعتقد أنه يستطيع الالتفاف على القانون، فطعن على الحكم، إلا أنه رُفض نظرًا لقوة الأدلة، وبات الحكم نهائيًا، ولم يجد أمامه سوى تسديد الغرامة.


أصدر رئيس جامعة القاهرة جابر نصار آنذاك، قرارًا رقم 454 لسنة 2017 بوقف "عوض" عن العمل كرئيس لقسم البلاغة؛ لثبوت تهمة عدم الأمانة العلمية في حقه.


أزمة كبرى تعانيها الجامعات المصرية تتمثل في امتناع بعض الأساتذة الذين تعرض إنتاجهم العلمي للسرقة عن الحديث في الوقائع؛ وذلك لاعتبارات عدة من بينها الزمالة وأنه لا يجب الإساءة إلى الزميل برغم ثبوت السرقات في حقه.


الأمر ذاته حدث عندما حاولنا التواصل مع الدكتور محمد حسن الذي سطا "عوض" على منتجه العلمي، ورفض الحديث بدعوى عدم التشهير به، رغم كشفها للرأي العام آنذاك.


في العادة يلجأ لصوص العلم إلى سرقة الإنتاج العلمي من جامعات خارج مصر وفي اعتقادهم أن الأمر يصعب كشفه، وهذا ما حدث مع أساتذة جامعة طنطا الثلاث، وهي الواقعة التي دعا وزير التعليم العالي آنذاك ضرورة نشرها في الوسائل الإعلامية.


وتعود الواقعة إلى يوليو 2017 وفقًا للمستندات المنشورة، بعدما تقدم المدرس المُساعد بقسم الإعلام جامعة طنطا محمد عثمان، بشكوى لرئيس الجامعة إبراهيم سالم آنذاك تفيد بتورط ثلاثة أساتذة بالجامعة في وقائع سرقة علمية، من عدد من الكُتب والأبحاث من باحثين خارج مصر.


تضمنت الشكوى تفاصيل الوقائع، وأسماء الأساتذة الثلاثة وهم القائم بأعمال عميد كلية الآداب خالد فخراني والأستاذة بقسم الإعلام والقائمة بأعمال رئيس قسم الإعلام بكلية الآداب غادة اليماني، والمدرس مساعد بقسم الإعلام كلية الآداب أميرة سمير، وتمت إحالتهم إلى مجلس التأديب، للخروج عن مقتضى الواجب الوظيفي والأمانة العلمية والنقل الحرفي لأجزاء كبيرة من إنتاجات باحثين آخرين دون الإشارة إلى المصدر.


أثبتت التحقيقات الجرائم التي اقترفها الأساتذة الثلاثة، ورغم ذلك اكتفى رئيس الجامعة بإحالتهم لمجلس التأديب، رافضًا إقالة "الفخراني" من منصبه، بدعوى أنه لا يوجد نص بقانون تنظيم الجامعات يسمح بإقالة عميد كلية من منصبه بتهمة السرقات العلمية.


ضاعت أخلاقيات البحث العلمي

رغم أن المادة 110 من قانون تنظيم الجامعات نصت على "عزل عضو هيئة التدريس الذي يقوم بفعل يزري بشرف عضويته أو من شأنه أن يمس نزاهته وكرامته وكرامة الوظيفة.."، إلا أن أغلب الجامعات تكتفى بسحب الدرجة العلمية من الباحث الذي ثبُت بحقه سرقة علمية.


الوقائع المثبتة تتنافى كُليًا مع مواثيق أخلاقيات البحث العلمي، التي تصيغها الجامعات بمصر، والتي اتفقت على ضرورة الأمانة العلمية، والتي نصت على "الأمانة العلمية في تنفيذ البحوث والمؤلفات فلا ينسب الباحث لنفسه إلا فكره وعمله فقط، ويجب أن يكون مقدار الاستفادة من الآخرين معروفًا ومحددًا، فمقتضى أخلاقية الأمانة العلمية توثيق المصدر بالدقة تحذرًا للتورط في منافيات أخلاقية".


"البحث العلمي" تتنصل من المسؤولية

ويرى أستاذ النقد الأدبي بجامعة القاهرة، حسين حمودة، أن تدشين هيئة لبحث معايير البحث العلمي هو الحل الأمثل للقضاء على الظاهرة، أسوة بتجربة الولايات المتحدة الأمريكية بتخصيص مكتب النزاهة البحثية   oriمايو 1992 بعد دمجه بمكتبي النزاهة العلمية والنزاهة البحثية؛ لبحث الرسائل العلمية وكشف السرقات، ومن ثم يُحول اللصوص العلميين إلى القضاء مباشرة.


مثل مصر كانت تعاني الولايات المتحدة الأمريكية من انتشار السرقات العلمية بالجامعات، ما دفعها إلى الاعتماد على المختصين لكشف السرقات ونجحت التجربة، وتقلصت أعداد جرائم السرقة العلمية بجامعاتها.


أغسطس 2015 أعلنت أكاديمية البحث العلمي أنه سيتم توزيع برنامج Inthenticate  لكشف السرقات العلمية، بتكلفة 3 ملايين جنيه، على أن يتم تفعيله مطلع سبتمبر من العام ذاته.


رغم تأكيد أكاديمية البحث العلمي على توزيع برنامج كشف السرقات Inthenticate  على الجامعات المصرية، إلا أن «حمودة» يؤكد أنه ليس كل الجامعات ملتزمة بالتعامل مع هذا البرنامج، وأن اكتشاف أغلب السرقات يتم بطرق بدائية، وأنه رغم وصول بعض الحالات إلى القضاء إلا أنها يتم التعامل معها ببطء يؤثر على البحث العلمي في مصر.


انتقلنا إلى أكاديمية البحث العلمي لمعرفة الإجراءات المتخذة من قِبل الأكاديمية لمواجهة السرقات العلمية، وكانت الطامة الكبرى عندما علمنا أن أكاديمية البحث العلمي لا تحمي العلم داخل الجامعات المصرية من السرقات العلمية، "لا علاقة لنا بما يحدث من سرقات علمية داخل الجامعات المصرية، فقط ما يعنينا النشر العلمي الدولي"، كانت تلك إجابة المشرف على الإعلام والمتحدث الرسمي لأكاديمية البحث العلمي، شيرين صبري، على تساؤلنا ما الإجراءات المتخذة من قِبل الأكاديمية في هذا الشأن.


الحقيقة أننا انتقلنا إلى أكاديمية البحث العلمي بعدما أكد لنا، رئيس الأكاديمية محمود صقر، أنه كلف المختصين بتحضير التقارير الخاصة بمعدلات السرقات العلمية داخل الجامعات المصرية، إلا أننا صُدمنا من الرد.


جامعات مصر تتذيل التصنيف العالمي

"ارتقينا بالنشر العلمي الدولي، وأرسلنا تقريرًا لوزارة التعليم العالي يؤكد أن هناك تطورا حصل في هذا المجال، ما يعني أن نسبة الاحتيالات والسرقات العلمية الدولية انخفضت"، بحسب شيرين صبري.


ظاهرة مشينة للبحث العلمي وللحياة الأكاديمية كلها لتأثيرها سلبًا على محتوى الجهود العلمية وعلى مستوى الجامعات المصرية في التصنيفات العالمية.


تأثرت المكانة العلمية للجامعات المصرية، حتى أنها تراجعت في التصنيف الذي تصدره مؤسسة "كواكواريلي سيموندس" البريطانية، والمعروف باسم تصنيف QS  والذي يعتمد في تقييمه على التميز في البحث العلمي، معتمدًا على عدة وسائل وهي استطلاع آراء ما يزيد عن 40 ألف خبير في الجامعات والهيئات البحثية العالمية ومسؤولي التوظيف، فضلًا عن أصحاب الشركات والأعمال.


ووفقًا لتصنيف عام 2019 لم تحل أي جامعة مصرية في قائمة أفضل 500 جامعة على مستوى العالم، باستثناء الجامعة الأمريكية بالقاهرة، والتي احتلت المركز 420 في القائمة، والتي تراجعت 25 مركزًا بعدما كانت تحتل المركز 395 في التصنيف لعام 2018، إلا أن الجامعة الأمريكية عادت إلى ترتيبها 395 في تصنيف QS لعام 2020.


وتراجعت الجامعات المصرية على رأسها جامعة القاهرة وعين شمس والإسكندرية وأسيوط، واحتلت جامعة القاهرة المركز 521 في تصنيف QS لعامي 2019 و2020 أي تراجعت 40 مركزًا بعدما كانت في المركز 481 في عام 2018.


بينما تراجعت جامعة عين شمس 100 مركز في التصنيف لعام 2020 بحصولها على الترتيب 801، بعدما كانت تحتل المركز 701 في تصنيف QS على مدار عامين متتاليين 2018 و2019.


قصور القانون

قانون حماية الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002 لم يحدد بشكل مباشر عقوبة لجريمة سرقة الأبحاث العلمية، واكتفى القانون في المادة رقم 32 بمعاقبة كل من قلد بغرض التداول التجاري موضوع اختراع أو نموذج منفعة منحت براءة اختراع عنه، بغرامة لا تقل عن عشرون ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه.


المادة 181 من نفس القانون نصت على "عقوبة بالحبس مدة لا تقل عن شهر وغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين لكل من قام ببيع أو تأجير مصنف أو تسجيل صوتي أو برنامج إذاعي محمي طبقًا لأحكام القانون أو طرحة للتداول بدون إذن كتابي مسبق من المؤلف أو صاحب الحق المجاور".


وبناءً على العمل بقانون حماية يحق لصاحب المُؤلف أن يقاضي السارق، وتتولى المحكمة البت في الأمر من خلال تشكيل لجنة فنية لفحص الرسالة، ولكن بطْء التقاضي أدى إلى عزوف الباحثين عن اتخاذ خطوات قانونية حيال السارق.


يرى الخبير القانوني، محمد عطا الله، أن معظم حالات السرقات العلمية يتم اكتشافها بالصدفة البحتة، وأن السبب في انتشار لصوص العلم بجامعاتنا المصرية يعود إلى أن العقوبة التي ينص عليها قانون الملكية الفكرية لا ترقى لمستوى الجرم المُقترف.


"لم نر أبدًا أن هناك من عوقب بالحبس بتهمة السرقة العلمية"، هكذا علق محمد عطا الله على حال تطبيق القانون رغم أن العقوبات التي ينص عليها رخوة.


ولذلك يجب أن تتكاتف "التعليم العالي" و"الأعلى للجامعات" لتعديل الشق المتعلق بالسرقات العلمية بقانون الملكية الفكرية، وأن تقترح لجنة التعليم قانون جديد، تُغلظ فيه العقوبة.