رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

الدكتورة عالية المهدى: مصر كانت «زى الفل» حتى ثورة يناير.. وهذه هى الدلائل بالأرقام (حوار)

عالية المهدي - أرشيفية
عالية المهدي - أرشيفية


قالت الدكتورة عالية المهدى، أستاذ الاقتصاد والعميد الأسبق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بـ«جامعة القاهرة»، إن مصر حتى شهر يناير 2011 «كانت زى الفل»، وأنه ليس صحيحا أن الحكومة تصحح أخطاء «60» سنة من الخراب الاقتصادي، ولكنها تصحح حال الاقتصاد «اللي انفلت عياره» بعد الثورة، مشيرة إلى أن الجنيه المصري تدهور، وأن الحديث عن أنه ثاني أفضل العملات أداءً على مستوى العالم ليس صحيحًا.


وأكدت «المهدي» في حوارها لـ«النبأ» أن مصر دخلت «الفقاعة العقارية» وأن المستثمرين غير قادرين على بيع عقاراتهم، مضيفة أنّ دخول الدولة في منافسة مع القطاع الخاص على الإسكان المتوسط والفاخر «خطأ»، لافتة إلى أن الحكومة ركزت على المدن الجديدة وتركت القاهرة وعواصم المحافظات بلا تطوير.. وإلى تفاصيل الحوار.      

في الوقت الذي تتحدث فيه الحكومة وبعض المؤسسات الدولية عن النجاح المبهر لبرنامج الإصلاح، وأن الاقتصاد المصري هو الأسرع نموا في منطقة الشرق الأوسط، وأنه من أفضل الاقتصاديات الناشئة، نجد هناك زيادة في معدل الفقر.. بم تفسرين ذلك؟

لابد من التفرقة بين الإصلاح المالي والنقدي وبين الإصلاح الاقتصادي الحقيقي، الإصلاح المالي والنقدي يعني تخفيض عجز الموازنة ومعدل التضخم وتحرير سعر الصرف وتحرير سعر الفائدة وغيرها من الإجراءات المالية والنقدية، وهذا ما قامت به مصر الفترة الماضية، لكن الإصلاح الاقتصادي أعم وأشمل، أهم شق في الإصلاح الاقتصادي هو الإصلاح الهيكلي، ويقوم على الاهتمام بالقطاعات الإنتاجية مثل الصناعة والزراعة والتعليم والصحة، وغيرها، والتي تؤدي إلى تغيير هيكل الاقتصاد، مصر لم تقم بالإصلاح الهيكلي للاقتصاد حتى الآن، مصر انتهت من الإصلاح المالي والنقدي، وهو ما تتم الإشادة به الآن، أما الإصلاح الهيكلي فهو أكثر تعقيدا، وكان يجب على الحكومة أن تنفذ الاثنين بالتوازي وفي نفس الوقت، مثل برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تم عام 1991، وكان يطلق عليه «برنامج التثبيت الاقتصادي والإصلاح الهيكلي»، ما حدث في مصر السنوات الثلاثة أو الأربعة الماضية هو تثبيت اقتصادي أو إصلاح مالي ونقدي، وكان يجب أن يكون مصحوبا معه إصلاح هيكلي، وهذا ما لم يتم، وأعتقد أن الدولة ستبدأ فيه.


لماذا لابد أن يصاحب الإصلاح المالي والنقدي إصلاح هيكلي كما تذكرين؟

لأن الإصلاح المالي عادة يكون برنامجًا انكماشيًا بعض الشيء، يقلل الطلب، وبالتالي تنفيذ الإصلاح الهيكلي مع الإصلاح المالي والنقدي كان سيؤدي إلى تطوير الاقتصاد وتحويله إلى اقتصاد إنتاجي أكثر.


هناك جدل حول موضوع معدل الفقر في مصر.. البنك الدولي يقول إن معدل الفقر 60% بينما الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يذكر أن معدل الفقر 32.5%.. تفسيركم لذلك؟

الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تحدث عن الذين هم تحت خط الفقر فقط، وقال إنهم 32.5%، أما البنك الدولي فيضيف إلى هذه النسبة أصحاب الدخول المتوسطة المنخفضة القريبة من الفقر أو أشباه الفقراء، طبقا لمعيار الفقر الذي نتبناه في مصر. 

  

ما تعليقك على التقارير التي تزعم أن الاقتصاد المصري يسير نحو الهاوية وأنه على حافة الانهيار أو أنه اقتصاد مأذوم؟

لا أستطيع التعليق على هذه التقارير، لاسيما وأن التقارير الرسمية في مصر تتحدث عن أن معدل النمو جيد، ومعدل التضخم في تراجع ومعدل البطالة في تراجع، يعني كل المؤشرات الاقتصادية في تحسن، لكن الذي لا نختلف عليه هو أن نسبة الفقر زادت.


لماذا زادت نسبة الفقر رغم تحسن مؤشرات الاقتصاد؟

لأن برنامج الإصلاح الاقتصادي الذى تنفذه الحكومة كما قلت «برنامج انكماشي»، وهذا يضر بالفقراء، كما أن ارتفاع معدل النمو يخدم فئة محدودة، ولم يصل إلى كل الناس، وهناك فئات كثيرة مظلومة.


تعليقك على التقارير التي تتحدث عن أن الجنيه المصري ثاني أفضل العملات أداءً على مستوى العالم خلال الأشهر الستة الأولى من 2019

"بأمارة إيه الجنيه المصري ثاني أفضل العملات أداءً على مستوى العالم"، هذا كلام غير صحيح، والدليل أنه خلال الفترة من 2016 إلى 2019، فقد الجنيه المصري أكثر من 50% من قيمته أمام الدولار، ففي 2016 الدولار كان يساوي 7.80 جنيه، اليوم الدولار أصبح يساوي 16.5 جنيه، يعني كل واحد كان عنده 1000 جنيه أصبحت قيمتهم 500 جنيه أو أقل، وفي يناير 2010 كان الدولار يساوي 5.80 جنيه، وبالتالي تقييم أداء الجنيه المصري يبدأ من بداية تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي، وأداء الجنيه المصري مش أفضل ولا حاجة، وبالتالي ليس معنى أن الجنيه المصري زاد 70 قرشا أمام الدولار أن أداءه أفضل، هو يحاول الوصول لسعر توازني يكون أقرب للواقع، الجنيه المصري قيمته تدهورت جدا.


رغم حديث الحكومة الدائم عن تحسن مناخ الاستثمار إلا أن معدل الاستثمار في مصر حتى الآن ليس على المستوى المأمول.. بماذا تفسرين ذلك؟

الاستثمار الأجنبي زاد، لكنها زيادة ليست كبيرة أو ملموسة، لأن معظم الاستثمارات الأجنبية تذهب لقطاع الغاز والبترول، وهذه مجالات مواردها ناضبة، بمعنى أنه كلما زاد الاستثمار فيها يعني أخذ حقوق الأجيال المقبلة والاستفادة منها الآن، وهذا شيء لا يدعو للفخر، لأن هذه الاستثمارات غير مستدامة، وبالتالي لو الاستثمار الأجنبي اللي بيدخل مصر يذهب لقطاع الصناعة والزراعة والخدمات الإنتاجية المتطورة التي يمكن تصديرها، كان الوضع سيكون أفضل وكانت الأمور سوف تتغير للأفضل، وبالتالي المشكلة تتمثل في أن جزءًا كبيرًا من الاستثمار الأجنبي المباشر يذهب لـ«قطاع الغاز والبترول».


وكالة موديز العالمية تحدثت في تقرير حديث لها عن أن قدرة مصر على تحمل الديون تظل ضعيفة للغاية وأن مصر في حاجة إلى تمويلات كبيرة على مدى السنوات القليلة المقبلة وأن الوضع الائتماني لمصر حاليا يعكس حاجة البلد إلى التمويل خاصة للحكومة مصرية.. ماذا يعني ذلك؟

يعني أن نسبة القروض أو الدين العام الداخلي والخارجي من الناتج المحلي الإجمالي عالية، حيث إن الدين العام بلغ أكثر من 100% من الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي مصر وصلت لمرحلة الخطر في مسألة الاقتراض، ويجب على الحكومة العمل على تقليل الدين العام، ليس عن طريق تسديد الديون بديون جديدة، ولكن عن طريق زيادة الناتج المحلي وزيادة الحركة الاقتصادية بحيث يتم توليد ضرائب جديدة، ومصر لديها القدرة على سداد الديون لو تم التحرك في الاتجاه الصحيح، فلو ركزت الدولة الفترة القادمة على القطاعات السلعية والإنتاجية والتصديرية، وعلى قطاعات التعليم والصحة من أجل تقوية صحة الناس وتحسين مهاراتهم حتى يكونوا أكثر صحة وأكثر إنتاجية، فسوف يتم سداد الديون والسير في السكة الصحيحة.   


لكن الدولة تركز الآن على قطاع العقارات أكثر

تركيز خطأ، لاسيما العقارات الغالية والكمالية لأن ذلك ليس دور الدولة، دور الدولة هو عمل إسكان للفقراء ومحدودي الدخل، أما الإسكان المتوسط والفاخر فيقوم به القطاع الخاص، لا يجب على الدولة أن تنافس القطاع الخاص في هذا الموضوع، لاسيما وأن موارد الدولة محدودة وليست كبيرة بالقدر الذي يجعلها قادرة على منافسة القطاع الخاص في الاستثمار العقاري وخاصة الإسكان المتوسط والفاخر.


هل مصر معرضة للفقاعة العقارية كما يقول البعض؟

مصر دخلت الفقاعة العقارية بالفعل، والدليل أن أصحاب العقارات الآن لا يستطيعون بيع عقاراتهم، وأصحاب شركات التطوير العقاري لا يستطيعون الآن بيع عقاراتهم في الساحل الشمالي والبحر الأحمر والقاهرة، البلد وصل لمرحلة التشبع وأكثر من التشبع، أغلب الذين يقومون بشراء العقارات الآن مصادر دخلهم غير معروفة، هناك شقق تباع بـ 20 و30 و40 مليون جنيه وأكثر من ذلك  في الساحل الشمالي، نفس الأشخاص الذين يشترون في العاصمة الإدارية يشترون في العلمين وفي القرى الغالية، لابد من محاسبة هؤلاء ومعرفة مصدر دخلهم، ومن أين يأتي هؤلاء بكل هذه الأموال لاستثمارها في قطاع العقارات؟، لكن هؤلاء الأشخاص يشعرون الآن أنهم أخذوا «مقلبًا كبيرًا»؛ لأنهم يريدون بيع عقاراتهم ولكنهم لا يعرفون، وبالتالي مصر الآن داخل الفقاعة العقارية، واسأل أي شركة سمسرة أو شركة تطوير عقاري عن أخبار البيع إيه، لسه حد كان بيكلمني من اللي بيشتغلوا في هذا المجال، بيصوتوا.


البنك الدولي قال إن مصر من أفضل الدول المطبقة لإستراتيجية التنمية المستدامة.. ما تعليقك على ذلك؟

شيء كويس، يا ريت، نتمنى أن نكون كده، أنا لا أستطيع تقييم ما قاله البنك الدولي في ظل وجود أكثر من 150 مؤشرا للتنمية المستدامة.


البنك المركزي خفّض سعر الفائدة.. ما تأثير ذلك على الاقتصاد؟

تأثير إيجابي يصب في مصلحة الحكومة في المقام الأول؛ لأن سعر الفائدة مكون من مكونات التكاليف الإنتاجية، فتخفيض سعر الفائدة يعني تخفيض التكاليف الإنتاجية، كما أن تخفيض سعر الفائدة مهم بالنسبة للحكومة، لأنه سوف يقلل سعر الفائدة على القروض التى تحصل عليها من البنوك، وكلما قل سعر الفائدة تقل الالتزامات المالية للحكومة وتقل فوائد الديون عليها، وبالتالي تخفيض سعر الفائدة أمر مطلوب لاسيما للحكومة.


الحكومة تتحدث دائما عن زيادة الاحتياطي النقدي.. كيف ترين ذلك؟

خير وبركة، بس جزء كبير من الاحتياطي النقدي قروض خارجية، وهذا يعني أن ذلك يمثل التزامًا على الدولة لابد من سداده.


لكن الحكومة تصحح أخطاء 60 سنة من الانهيار الاقتصادي

«بلاش» موضوع الـ«60» سنة ده ربنا يخليك، الحكومة مبتصلحش أخطاء 60 سنة ولا حاجة، البلد حتى ثورة يناير 2011 كان اقتصاده زى الفل، معدل البطالة كان 9% وهو معدل مقبول، ومعدل التضخم كان 8.5% وكان مقبولا، والاحتياطي النقدي كان 45 مليار دولار، زى اللي هم فرحانين بيه دلوقتي، الديون الأجنبية كانت 33 مليار دولار، معدل النمو كان أكثر من 5%، مع الفارق أن الديون كانت أقل والاحتياطي كان كبيرًا بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي، الحكومة لا تصلح أخطاء 60 سنة، الحكومة تصلح الاقتصاد المصري «اللي انفلت عياره» تماما بعد الثورة، وهناك أشياء كثيرة كانت لازم تتصلح ومتصلحتش، لم يحدث أي تطوير للطرق والشوارع الموجودة داخل المدن، مدينة القاهرة ومدينة الجيزة وكل عواصم المحافظات تدهورت، إحنا مركزين في حاجات جديدة وبس، كويس أن يكون عندنا عاصمة إدارية، وليس لدي اعتراض عليها، لأن كل رئيس جمهورية بيجي يبقى عايز يعمل حاجة تنسب له، لكن في الوقت اللي إحنا بنعمل فيه العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة لازم نهتم بالقاهرة العاصمة ونهتم بالإسكندرية العاصمة الثانية ونهتم بكل عواصم المحافظات، مستوى النظافة في البلد «زى الزفت»، لو كنا مش عارفين نشيل الزبالة نجيب ناس من بلاد بره يشيلوها ويعملوا لها  إعادة تدوير، الزبالة ثروة، إحنا عاملين زى اللي عنده كوم زبالة لا عايز يعطيه لحد ولا عايز يستخدمه، مينفعش، البلد المتحضر يبقى نظيف ومنظم وفيه جناين وفيه منظر حلو يسر البشر.


ما تعليقك على كلام الرئيس عبد الفتاح السيسي الخاص بأن مصر تحتاج تريليون دولار سنويا مصروفات فقط؟

كلام «كويس» هناك حاجة عندنا في الاقتصاد تقول: الطلب لا نهائي، يعني ممكن تكون احتياجات الناس لا نهائية، وبالتالي الدول تتحرك بناء على الموارد والإمكانيات التي تتوافر لديها، وتحسن استخدام هذه الموارد وتعظمها وتصرفها في المكان الصحيح، وتضع الاستثمارات في القطاعات اللي تحقق أعلى عائد اقتصادي، مثل الإنتاج السلعي من أجل زيادة الصادرات وتخفيض الواردات، على سبيل المثال دول مثل سويسرا واليابان وبلجيكا مساحتها صغيرة وليس لديها أي إمكانيات طبيعية تذكر، لكنها من أغنى الدول في العالم، ونجحت في أن يكون لديها أعلى مستوى دخل في العالم، هذه الدول استغلت مهارات شعبها لأقصى درجة، واستغلت مواقعها لأقصى درجة، واستغلت الطاقات البشرية اللي عندها أفضل استغلال، وبالتالي لو الدولة استغلت الموارد والإمكانيات المتوافرة لديها الاستغلال الأمثل مش هتحتاج تستلف من بره وهتبقى دولة عظيمة جدا، مصر لو استغلت ما هو موجود لديها من إمكانيات هنبقى دولة عظيمة جدا.


هناك الكثير من المشروعات التي تنفذها الحكومة خارج الموازنة العامة.. كيف ترين ذلك؟

أي مشروع تنفذه الدولة يجب أن يكون من داخل الموازنة العامة للدولة، ولا يصح أن يكون هناك دولة لها مشروعات خارج الموازنة، فلا أحد يعلم كيف يتم تحميل تكلفة هذه المشروعات، ولا أين تذهب عوائدها أو إيراداتها، ولم أسمع في حياتي عن دول أخرى تنفذ مشروعات من خارج الموازنة، إلا إذا كانت الهيئات الاقتصادية هي التي تقوم بهذه المشروعات، فتكون هذه المشروعات داخل موازنة الهيئة نفسها مثل هيئة قناة السويس، ولو حققت هذه المشروعات فائضا تدفع عنه ضرائب تدخل موازنة الحكومة.


كلمة أخيرة

لكي نرى مصر عظيمة لابد من اتخاذ عدد من الإجراءات، أهمها خلق موارد جديدة للدولة، وتحسين أداء أجهزة الدولة سواء على كل المستويات الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية، وزيادة نصيب الفرد من الناتج المحلي، وتقليل معدل البطالة لـ7%، وزيادة الصادرات، وتحقيق معدل نمو لا يقل عن 7%، وتوفير فرص عمل لآلاف الوافدين الجدد لسوق العمل سنويا، وتخفيض معدل التضخم لكي يصل إلى أقل من 10%، وتطوير الهيكل الاقتصادي بشكل كلي، وجعل كل من الصناعة والزراعة هما الركيزة الأساسية في التنمية.