رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

بالأرقام.. البيزنس السري لتدوير مخلفات البلاستيك وعلب «الكانز» وزيوت السيارات

تدوير القمامة
تدوير القمامة


تُعد «تلال» القمامة مشهدًا ثابتًا فى غالبية شوارع الدولة، ويتحرك المواطنون يوميًا للتخلص منها وكأنها «حمل ثقيل»، ما يكشف أن الكثيرين يجهلون الطرق الصحيحة للاستفادة من هذه «القمامة» التي يمكن من خلالها تحقيق مكاسب مالية مرتفعة.


ولا شك أن ملف تدوير المخلفات بكافة صورها وأشكالها سيدر دخلًا كبيرًا لميزانية الدولة، ورغم أن التصريحات الكثيرة من مختلف المسئولين واللجان المشكلة داخل الوزارات المعنية تسير فى هذا الاتجاه، إلاّ أنّ نتيجة هذه التصريحات «صفر».


فى الوقت نفسه، استطاعت دول كثيرة أن تحدث طفرة غير عادية داخل اقتصاداتها بفضل ملف تدوير القمامة، إلا أن مصر تعد البلد الوحيد الذي عقد مئات المؤتمرات وورش العمل حول هذا الملف الهام ولكن النتيجة التي تم تحقيقها حتى الآن لا تتناسب مع تم عقده من مؤتمرات وورش عمل، ولقاءات وجولات وخلافه.


منذ حوالى 5 شهور، شكلت الحكومة لجنة ثلاثية ضمت عدة وزارات منها وزارتا البيئة والتنمية المحلية، لتقييم مصانع تدوير المخلفات المصرية مقارنة بمثيلاتها فى ألمانيا، وتحسين البنية التحتية من خلال توفير مدافن المخلفات الصلبة، وإنشاء المحطات الوسيطة فى مختلف محافظات الجمهورية، وكذلك بناء قاعدة أساسية ترتكز عليها منظومة متكاملة للقضاء على مشكلة المخلفات.


فى كلمة للرئيس عبد الفتاح السيسي من قبل تحدث عن تشجيع قطاع الصناعة وتوليد الطاقة من خلال إعادة تدوير المخلفات، قائلًا: «سنعمل على إعادة تدوير المخلفات واستخدامها لتوليد الطاقة الحيوية»، ولكن يبدو أن حديث الرئيس لم يجد اهتماما كبيرا من قبل المسئولين ولم نرَ هذه المشروعات على أرض الواقع.


الدكتور خالد فهمى وزير البيئة السابق، أثناء توليه الوزارة أعلن خلال حفل إطلاق البرنامج الوطني لإدارة المخلفات الصلبة في يناير الماضي 2017، أن مصر تنتج سنويًّا 70 مليون طن قمامة بكل صورها، منها 22 مليون طن مخلفات زراعية وصرف صحى، وأن مصر تنفق سنويًّا 2 مليار و300 مليون جنيه للتخلص منها، ونحتاج لزيادة المبلغ إلى 3 مليارات و300 مليون جنيه، مضيفًا أن التخلص من المخلفات لا يتخطى 50%؛ لأن الجزء الأكبر ينفَق على رواتب العاملين، مؤكدًا أن الحكومة وضعت خطة عاجلة بتمويل 3 مليارات ونصف المليار لدعم جمع ونقل وإدارة المحطات الوسيطة ومقالب القمامة.


وكشف بحث للمجلس الثقافي البريطاني ومؤسسة ثينك تانك للحلول التنموية، أن مصر تنتج 17 مليون طن من المخلفات الصلبة سنويًّا، حيث يقدر الإنتاج اليومي بحوالي 43 ألفًا و835 طنًّا، ورفعها من القاهرة يحتاج إلى نصف مليار جنيه سنويًّا.


وطبقا لآخر دراسة أجرتها ألمانيا أكدت أن الورق المعاد تصنيعه يوفر نحو 83% من الماء، و72% من الطاقة، و100% من الخشب، و53% من ثانى أوكسيد الكربون، كما أن إعادة تدوير الزجاج الأبيض والأخضر يوفر 50% من الطاقة.


التقديرات تشير إلى أن نصيب كل أسرة مكونة من 5 أفراد طن من القمامة فى العام، وتخرج القاهرة وحدها 17 ألف طن مخلفات فى اليوم الواحد وتعتبر نسبة المخلفات العضوية 60% من إجمالى المخلفات التي تخرج بشكل عام وتكون من بواقى الأطعمة، وتم عرض مقترح تمويل المنظومة من قبل الحكومة على مجلس الوزراء أو شراء الخدمة من الشركات مقابل 7 مليارات جنيه عند تقديم الخدمة فى جميع أنحاء مصر سنويًا.


ويوجد 239 مصنعا لإعادة تدوير القمامة على مستوى الجمهورية، وتعد محافظة الدقهلية هي أكثر محافظة بها مصانع إعادة تدوير قمامة حيث بداخلها ٨ مصانع.


وكشفت دراسة صادرة عن المجلس التصديري للكيمياء، إلى أن ثروات مصر من البلاستيك والدشت والورق وكسر الزجاج يتم تصديرها للصين بأبخس الأسعار، ثم تقوم الصين بإعادة تدويرها وتصنيعها وتصديرها لنا بأغلى الأسعار، وقد طالب المجلس برفع رسم الصادر على هالك هذه الخامات، وأن جامعي القمامة يتحكمون فى سعر بيع هذه الخامات للمصانع ويرفضون بيعها بأقل من سعر تصديرها للخارج.


فيما قدرت قيمة المخلفات الصلبة فى القمامة سنويًّا بحوالي 6 مليارات جنيه، منها 3 مليارات جنيه فقط لمخلفات البلاستيك التي يتم تصديرها للصين، ليعاد تصنيعها مرة أخرى وتُصنع منها ألعاب الأطفال كالفوانيس وغيرها، وأيضًا بعض الملابس الرياضية والبوليستر وبوديهات الأجهزة الكهربائية.


وأكدت تقارير بيئية أن أكثر الدول التي تستورد مخلفات مصرية هى الهند، يليها الصين والتى تستورد من مصر بما يقدر بـ12 مليون طن سنويًّا أغلبها من المخلفات البلاستيكية، وأن الصين تطمح فى إقامة مصانع صينية على الأراض المصرية بدلًا من الاستيراد ثم إعادة التصدير لمصر المنتجات المُعاد تدويرها.


وكشفت إحصائية لشعبة البلاستيك بالغرفة الكيماوية باتحاد الصناعات المصرية، بالتعاون مع مركز تكنولوجيا البلاستيك وجمعية إسكولوما بلاست الإيطالية، أن مصر تفقد مليون طن من المخلفات البلاستيكية سنويًّا وهى تُقدَّر بحوالي ‏5‏ مليارات جنيه سنويًّا مهدرة‏، وجاء بالدراسة أنه يتم تدوير فقط 20% من هذه الكمية، والباقي يكون مصيره النفايات أو الحرق، بالإضافة إلى تصدير نسبة إلى عدة دول بأسعار رخيصة جدًّا، وتتصدر الصين قائمة تلك الدول.


فى هذا السياق يقول إبراهيم عزوز، صاحب شركة «vip» لإعادة وتدوير المخلفات، إن المواطن المصري من الممكن أن يستفيد من كل القمامة الموجودة داخل منزله عن طريق بيعها لأصحاب الشركات، مضيفا أنه يجب على كل محافظة أن تقوم بتوعية المواطن وتقوم بتوزيع أكياس معينة لفصل الأشياء الصلبة عن بقايا الطعام.


وأضاف "عزوز" فى تصريح خاص، أن هذه المخلفات تعد مكاسب مالية ضخمة لأصحابها إذا كان هناك توعية بذلك، كاشفا عن أن سعر بيع طن "الكانز" يصل إلى 19 ألف جنيه، فيما يبلغ سعر طن زجاجة المياه المعدنية الفارغة 6 آلاف جنيه، مشيرا إلى أن سعر طن «الكوبوست» يصل إلى 200 جنيه.


وأشار صاحب شركة «vip» لإعادة وتدوير المخلفات، إلى أن بقايا الطعام «كنز مدفون» لا يتم الاستفادة منه، موضحا أن تنفيذ مثل هذه المشروعات لا بد أن يحصل على دعم من قبل الدولة عن طريق تسهيل إجراءات تنفيذ المشروع، وكذلك عمل حملات في وسائل الإعلام لتوعية الشعب بأهمية تدوير المخلفات.


وتابع: «بشتغل فى المخلفات الخطرة، المحافظة لا توفر لي مدفنا صحيا، وترفض ذلك، فمثلا إحنا عندنا فى السويس نحتاج إلى أكثر من مدفن لوجود شركات وقرى سياحية بها، وجميع مخلفات هذه الشركات والقرى السياحية تلقى فى الصحراء».


واستكمل: «كل هذه المخلفات بقوم بإعادة تدويرها مرة آخرى، فمثلا البطاريات ترجع مرة ثانية إلى مصنع البطاريات وكذلك الكانزات ترجع إلى المصنع ويعود صبها مرة أخرى»، مضيفا: «النهاردة ما فيش حاجة بترمى واللى يرمى أى حاجة يبقى مش بيفهم.. كده بيرمي فلوس على الأرض».


واستطرد: «الزيت المستعمل الذي يخرج من السيارات يتم إعادة تدويره بنجمعه مرة تانية ونوديه لشركة برتوميد وتقوم بإعادة تدويره مرة أخرى».


وأوضح «عزوز»، أنّ تكلفة إنشاء المشروع تختلف من محافظة لأخرى، لافتا إلى أن سعر طن «القمامة» يصل إلى مصنع الأسمنت بـ375 جنيهًا، وكذلك كوتشي عجل السيارات الذى يتم سحب الحديد منه ويتم بيع الطن منه لمصانع الأسمنت بسعر 900 جنيه، ويتم استخدامها كطاقة بديلة لهذه المصانع.


وأشار «عزوز»، إلى أن الروتين الحكومي يُعيق تطبيق مثل هذه المشروعات، مشيرا إلى أنه إذا تم توفير أماكن لإقامة هذا المشروع «مش هنلاقى ورقة مرمية فى الشارع».


بدوره قال وليد عماد، صاحب إحدى شركات تدوير القمامة، إنه أغلق شركته لخسارتها؛ مؤكدا أن مشروع تدوير القمامة لم يجدِ معه نفعا؛ لعدم وعى المواطن بأهميته فى أنه يدخل أموالا إليه.


وأضاف "عماد" أن من ضمن أسباب معوقات إقامة مشاريع تدوير القمامة، عدم توعية المواطنين بأهمية ذلك، وارتفاع تكاليف المشروع، وكذلك سعى جامعى القمامة إلى إفشال مثل هذه المشروعات؛ لأنهم يرونها تضر بدخلهم.


ويقول صاحب شركة العماد لتوريد خامات البلاستيك، إن هناك إقبالًا من قبل المواطنين على بيع المخلفات إلى أصحاب الشركات، لافتا إلى أن الأهالى يبيعون هذه المخلفات إلى التجار ويقومون ببيعها لنا بعد ذلك، وكذلك بعض الجمعيات الخيرية.


وأضاف أن هناك بعض ربات البيوت يتواصلن معه بعد جمع هذه المخلفات من أجل بيعها للشركة، مشيرا إلى أن سعر شراء طن "الكانز" 15 ألف جنيه، بينما يبلغ سعر طن " زجاجة المياه المعدنية" 3000 جنيه وكل سعر على حسب النوع.


وأشار صاحب شركة العماد لتوريد خامات البلاستيك، إلى أن هذه المخلفات تقوم الشركة بتجميعها وإرسالها إلى المصانع مرة أخرى لإعادة تدويرها.