44 مليار جنيه تضع «تعليم وصحة» المصريين «على كف عفريت»

كشفت وزارة المالية، عن البيان المالي التمهيدي، لمشروع موازنة العام المالي المقبل 2019-2020، والتي تحمل شعار «المواطن أولًا».
هذه الموازنة احتوت على الكثير من الأرقام والنسب، وما زالت تحظى بالكثير من النقاش والجدل داخل أروقة الحكومة ومجلس النواب وفي الأوساط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
المواطن العادي لا يهمه كل هذا الضجيج والجدل الدائر حول الموازنة، ولا يهمه الأرقام والنسب، إنما الذي يهمه هو أن تنعكس هذه الأرقام والنسب على الواقع الصعب الذي يعيشه منذ أن بدأ تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي في 2014، وإلى أي مدى سوف تضع هذا الموازنة حدا لمعاناة المواطن التي تزداد كل يوم، وإلى أي مدى يمكن تحويل هذه الأرقام والنسب إلى واقع ينعكس على حياة المواطن ويخرجه من عنق الزجاجة التي كادت تخنقه.
تنمية الإنسان وزيادة معدل النمو وخفض البطالة
قال الدكتور محمد معيط، وزير المالية، إن مشروع موازنة العام المالي المقبل توضح توجهات السياسة المالية للدولة للتركيز على تحقيق التنمية البشرية وتنمية الإنسان، ورفع كفاءته الإنتاجية، من خلال الإنفاق على تمويل برامج إصلاح منظومة التعليم وتحسين الخدمات الصحية وتأهيل الشباب لسوق العمل وتطوير منظومة الأجور والمعاشات والحماية الاجتماعية.
وقالت وزارة المالية، في البيان، إن أهم الإجراءات الإصلاحية في موازنة 2019 -2020، زيادة مخصصات دعم الصادرات، وزيادة مخصصات تدريب وتأهيل الشباب، وتفعيل برنامج الطروحات الحكومية في البورصة، وتخصيص زيادة سنوية في المخصصات المتاحة لصالح التعليم والصحة للتوافق مع الاستحقاقات الدستورية، وتخصيص 3.9 مليار جنيه لتمويل دعم الإسكان الاجتماعي.
«قنبلة» طارق شوقى
أطلق الدكتور طارق شوقى، وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى، تحذيرات شديدة اللهجة من عدم تخصيص الاعتمادات اللازمة لوزارة التربية والتعليم بمشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2019/2020.
وأعرب شوقى، خلال اجتماع لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب عن انزعاجه من تصرف وزارة المالية من تلقاء نفسها دون الرجوع إليه، قائلا: "لو مخدناش اللي عايزينه المرة دي مشروع تطوير التعليم هيقف، ودا مش تهديد، عايزين 11 مليار جنيه فوق المعتمد من المالية، مش هكمل من غيرهم والوزارة هتقفل، عايزين 110 مليارات جنيه دون زيادة مرتبات المعلمين، وليس لدينا رفاهية الحوار".
وكشف عن تفاصيل المبالغ التي طلبتها الوزارة ولم توافق عليها وزارة المالية: وهم 39 مليار بين المقترح والمعتمد، 16 مليار جنيه لزيادة المرتبات، و4.6 مليار للأبنية التعليمية، و4.9 مليار كتطوير للتابلت والشبكات، و800 مليون للكتب، و12.7 مليار طلبات المديريات وديوان عام الوزارة.
وبلغت مخصصات التعليم في العام المالي المقبل 132 مليار و38 مليون جنيه، بزيادة 16 مليار و371 مليون جنيه، عن العام المالي الجاري، والذي بلغت فيه مخصصات قطاع التعليم 115 مليار و667 مليون جنيه.
وبحسب مقترح الموازنة العامة للدولة، احتل بند الأجور وتعويضات العاملين، النصيب الأكبر من الموازنة المخصصة لقطاع التعليم، بإجمالي 97 مليار و485 مليون جنيه، تلاه بند شراء الأصول غير المالية "الاستثمارات"، بإجمالي 21 مليار و703 ملايين جنيه.
وخصصت الموازنة 10 مليارات و629 مليون جنيه لصالح بند شراء السلع والخدمات، بالإضافة إلى 248 مليون جنيه لبند الفوائد، و399 مليون جنيه لبند الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية، كما خصصت الموازنة مليار و574 مليون جنيه تحت بند "مصروفات أخرى".
هالة زايد تدخل على خط الأزمة
يأتي الجدل حول الموازنة الجديدة في ظل وجود تحديات مالية كبيرة تواجه المنظومة الصحية، وتهدد مشروع التأمين الصحي الشامل، التي تتحدث الحكومة عن البدء في تنفيذه، فقد فجرت الدكتورة هالة زايد، وزير الصحة، أزمة كبيرة بشأن تطبيق قانون التأمين الصحي الاجتماعي الشامل خلال تصريحاتها فى البرلمان، والتى أكدت فيها أنها غير مقتنعة بقانون التأمين الصحي الشامل وذلك بعدما قارب حلم تطبيق القانون على التحقيق على أرض الواقع.
وقالت زايد خلال اجتماع لجنة الخطة والموازنة بالمجلس برئاسة الدكتور حسين عيسى، إنه عليه "المجلس" إما تعديل قانون التأمين الصحي الشامل، أو تعديل الموازنة العامة لوزارة الصحة بما يتيح لها تنفيذ القانون من خلال رصد المبالغ المالية لتنفيذه.
وقالت زايد: "أنا غير مقتنعة بقانون التأمين الصحي ولكني ملتزمة بتنفيذه"، مؤكدة أنه لا بد من توفير 33 مليار جنيه وإلا لن نستطيع تنفيذ قانون التأمين الصحي.
وطالبت «زايد» بضرورة زيادة ميزانية التأمين الصحى، قائلة "طالبنا أن تكون الموازنة 96 مليار جنيه تقريبا، لكن المالية اعتمدت لنا 63 مليار جنيه، ونحتاج إلى ما يقرب من 33 مليار جنيه كمان، والصحة مفيهاش رفاهية"، مضيفة أن المتبقي من الموازنة مخصص لبنود صرف محددة، 17.5 مليار جنيه من لتطوير وتهيئة وتدريب منظومة التأمين الصحي بأربع محافظات، بورسعيد، الأقصر، السويس الإسماعيلية.
وأوضحت وزيرة الصحة، أن جزءا آخر سيكون لتطوير وتهيئة 25 مستشفى و125 وحدة بالمحافظات الأربع، وتدريب وميكنة المنظومة بتلك المحافظات"، مشيرة إلى أن المشروع القومي لإعادة وتأهيل المستشفيات النموذجية يحتاج إلى 4.8 مليار جنيه، وهي مبادرة رئاسية وتشمل 30 مستشفى، تم بالفعل العمل في 8 منها، كذلك تحتاج المبادرة الرئاسية والخاصة بصحة السيدات والكشف المبكر على سرطان الثدي إلى مليار ونصف المليار جنيه، كما تحتاج مبادرة فصل وتجميع البلازما ومشتقاتها إلى ما يقرب من 825 مليون جنيه.
كما تحتاج مبادرة دعم الاستثمار في الصحة وتدريب الكوادر البشرية بمختلف التخصصات والتمريض في الداخل والخارج إلى مليار و284 مليون جنيه، وتحتاج المبادرة الخاصة بشراء المستلزمات الطبية إلى 4 مليارات جنيه، والمبادرة الخاصة لشراء الأجهزة الطبية إلى ملياري جنيه ويحتاج الدعم الخاص للعلاج على نفقة الدولة مليار جنيه.
وأشارت وزيرة الصحة إلى أن إجمالي تلك المبالغ تصل إلى 33 مليار جنيه، وهي أمور لا يمكن الاستغناء عنها، كونها مبادرات رئاسية وتنفيذا لقانون التأمين الصحي الشامل، مؤكدة أنه إذا لم يتم توفير مبالغ التأمين الصحي لن نتمكن من تنفيذ القانون.
وأكدت زايد أن موازنة التأمين الصحي في موازنة الوزارة الجديدة للعام المالي 2019- 2020 لا تكفي لتنفيذ المخطط المطلوب في القانون الجديد للتأمين الصحي، بتنفيذ المنظومة الجديدة في أربع محافظات.
وأوضحت أن الوزارة طلبت 96 مليار جنيه لموازنة الصحة في العام المالي الجديد "2019 - 2020" ولكن ما تم تخصيصه 63 مليار جنيه فقط بفارق 33 مليارا، مبينة أنها مبالغ لا غنى عنها لتأهل المستشفيات، خاصة أن هناك موازنة مخصصة للمبادرات مثل "100 مليون صحة" وغيرها.
دعم الأسر الأقل دخلًا وإصلاح هيكل أجور العاملين بالدولة
قال حسين عيسي، رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، إن مشروع موازنة العام المالي الجديد ستشهد دعما ومساندة للفئات الأقل دخلا، الذين تضرروا من آثار تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي مضى على تطبيقه نحو 3 سنوات، وينتهي البرنامج في شهر يونيو المقبل من خلال حزمة اجتماعية جديدة.
وأضاف عيسى: "أن الحزمة الجديدة ستشهد إصلاح هيكل أجور العاملين بالدولة وزيادة المخصصات لبرنامجي "تكافل وكرامة" و"كفاية 2" إلى جانب زيادة قيمة المعاشات نتيجة إدراج العلاوات غير المدرجة عبر 5 سنوات مضت التي أقرها القضاء إلى مشروع الموازنة والتي قد تصل تكلفتها إلى نحو 25 مليار جنيه".
من ناحيته قال الدكتور فخري الفقي، المساعد الأسبق للمدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي، "إن الحكومة المصرية تعمل على خفض الدين العام عبر آليات متعددة، بينها إصدار السندات مثل Euro bonds - Green bonds والسندات ذات الشرائح المختلفة والأطول عمرًا ونتجه إلى الاعتماد على الشرائح طويلة الأجل لتطويل عمر الدين وخفض فاتورة خدمته، مع زيادة قاعدة المستثمرين الأجانب بمصر بالعديد من الدول مثل اليابان وسنغافورة وكوريا الجنوبية وغيرها لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة لمصر نتيجة لتحسن الأوضاع المالية، وتزايد ثقة المستثمرين الأجانب والمؤسسات الدولية في الاقتصاد المصري مشيرا إلى ارتفاع رصيد استثمارات الأجانب في أذون وسندات الخزانة إلى 15.8 مليار دولار في نهاية فبراير 2019".
وقال الفقي، إن مستهدفات وزارة المالية تتسق مع تحسن في مؤشرات القطاعات الاقتصادية، على رأسها قطاع السياحة والزيادة القوية في تحويلات العاملين المصريين بالخارج، والنمو في أداء القطاع الخارجي بنسبة 14.4% في الصادرات السلعية المصرية خلال العام المالي الحالي مع انخفاض الواردات المصرية بنسبة 6.4% ليتقلص عجز الميزان التجاري إلى 12.4%، وأيضا عجز الميزان الحالي ليسجل 2.5% بجانب ارتفاع الاستثمارات المتدفقة على مصر الى 9.5 مليار دولار العام المالي الحالي".
وأضاف الفقي أن "مستهدفات المالية المرتفعة مستندة أيضا إلى مواصلة نمو الاحتياطي النقدي ليسجل 44.9 مليار دولار منتصف العام الحالي ومتوقع ارتفاعه إلى 45.4 مليار دولار منتصف عام 2020 لتختفي الفجوة التمويلية التي عاني منها الاقتصاد المصري تماما من العام المالي الحالي".
التمكين الاقتصادي للفقراء
تقول الدكتورة يمن الحماقي، أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، إن الموازنة الجديدة تعكس فرصًا أو إيجابيات وتحديات، من أهم الفرص أو الإيجابيات التي تحتوي عليها الموازنة الجديدة، زيادة الاستثمارات العامة، لأن هناك حاجة لزيادة هذه الاستثمارات، لاسيما وأن دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي في مصر أقل مما يجب، وبالتالي الاقتصاد المصري في حاجة إلى تحريك دور القطاع الخاص، وكذلك الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وخاصة أن المستهدف منها لم يتحقق كما يجب الفترة الماضية، فمن حوالى 11 مليار دولار كانت مستهدفة الفترة الماضية، تحقق منها أقل 7 مليار دولار، وتأتي أهمية الاستثمار العام لأنه يشجع على الاستثمار الخاص، الجزء الثاني الايجابي هو زيادة مخصصات الإنفاق على التعليم والصحة، وبداية تطبيق نظام التأمين الصحي الشامل، وكذلك بداية تطبيق خطة تطوير التعليم، وهناك اتجاه عند الحكومة لمساندة ودعم تطوير التعليم والصحة، كذلك زيادة مخصصات تكافل وكرامة.
وأضافت «الحماقي»، أن برنامج تكافل وكرامة لن يمثل وحده الحماية الاجتماعية للفقراء، وهي تعتقد أن الأسلوب الأكثر قدرة على تحقيق الحماية الاجتماعية هو التمكين الاقتصادي للفقراء، وهذا مهم جدا أن يتم وضعه في الاعتبار، لاسيما وأن الحكومة لا تمتلك استراتيجية واضحة في هذا المجال، وفشلت في تحقيق هدف الألفية الخاص بمكافحة الفقر، لأن أداء الحكومة في هذا الموضوع ضعيف جدا مقارنة بأداء دول مثل الصين والهند، وهذا يتطلب من الحكومة أن تتعلم من الأخطاء السابقة وتتحرك في الاتجاه الصحيح، من أجل تحسين أدائها في مكافحة الفقر، والاستفادة من تجربة أكبر دولة ناجحة في مكافحة الفقر وهي الصين، لأنها تطبق نظام التمكين الاقتصادي.
وأشارت إلى أن الحكومة تبذل مجهودا كبيرا في هذا المجال، ولكن الأداء ما زال ضعيفا، والدليل أن نسبة الفقر في مصر عالية، والدليل أن البنك الدولي أشار إلى وجود تحديات في الاقتصاد المصري مرتبطة بالطبقات المتوسطة التي أصبحت تعاني، وكذلك الفقراء التي زادت نسبتهم جدا خاصة في الصعيد، ومن أهم التحديات التي يواجهها الاقتصاد المصري الفترة القادمة هي تحقيق التنمية المستدامة، لاسيما وأن مصر لم تتقدم الفترة الماضية لأن معدل النمو يصعد ويهبط، لعدم وجود خطة مستدامة تحرك موارد الدولة في الاتجاه الصحيح، ومن أخطر التحديات التي تواجه الموازنة الجديدة هو فائدة الدين، لاسيما وأن كل عائد الموازنة من الضرائب لا يكاد يغطي خدمة الدين الداخلي، وهذا يشير إلى أن هناك دين داخلي جبار تجاوز 4 تريليونات جنيه، وكذلك فائدة الدين والاقساط في ازدياد، وبالتالي فوائد الدين والاقساط أصبحت تلتهم الإيرادات العامة رغم أنها في ازدياد.
وتابعت استاذ الاقتصاد، أن الموازنة الجديدة تكشف زيادة قدرة الحكومة على تحصيل الضرائب، حيث قاربت الحصيلة من 800 مليار جنيه، وهذه من الايجابيات، لكن هذا الأمر يطرح سؤالا مهما وجوهريا وهو: هل تحصيل الضرائب يقوم على الجباية أم على السياسة المالية، مشيرة إلى أن هناك فرقا كبيرا بين الجباية وبين السياسة المالية، فالهدف من السياسة المالية هو زيادة معدلات النمو والتشغيل وليس زيادة الحصيلة، أما هدف الجباية فهو زيادة الحصيلة فقط، لافتة إلى أن الحكومة لا تمتلك رؤية شاملة في هذا الصدد، في ظل عدم وجود مجلس أعلى للضرائب يختص بوضع رؤية السياسة المالية وتطبيقاتها، كما نص قانون الأداء الضريبي الموجود منذ 2005، والذي ينص على إنشاء مجلس أعلى للضرائب يختص بوضع رؤية السياسة المالية وتطبيقاتها وهذا غير موجود حتى الأن، وبالتالي الحكومة لا تمتلك رؤية واضحة فيما يتعلق بالسياسة المالية وتوجيهاتها.
واستكملت: هذه نقاط جوهرية ومهمة جدا ويجب أخذها في الاعتبار، كما أن الحكومة تفتقد إلى وجود رؤية لتطبيق موازنة البرامج والأداء، وهي كانت من الذين ينادون بها منذ عشرين عاما ولكن لم تتحقق حتى الآن، لأنها وسيلة مهمة لضبط الإنفاق، ولا يوجد أي مؤشرات على تطبيق موازنة البرامج والأداء، وهذا يؤدي إلى عدم وجود كفاءة في الإنفاق، لكن من الايجابيات أن وزير المالية الحالي من أشد المدافعين عن تطبيق موازنة البرامج والأداء.
الأرقام صماء ولا تعبر عن الواقع الحقيقي
من جانبه يقول الدكتور وائل النحاس الخبير الاقتصادي، إن الموازنة التقديرية أو التمهيدية تحتوى على الكثير من الإيجابيات مثل، الزيادة في دعم السلع وتعظيم الاستثمارات، مما سيقلل من الاعتماد على القروض، مشيرا إلى أن التأمين الصحي الشامل سيتم تنفيذه في منطقة القناة فقط وبشراكة مع إحدى المؤسسات الكبرى في الخارج في مجال التأمين الصحي، وهي شركة فرنسية اسمها أقصى، هذه الشركة سوف تقوم بتطوير المنظومة الصحية في مصر، وإدارة منظومة التأمين الصحي.
وأضاف «النحاس»، أن أهم السلبيات الموجودة بالموازنة الجديدة تتمثل، في عدم وجود ناتج قومي حقيقي يعتمد على موارد طبيعية حقيقية، وبالتالي أي بنود تترتب على هذا الرقم غير حقيقية، فمعدل النمو غير حقيقي لأنه مرتبط بناتج قومي غير حقيقي، كما أن مؤشر المستهلكين في الناتج المحلي يقوم على التضخم، والإنفاق الحكومي يقوم على القروض والسلف، مشيرا إلى أن الحكومة تنفخ في الناتج المحلي من أجل تركيب باقي المؤشرات عليه، وتساءل النحاس: كيف لناتج محلي قيمته 4 تريليونات جنيه، لا يحتوى سوى على موارد قيمتها تريليون و134 مليار فقط؟
وتابع الخبير الاقتصادي، أن هذه الموازنة تكشف عن أن المورد الرئيسي من الضرائب، وأن المشروعات الكبري ليس لها عائد، والموارد غير الضريبية تبلغ حوالي 200 مليار جنيه فقط، وكلها من السياحة وقناة السويس والخدمات الحكومية، مشيرا إلى أن كل الأرقام الواردة بالموازنة صماء ولا تعبر عن الواقع الحقيقي، والدليل أن الكثير من المصانع يتم غلقها، وهناك ركود في الأسواق، أما الإنفاق العام فيحتوي على برامج يتم الاقتراض عليها من الخارج.
وعن قيام الحكومة بتنفيذ مشروعات خارج الموازنة العامة للدولة، قال النحاس، إن ذلك غير موجود في أي دولة في العالم، مشيرا إلى أن المشروعات خارج الموازنة يعني اقتصاد غير رسمي، متسائلا: كيف للحكومة التي تحارب الاقتصاد غير الرسمي هي نفسها تمارس اقتصاد غير رسمي؟، وتساءل: ما هو مصير القروض التي يتم الحصول عليها لتمويل المشروعات التي يتم تنفيذها خارج الموازنة، وما هو مصير القرض الصيني التي تم الحصول عليه للعاصمة الإدارية الجديدة، وما هو مصير عوائد المشروعات التي يتم تنفيذها خارج الموازنة، لافتا إلى أن المادة 127 من الدستور تنص صراحة على أنه لا يجوز للسلطة التنفيذية تنفيذ أي مشروعات خارج الموازنة إلا بعد العرض على البرلمان، وبالتالي يجب محاسبة البرلمان، لاسيما وأنه يعترف بوجود مشروعات خارج الموازنة، مؤكدا على أن أغلب بنود الموازنة عبارة عن كلام إنشائي لا أساس له على أرض الواقع، لافتا إلى أن 30 يونيو 2020 هو الفيصل في تاريخ مصر الاقتصادي، فإما أن نغرق أو نعدي، في ظل أن الدين في ازدياد ويتم ترحيله للأجيال القادمة، كما أن الحكومة تقوم بالاقتراض من أجل تخفيض العجز.
لهذه الأسباب.. من الصعب خفض الدين العام
وتقول الدكتورة عالية المهدي، أستاذ الاقتصاد والعميد السابق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، أنها تستبعد أن تنجح الحكومة في تحقيق الكثير من الأرقام والنسب المستهدفة في الموازنة العامة الجديدة، مشيرة إلى أنه من الصعب جدا خفض معدل الدين العام إلى 89%، بسبب استمرار الحكومة في سياسة الاقتراض من الخارج والداخل، لافتة إلى أن الحكومة أعلنت أكثر من مرة خلال سنتين وصول معدل البطالة إلى أقل من 10%، مشككة في صحة هذه الأرقام التي تعلنها الحكومة.
وأكدت أنّ معدل البطالة لم يكسر حاجز الـ11% أبدا، متهمة الحكومة بالتناقض في الأرقام، موضحة إلى أن خفض معدل التضخم إلى 10.9% ممكن، بشرط عدم قيام الحكومة برفع الدعم عن البنزين أو المحروقات في يوليو القادم كما هو متوقع، وسيظل في حدود 15%، مستبعدة قدرة الحكومة على تخفيض العجز الكلي إلى 7%.
وعن المشروعات التي يتم تنفيذها خارج الموازنة العامة للدولة قالت المهدي، إن أي مشروع تنفذه الدولة يجب أن يكون من داخل الموازنة العامة للدولة، ولا يصح أن يكون هناك دولة لها مشروعات خارج الموازنة، فلا أحد يعلم كيف يتم تحميل تكلفة هذه المشروعات، ولا أين تذهب عوائدها أو إيراداتها، مؤكدة أنها لم تسمع في حياتها عن دول أخرى تنفذ مشروعات من خارج الموازنة، إلا إذا كانت الهيئات الاقتصادية هي التي تقوم بهذه المشروعات، فتكون هذه المشروعات داخل موازنة الهيئة نفسها مثل هيئة قناة السويس، ولو حققت هذه المشروعات فائضا تدفع عنه ضرائب تدخل موازنة الحكومة.
وأشارت إلى أن القروض في النهاية تصبح جزءًا من الأعباء العامة على الدولة ملتزمة بدفعها لأنها بضمان الدولة، مؤكدة أنه من حق وزير التعليم ووزيرة الصحة المطالبة بزيادة المخصصات، وخاصة أن الدستور نص على نسب معينة واضحة ومحددة للتعليم والصحة من الناتج المحلي للدولة، لأن هذه الوزارات تقوم بوضع خططها بناء على هذه المخصصات، وإذا كانت الدولة جادة في النهوض بهذين القطاعين فعليها أن توفر لهما المخصصات اللازمة في الموازنة العامة للدولة.