رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

الظهور الأخير لـ«زعيم داعش» يجدد معركة الخلافة الإسلامية

زعيم داعش - أرشيفية
زعيم داعش - أرشيفية


الظهور المفاجئ لزعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي، أثار كثيرًا من الأسئلة وعلامات الاستفهام حول مستقبل الخلافة الإسلامية، التي تبناها تنظيم الدولة الإسلامية منذ ظهوره، لاسيما بعد أن أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن "الخلافة على وشك السقوط" وأن الولايات المتحدة تطلب من الحلفاء الأوروبيين "استعادة أكثر من 800" من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية الذين تم أسرهم في سوريا وإحالتهم للمحاكمة.


في سياق آخر أجاز مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف كتابا يؤكد أن حديث الخلافة الإسلامية الذي يستند إليه تنظيم داعش الإرهابى والإخوان لإقامة دولة الخلافة الإسلامية، حديث «مكذوب»، كما يشير إلى أن الجزية ليست اختراعا إسلاميا بل يعد نظاما سياسيا.


وقال الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الخلافة شرعية ومن الدين، ومنكرها ينكر واقعا امتد منذ عهد الصحابي الجليل أبو بكر الصديق إلى آخر الخلفاء العثمانيين، وحاول المسلمون إقامتها مرة أخرى ولكن دون جدوى، فالتزمنا نحن بما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم حتى لا نكون لعبة بيد الآخرين كما هو الحال الآن فى "داعش وأخواتها والجماعة الإرهابية الذين يدعون أنهم يريدون الخلافة"، والحقيقة أنهم مفعول بهم، وتابع: "لما فقدنا الخلافة أطعنا الرسول صلى الله عليه وسلم وهم عصوه".


واستكمل مفتى الجمهورية السابق، قائلًا:" الخلافة ذهبت وبديلها الرئاسة والملك والإماراة اللى هى الإمامة.. يرعى شئون الرعية فى الداخل والخارج.. وهذا الإمام موجود وكل بلد بها إمام يرعى شئون رعيته".


واستطرد جمعة، إن جماعة الإخوان الإرهابية تسعى لإعادة الخلافة منذ بدايتها وهو ما جلعها ألعوبة بيد الغير مفعولًا بها، مشددًا على أن الرسول الكريم لم يأمرنا بإعادة الخلافة مرة أخرى وإنما أمرنا أن نسحب أيدينا ونتوجه لله ضارعين.


ويقول خبراء ومتخصصون في التاريخ الإسلامي، إن سقوط الخلافة العثمانية على يد كمال الدين أتاتورك وحزب الشعب، بعد معاهدة لوزان، تسبب في حالة من الهلع لدى المسلمين القابعين تحت حكم الخلافة في المشرق والمغرب، فلأول مرة يختفي اسم "الخلافة" منذ 1400 عام.


ومنذ ذلك الحين، فقد شغل سؤال الخلافة وإمكانية إعادتها أذهان المسلمين، لتقوم على إثرها جماعات إسلامية عديدة، ساعية لإعادة عهد الخلافة مرة أخرى!، من ثم برز على الساحة العربية الجدل حول الاتصال والانفصال بين "السلطة الزمنية والسلطة الدينية"، أي بين سلطة الدولة وسلطة الدين أو الشريعة، وازداد هذا الجدال مع تزايد عمليات التحديث التي شهدتها الدول القُطْرية التي نشأت بعد سقوط الدولة العثمانية.


فمن محمد عبده ورشيد رضا، إلى حسن البنا وتقي الدين النبهاني، مرورا بأبي الأعلى المودودي وعبد القادر عودة وسيد قطب، حتى أبي محمد الجولاني وأبي بكر البغدادي، يتحدث الجميع عن الخلافة وحتمية عودتها، لكننا نجد مسارات عدة لا تتقاطع في رؤاها حول تصورات الخلافة وماهيتها، لتبدو ملامح الخلافة مجهولة لدى الساعين لإقامتها. 


وفي عام 1925م، أي بعد سقوط الدولة العثمانية بعام واحد، أصدر القاضي الشرعي علي عبد الرازق، كتابه الشهير "الإسلام وأصول الحكم"، الذي يعده البعض زلزالا في الفكر الإسلامي المعاصر، حيث يقول محمد عمارة: "منذ أن عرفت الطباعة طريقا إلى بلادنا لم يحدث أن أخرجت المطبعة كتابا أثار من الضجة واللغط والمعارك والصراعات مثلما أثار هذا الكتاب".


وقد طرح المؤلف رؤيته بأن الإسلام دين لا دولة، ورسالة روحية لا علاقة لها بالسياسة، وأن نبي الإسلام -صلى الله عليه وسلم- لم يؤسس دولة وإنما كان رسولا لا مَلِكا، وعليه فإن الخلافة إنما هي اجتهاد دنيويّ وخلافة مدنيّة لا علاقة لها بالدين.


لتثير هذه الأفكار حفيظة علماء الإسلام، مما دفعهم إلى التصدي للكتاب والرد على مؤلفه، وبدورهم اعتبروا كتابه يفتح بابا للعلمانية في الإسلام. ومما يزيد من خطورته -في نظرهم- أن مؤلفه أزهري وقاضٍ شرعي، أي منتسب إلى زمرة العلماء!


وسرعان ما تحول الصراع حول الخلافة من الحالة الفكرية السِجالية إلى العمل الحركي المنظم، فقد اعتبر بعض المفكرين أن سقوط الخلافة العثمانية هو السبب الأساسي في هذا الوقت لتخلف الأمة الإسلامية، وأن المشروع اليهودي يقف وراء هذا السقوط، فيقول محمد قطب: "وكان المدبر الحقيقي لسقوط الخلافة هي اليهودية العالمية"، وفي وسط كل تلك الدعوات، التي تستدعي البعث الإسلامي بعد مقتل، أنشئ تلميذ رشيد رضا الشاب حسن البنا جماعة الإخوان المسلمين، وجعل من أعلى أهدافها إقامة الخلافة لإعادة مكانة الإسلام.


خلافة على منهاج النبوة

يقول الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إن كل النصوص الواردة في الخلافة صحيحة، لكن المشكلة في دلالة هذه النصوص، والسؤال هو: هل الخلافة دعوية أم سياسية؟، صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله «ستكون خلافة على منهاج النبوة، بضع وثلاثون عاما، ثم تكون ملكا عضوضا، ثم تكون ملكا متغلبا»، فالمقصود بالخلافة على منهاج النبوة، خلافة سيدنا أبو بكر وعمر وعثمان وعلى والحسن، ويعزز ذلك حديث أخر رواه أبو داوود والترمذي، عَنْ أَبِي نَجِيحٍ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: "وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَوْعِظَةً وَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، وَذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوْصِنَا، قَالَ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ"، ثم تكون ملكا عضوضا هو ملك بني أمية، ثم ملكا متغلبا وهم العباسيين والأتراك.


وأضاف أنّ الجماعات والفصائل والتنظيمات المعاصرة مثل الإخوان والدواعش والقاعدة وطالبان وبوكوحرام وغيرهم الذين يتبنون الخلافة السياسية، فالرد عليهم يكون بالقول، وهو أن الخلافة المنعوتة بالراشدة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت عملا دعويا، وتحولت إلى ملك عضوض وملك متغلب، وشتان بين عمل دعوي لظروفه وعمل سياسي لمغانمه، مشيرا إلى أن الإسلام لا يعترف مطلقا بالإمامة أو الخلافة السياسية ولا بالحكومة الدينية ولا بولاية الفقيه، لكنه بمجتمع مندي وحكومة مدنية، مؤكدا أن الخلافة الراشدة كانت دعوية لفترة مؤقتة لها ظروفها وملامحها، وما بعد ذلك فهو نظام حكم وسلطة لا أكثر، تسمى خلافة إسلامية مجازا وليس حقيقة.


وأشار إلى أن الدكتور عبد الرزاق السنهوري الفقيه الدستوري المعروف قال في كتابه «الخلافة»، إن إقامة الخلافة بالمعنى الذى تروج له بعض الاتجاهات شبه مستحيل في هذا الزمان، وإذا كان يقصد بها تجمع إسلامي يستعاض عنه بعصبة الأمم الإسلامية، وبالتالي من الناحية الفقهية والشرعية، ليست هناك خلافة سياسية، ولكن كانت خلافة دعوية لخدمة الدعوة الإسلامية فقط، لكن هذا لا يعني عدم وجود سياسة في التشريع الإسلامي كما قال الشيخ على عبد الرازق في كتابه «الإسلام ونظام الحكم»، مشيرا إلى هناك نصوص في التشريع الإسلامي تتعلق باختيار الحاكم ومهامه وحقوقه وواجباته، وأيضا هناك نصوص شرعية تتعلق بحقوق وواجبات المحكومين، وهذا يتم تدريسه من خلال قسم «السياسة الشرعية» في جامعة الأزهر.


الغرب يخشى من اتحاد المسلمين

ويقول الشيخ أحمد صبح زعيم المنشقين عن الجماعات الإسلامية، إن ترامب يقصد الخلافة التي أنشأها أبو بكر البغدادي في العراق والشام، مشيرا إلى أن الخلافة الإسلامية التي كانت متمثلة في الخلافة العثمانية سقطت عام 1924 على يد مصطفى كمال أتاتورك، لافتا إلى أن الغرب لا يريد تطبيق الحرية والديمقراطية في العالم العربي والإسلامي؛ لأن ذلك يهدد وجود الرجل الأبيض في الغرب، منوها إلى أن الحروب الصليبية التي بدأت منذ خمسة قرون ما زالت مستمرة حتى الآن، ولكن بأدوات مختلفة، لافتا إلى أن ريتشارد قلب الأسد أصبح هو أبو بكر البغدادي، ولويس التاسع عشر أصبح هو أبو أنس الليبي، وأصبح الدواعش والجماعات الإسلامية وفي القلب منهم جماعة الإخوان المسلمين ذريعة لعدم وجود الحريات السياسية والديمقراطية في العالم العربي، وذريعة لوجود قوانين الطوارئ والإرهاب والقوانين سيئة السمعة والاستثنائية والمحاكمات العسكرية.


وأشار إلى أن الجماعات الإسلامية تستند إلى عدد من النصوص الشرعية في إقامة الخلافة الإسلامية، منها قول الله تعالى «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً»، وقوله تعالى «يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ»، موضحا أن الخلافة نظام حكم يختلف من مجتمع إلى أخر، وهي ليست من العقائد الإسلامية، والدليل أن سقوط الخلافة العثمانية عام 1924 لم يؤدي إلى سقوط الإسلام، مطالبا الجماعات الإسلامية بالتراجع عن أفكارها وأن تؤمن بالدولة الوطنية الحديثة، وأن تبتعد عن التحاور بالجنة والنار والشريعة، مشيرا إلى أن سعى الجماعات الإسلامية لإعادة الخلافة يصب في مصلحة الغرب، الذي يستخدم ورقة الخلافة لتفتيت العالم الإسلامي وتعطيل تطبيق الديمقراطية، مؤكدا أن الغرب يخشى من اتحاد المسلمين، لأن اتحادهم فيه القوة وفيه تهديد لمصالح الغرب في المنطقة والعالم، لذلك هم يعملون على تفتيت المسلمين، من خلال استخدام ورقة الجماعات الإسلامية والإرهابية.


تدمير الجيوش العربية

ويؤكد اللواء عبد الرافع درويش، الخبير العسكري والاستراتيجي، أن وجود 800 مقاتل من تنظيم داعش في حوزة الولايات المتحدة الأمريكية يؤكد على أن أمريكا هي التي صنعت داعش، مشيرا إلى أن المخطط الأمريكي في المنطقة يقوم على حدوث فتنة بين السنة والشيعة من أجل تدمير الجيوش العربية من الداخل، وقد نجحوا إلى حد كبير في سوريا والعراق ولبنان واليمن، من أجل ضمان أمن إسرائيل لمدة مائة عام قادمة، وكل التحركات السياسية والعسكرية وكل التحالفات العسكرية في الشرق الأوسط هدفها خدمة إسرائيل، موضحا على أن الرئيس الأمريكي كان يقصد بسقوط الخلافة الإسلامية سقوط الدول العربية.


وأضاف «درويش»، أن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تقوم بتسريح هؤلاء المقاتلين على الدول العربية، بعد أن رفضت الدول الأوربية تسلمهم، وبالتالي سوف تستخدمهم في مناطق أخرى من أجل إضعاف باقي الجيوش العربية وتقوية إسرائيل، مشيرا إلى أن الدولة الإسلامية في ليبيا ومصر «دالم» موجودة الآن، وتعمل في ليبيا ومصر، بدعم وتمويل من أمريكا، متوقعا أن تقوم الولايات المتحدة باستغلال هؤلاء في إنشاء بؤرة توتر جديدة في المنطقة، طبقا لإستراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة التي تقوم على استمرار الصراع في المنطقة من أجل ضمان أمن إسرائيل وإضعاف الدول العربية، وضمان تدفق الأسلحة الأمريكية للمنطقة، سواء للجماعات الإرهابية أو للجيوش العربية.


السيسي حذّر الأوروبيين

ويقول العقيد حاتم صابر، الخبير في الإرهاب الدولي، إن هناك أكثر من 30 ألف مقاتل أوروبي موجودون في سوريا والعراق، وأن هؤلاء المقاتلين تم إعدادهم في أوروبا، مشيرا إلى أن الرئيس عبد الفتاح السيسي حذر منهم وقال للأوربيين إن هؤلاء المقاتلين سوف يرتدون إليكم مرة أخرى، لافتا إلى أن الرئيس الأمريكي وضع دول الاتحاد الأوروبي في مأزق كبير، وإذا رفضت الدول الأوروبية استلام هؤلاء المقاتلين فسوف يقوم الرئيس الأمريكي بإعدامهم سرا، لأن تواجدهم يشكل ضغطا على الولايات المتحدة الأمريكية مستقبلا، لكنه توقع أن تنجح الولايات المتحدة في الضغط على الدول الأوروبية من أجل أن يستلموا هؤلاء المقاتلين، وفي النهاية سوف يقومون بإعدامهم.


وأشار إلى أن تجميع هؤلاء في الولايات المتحدة سيثير الكثير من علامات الاستفهام في العالم، لافتا إلى أن ترامب يسعى لإصلاح ما قام به الرئيس السابق باراك أوباما، الذي صنع الدواعش ومولهم ودربهم وجعل لهم وضعا سياسيا واقتصاديا وعسكريا.