رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

بالصور.. حكاية «أم وليد» سائقة تاكسي عمرها «67» سنة برتبة أم لأربعة أبناء

محررة النبأ مع أم
محررة النبأ مع أم وليد



ذهبت «النبأ» لمنزل السيدة «أم وليد»، صاحبة الـ«67» عامًا، لتروي لنا قصة كفاحها على «التاكسي»، وكيفية التوافق بين عملها كسائقة وبين دورها الطبيعي في الحياة كـ«أم»، لأربعة أبناء، فقالت: «سواقة التاكسي دي مهنتي من عام 1987، كان عمري 28 سنة لما جبت أول تاكسي وقررت اشتغل عليه، جوزي كان تعبان، وماكانش قادر يشتغل، وكان معايا «وليد» أكبر إخواته كان عنده 4 سنين، وقتها اشتريت التاكسي بالتقسيط، عشان أعرف أجمع القرش اللي ما يحوجناش لحد».



وتستطرد: «ما قابلنيش أي مشاكل في كوني هشتغل على تاكسي، زوجي لم يعترض لأن عائلتي كلها تعمل بنفس المهنة، وأنا من صغري بحب السواقة، وماحدش علمهالي، كنت أركب مع ابن عمتي التاكسي وألاحظ ازاي بيسوقه، وأسأله على طريقة السواقة لحد ما عرفهالي نظري، واستأذنته أسوقه، وتفاجأ بيا بعرف سواقته كأني محترفاها، الأول كنت بتوهه في شوارع مصر، لقلة خبرتي، أما دلوقتي أنا جهاز«GPS متحرك».



وتكمل: «كنت عايشة في عابدين مع جوزي وأولادي، وأهله كانوا في نفس العمارة، كنت بترك أطفالي مع جدتهم من أبوهم وانزل أشتغل على التاكسي، ولما مات زوجي من عشرين سنة، عشت أنا وأولادي مع أبويا في شقته بشبرا، ومن وقتها ما طلعناش منها، بناتي اتجوزوا وعايشين مع أزواجهم، وابني الكبير «وليد»، مات من 3 سنين، كان صحفي، وخريج إعلام، والصغير دبلوم سياحة وفنادق 5 سنين، متجوز وعايش معايا هنا هو ومراته وأولاده، زمان وهما أطفال لما الفلوس تخلص من البيت، كنت أطلع اشتغل على التاكسي كام ساعة وأرجعلهم بفلوس، وبكل طلباتهم، أنا بحب السواقة ومعتبراها جزء مني، مش قادرة أبطلها حتى وأنا في السن ده».






وتتابع: «ماقابلنيش أي مشكلة في المرور، ولا استخراج الرخصة المهنية، حتى يوم الامتحان كنت الست الوحيدة ومعايا 40 راجل مستعدين للامتحان، وقفة الضباط هزتني أول مرة، وخلتني شيلت «الأقماع» في طريقي، وسقطت في الامتحان، وسألت ضابط في المرور، وجارنا، ليه أسقط وأنت عارف إني بسوق كويس، قالي بس انتي وقعتي الأقماع في طريقك، وماسوقتيش كويس في الامتحان، وضحت له، أن وقفة الضباط كان ليها هيبتها وتوترت، قالي يعني كل ما هتعدي على كمين هتشيليه ولا تكسريه لما تهابي وقفتهم فيه، هديكي مهلة 15 يوم للامتحان اللي بعده، ومهما كان مين واقف ركزي في امتحانك وانجحي، وفعلا مروا الـ «15» يوم وامتحنت تاني ونجحت، وأخذت الرخصة الثالثة المهنية للقيادة».



الثورة وتأثيرها على حياة «أم وليد»



وتروي «أم وليد»، أن الزمن قد تغير، واستطاعت من واقع عملها أن تستشعر تغييره بمرور الوقت، فبعدما كانت تشعر بمدى المروءة والشهامة في كل من تقابلهم وقت الأزمات، أصبحت اليوم تتقابل مع هذه الأمثال صدفة، «كم مرة وفردة كاوتش تعطل مني، وألاقي بدل الواحد عشرين يساعدوني فيها، دلوقتي ما بقاش في الكلام ده، النفوس اتغيرت، أنا نفسي لو شفت ست على الدائري ولا راجل وعربيتهم عطلانة هخاف أقف لهم يكونوا عصابة ولا حاجة، من 2011 والدنيا ما بقاش فيها أمان، الثورة أثرت علينا كلنا، أنا ما اشتغلتش على التاكسي من 2011 حتى عام 2015، بعت التاكسي بتاعي «الأبيض والأسود» بـ«32» ألف جنيه، وأكلنا وشربنا طول الفترة دي بثمنه، وحسيت بالحوجة في الفترة دي لأن الفلوس ما كملتش السنة، كان معايا معاش تأمينات ع الرخصة بـ«200» جنيه، ما كانوش كافيين برضو، وربنا عداها الحمد لله، رجعت اشتريت تاكسي، وشغالة عليه لوقتنا هذا، فيه تكييف، ويوميا بيتغسل في المغسلة، أو ابني بيغسله، كنت بغسله على طول في الأول، قبل أبني ما يتولى غسله، بس أوبر وكريم ضيقوا علينا الحال شوية، أحنا مش كارهين وجودهم، بس سواقين التاكسي بيدفعوا ضرائب وتأمينات، وتقسيط للتاكسي، في حين أوبر وكريم ما بيدفعوش، وخدوا معظم الزباين مننا».



وتوضح «أم وليد»، أنها لا تشاهد التليفزيون، ولا تحضر أفلاما «كنت بصحى من 5 الفجر، أحضر الفطار لعيالي، وأعمل الغداء وأسيبه في الثلاجة، وأوديهم المدرسة، وأطلع على شغلي، وأرجع أخدهم، ويتغدوا مع بعض، وأروح أكمل شغلي، لحد ما أرجعلهم بعد الوردية ما تخلص، كانوا يقعدوا مع بعض لما كبروا واتعلموا يعتمدوا على نفسهم في غيابي، إنما وهما صغيرين كانوا يقعدوا مع جدتهم أو خالتهم اللي ساكنة فوقينا، أنا جهزت ولادي وبناتي، من التاكسي، وماحدش ساهم معايا في أي حاجة من جهازهم، وجبتلهم أحلى حاجة، بحب أخلص في شغلي عشان زبايني، كان ليا زباين مخصوص من دول عربية كمان، لما بيجوا يتصلوا عليا أوصلهم مكان ما يحبوا، وكانوا بيدعموني، أسلوبي الحلو في معاملتهم بيخليهم يحترموني، أنا أيوة مش متعلمة، بس الدنيا علمتني كتير، أكتر من اللي كنت هتعلمه في المدارس، دا أنا مدوبة «4» عربيات للنهاردة، مركات مختلفة، و39 سنة في مهنة السواقة».




محاولة تحرش باءت بالفشل



وقالت إنها لن تنسى ما جرى معها بعد قيادتها للتاكسي بحوالي خمسة سنوات وهي في مقتبل العمر «كنت بوصل معلم بجلابية بيضاء، وعمة، وملفحة، وخواتم، وكان باين عليه العز، لما ركب جمبي كان مركز على المونكير اللي في صوابعي، كنا في الصيف بقى وما بلبسش كوتشي، أنا شكيت فيه من لما اختار يركب جمبي، وساب كرسي العربية اللي ورا، وقولت أصبر أما اشوف أخرتها معاه، لقيته عرض عليا يعزمني في فندق النبيلة في جامعة الدول على مشروب كحولي «بيرة»، قولتله لا ما بشربش بس بشرب «خمرة» في أمون، قالي موافق، روحي بينا على هناك، وأنا عارفة إن تحت كبري 15 مايو في كمين على طول، نزلت وقلت للضابط الحوار كله، نزله من التاكسي وقاله حاسبها الأول، وضربه بالقلم على إهانتي، وقالي امشي أنتي، سلمته تسليم أهالي ومشيت، عيالي طول عمرهم فخورين بيا في مدارسهم وكلياتهم، وجيراني شايفيني بـ«100» راجل، ولازم أكون عند ثقتهم فيا».






مواقف لا تنسى في حياتها المهنية



وأوضحت أنها لم تتعرض لأي موقف آخر سبب لها مشاكل بخلاف السابق ذكره، لكنها تتذكر جيدًا الشيخ المُسن الذي لم يقبل أن تقوم بتوصيله امرأة، «شاورلي شيخ قبل كده، ووقفتله ولما شافني قالي لا خلاص، قولتله لا ليه، ما أنت شاورتلي ووقفتلك يبقى ليه لا، قالي حرام لو ركبت معاكي، روحي ربنا يسهلك، سبته ومشيت»، وتتذكر موقف آخر قائلة: «كنت واقفة في الموقف من 15 سنة وعيل من دور عيالي بيسألني معاكي رخصة كام، ولما عرف إنها ثالثة اتريق وقال فاكرك أولى زيي، صممت أقدم على رخصة تانية، وأدخل امتحانها وأعديه، وفعلا قدمت عليها، عشان أعلم الولد ده ما يستهونش بيا، كان الامتحان على عربية نقل كبيرة وما كانش ليا أي تجربة معاها قبل كدة، يوم الامتحان استأذنت العسكري أجربها قبل الامتحان ولا يفهمني أتعامل معاها إزاي ماوافقش، وقالي سهلة ما تخافيش، طلبت منه أكون آخر واحدة تمتحن عشان أشوف اللي قبلي اتعاملوا معاها أزاي، وقالي ماشي، أول وتاني واحد امتحنوا وما نجحوش، ولقيته بينده اسمي، اتخضيت، وعرفت أنه قاصد يسقطني، وكمان ضيق مساحة «الأقماع» عليا، حاسيته ناويلي، سبت القهوة اللي في أيدي، وركبت العربية، وأيد ماسكة «الدركسيون» وتوجه العربية، والثانية ماسكة بيها ضهر الكرسي اللي جمبي وأنا باصة ورايا على الأقماع، وعديت من غير ما أخبط في أي قمع فيهم، ونجحت، ضباط المرور اللي واقفين سلموا عليا وقالولي إني من أفضل سواقين مصر، واستخرجت الرخصة الثانية».







وقابلت «النبأ»، إحدى جارات «أم وليد»، ليقصوا لنا مدى علاقتها بهم، فقالت «أم سامح» أنها لا تعتبر سائقة التاكسي جارتها، بل أمها الثانية، فهي لم تكن أم لأربع أبناء فقط، بل كانت لها هي أيضا كذلك، ولم تشعر للحظة بفارق الدين بينهما لكونها مسيحية في حين «أم وليد» مُسلمة، وأنها اعتادت منذ أن توفت والدتها أن تعتبر سائقة التاكسي عوضًا لها عنها، لطيبتها وكرم أخلاقها، حتى أنها عندما تسمع بانفجار في كنيسة ما أو غيره تبكي الشهداء باعتبارهم بني آدمين، لا بأي اعتبارات طائفية أو دينية، لذلك يعيشوا معًا حياة خالية من أي مشاكل، فهم أسرة واحدة لا يفرق بينهما غير حوائط المنازل فقط.