رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

العالم السرى لـ«الأعمال السفلية» المدفونة فى القبور

سحر المقابر - أرشيفية
سحر المقابر - أرشيفية

العالم السرى لـ«الأعمال السلفية» المدفونة فى القبور
العثور على عمل بـ«الجنون» لشاب فى مقابر البحيرة.. وشيخ يربط المتزوجين مقابل 200 جنيه فى القليوبية
الإفتاء تؤكد وجود السحر.. وتصف علاجًا لفتاة «مسحورة بوقف الحال»
عبد الحميد الأطرش: «الجن العاشق» بدعة لتسهيل الدعارة.. ويمكن للإنسان تحضير «العفاريت»


أقفال ودبابيس ودماء حيض وعرائس بلاستيك وضعت على صور لفتيات وشباب وأطفال داخل المقابر، مع ورق دون عليه طلاسم لا يفهم معناها، الأمر بدأ بحملة قام بها بعض الشباب لتنظيف المقابر ليكتشفوا وجود مجموعة من الأعمال بعضها بالمرض والموت وبعضها بوقف الحال والفراق، لتضج بعدها مواقع التواصل الاجتماعي بتحذيرات مما يطلق عليه «سحر المقابر» أو «السحر الأسود».

انتشرت الكثير من الأساطير، مؤخرًا، حول هذا النوع من السحر، منها أنه يتم خلاله السيطرة على الجن بقوة من قبل الساحر، لأن الشياطين لا تحب المقابر فهي تتمنى الخلود فعندما يوضع السحر في القبر، فإن الجن يفعل ما يأمره به الساحر خوفا من الموت، ويبدأ في التلبس بالمسحور أو التسلط عليه جزئيا فتظهر أعراض مثل: الكآبة، العزلة، الغضب من أتفه الأمور، الشعور بالإرهاق دون بذل أي مجهود، ضعف الشهوة الجنسية، وضعف الشهية للطعام، كره الزوجة أو الأم والأخوات.

الأمر لم يقف عند هذا الحد، حيث روج بعض الدجالين لفكرة الجن العاشق، مشيرين إلى أنه قد يحدث الحمل من الجن إذا كان في المرأة مس عاشق؛ فيظهر ما يسمى في علم الطب بـ«الحمل الكاذب»، فتنتفخ البطن مثل المرأة الحامل ولو كانت المرأة بكرا وتظهر فيها المشيمة، ولكن لا يظهر جنين خلال الفحوصات، وعند الوضع تخرج المشيمة فارغة وتمر بفترة الرضاع والنفاس، وهذا الحمل في الغالب من الجن والمولود جني لكنه لا يُرى.

واستغل الدجالون والمشعوذون وكل من لا عمل له، جهل البعض بالدين، وحاجاتهم لتفريج كروبهم، وإلصاق فشلهم أحيانًا بأن ما يحدث لهم من مصائب نتيجة عمل أو سحر من الكارهين والأعداء، لنجد إعلانات فك السحر وجلب الحبيب والرقية الشرعية تغزو الشوارع ومواقع التواصل الاجتماعي، ولها أيضًا قنوات خاصة على شاشات التلفزيون.

حدث بالفعل

يروي «أحمد عبدالله»، من محافظة القليوبية واقعة شهدتها إحدى قرى المحافظة تقع بجوار قريته، قائلًا: «عرف عن أحد المشايخ بالقرية، كان ممن يقرءون على الميت أثناء الدفن، بقيامة بأعمال سحر وربط المتزوجين ليلة الدخلة نظير أجر مالي 200 جنيه، وقد يزيد حسب الحالة، واستطاع من خلال عمله في السحر تكوين ثروة مالية كبيرة مكنته من بناء منزل ضخم وشراء عربية وغير ذلك».

وأضاف «عبدالله»، لـ«النبأ»: « استمر الأمر على هذا الحال حتى قرر بعض المصلين فضح أمره، واختاروا يوم الجمعة، نظرًا لتكدس أهل القرية بالمسجد، وعقب الصلاة كشفوا أمره أمام الجميع، وشهد عليه بعض المواطنين ممن تحصل منهم على أموال نظير فك السحر وربط الأزواج، وبعد ضغط اعترف بجريمته معلنًا توبته أمام الجميع».

وتابع «عبدالله»: «المفاجأة أن هذا الرجل توفى بعد ذلك بأسبوع، وقال أحد الحاضرين لجنازته، إن النعش كان يرفض دخول القبر وأثناء السير للمقابر كان ثقيلا جدا».

أما «محمد مختار» أحد ساكنى قرية «الضاهرية» بمحافظة البحيرة، فروى واقعة حدثت معه قائلًا: «نظرًا لقرب قريتنا من المقابر كنت أعثر على بعض الأعمال والأحجبة دون عليها طلاسم، وأتذكر أنني كنت أتسلق شجرة التوت وكنت وقتها صغيرًا وعثرت على حجاب مربوط بخيط سميك على جذع الشجرة، فأمسكت به وأعطيته لأبي وذهبنا به لشخص لديه خبرة في التخلص من هذه الأمور، وعلمنا وقتها أن هذا كان عملًا باختلال العقل وأنه كلما اهتز فرع الشجرة المربوط به العمل كلما شعر المسحور بعدم الاتزان ونصحنا من التخلص منه عن طريق وضعه في الترعة».

فتوى هامة
صدر عن دار الإفتاء المصرية الفتوى رقم 546 بتاريخ 30 إبريل 1997، أصدرها الدكتور نصر فريد واصل مفتي الجمهورية وقتها، حيث ورد تساؤل هام من أحد المواطنين جاء فيه «أخت حاصلة على ليسانس الحقوق العام، وعلى مستوى كبير من الجمال، وتوافد الخُطَّاب عليها يطلبون الارتباط بها، ولكنها كانت تشعر بإعياء شديد كلما تقدَّم أحدٌ لخِطبتها، ولا تستقر حالتها الصحية إلا بعد رفضه، واستمرت حالتها على ذلك أكثر من أربع سنوات، وذهبت إلى أحد العَرَّافين الذي أخبرها أنه معمول لها عمل بوقف الحال، وأعطاها بعض الأشياء لفك السِّحر، وكان الخُطَّابُ يرَونَها خارج المنزل فيُعجبون بها، ولكنهم يأتون إلى المنزل ولا يعودون مرة ثانية، ومرت الأيام والسنون على هذا الحال والسائلة تخشى على أختها من تدهور حالتها النفسية وتخشى على نفسها وعلى أولادها من الجن؛ لأن أختها أخبرتها بأن الجِنَّ يهاجمونها ليلًا وهي متيقظة.

وتطلب السائلة رأي الدين في السحر والسحرة، وكيف تتقي شرهم؟ وما هو العلاج لهذه المشكلة؟

وقال الدكتور نصر فريد واصل، ذَكر اللهُ السحرَ في أكثر من موضع في القرآن الكريم، كما ورد ذكره في السُنَّة المطهَّرة، وثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صنع له لبيدُ بن الأعصم سحرًا، يقول الله تعالى: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾ إلى قوله: ﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ﴾ [البقرة: 102].

ويقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «اجتنبوا السبع الموبقات» رواه البخاري، وعَدَّ منها السحر، ولقد ذكر العلماء أن جمهور المسلمين على إثبات السِّحر، وأن له حقيقة كحقيقة غيره من الأشياء الثابتة، وكون السحر له حقيقة ثابتة لا يعني كونه مؤثرًا بذاته ولكن التأثير هو لله تعالى وحده؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ﴾.

فقد نفى الله -عز وجل- عن السحر التأثير الذاتي ومفعوله، ونتيجته منوطة بإذن الله تعالى، ولا تتجاوز حقيقته حدودًا معينة، ولا يمكن أن يتوصل إلى قلب الحقائق وتبديل جواهر الأشياء.

ولقد وصف الله سحر سحرة فرعون بأنه تخييل في قوله تعالى: ﴿فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾ [طه: 66]؛ أي أن الحبال لم تنقلب في الحقيقة إلى ثعابين، وإنما خُيِّل ذلك للمشاهدين، ومن الآيات الكريمة نفهم أن الشياطين هم الذين يعلِّمون الناس السحر، وأن تعلم السحر ضارٌّ وليس بنافع، ويَحرُم على الإنسان أن يتعلم السِّحر أو الشعوذة لخداع الناس أو إضلالهم أو فتنتهم أو التأثير السيئ فيهم، كما يَحرُم على الإنسان أن يعتقد أن العراف أو المشعوذ أو الساحر هو الذي ينفعه أو يضره؛ يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَوْ كَاهِنًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» رواه أبو داود والطبراني.

وبناء على ما ذُكر: فإنه يجب الاعتقاد بأن كل شيء بقضاء الله تعالى، ولا يقع في ملكه تعالى إلا ما يريده، فيجب الإيمان بأن الله فعال لما يريد، والنفع والضرر من عنده، وتفويض الأمر لله، والرضا بما قضى به، ولو كان ثمة من يوثَق به في رفع هذا المرض فلا بأس به.

وننصح السائلة وأختها أن تقوي صلتها بالله، وأن تكون دائمًا في ذكر الله وذلك بالصلاة وقراءة القرآن والاستغفار، وعدم اللجوء إلى الدجالين والمشعوذين فإن ذلك انحراف عن الطريق المستقيم.

وفي فتوى أخرى صادرة عن مرصد الفتاوى الإلكترونية بمشيخة الأزهر الشريف، أنه لا ينبغي إنكار السحر والحسد، فإنه لا يسع مسلمًا أن ينكرهما فقد أخبرنا الله تعالى في القرآن الكريم بوجودهما؛ فقال سبحانه: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ [البقرة: 102]، وقال عز وجل: ﴿وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾ [الفلق: 5]، وأخبرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سنته الشريفة بوجودهما؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «وَلَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ الْإِيمَانُ وَالْحَسَدُ» رواه النسائي، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ...» متفق عليه.

ولكن المنكر هو الإسراف في ذلك حتى غدا أغلب من يزعمون أنهم يعالجون من السحر من المدعين المشعوذين المرتزقة، وأغلب من يظنون أنهم من المسحورين هم من الموهومين.

وعلى كل حال، فمن لم يجد مبررًا منطقيًّا لما يحدث له، وغلب على ظنه أنه مسحورٌ أو نحوه، فليتعامل مع ذلك بالرقى المباحة والتعوذ المشروع؛ كالفاتحة، والمعوذتين، والأذكار المأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

السحر علم

وأوضح الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، خلال برنامج «الطيب»، أن السحر ليس من خوارق العادات، وإنما هو تخييل يرجع إلى خفة في اليد، أو يرجع إلى الشعوذة، والساحر إنما يؤثر في أعين الناس فيجعلها ترى أشياء لا حقيقة لها في واقع الأمر، مبينا أن الفرق بين المعجزة والسحر يكمن في أن المعجزة حقيقة تؤثر في ذوات الأشياء، كما أنه تستحيل معارضتها والرد عليها بمعجزة أخرى، بينما السحر تخييل يتعامل مع الأعين لا مع الأشياء، كما أن السحر علم يمكن أن يتعلم ويعارض بمثله.

واختتم فضيلة الإمام الأكبر حديثه، بأن السحر لا يقلب حقائق الأشياء ولا يغيرها ولا يؤثر فيها، وإنما هو تخييل يحدث للرائي وليس له أي مقابل موضوعي في واقع الأشياء، مستنكرا على الساحر الذي يتعب نفسه ويصنع له حلقة كي يربح من خلالها بعض النقود؛ فلماذا لا يجلس في بيته ويسحر لنفسه ويتربح من خلالها؛ ألا يكون ذلك أفضل له من السير في الشوارع بغية أن يحصل من هذا أو ذاك على مبلغ ليقتات به.

ضحك على «الدقون»
من جانبه، قال عبدالحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر، إن الضار هو الله والنافع هو الله، مشيرًا إلى أن هذه الأعمال التي يقوم بها المشعوذون لا أساس لها من الصحة وإنما هم يستغلون ضعاف الإيمان فيبتذون أموالهم بهذه الطريقة.

وأضاف رئيس لجنة الفتوى الأسبق، أن الله لم يعط علمه لأحد من خلقه، مستشهدًا بقوله تعالى: ( قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون).
وقالت السيدة عائشة –رضي الله عنها- للنبي: (يارسول الله يذهب أحدنا للكهان فيخبره بالأمر فيقع صراحة كما قال، فقال صلى الله عليه وسلم يا عائشة كذب المنجمون ولو صدفوا).

وتساءل «الأطرش» - مستنكرًا- لو أن الله يعطى علمه لأحد أيعطيه للملائكة، أم للجان، أم للنبي، أم لهؤلاء المشعوذين؟ وأجاب قائلًا: لم يعط الله علمه للملائكة عندما خلق آدم فقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}.

ولم يعط علمه للجان، فقال: {لَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} (14)

ولم يعط الله علمه للنبي صلى الله عليه وسلم، والأدلة على ذلك كثيرة منها عندما عزمته يهودية ودست له السم في الطعام، ولو كان يعلم لما ذهب عليه الصلاة والسلام، وهزم النبي في غزوة أحد وشجت رأسه وكسرت رباعيته لو أن النبي كان يعلم لما دخل الغزوة.

وأكد أن المشعوذين يضحكون على العامة، وأن الأعمال التي عثر عليها في المقابر عبث لا فائدة منها ولا تؤذي من عٌملت لأجله إطلاقًا، ويتم التخلص منها بالحرق.

وأشار رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر، إلى أنه لو كان لدينا قوة كبيرة من هؤلاء السحرة الذين يعرفون الغيب ويدعونه فلماذا لم ينفعونا عندما هزمنا من إسرائيل عام 1967، ولماذا لا نرسلهم ليهزموهم في عقر دارهم الآن.

وعن قدرة الإنسان على تسخير الجان، قال «الأطرش»، كان البعض يستعين بالجان، فكان يسترق السمع في السماء فينزل بالمعلومة على مسخره فيكذب عليها 100 كذبة، مشيرًا إلى أن الجن مسخر لنبي الله سليمان ولم يسخر لأحد غيره، {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ}.

وأوضح أنه يمكن للبعض تحضير الجان ولكن لا يمكنه رؤيته لقوله تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ}، أما عن إمكانية سماع صوت الجن كما يردد البعض فهذا غير صحيح.

ولفت «عبد الحميد الأطرش»، إلى أنه يجب على الإنسان أن يتحصن من الجان وذلك عن طريق قراءة آية الكرسي والإخلاص والمعوذتين والوضوء المستمر بجانب قراءة أذكار الصباح والمساء.

وأكد رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر، عدم صحة «تلبس» الجن بالإنسان، وأن ادعاء بعض المشعوذين بأن شخص ما لبسه جني فأصبح يتحدث بصوته هو تمثيل، نظرًا لأن الجن مخلوق من نار والإنسان عبارة عن دم ولحم، ولو فرضنا أن الجن تلبس بإنسان فإنه سيحترق.

وقال «عبد الحميد الأطرش»، إن أحدهم قال له ذات مرة إن هناك امرأة تدعي أنها متزوجة من جني.

فقال له لو أن هذا الكلام صحيح وهناك امرأة متزوجة من جني وحملت منه ماذا سيكون جنس المولود "إنسي أم جني"؟! ولو كان المولود جنيا كيف سيعيش معنا؟ وإن كان إنسيًا كيف يعيش مع الجن؟، مشيرا إلى أن هذه طريقة لفتح باب الدعارة فكل امرأة تفعل كذا وكذا وتقول إن جن يعاشرها، نافيًا وجود ما يسمى بـ«الجن العاشق» وأنه مجرد كلام فارغ.

وأكد «الأطرش» على وجود المس، والدليل على ذلك قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} (201)

وأوضح أن لهذا السبب قال النبي صلى الله عليه وسلم (إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ أَوْ أَمْسَيْتُمْ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ،..)، لافتًا إلى أن وقت الظلام هو وقت انتشار الجان والشياطين، وفي حال لعب الصبيان في هذا الوقت قد يقع على جني أو شيطان فيصيبه بأذى، فيرد له الجني الأذى فيقع وينكسر مثلا، ولهذا السبب أمرنا النبي بالتعوذ عند دخول الخلاء فنقول "أعوذ بالله من الخبث والخبائث"، لأن الشيطان قال لربه اجعل لي مبيتًا قال مبيتك الحمام قال اجعل لي مكانك فقال مكانك الأسواق.

كما أكد على وجود السحر أيضًا، وعلى وجود علاج له، مشيرا إلى أنه في سيرة الرَّسول عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام أنَّ رجلًا من بني زُريقَ يهوديٌ، اسمه لبيدُ ابن الأعصمِ، سَحر الرَّسولَ الكَريم بِمُشاطةٍ لهُ "المشاطة: شعرة من الرأس"، أحضرها له يهوديٌ كانَ يخدِمُ الرّسول عليه الصَّلاةُ والسَّلام، ومَعها عدَّةُ أسنانٍ من مشطِ الرَّسول، فأعقَد لبيدٌ السِّحرَ في المُشاطة ثمَّ ألقاها في بئرٍ لبني زُريق وقيل في بئرِ ذروان، فأعمَلَ السِّحرُ في رَسولِ اللهِ وأمرَضَه حتَّى انتثَر شعرُ رأسه، واستمرَّ مَرَضهُ ستّة أشهرٍ، وبَلغَ فيهِ أشدَّ ما يجدُ المسحور، فكانَ يرى أنَّه يأتي النِّساء ولا يأتيهن، وجعلَ يذوبُ ولا يَدري ما عَراه، وفي ذلكَ ما رُويَ عن رسولِ الله عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في حديثِ السِّحر، حتّى جاءَهُ مَلَكانِ وهو نائمٌ، فجَلَسَ أحدهُما عندَ رأسِهِ والآخرُ عند رِجليهِ فأفتَياهُ في حالِهِ وفي مَكانِ سِحرِه، إذ قالَ الذي عندَ رأسِهِ للذي عندَ قدميهِ: ما بالُ الرَّجل؟ فأجاب: طُبَّ "أي سُحر"، فسأله: ما طُبابَته؟ فأجاب: سِحرٌ، فسألهُ: ومَن سحره؟ فأجاب: لبيدُ بن الأعصم، فسألهُ: وبمَ طبَّهُ؟ فأجابَ: بِمشطٍ ومُشاطةٍ، فسألهُ: وأين هو؟ فأجاب: في جُفِّ طَلعةٍ تحتَ راعوفةٍ في بئرِ ذَروان.

فلمَّا استَخرَجوا المُشاطةَ فإذا فيها وَترٌ معقودٌ فيهِ إحدى عشرة عُقدةً مغروزةٌ بالإبَر، فَجاءهُ جبريلُ عليهِ السَّلامُ بالمُعوِّذتينِ، فَجعَلَ يقراُ من آياتِها، فكانَ كلَّما قرأَ آيةً حُلَّت عُقدةٌ، فوَجدَ الرَّسولُ عليهِ الصَّلاة والسَّلامُ من أثرِ حَلِّها خِفَّةً، حتَّى إذا قرأَ آخرَ آياتِها انحلَّت العُقدةُ الأخيرةُ فقامَ كأنَّما نَشِطَ من عقالٍ، فكانَ فيهِ شِفاءُ الرَّسولِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام.

وأوضح «الأطرش» إذا كان لدينا العلاج، فلماذا نلجأ للمشعوذين لفك السحر وندفع لهم الأموال، مستشهدًا بقوله تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ}.

أما عن أعراض السحر على المسحور، قال «الأطرش» إنه يخيل إليه أنه يفعل الأمر ولا يفعله أوأنه يرى شيئا غير موجود لأن السحر عبارة عن تخيل، مؤكدًا أنه لا يمكن استعمال السحر في الخير هو يستخدم في الشر فقط، وأن عقوبة الساحر هي القتل.