دراسة أمريكية تكشف خريطة انتشار «الملحدين» فى محافظات مصر

تعطي المؤسسات الدينية اهتمامًا خاصًا لمواجهة ظاهرة انتشار «الإلحاد» في المجتمع المصري؛ فقد تبنى الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر في 2014 حملة دينية دعوية للرد على ما يثار من قبل الملحدين.
ومؤخرًا أصدرت دار الإفتاء بحثًا شاملًا حول ادعاءات الملحدين تحت عنوان: «سؤال العامة بأين الله؟» وهو السؤال الذي يشغل ذهن الملحدين دائمًا، حيث ينكرون وجود الله من الأساس، ويعتقدون بوجود قوة مسيرة للكون على الرغم من خطورة «الإلحاد»، إلا أنه لا توجد دراسة رسمية مصرية عن عدد الملحدين حتى الآن.
لكن هناك دراسة أميركية صادرة عن مؤسسة «بورسن مارستلير» بنيويورك، كشفت أن عدد الملحدين في مصر وصل إلى 3% من عدد السكان، أي أكثر من مليوني ملحد، وفقًا لاستطلاع أجرته جامعة إيسترن ميتشيغان الأميركية، بعد الحراك الشعبي الأخير الذي أعقب ثورة 25 يناير 2011، وانتهى بما حدث في 3 يوليو 2013.
وزعمت الدراسة أنه بعد أن كانت مصر تتصدر الدول الأكثر تدينًا في العالم في العام 2009، بنسبة 100% وفقًا لاستطلاع معهد جالوب، صارت الآن في مقدمة دول الشرق الأوسط الأكثر إلحادًا، وكشفت الدراسات، أن أكبر محافظات مصر من حيث عدد الملحدين هي القاهرة، تليها الإسكندرية، وهناك بؤرة إلحادية في الإسماعيلية وأخرى في الشرقية.
أما محافظات الصعيد فخالية تمامًا من الإلحاد، وفي دراسة أجراها باحثون أميركيون في العام 2004، وتعد الأولى من نوعها لدراسة علاقة الانتحار بالدين، تبين أن أكثر المنتحرين من اللادينيين، قتلوا أنفسهم ليتخلَّصوا من تعاستهم.
ووفقا لدراسة دار الإفتاء، فقد ذكرت أن هناك البعض من يمتحنون الناس ويشككونهم في عقيدتهم بالسؤال عن مكان الله تعالى، ونقول لهم، إنه مِن ثوابت العقيدة عند المسلمين أن الله تعالى لا يحويه مكان ولا يحده زمان؛ لأن المكان والزمانَ مخلوقان، وتعالى الله سبحانه أن يُحيطَ به شيءٌ مِن خَلقِه؛ بل هو خالق كل شيءٍ، وهو المُحيط بكل شيءٍ، وهذا الاعتقاد متفق عليه بين المسلمين لا ينكره منهم منكر، وقد عبّر عن ذلك أهل العلم بقولهم: "كان الله ولا مكان، وهو على ما كان قَبلَ خلقِ المكان؛ لم يتغير عما كان"، ومِن عبارات السلف الصالح في ذلك: ما نقله الإمام السبكي في "الطبقات" عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: [مَنْ زعم أن الله في شيءٍ أو مِن شيءٍ أو على شيءٍ فقد أشرك؛ إذ لو كان في شيءٍ لَكَانَ مَحصورا، ولو كان على شيءٍ لكان محمولا، ولو كان مِن شيءٍ لكان محدثا"]
وقيل ليحيى بن معاذ الرازي: أخبرنا عن الله عز وجل، فقال: إلهٌ واحدٌ، فقيل له: كيف هو؟ قال: مالك قادر، فقيل له: أين هو؟ فقال: بِالمِرصاد، فقال السائل: لَم أسألْك عن هذا؟ فقال: ما كان غير هذا كان صفة المخلوق، فأما صِفَتُه فما أخبرت عنه.
وسُئِل ذو النُّونِ المصري رضي الله عنه عن قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى﴾، فقال: أثبت ذاته ونفى مكانه فهو موجود بذاته والأشياء موجودة بحكمته كما شاء.
وأما ما ورد في الكتاب والسنة مِن النصوص الدالة على علو الله عزَّ وجَلَّ على خَلقِه، أوضحت دار الإفتاء، أن المراد بها علو المكانة والشرفِ والهيمنة؛ لأنه تعالى منزه عن مشابهة المخلوقين، وليست صِفاتُه كصِفاتِهم، وليس في صِفَةِ الخالق سبحانه ما يتعلق بِصِفةِ المخلوق مِن النّقص، بَل له جل علا مِن الصّفات كمال ومِن الأسماء حسناها، وكل ما خر ببالك فاللهُ تعالى خلاف ذلك، والعجز عن درك الإدراك إدراك، والبحث في كنْه ذات الرب إشراك.
وقالت دار الإفتاء، إنه إذا سأَلَنا إنسانا: أين الله؟ أجبناه بأن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيءٌ كما أَخبر سبحانه عن نفْسِه في كتابه العزيز؛ حيث قال تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
أما عن السؤال عن الله سبحانه وتعالى بـ"أين" كمسألةٍ عقائدية، قالت الدار، إنه يجب أن يؤمن المسلمون بأن الله سبحانه وتعالى واجِب الوجود أى أنه لا يَجوزُ عليه العدم، وأن وجوده ذاتي ليس لعلة. فلا يعقل أن يؤثر في وجوده وصفاته الزمان والمكان، وأضافت دار الإفتاء، أنه إذا قُصِدَ بهذا السؤال طلب معرفة الجهة والمكان لذات الله، والذي تَقتضي إجابَتُه إثباتَ الجِهَة والمكانِ لله سبحانه وتعالى، فلا يَليقُ بالله أن يُسأَل عنه بـ"أين" بهذا المَعنى؛ لأن الجِهةَ والمكانَ مِن الأشياءِ النسبية، بِمَعنى أننا حتى نصف أشياء بجهة معينة يقتضي أن تكون هذه الجهة بالنسبة إلى شيءٍ آخر، فإذا قُلنا مَثَلًا: السماءُ في جِهَةِ الفوق، فستكون جهة فوقية بالنسبة لِلبَشَر، وَجِهه السفل ِ بالنسبة لِلسماء التي تعلُوها وهكذا، وما دام أن الجِهةَ نسبية فهي لا تليق بالله سبحانه وتعالى.
وعلى ذلك: فلَو قال مسلِم: (الله في السماء) فإنه يحمَل قَولُه على مَعنَى أن الله لَه صِفة العلو المطلق في المكانة على خلقه؛ لأن الله تعالى منزه عن الحلولِ في الأماكن، فهو سبحانه بِكُلِّ شيءِ محيطٌ، ولا يحيط به شيء، والقول بأن الله تعالى في السماء مَعناهُ: علوه على خلقه لا أنه موجود فيها.
واستدلت الإفتاء على حديثها عن وجود الله، بقولها، إنه قد سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاريةً فقال لها: «أين الله؟» فأشارت بأصبعها إلى السماء، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لصاحبها: «أَعتِقْها فإنها مؤمنة» رواه مسلم، وليس في ذلك إثباتُ المكانِ لله، وإنما ذلك لأنّ السماءَ قِبْلَةُ الدُّعاءِ، لا أنَّ الله مَحصور فيها.
وأشارت دراسة الإفتاء، إلى أن الأئمةُ مِن السلف والخلف رضي الله عنهم كلهم متفقون على تنزيه الله تعالى عن الحوادث، وأنه لا يحده زمان ومكان، حتى ورد عن سيدنا أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه قولُه: " العجز عن درك الإدراك إدراك، والبحث في كنه ذات الرب إشراك "، وورد عنه قوله أيضا: "سبحان مَن لم يجعل للخلق سبيلًا إلى مَعرفته إلَّا بالعجز عن معرفته "، وورد عن سيدنا علي كرم الله وجه أنه قال: "لا يقال : (أين) لِمَنْ أَيَّنَ الأين؟ ولا يُقال: (كيف) لِمَن كَيَّفَ الكَيْفَ؟".. إلى غير ذلك مِن النُّصُوصِ الواردة عن السَّلَفِ الصالح في تَنزيه الله سبحانه وتعالى، وأهلُ السّنةِ مِن أَتْبَاعِ الأئمة الأربعة.