رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

حكايات «أغرب» من الخيال عن زواج «واتس آب» و«فيس بوك»

زواج الوتس آب
زواج الوتس آب


مع تطور التكنولوجيا والابتعاد عن الأخلاق والدين، بدأت تظهر في المجتمعات العربية عامة والمجتمع المصري خاصة، العديد من الأفعال التي تخالف العادات والتقاليد والقيم المجتمعية المختلفة، ولعل أحدث هذه الأفعال هي طرق الزواج الجديدة عبر التطبيقات الإلكترونية المختلفة، منها «زواج واتس آب»، و«زواج فيس بوك».


ويكشف التقرير التالي العديد من التفاصيل المثيرة عن الأنواع الجديدة من الزواج.  


الإحصائيات تكشف المستور

الإحصائيات التي أجراها مركز البحوث الاجتماعية والجنائية، كشفت عن أن هناك أكثر من مليون حالة زواج عرفي في مصر،  حيث ارتفعت خلال السنوات الماضية إلى 148 ألف حالة خلال عام 2016، لافتة إلى أن هناك عددا كبيرا من هذه الحالات لم يوثق فيها عقد الزواج، وهو ما يسمى «التصادق»، وهو تسجيل الزواج العرفي بين الزوجين بتاريخ حدوثه؛ لتكتسب الزوجة حقوقها الشرعية، حيث إن هناك نسبة 37% من حالات الزواج العرفي التي تم تصديقها، في حين أن الباقي كان عقدًا صوريًا بين الزوجين.


وأرجعت الإحصائيات والدراسات أن أسباب اللجوء إلى الزواج العرفي، هي ارتفاع تكاليف الزواج، والمغالاة في المهور، وارتفاع نسبة العنوسة بين الفتيات، وزيادة معدلات الطلاق، بالإضافة إلى المشاكل الأسرية، مشيرة إلى أن هناك أكثر من  ثلاثة ملايين و800 ألف فتاة تجاوزن سن الثلاثين وهو سن الزواج المتعارف عليه وما زلن بدون زواج، مشيرة إلى أن هناك 4 ملايين مطلقة في مصر، من بينهن مليون و300 ألف تزوجن بإجراءات غير قانونية، كما أن هناك نسبة 37% من الزيجات الحديثة تصل إلى الطلاق بعد فترة زواج لا تتعدى عامين.


وكشفت الإحصائيات عن مفاجآت خطيرة، من ارتفاع نسبة الزواج بين الفتيات في سن الـ18 عاما وحتى 24 عامًا، حيث سجل العام الماضي أكثر من 4238 ألف حالة زواج لفتيات في هذا العمر، مقارنة بالأعوام السابقة التي كانت دائما نسب الزواج العرفي في الفتيات التي تعدى عمرهن الـ40 عامًا.


وأظهرت الدراسات الحديثة واستطلاعات الرأي في مصر وعدد من الدول العربية أن غالبية الفتيات يلجأن لمواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاتصال الحديثة لاختيار الزوج، بعد تفشي ظاهرة «العنوسة» في المجتمع المصري.


وظهرت الكثير من المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي للزواج بهذه الطريقة، ويتعدى زوارها الملايين، فقد يصل بعضهم إلى 15 مليون زائر يوميا، وتزيد نسبة الذكور علي الإناث- حسب إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.


زواج واتس آب

كشفت مطلقات وأرامل عن ظهور وسيلة جديدة للزواج دون التوثيق الشرعي ولكن بأركان الزواج وشهادة الشهود، ويتم هذا الزواج عن طريق "واتس آب" بأن يقوم الرجل بطلب السيدة للزواج على سنة الله ورسوله من خلال جروبات بين مجموعة من الأصدقاء على تطبيق "واتس آب"، فترد عليه بالقبول، قائلة، "زوجتك نفسي"، وسط حضور عدد من الشهود على هذا الأمر، ويتم الإشهار بين الجميع على التطبيق؛ لتصبح منذ هذه اللحظة  زوجته.


وقالت "مديحة.ن"، 22 سنة، إحدى الفتيات اللاتي تزوجن عبر "واتس آب"، إنها كانت على علاقة بأحد أصدقائها في الجامعة، وأراد الزاوج منها، فعلما بنوع جديد من الزواج وهو «زواج واتس آب»، حيث إنهما قررا الزواج عبر جروب يجمع بين العديد من الأصدقاء بينهما، وتزوجا وسط وجود شهود بينهما، ولكن الأمر بقي سرًا عن عائلتهما لحين أن تستقر أمورهما ويعلنان زواجهما بعد هذا الأمر.


وأوضحت أنهما يمارسان الحياة الزوجية والعلاقة الجنسية وكل شيء، وأنهما يتقابلان في منزل يمتلكه الشاب لكن لا يقيمان بشكل دائم مثل الزوجين، لافتة إلى أن هذا النوع من الزواج بدأ في الانتشار بين الشباب في مختلف الجامعات، لافتة إلى أن هذا الزواج يكون بدون أي توثيق رسمي.


وأضافت "نور.أ"، 38 سنة، أنها أم لطفل ولديها وظيفة جيدة ومنزل وحياتها مستقرة، وتريد الزواج في السر، متابعة: "تقدم لي زميلي في العمل وأخبرته أني لا أريد أن ينتشر خبر زواجي فتتغير حياتي فاقترح عليّ هذه الفكرة وتم فعلًا الزواج؛ لكننا افترقنا بعد فترة".


وتابعت "نهى.أ": " تلقيت عرضًا بالزواج من أحد أصدقائي، عن طريق "زواج واتس آب"، وحاول الضغط علي كثيرًا  لإقناعي بهذا الزواج، وسمعت عن حالات زواج تمت بهذه الطريقة؛ لكنها لم تستمر لأكثر من شهور.


زواج فيس بوك

وهناك نوع آخر من الزواج عبر موقع التواصل الاجتماعي وهو زواج "فيس بوك"، ويتم من خلال التعارف عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومن ثم التواصل مع بعض الأشخاص الآخرين لمعرفة رأي الشرع في زواجهما، ثم يذهبان للزواج العرفي بعقود غير موثقة عند الدولة أو المأذون الشرعي، على أن يتم لفترة من الوقت، في نوع آخر لتقنين الدعارة بشكل يحفظه القانون، وانتشر كثيرًا خلال الفترة الماضية هذا النوع من الزواج، حتى أصبح هناك بعض الجروبات السرية عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" يتم من خلالها هذا الأمر، ويكون للتعارف بين الرجال والنساء.


رأي الدين في أنواع الزواج

وبسؤال علماء الدين حول مشروعية الزواج عبر الإنترنت، وكيف يمكن مراعاة الآداب الإسلامية في ضبط المحادثات، أوضح الدكتور علي الأزهري أستاذ العقيدة والفلسفة الدينية بجامعة الأزهر، أن هذه الأنواع من الزواج تفتح بابا من الشر والفتنة، وأنه لا يجوز إتمام هذا الأمر بهذه الطريقة السرية والتي لا يعلم عنها الأهل، لافتًا إلى أنه نوع من العبث، الذي يفتقد لأساس شرعي معتبر، مشيرًا إلى أن علماء الإسلام أباحوا للمرأة البالغة العاقلة أن تزوج نفسها بنفسها وأن يكون لها كامل الولاية في هذا الشأن، لافتًا إلى أنه تمت إساءة استعمال هذا الأمر من خلال اختراع أنواع من الزواج تكون بدون توثيق الزواج من الجهات المختصة، وهذا نوع من العبث لا جدال فيه.


من ناحيته، قال الأستاذ الدكتور محمد عبد العاطي، عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالقليوبية، إنه لابد أن يعلم الجميع أن الزواج في الإسلام رباط مقدس وميثاق غليظ ولكي يكون الزواج صحيحًا لابد أن يستوفى أركانه وشروطه التي تتمثل في الإيجاب والقبول وشهادة الشهود ورأي الوالي بالنسبة للأنثى والإشهار وهذا ما نعرفه بالطبع عن الزواج.


وتابع: هذه الأركان والشروط لم تكن مستوفاة في الزواج عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي سواء «فيس بوك» أو «واتس آب» أو أي وسيلة أخرى من الوسائل الإلكترونية.


وأضاف «عبد العاطي»، أنه من الممكن أن يكون «الواتس» هو وسيلة فقط للتعارف ليس إلا؛ لكنه لا يكون الزواج صحيحًا إلا أذا اتبعنا الطريق السليم والصحيح بالتأكيد لن يكون أبدًا عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي وإنما يكون عن طريق التواصل الواقعي والحقيقي وليس الافتراضي يختار الزوج زوجته على أساس الدين وتختار الزوجة زوجها على أساس الدين أيضًا ولا بد من مباركة ولي الأمر بالنسبة للأنثى ولا بد من الشهود وعقد القران الصحيح.


أما الذي يحدث عن طريق الوسائل الإلكترونية لا يعتبر زواجًا على الإطلاق خاصة وأن ليس فيه إشهار بالمعنى المتعارف عليه وليس فيه الإيجاب والقبول الحقيقي والواقعي وإنما هو إيجاب وقبول افتراضي، وليست هناك موافقة ولي الأمر على الزواج وهذا كله يخل بعقد الزواج وبناء عليه لا أرى إقرار هذا الزواج على الإطلاق ووسائل التواصل الواقعية والحقيقية متاحة لمن كان جادًا في أن يعف نفسه وأن يتبع تعاليم دينه في إقامة أسرة سليمة على أساس الدين والقرآن والسنة.


وأكد عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالقليوبية، أن الزواج الذي يحدث على الواتس آب، ليس زواجًا صحيحًا وإذا تواصلا فيما بينهما جسديًا يعتبر «زنى».


وتابع: «نحن نحث الشباب والشابات أن يمتثلوا لأوامر الدين وأن يسلكوا الطريق السليم والصحيح والقويم خاصة في هذه المسألة المهمة وهي الزواج لإقامة أسرة فمن المعروف أن الأسرة هي نواة التكوين للمجتمع فإذا كانت الأسرة لا تقوم على أساس سليم فالمجتمع أيضًا يكون قائمًا على أساس غير سليم».


وأوضح أن وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تقوم بدور الخاطبة كما كان في الثالثة القديمة لمجرد التعارف المبدئي وليس الزواج الحقيقي ثم بعد ذلك يحدث زواجًا حقيقيًا على أرض الواقع وليس زواجًا افتراضيا، لأن العالم الافتراضي لا يُعرف فيه الغث من السمين ولا يعرف فيه الحق من الباطل.


وأشار «عبد العاطي» إلى أنه في عالم التواصل الاجتماعي تجد الفتاة تصور نفسها للشاب على أنها ملكة جمال وأنها ذات دين وذات نسب وذات مال وهي في الحقيقة غير ذلك، والعكس صحيح فتجد الشاب يصور نفسه للفتاة على أنه يمتلك الأمور التي من أجلها تميل إليه وتتمنى أن تكون معه زوجة لكن يحدث في الواقع غير هذا إذن فالواقع هو الأساس وليس الوسائل الإلكترونية.


علماء النفس يكشفون الأسباب

وقالت الدكتورة سوسن فايد، أستاذ علم النفس السياسي والاجتماعي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، إن ظاهرة انتشار زواج «الواتس آب» و«الفيس بوك»، ترجع لعدة أسباب منها وجود تقنية تفرض نفسها على العصر تتيح أسلوب للتواصل، بالإضافة إلى ضعف التفاعل الاجتماعي عن ما سبق، حيث كان التفاعل الاجتماعي سابقًا في المجتمع المصري مبنيًا على الاختلاط والاجتماعيات حتى على المستويات سواء الأهل والجيران والأصدقاء، لكن حاليًا أصبح الاتصال عن بعد ولا يوجد التفاعل الذي يسمح بالتعارف بالتقارب؛ حيث يتم إعطاء فرصة للشباب للتعارف فيما بينهم.


وأضافت «فايد» خلال حديثها لـ«النبأ» أنه في السابق كانت توجد وظيفة تقوم بها الخاطبة ودورها توصيل المعلومات والتقارب ما بين العائلات وكان دورها ناجحا في أحيان كثيرة في تحقيق الزواج؛ مؤكدة أن الفرص كلما كانت قليلة كلما كان في أساليب بحث وخصوصًا أساليب عصرية بينما خوف الفتاة من العنوسة يجعلها تقبل الزواج.


وأكدت أستاذ علم النفس السياسي والاجتماعي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن طريقة الزواج بدون توثيق رسمي؛ موجودة منذ زمن سواء على المجتمع الافتراضي أو الواقع الاجتماعي والمعروف بالزواج «العرفي» لكن بالطبع الإنترنت يساعد في انتشارها إلا أنها موجودة.


وتابعت: السبب الحقيقي في هذا الأمر هو وجود قيم جديدة وإحلال وإبدال ثقافات لم تكن موجودة سابقًا في المجتمع المصري وهي ثقافات واردة علينا ومرجعيتها من وجهة نظري هي الهروب من المسئولية وتحديدًا الذكور لأنه يأخذ هذا الأمر لمدة معينة ومن ثم يبدأ أن يتحرر ويكون ليس مرتبط ارتباطًا مقدسًا أو رسميًا أوعليه أعباء وواجبات.


أما الزواج عن طريق «واتس آب» فهذه الجروبات التي تقوم بها «منحرفة» وهو ليس زواجًا، ويعود ذلك إلى أزمة القيم والمبادئ والانحلال والإباحية والتحرر والانحرافات، ولن يدخل هذا تحت مظلة الزواج مؤكدة أنها علاقات «منحرفة»، فالهروب من المسئولية إن كانت مادية أو تابعية من وجود أطفال في المستقبل، تكون نهايته مجرد علاقة مؤقتة، وهذا الأمر يسمى عبثًا وليس زواجًا.


وأكدت «فايد» أن هذه الثقافات واردة علينا من الخارج، وفي تصورها أن هذه الثقافات هي أجندة خارجية المقصود بها تفكيك المجتمع للتحرر من الأسرة وبناء المجتمع فهذا موجود في مجتمعات أوربية لكنهم اكتشفوا أن تلك المجتمعات وصلت إلى مرحلة التفكك وبدأُ يتراجعون عنها ويصدرونها إلينا. مضيفة أنه لعدم وجود توعية أو ثقافة كاملة نقع في تقليد الأعمى وبعد فوات الأوان نكتشف أننا وقعنا في الخطأ مع أن التجارب أمامنا.


وأوضحت أستاذ علم النفس السياسي والاجتماعي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن هذه الظاهرة تقع تحت تأثير ثقافات واردة علينا مع وجود أزمة قيم، وفي حالة غياب عمل المؤسسات المعنية التوعية في دعم القيم والمفاهيم الصحيحة، نقع فريسة للثقافات الواردة علينا والتي تخاطب الغرائز وجهل الأمم وهذا يعتبر حرب الجيل الرابع في تفكيك المجتمع بشكل هندسي.