رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

أسرار تدخل أمريكا وإسرائيل على خط الأزمة مع إثيوبيا بسبب سد النهضة

سد النهضة - أرشيفية
سد النهضة - أرشيفية


دخلت المفاوضات السياسية حول أزمة «سد النهضة» مراحلها الأخيرة، وفقًا لتصريحات الخارجية المصرية، فمجددًا فشلت المفاوضات الثلاثية بين مصر وإثيوبيا والسودان وكالعادة خرج اجتماع الخرطوم، بلا نتائج، وهو الاجتماع التاسع على مستوى وزراء الخارجية، بينما كان هذا الاجتماع هو الأول الذي يجمع كافة الأطراف، عقب انتخاب الحزب الحاكم في إثيوبيا «أبي أحمد» رئيسًا للوزراء؛ خلفًا لـ«مريام ديسالين»، المستقيل عقب احتجاجات شعبية.


وقال سامح شكري، وزير الخارجية: «لقد فشلنا في كافة السبل، وأصبحنا في طريق مسدود، سنعطي مهلة أخيرة لمدة 30 يومًا»، وأضاف شكري في تصريحات: «إنه بعد 18 ساعة من المفاوضات في العاصمة السودانية الخرطوم تم بحث كل الموضوعات العالقة وكيفية تنفيذ التعليمات الصادرة عن زعماء الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا فيما يتعلق بإيجاد وسيلة للخروج من التعثر الذي انتاب المسار الفني في المفاوضات من خلال مشاورات وزراء ثلاثة والتي تضم وزراء الخارجية والري ومديري أجهزة المخابرات بالدول الثلاث».


وأكد أن المشاورات كانت شفافة وفيها كثير من الصراحة وتناولت كل الموضوعات، ولكن لم تسفر عن مسار محدد ولم تؤت بنتائج محددة يمكن الإعلان عنها.


وأضاف شكري: «سوف نستمر وفقا لتعليمات القادة في السعى للانتهاء من هذا الأمر خلال مدة 30 يوما، والتي تعتبر قد بدأت اعتبارًا من يوم 5 أبريل الحالى وتمتد حتى 5 مايو المقبل؛ للامتثال لتعليمات الزعماء لإيجاد وسيلة لكسر الجمود خلال هذه الفترة».


وبالنسبة للجانب السوداني فأعلن وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، عن رفع اجتماع اللجنة الثلاثية الخاصة بسد النهضة دون الوصول إلى توافق أو الخروج بقرار مشترك، لكن غندور وصف المحادثات، التي استمرت، بأنها كانت بناءة ومهمة.


وأشار وزير الخارجية السوداني إلى أن الأطراف مازالت على خلاف بشأن قضايا فنية.


من جانبها، أكدت وزارة الموارد المائية والري أن أزمة سد النهضة اتخذت المسار الدبلوماسي منذ طالبت القاهرة بتدخل البنك الدولي كطرف محايد لحل الأزمة؛ وهو الطرح الذي لم يلق قبول الطرف الإثيوبي؛ في إشارة إلى أن دور الري فني فقط ومتوقف على إعلان استكمال الدراسات الاستهلالية الذي عنده ستبدأ الوزارة عن طريق مهندسيها في استكمال الدراسات الفنية التي توقفت منذ شهور عدة.


وحصلت «النبأ» على معلومات غاية في الأهمية تتعلق بما دار في مباحثات الخرطوم مؤخرًا، وشهدت الاجتماع الذي استمر لمدة 15 ساعة بين الدول الثلاثة، ولأول مرة، قيام كل دولة طرح مطالبها ومخاوفها من الأزمة.


وأبدى الجانب المصري بكل صراحة تخوفه أن يؤدي بناء السد وما يتبعه من خطوة تخزين للمياه لتدمير مساحات من الأراضي الزراعية لديها، فضلًا عن نقص مياه الشرب.


في المقابل، تطالب القاهرة بضرورة اعتماد التقرير الاستهلالي الخاص بدراسات سد النهضة، التي يجريها المكتبان الاستشاريان الفرنسيان، الذي سبق أن رفضت السودان وإثيوبيا الموافقة عليه، فيما وافقت مصر على التقرير في جولة المفاوضات السابقة في نوفمبر 2017.


كما أبدت القاهرة رفضها التام لـ«سعة» السد التخزينية الكبيرة، التي تصل إلى 74 مليار متر مكعب في العام، وهو ما يؤثر على حصتها السنوية.


كما طالبت القاهرة أيضًا من الجانب الإثيوبي وقف استكمال بناء السد حاليًا والذي قارب على انتهاء 7 % منه وبدء تركيب التربينات الكهربائية به، لحين انتهاء الدراسات وتوافق المواصفات الهندسية والفنية مع موقع إقامة السد.


وأكدت مصر تمسكها أن يكون التخزين لمدة 10 سنوات، وفي نهاية المفاوضات عدم التراجع نهائيا على المطالب المصرية، كما أكد الوفد، تمسك القاهرة بالمفاوضات الدبلوماسية مهددًا باللجوء إلى وسائل عدة للدفاع عن الحقوق المصرية.


كما أكد الجانب المصري رفضه اتفاقية «عنتيبي» الموقعة بين دول حوض النيل.


وكشفت المصادر، أن الجانب الإثيوبي أعلن هو الآخر تمسكه بمواقفه السابقة والتي من أبرزها: أن السد ضرورة لتطوير البلاد، وتؤكد أن له منافع لجميع الدول، ويبدو أن الموقف السوداني أقرب إلى إثيوبيا منه إلى مصر، إذ عبّرت الخرطوم أكثر من مرة عن اعتقادها أن السد ستكون له فوائد على دول المصب، بخلاف ما تخشاه القاهرة.


كما تتمسك إثيوبيا بأن تستغرق عملية تخزين المياه في السد 3 سنوات كما رفضت إثيوبيا لتقرير يطرح كيفية استكمال دراسات بشأن السد، ورفض إثيوبيا لمطالب مصر لعقد اجتماعات لحل تعثر المسار الفني لإنشائه.


كما رفضت إثيوبيا نهائيا طلب القاهرة بتدخل البنك الدولي لحل الأزمة ومراجعة الدراسات الإنشائية للسد والتقرير الاستهلالي الخاص بدراسات السد.


ووفقًا لتأكيدات المصادر، فإنه حيال تمسك كل دولة بمطالبها، وعدم حدوث تغيير في الموقف الإثيوبي رغم تغيير رئيس وزرائها، فإن سبب تأجيل الاجتماع القادم للأول من مايو المقبل ولمدة شهر، من أجل طلب دول أجنبية بالتدخل ولعب دور الوسيط لتقريب وجهات النظر بين الدول الثلاثة والضغط على إثيوبيا لقبول المطالب المصرية، ولهذا فإن مصر وإثيوبيا أبديا موافقتهما على تدخل الولايات المتحدث كطرف محايد ووسيط دولي لتقريب لحل الأزمة، حيث من المنتظر قيام وفد يمثل الخارجية الأمريكية بزيارة القاهرة والخرطوم وأديس أبابا، بغرض التعرف على مواقف الدول الثلاث حيال قضية سد النهضة؛ من أجل تكوين نظرة محايد، وخلق أرضية مشتركة تساعد على الوصول إلى التفاهمات والحلول التي ترضي جميع الأطراف».


ومن المنتظر قيام الوفد الأمريكي بأكثر من جولة وساطة قبل عقد الاجتماع بين الدول الثلاثة في مايو المقبل، وكشفت المعلومات عن وجود وساطة من دول أخرى لحل الأزمة من بينها السعودية، والمفاجأة تدخل إسرائيل كوسيط.


وذكرت تقارير خارجية عن إمكانية لجوء القاهرة لـ«تل أبيب» بالتدخل للضغط على إثيوبيا لقبول اعتماد التقرير الاستهلالي الخاص بدراسات سد النهضة، التي يجريها المكتبان الاستشاريان الفرنسيان.


ووفقًا التقارير، فإن سبب لجوء القاهرة لتل أبيب كوسيط هو قيام إسرائيل بالتوغل في العديد من المشروعات داخل الأراضي الإثيوبية، كما تشير الأخبار بأن القاهرة قد تلجأ لدول صداقة مثل الصين باعتبارها أحد المشاركين في بناء السد.


وكشفت المعلومات داخل وزارة المالية، بأن القاهرة سوف تنتظر جهود الوساطة، وما ستسفر عنها، بجانب انتظار مصر لرد رئيس الوزراء الجديد الإثيوبي، على المطالب المصرية حيث تأمل القاهرة تغير الموقف عما كان عليه سابقًا، بجانب تدخل المخابرات المصرية في الأزمة بكل قوة باستغلال أن رئيس الحكومة الإثيوبي الجديد كان ضمن جهاز المخابرات الإثيوبي.


وذكرت المصادر، أن جلسة المفاوضات المقرر لها مايو المقبل، ستكون الأخيرة على مستوى المفاوضات السياسية، وفي حالة فشلها سوف تتجه القاهرة نحو التصعيد دوليا وقانونيا، باعتبار أن هناك اتفاقيات دولية بشأن حقوق المياه بين الدول، وقد يكون الخيار العسكري وإن كان مستبعدًا حاليا آخر الأوراق الأخيرة، وهو الحل الصعب أمام القاهرة، وربما تتخذه أو تلوح به.


في السياق ذاته يرى الدكتور محمد رجب، الخبير في الشأن المائي بالمركز القومي للبحوث الزراعية، أن ملء السد والمقاييس الفنية، لا يعرف أحد عنها شيئًا حتى الآن، مشيرًا إلى أن الجانب الإثيوبي، لم يُقدمها إلى اللحظة، بحسب ما أعلنه المكتبان الفنيان، حيث أشارا إلى أنه لم يصلهما الرسومات المطلوبة؛ لمعرفة ما إذا كانت هناك عيوب وكوارث ستنتج عن السد أم لا.


وأضاف «رجب» أن عدم تقديم تلك الرسومات يُشير إلى أنها ليست في حوزتها، وأنه تم البناء باستعجال دون رسومات، أو أنها تريد حجبها عن تلك المكاتب، وهو ما يجعل الجانب الإثيوبي يرفض الاعتراف بتقارير الفنية الفرنسي.


وقال الخبير المائي، إن تدخل دول محايدة في الأزمة قد يكون البديل المتاح لحل للخروج من تجمد المفاوضات حاليا، بهدف طرح حلول جديدة للدول الثلاثة، كما يعد تدخل الدول نوعًا من الضغط.


وأضاف الدكتور رجب، بأن مصر عليها استخدام الكروت التي تمتلكها حاليا، ولكن يجب أن يكون هناك تنسيق بين مصر والسودان؛ لتوحيد وسائل الضغط على الجانب الإثيوبي لمواجهة تلك الأزمة.


ويرى خبير المياه، أن مصر عليها أن تتجه لمجلس الأمن والأمم المتحدة، إذا استمرت الأوضاع على ذلك، فكل هذه طرق مشروعة لابد من سلكها قبل أي تصعيد عنيف.


أما الدكتور سعد عبد المنعم، خبير الشئون الإفريقية، فيرى أن دلائل مفاوضات «سد النهضة»، تشير إلى أنه لا توجد أي نية لدى إثيوبيا لتقديم أي تنازلات للوصول إلى حل.


وأشار، إلى أن الجانب المصري كان مرنًا، وعمل على الوصول إلى صيغة ترضي الأطراف الثلاث، مشددًا على ضرورة وجود معايير جديدة في إطار سلمي للتفاوض بين الثلاث دول.


وقال الدكتور عبد المنعم، إن ما حدث خلال الاجتماع التُساعي، مراوغة جديدة من الجانب الإثيوبي، مؤكدًا أن تلك المراوغات مستمرة طويلًا، وليس أمام مصر إلا التصعيد الدولي لأن المفاوضات ثبت أنها لن تجدي.


ونوه بأن أديس أبابا، تعاني حاليًا من أزمة حادة فيما يخص تمويل السد، ولذلك تحاول كسب وقت أطول، لإنهاء تلك الأزمة، ومعاودة العمل مرة أخرى فيها، غير أن مصر ليس أمامها أيضا إلا المفاوضات.


في السياق ذاته، أكد الدكتور هاني رسلان، نائب رئيس مركز «الأهرام» للدراسات السياسية ورئيس وحدة دراسات السودان ودول حوض النيل؛ أنه بإعلان عدم الوصول إلى اتفاق فيما يخص اجتماعات اللجنة الوزارية الثلاثية حول «سد النهضة» الإثيوبي الذي انعقد الخميس في دولة السودان يكون قد وصل المسار التفاوضي إلى نهايته المحتومة؛ على حد وصفه.


وأضاف «رسلان»: «أتصور أن المسار التفاوضى وصل إلى نهايته المحتومة حيث ظلت إثيوبيا طوال الوقت تستخدمه كغطاء للاستمرار فى البناء مع إظهار نفسها فى ذات الوقت كأنها دولة متعاونة وتتفاوض مع دولة المصب».