رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

«فيس بوك» يستعين بـ«مخبرين» لرصد التعليقات «المشبوهة»!

فيس بوك - أرشيفية
فيس بوك - أرشيفية


بدأ عملاق التواصل الاجتماعي الأكبر حول العالم «فيس بوك» في إجراء خطوات أمنية معقدة من أجل مراقبة المنشورات والتعليقات التي يكتبها المستخدمون على مدار اليوم بهذا الموقع العملاق، وبحسب تصريحات مسئولي «فيس بوك»، فتلك المراقبة تهدف إلى مواجهة التدوينات التي تحض على العنف والكراهية وتثير مناخ الإحباط والتشاؤم، وكذلك المنشورات غير اللائقة والتي تعرض صورًا أو فيديوهات «إباحية» للأطفال.


إلا أن عددًا من المشاهد المتلاحقة خلال الشهور الماضية الأخيرة، كشفت الأهداف الحقيقية لتلك الحملة الأمنية العالمية على «فيس بوك».


ومن خلال ثلاثة مشاهد كان بطلها «فيس بوك» في الشهور الأخيرة، نرصد بعض التغييرات في سياسة موقع التواصل الاجتماعي الأكبر، والتي تعبر عن توجهات تخالف منهجه المعلن القائم على حرية التعبير ونشر الأفكار دون قيود.


البداية قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية، التي فاز فيها رجل الأعمال الجمهوري دونالد ترامب على نظيرته هيلاري كلينتون، حيث اتهمت الكثير من الدوائر الإعلامية والسياسية «فيس بوك» بالتدخل في تلك النتيجة، من خلال نشر أخبار «مفبركة» ساهمت في فوز ترامب «غير المتوقع»، على حد وصفهم.


ومنذ ذلك الوقت، وتسعى الشبكة الاجتماعية الأكبر حول العالم، لمواجهة تلك الأخبار «المفبركة»، حيث قامت مؤخرًا بعرض إعلانات ترويجية في دول قريبة من مرحلة انتخابات حاسمة مثل فرنسا، التي شهدت انتخابات على منصب رئيس الوزراء، وألمانيا التي تُجرى بها انتخابات رئاسية في وقت لاحق.


وتهدف تلك الإعلانات، إلى توضيح الطرق التي يمكن بها للقراء تقييم الأخبار وتحديد التقارير الخاطئة و«المفبركة».


وظهرت الإعلانات في العديد من الصحف الفرنسية والألمانية العريقة مثل لوموند، وإكسبريس الفرنسيتين، وصحف سوديوتش زيتونغ، دير شبيغل وبيلد الألمانية، وقال المتحدث باسم «فيس بوك» آندي ستون، إن الشركة تدير تلك الإعلانات الرقمية؛ لتثقيف الناس داخل وخارج المنصة الإلكترونية.


كما قام «فيس بوك» خلال تلك الفترة بإغلاق أكثر من 30.000 حساب مزور، من خلال طرق أمنية معقدة تستهدف التعرف على منتحلي الشخصيات، وأصحاب الشخصيات الوهمية الذين يبثون أخبارًا وهمية ـ على حد زعم الموقع.


وقال شبنم شايك، مدير برنامج التقنية في فريق الحماية الأمني للفيس بوك: «لن تؤدي هذه التحسينات الأخيرة إلى إزالة كل حساب مزيف، ولكننا حريصون على تحسين فعاليتنا باستمرار».


في الإطار نفسه، قدمت الشبكة الاجتماعية أداة لمستخدميها في 14 بلدًا، من بينها الولايات المتحدة الأمريكية، تقدم لهم طريقة مثالية تستطيع فحص المعلومات التي يقرءونها والتعرف على المقالات المفبركة، حيث يشاهد مستخدمو «فيس بوك» في تلك الدول زر مشاركة في الجزء العلوي من الإشعارات التي تقدم "نصائح لاكتشاف أخبار كاذبة"، والتي تشمل "التشكك في العناوين الرئيسية" و"التحقق من المصدر" و"التحقق من الأدلة".


ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، حيث أطلق موقع التواصل الاجتماعي الشهير شراكة في ديسمبر الماضي مع العديد من المنظمات للتحقق من صحة المواد المشكوك فيها وفحصها، وهو ما أسماه حينها «مبادرة النزاهة الإخبارية»، وهي محاولة مع جامعة مدينة نيويورك و«مركز تو نايت للصحافة»؛ لمعالجة المعلومات المضللة والمغلوطة.


ولكن هذا الأمر، لم يرق لبعض النشطاء في مجال حرية التعبير، التي اعتبروها فرصة من الشركة لتقييد حرية الموقع، والمشاركات من جانب الأعضاء، وفرصة لاستغلال قادة السياسة والفكر حول العالم لـ«تنميط» المستخدمين في قوالب محددة يقومون بصناعتها بأيديهم وفقًا لأهوائهم وأفكارهم، على عكس فكرة «فيس بوك» نفسه القائمة على الحرية الشخصية، والتنوع الكبير في الفكر والرأي والمعلومة والتي تقوم بمشاركتها مع الآخرين.


ولعل هذا ينقلنا إلى المشهد الثاني من تلك الخطة الأمنية، حيث أطلق «مارك زوكربيرج»، مؤسس موقع «فيس بوك» في فبراير الماضي، عدة تصريحات مثيرة للجدل، أشار فيها إلى البدء في تنفيذ خطة، لما أسماه حينها "حماية العولمة" وتتمثل في إنشاء مجتمع عالمي على شبكة الإنترنت برعاية «فيس بوك».


تزامنت تلك التصريحات مع تحديثات جديدة في «فيس بوك» تضمنت إضافة العلم إلى صورة الملف الشخصي، وهو ما اعتبره البعض دلالة على تغيير في الطريقة الطريقة التي بدأ يفكر بها الموقع العالمي العملاق نحو مستخدميه.


فرغم ما زعمه مسئولو «فيس بوك» حينها، بأنها فكرة قديمة تعود إلى عام 2015، حين سمح «فيس بوك» بنشر الصور الشخصية مُضافًا لها شعار الفريق الرياضي الذي تشجعه، وأن ما حدث عبارة عن تطوير لها، ووسيلة لإظهار الدعم والتشجيع للمنتخبات الوطنية، ولكن اتساع تلك الفكرة لتشمل ما يقرب من 200 علم وطني للعديد من الدول حول العالم كان له بُعد آخر.


وساعدت تلك الطريقة «فيس بوك» في جمع بيانات أكثر عن الأشخاص والدول التي يقيمون بها، وجنسياتهم، ما ساهم في توفير بيانات ضخمة، تحولت بدورها إلى شركات الإعلان، مقابل مبالغ طائلة استفاد منها «فيس بوك».


وبالعودة إلى تصريحات مؤسس «فيس بوك»، مارك زوكربيرج، نجد أنه أكد فيها أن موقعه يهدف إلى خلق «مجتمع عالمي جديد»، وهو ما تم تفسيره على نطاق واسع، بأنه طريقة جديدة لمواجهة المد المتزايد المناهض للعولمة.


وحينها تم تفسير وضع أعلام الدول بجوار الصور الشخصية أنها تساعد في أن يجد الشخص المجتمع الخاص به، في الوقت الذي تعزز فيه الشعور بالانتماء العالمي، مع تطويرها في أوقات لاحقة إلى رفع أعلام دولية عالمية، تجمع المشتركين من مختلف دول العالم تحت راية واحدة، فيما يعد تمثيلًا جيدًا لفكرة زوكربيرج حول العولمة، وبناء مجتمع عالمي جديد.


وتضمنت الخطة حينها مراقبة جميع الأفكار التي تناهض فكرة العولمة والقرية الواحدة التي يدافع عنها «مارك زوكربيرج» مع تنميط المستخدمين للموقع في قوالب متشابهة، تأبى التنوع والاختلاف بحجة أنه متطرف على وخارج عن نطاق المألوف في هذا العالم الكبير.


أما المشهد الثالث والخطوة الأبرز في تلك الخطة الأمنية، كانت في أبريل الماضي، حيث قرر «فيس بوك» تعيين مجموعة من الموظفين الجدد بمهام مثيرة للجدل، تشبه مهام المخبرين الأمنيين في الدول البوليسية العريقة.


وتتمثل مهمة هؤلاء الموظفين في الإشراف ومراقبة المحتوى المنشور على الموقع، في خطوة هي الأولى من نوعها، وتزيد من إثارة القلق والمخاوف على المدى الطويل حول حرية «فيس بوك»، ونهجه مع الأفكار المختلفة سياسيًا وثقافيًا.


وهي خطوة علقت عليها الصحافة العالمية بأنها يمكن أن تؤثر في المستخدمين بشدة، حيث قالت صحيفة «الإندبنديت» البريطانية، إن هذا قد يمثل انتهاكًا صريحًا لحرية نشر المحتوى، فتتمثل مهمة المشرفين على مراجعة المحتويات المرفوضة والمنشورة على المنصة، مثل لقطات مباشرة من القتل والانتحار والاغتصاب.


وكشف مارك زوكربيرج، في إعلانه عن وجود 4500 شخص في جميع أنحاء العالم يعملون في عمليات المراجعة، وأن الموظفين الجدد يساعدون على تحسين تلك العملية من أجل إزالة المحتوى المتطرف بسرعة كافية.


وفي الأسبوع الماضي، تركت الشركة لقطات لرجل تايلاندي قتل ابنته البالغة من العمر 11 شهرا في الفيسبوك لايف على المنصة ليوم كامل.


وبدلا من التدقيق في المحتوى قبل تحميله، تعتمد الشركة على مستخدمي الشبكة الاجتماعية للإبلاغ عن محتوى غير لائق، ثم يقوم المشرفون بمراجعة المشاركات المبلغ عنها - مئات المرات - وإزالتها إذا كانت مخالفة للمعايير المجتمعية، حيث لا يسمح الفيسبوك بمشاهد العرى والإباحية أو خطابات الكراهية أو العنف.


ورفضت الشركة تقديم المزيد من التفاصيل حول طبيعة الأدوار الجديدة لهؤلاء الموظفين، بما في ذلك الوصف الوظيفي، أو مقرهم، إلا أنه من المؤكد أنه سيكون عملا شاقا عليهم وهو مراجعة جميع المشاركات على هذا الموقع الضخم، وهو أمر يتطلب الكثير من المجهود.


ولكن تظل المعايير الخاصة بتحديد المحتوى المرفوض من عدمه، أمر شائك، ومحل خلاف بين أنصار الحرية المطلقة، ومسئولي «فيس بوك»، فعلى سبيل المثال، صورة الطفلة الفيتنامية العارية التي أزالها الموقع، بحجة أنها لطفلة عارية، ما يمثل انتهاكا لمبادئه، هي في الأساس صورة تعبر عن انتهاك صريح لـ«حقوق الإنسان»، والتي أسفرت عن هروب فتاة صغيرة عارية من ويلات الحروب.


نفس الأمر ينطبق على الاكتشافات العلمية التي تتعلق بالثدي والأعضاء التناسلية والمناطق الحساسة في جسم المرأة، فهل يتم تصنيفه على اعتباره أنه مواد إباحية أم أنه مادة علمية، وكذلك ما يتعلق بالمواد الثقافية والفنية، وجميعها معايير تختلف من شخص لآخر، ومن ثقافة لأخرى.


الأمر يبدو أنه في مرحلة التخطيط والبدايات، ومن المتوقع أن يزداد الأمر تعقيدًا وتضييق أكبر على الحريات في ذلك الموقع العملاق، خاصة بعد انتشاره بشكل لافت، وتجاوز عدد مشتركيه 2 مليار شخص حول العالم، ليصبح الدولة الأكبر في العالم.