رئيس التحرير
خالد مهران

أسرار تهرب 479 شركة أجنبية من دفع ملياري دولار ضرائب لمصر

مصلحة الضرائب
مصلحة الضرائب

رغم أن الدولة المصرية تحاول دائمًا إيجاد العديد من مصادر الدخل؛ لمواجهة حالات الإنفاق المتزايدة على مختلف الخدمات المقدمة للمواطنين، فإن هناك أكثر من 2,6 مليار دولار، تفقدها الدولة، واستثمارات وشركات بالمليارات لا تدفع ضرائب، بسبب شركات "الأوف شور"؛ فما هذه الشركات، وماذا تعني عبارة "الملاذات الضريبية". 

"الملاذات الضريبية" أو جزر الفردوس، كما يطُلق عليها البعض، هي شركات تؤسس خارج حدود الدولة، في مجموعة من الدول التي تسمح بإنشاء مثل هذه الشركات مثل «جزر الماريشال والبهاما» على أن تمارس نشاطها خارج هذه الدول، وذلك من خلال بنوك «الأوف شور».

وفقًا للمتخصصين القانونيين، فإن هذه الشركات تتمتع بالسرية المالية وسرية المعاملات التجارية، ويمكن إخفاء أسماء مؤسسيها الأصليين، كما أنها تقوم بنشاطها تبعًا لعملات أجنبية تحددها هي، وسهولة إنشائها، إذ إنه يمكن إنشاء شركة "أوف شور" بـ 500 دولار فقط، مع العلم أن نشاطها يكون بمليارات الدولارات. 

ولهذه الشركات خطورة كبيرة، إذ مع تمتعها بالسرية في نشاطها، يمكن استخدامها في عمليات غسيل الأموال، أو إخفاء الجرائم، وتجارة الأسلحة أو غيرها من الأنشطة غير المشروعة. 

كما أنها لا تدفع الضرائب في الدول التي تمَارس نشاطها على أراضيها، ومن هنا مكمن الخطورة، إذ يتم حساب هذه الشركات على أنها استثمارات أجنبية، رغم أنها غير خاضعة للضرائب ولا تدفع أموالاً للدولة. 

ومن خلال بيانات هيئة الاستثمار والمناطق الحرة، اتضح أن إجمالي استثمار شركات "الأوف شور" في مصر نحو 12 مليار و217 مليون دولار بإجمالي 479 شركة، وبطبيعة الحال، فكل هذه الأموال لا تدفع عنها ضرائب للدولة المصرية، بحكم تمتعها بالسرية الضريبية الكاملة وعدم خضوعها للقانون المصري، لأن الدول التي أنشئت فيها هذه الشركات لم توقع على اتفاقية الازدواج الضريبي. 

وتؤكد البيانات أن هناك قرابة الـ 18 دولة من دول الملاذات الضريبية تستثمر في مصر، وهي: جزر كايمان بعدد 85 شركة برأس مال قدره 5 مليار و817 مليون دولار، وجزر العذراء البريطانية بعدد 112 شركة برأس مال قدره 2 مليار و738 مليون دولار، أما بنما فهي 92 شركة برأس مال قدره مليار و358 مليون دولار.

وهناك 85 شركة من دولة لوكسمبرج برأس مال مليار و37 ألف دولار، و20 شركة من موريشيوس برأس مال 185 مليون دولار، و22 شركة من برمودا برأس مال 128 مليون دولار، و16 شركة من ليبيريا برأس مال 77 مليون دولار، و11 شركة من جزر البهاما برأس مال 275 مليون دولار.

و11 شركة من ليختنتشتاين برأس مال 72 مليون دولار، و6 شركات من ولاية جيرسي الأمريكية برأس مال 264 مليون دولار، و5 شركات من جزر الماريشال برأس مال 6 ملايين دولار، و4 شركات من جبل طارق برأس مال 190 مليون دولار، و3 شركات من بربادوس برأس مال 8 ملايين دولار، وشركتان من جزر العذراء الأمريكية برأس مال 45 مليون دولار. 

وشركتان من سيشل برأس مال 37 ألف دولار، وشركة واحدة من باربودا وانتيجو برأس مال 5 ملايين دولار، ومن فاتوتو برأس مال 3 ملايين دولار، وشركة من سانت كيتس ونيفيس برأس مال مليون دولار. 

يرى الخبير المالي والاقتصادي الدكتور وائل النحاس، أن شركات "الأوف شور"، تمارس نشاطها غالبًا في الدول التي تعطي مزايا استثمارية، مثل مصر التي تعطي مزايا استثمارية للشركات الأجنبية والمستثمرين الأجانب مثل الإعفاء الضريبي لمدة 5 سنوات، علاوة على أن مصر موقعة على اتفاقية الازدواج الضريبي، والتي تعترف فيها مصر بأن دول "جزر الكاريبي أو غيرها" لا تفٌرض ضرائب على شركاتها التي تم تأسيسها في هذه الدول. 

ويقول "النحاس" إن كثيرًا من المصريين يقومون بإنشاء شركات "أوف شور" من أجل التمتع بالحوافز الضريبية التي تقدمها مصر للشركات الأجنبية، لافتًا إلى أن مصر "مجبرة" على تقديم حوافز استثمارية لحاجتها إلى الاستثمار والدولار. 

وعن تغاضي مصر بهذه الطريقة، عن جني ضرائب نتيجة عمل هذه الشركات، أوضح "النحاس" أن شركات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، قدموا مشروعاً ينص على وجوبية دفع كل شركة أو شخص "ضرائب" إذ كان يعمل تحت سماء أراضيهم، وهذا لأنهم وصلوا لاقتصاد ما يسمى بـ "الرخاء"، مشيراً إلى احتياج مصر لصناديق الأوف شور، رغم أنها تفقد جزءًا كبيرًا من ضرائبها. 

تخضع جميع الشركات للبنك المركزي المصري، لذا فإن الحسابات ليست سرية، إلا أن التعاملات "سرية"، هذا ما يؤكده وائل النحاس، مضيفًا أن شركات الأوف شور "قانونية" ومعترف بها من دول العالم، مع أن جزءا كبيرا منها يسُتخدم في تبيض الأموال والتجارة غير المشروعة. 

ويشير الخبير المالي إلى أن المسمى الضريبي لما تمارسه هذه الشركات يسمى بـ"التجنب الضريبي"، مشيراً إلى أن تطبيق نظام "الالتزام الضريبي" الذي تنوي الولايات المتحدة فرضه خلال شهر سبتمبر القادم، لن يخدم الاستثمارات المصرية. 

كما أن "مبارك" استطاع إنجاح سياسة الخصخصة والبرنامج الحكومي من خلال الصناديق الخاصة، وهي كانت عبارة عن "صناديق أوف شور". 

من جانبه، يقول عبد الرسول عبد الهادي خبير الضرائب، إن القانون ينص على أن الشركات المقيمة "المصرية والتي تمارس نشاطها في مصر" والشركات غير المقيمة مثل "شركات الانترناشيونال" هي خاضعة للضرائب. 

وحول عدم جباية ضرائب من هذه الشركات، يضيف عبد الهادي، أن أي شركة تمارس نشاطًا اقتصاديًا، ولم تبلغ عنه مصلحة الضرائب أو عمدت إلى إخفائه فهي تعد "جريمة تهرب ضريبي"، يعاقب عليها القانون المصري. 

إذ تتم معاقبة من تهرب من أداء الضرائب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز خمس سنوات وبغرامة تعادل مثل الضريبة التي لم يتم أداؤها أو بإحدى هاتين العقوبتين، وفي جميع الأحوال تعتبر جريمة التهرب من أداء الضريبة جريمة مخلة بالشرف والأمانة، تحرم المحكوم عليه من تولي الوظائف والمناصب العامة، وتفقده الثقة والاعتبار.

كما يؤكد الدكتور محمد النجار، أستاذ الاقتصاد، أن "أي نشاط لا تراه الشمس ويمَارس في الظل يعد جريمة"، مشيراً إلى إمكانية استخدام هذه الشركات في جرائم، أطٌلق عليها اسم "الثالوث المقدس" وهي (تجارة الرقيق – تجارة الأسلحة – تجارة المخدرات). 

ويشير النجار إلى معاناة الاقتصاد المصري من 4 أنواع من الخلل هم "الاستهلاك أكثر من الإنتاج مما يستلزم معه الاستيراد، واستيراد أضعاف ما يتم تصديره وبالتالي الحكومة تلجأ للاستدانة مما ينتج عنه الديون، والإدخار أكثر من الاستثمار، وأن الحكومة تجني من إيراداتها أقل من إنفاقها مما يّحٌدث عجز في الميزانية".