رئيس التحرير
خالد مهران

حكايات مرعبة تكشف عالم «الجثث المجهولة» في مشرحة «زينهم»

النبأ


في مشرحة «زينهم»، ذلك المكان الذي يرتبط دائمًا بـ«المآسي والأحزان»، وقف «محمد» يبحث عن جثمان شقيقه المفقود، بين عدد كبير من «الجثث المجهولة» التي لم يتم التعرف على هويتها، كان ذلك الفتى الهادئ، مصدومًا من هذا المشهد القاسي؛ فهو لا يعرف من هؤلاء، وفي الوقت نفسه، دار في رأسه عدد كبير من الأسئلة التي تخص عالم «الجثث المجهولة»، وما مصير تلك الجثث؟ 

لا يتردد على «مشرحة زينهم»، سوى الأشخاص الذين يكون لهم أقارب بها، ينتظرون استلام «جثامينهم» فى حالة من الحزن، لكن رغم كل هذه التفاصيل القاسية، يظل هناك جانب خفي لا يراه كثيرون ممن يذهبون إلى «المشرحة»، وهو ذلك الجانب الذي يرتبط بالعالم الخفي لـ «الجثث المجهولة» التي لا يعرف هوية أصحابها. 

بداية عالم الجثث المجهولة 
بعد العثور على أشخاص متوفيين وسط الطرقات، ولا يكون معهم أى شئ يثبت هويتهم، سواء كانت بطاقات شخصية أو أوراق رسمية، أو غير ذلك، يتم تحرير محضر من قبل رجال الشرطة، يفيد العثور على الجثة المجهولة، ويزداد الأمر صعوبة إذا كانت الجثة «محترقة»، هنا تختفي معالم وملامح الشخصية تماما، لدرجة عدم التعرف عليها، أو معرفة هويتها الحقيقية. 

وبعد تحرير المحضر الخاص بالعثور على الجثة، يعرض على النيابة مع التحفظ على الجثة، وبعد ذلك تأمر النيابة بإحالة الجثة إلى مشرحة زينهم؛ لتشريحها ومعرفة سبب الوفاة، وبعد ذلك، إذا كان التقرير يؤكد وجود شبهة جنائية فى الحادث، فإن النيابة تأمر المباحث بالتحقيق فى الأمر، أما إذا كان سبب الوفاة، حوادث طرق، أو غيرها من الأسباب غير المعروفة، فتأمر النيابة بالتحفظ على الجثة لحين الانتهاء من إجراء التحقيقات، وبعد انتهاء كافة الإجراءات، والحصول على عينة "DNA"، يتم عرضها على النيابة، والتى تأمر بأن تظل الجثة المجهولة لمدة شهر كامل داخل «ثلاجات مشرحة زينهم»، لحين الانتهاء من المدة المتاحة للتعرف عليها. 

وخلال شهر، ُتعرض الجثة ضمن مجموعة من الجثث المجهولة والمحفوظة فى الثلاجات داخل المشرحة، على الأهالى الذين يأتون للبحث عن جثامين ذويهم الذين اختفوا في ظروف غامضة، وإذا تعرف الأهالى على الجثة، يتم ترقيمها، وعرضها على النيابة، والتى تحقق فى الأمر، ويقدم الأهالى خلال تلك الفترة ما يثبت هوية تلك الجثة، وأنها الجثة التى يريدونها من خلال عينة الـ"DNA"، وعينات من «دم» أهالى الجثة، وبعد ذلك تنهى الإجراءات الخاصة بها، ويستطيع الأهالى أخذ الجثة، ثم يتم بعد ذلك رفعها من قائمة «الجثث المجهولة». 

أما إذا لم يتعرف على هوية الجثة خلال شهر، يتم عرضها على النيابة، والتى تصرح بدفنها، وتبدأ إجراءات الدفن، من خلال إثبات الصفات الخاصة بـ«هوية الجثة»، وسحب عينة دم منها وتحليلها، ويتم ترقيم الجثة وتصويرها مع الاحتفاظ بعينة الـ"DNA"، حتى إذا جاء أحد الأهالي للبحث على جثة مطابقة لنفس المواصفات، يستطيع التعرف عليها من خلال عينة الـ"DNA"، وينتهى أمر الجثة المجهولة بدفنها فى «مدافن الصدقة»، على أن تأخذ الرقم نفسه المدون على العينة، ويتم وضع الرقم على المقبرة بمعرفة «التربي»، بحيث يكون من السهل استخراجها إذا تطابقت نتائج تحليل الأقارب مع نتائج تحليل العينة المأخوذة من الجثة، وبذلك ينتهى مصير «الجثة المجهولة». 

30 جثة مجهولة شهريًا 
مصدر طبى أكد لـ«النبأ»، أنه يتوافد على «مشرحة زينهم» كل يوم جثث مجهولة، يكون لها حكايات غريبة جدًا لا يمكن تصديقها، حيث إنه بمجرد وصول الجثث إلى المشرحة تظل فترة حتى يأتى عليها الدور من أجل التشريح، وبعد ذلك يتم حجزها في إحدى الغرفتين اللتين يوجد بهما «ثلاجات حفظ الموتى»، الحجرة الأولى يوجد بها 8 ثلاجات، تحوى الواحدة منها 6 أدراج، بواقع 48 جثة، يتواجد داخل الغرفة الكبيرة غرفة تجميد، تم تخصيصها للجثث المجهولة، أوالذين لم يأت من يتسلمها من أهلهم للدفن. 

وأضاف المصدر، أن الغرفة الثانية، يوجد بداخلها «دولاب» فى مقابله سرير توجد عليه «أكفان»، وفى المنتصف بينهما توجد منضدة تحتوى على «سخان، وأوراق، وشمع أحمر»، مشيرا إلى أنه يتم استخدام هذه الأدوات لتشميع الأحراز التى يتم التحفظ عليها، فضلًا عن تشريح العينات التى تُؤخذ من الجثث، لافتا إلى وجود ثلاجة صغيرة بها 3 أدراج تحمل 24 جثة، وغالبا ما يتم استعمال تلك الغرفة فى الحالات الطارئة، مثل وقوع حادثة كبرى. 

وقال المصدر، إن الجثث المجهولة تعد مأساة كبيرة، فدائما ما نرى العديد من الجثث التى يظل الأهالي يبحثون عنها، وعندما يجدونها فى المشرحة، يشعرون بفرحة، على الرغم من أنهم تأكدوا من وفاة ذويهم، إلى أن وجود الجثة، يكون سبيلا للاطئنان على المصير، مضيفًا أن المشرحة تستقبل العشرات من الجثث طوال اليوم من دوائر الأقسام المختلفة، الأغلب فيها يكون عليها شبهة جنائية، لافتًا إلى أنه يتم التعرف على ذويهم فى أغلب الحالات وتظل «الجثث المجهولة» فى الثلاجة، مشيرًا إلى أنه في هذه الحالة يتم اتخاذ الإجراءات القانونية. 

وأشار إلى أن هناك أكثر من 30 جثة مجهولة تكون فى المشرحة شهريًا، لا يستدل على أهلها، ويكون مصيرها فى «مقابر الصدقة» فى النهاية، موضحا أن هناك قصصا مرعبة عن تلك الجثث المجهولة، يتداولها العاملون داخل المشرحة. 

وضرب المصدر الأمني مثلا، بحالة لرجل كبير فى السن، كان سبب وفاته مجهولا، وبينما كانت التحقيقات تجرى؛ لمعرفة هويته، كان العاملون في المشرحة يسمعون صوته، كأنه ينادي، منوهًا إلى أن هذا الرجل العجوز، ظل محور الحديث بين العاملين لفترة طويلة، مضيفًا أن هناك العديد من تلك الحالات التى تكون محزنة، خاصة إذا كانت هذه الحالات لشباب مازالوا فى سن الشباب. 

وأشار المصدر الأمني، إلى أنه يتم الاحتفاظ بـ«الجثث المجهولة» في الثلاجات لمدة أكثر من شهر، وربما تصل إلى شهرين أو ثلاثة أو لـ 6 شهور، على أمل مساعدة أهالى المتوفي فى الوصول إليه، مشيرًا إلى أن وصول عدد كبير من «الجثث» على المشرحة، يقف عائقًا أمام الاستمرار فى حفظ الجثث المجهولة داخل الثلاجات لفترة أطول. 

قصص عن الجثث المجهولة من داخل غرف المشرحة 
هناك العديد من الحكايات عن الجثث المجهولة فى مصر، وهي التي ترتبط برحلة بحث الأهالي عن جثمان ذويهم المفقودين، أول تلك الحكايات كانت لـ«جثة» أحمد جلال، القيادى بحزب النور، والذي اختفى لمدة يومين، وتقدم أهله ببلاغ إلى النائب العام، عن اختفائه، وظل يبحثون عنه كثيرًا، ولكنهم لم يستطيعوا العثور عليه. 

وفي هذا الوقت، وجهت العديد من الاتهامات المتعلقة باختفاء «جلال» لوزارة الداخلية مرة، أو لجماعات متطرفة مرة أخرى، وبعد فترة من الوقت، استطاع أحد أقاربه التعرف عليه أثناء نشر صور عن الجثث المجهولة داخل «مشرحة زينهم، فذهبوا على الفور إلى المشرحة، ووجدوا جثته، وعلموا من الأجهزة الأمنية، وتقرير الطب الشرعي، أنه توفى فى حادث سير، وبقي في المشرحة لمدة أسبوعين، وربما كانت تصل به الحالة للدفن في «مقابر الصدقة».

أما القصة الثانية، فهي عن طفل يدعى «أمير»، والذى بحث شقيقه عنه كثيرًا، ولكنه لم يعرف طريقه، وبعد مدة علم من أحد أصدقائه أن شقيقه الصغير سقط فى مشاجرة وقعت بمدينة نصر، وظل محمد محسن شقيق أمير يبحث عنه فى جميع المستشفيات، ولكنه لم يستطع العثور عليه، ومن هنا بدأ رحلة العذاب للبحث عن أخيه الصغير، حتى جاءه أحد جيرانه، والذي كان يعمل بالقرب من «مشرحة زينهم»، وقال له إنه شاهد العديد من الجثامين الموجودة فى المشرحة، وبالفعل ذهب محمد إلى هناك وظل يبحث عن شقيقه لمدة يوم كامل وسط الجثث المجهولة ولكنه لم يجده. 

جلس «محمد» أمام المشرحة يفكر، فوجد مجموعة من الجثث التي يستعد العاملون في المشرحة لدفنها، فذهب ليبحث عن جثة شقيقه «أمير» وسط تلك الجثث، وكانت المفاجأة، أنه وجدها، وبعد محاولات عديدة مع الأجهزة الأمنية، أمرت النيابة بتشريح الجثة، ومن ثم استطاع الحصول على جثة شقيقه. 

ورغم أن قضية «أمير» مازالت تُنظر فى المحاكم، إلا أن هذا لا يهم محمد كثيرًا، لأن كل ما كان يهمه، هو العثور على جثة شقيقه التى كان لو تأخر يوما آخر، لربما لم يستطع العثور عليه بعد ذلك. 

أما القصة الثالثة الغريبة، فهى لشخص ظل أقاربه يبحثون عنه، ونشروا إعلانات كثيرة في الجرائد عن اختفائه، ولكنهم لم يستطيعوا الوصول إليه، وبعد فترة من الوقت، ذهبوا ليبحثوا عنه داخل «مشرحة زينهم»، وبعد فترة طويلة، اكتشفوا توافر مواصفات ذويهم في إحدى الجثث المجهولة التى دفنت فى «مقابر الصدقة»، وبتطابق العينات أثبت نسب الجثة، وبعد عرض الأمر على النيابة، أمر ت بإعطائهم الجثة، والتى استطاعوا الحصول عليها من مقابر الصدقة، ودفنها فى مدافنهم الخاصة. 

الخبراء يضعون الحلول لتلك الأزمة 
وعن مأساة «الجثث المجهولة»، بدأ النشطاء الحقوقيون والمتابعون لهذا الأمر فى وضع الحلول من أجل تسهيل مهمة التعرف على الجثث المجهولة، خاصة فى ظل التطور التكنولوجي الرهيب الذى شهده هذا العصر. 

وطالب العديد من نشطاء حقوق الإنسان باستخدام بعض التطبيقات، مثل "فيس بوك"، و"واتس آب" و"فيبر"، من أجل نشر مجموعات خاصة بصور تلك الجثث المجهولة ومعلوماتها، فضلا عن ضرورة تدشين صفحات رسمية تتبنى البحث عن المختفين، ومتابعة «الجثث المجهولة» الموجودة في «مشرحة زينهم»؛ للمساعدة فى الوصول إلى أهالي هذه الجثث. 

كما طالب العديد من النشطاء بإنشاء موقع متخصص تابع للطب الشرعى ينشر صور ومعلومات الجثث المجهولة ليسهل مهمة الأهالي الذين يبحثون عن ذويهم المختفين، كما ينشر عليها مهمة الصور لحالات الجثث المتوفين فى حوادث القتل والحرق والأخطاء الطبية، وغيرها لتكون معروفة لجميع المواطنين، هذا الأمر الذى ربما يساعد فى حل أزمة تراكم الجثث المجهولة. 

وتعليقًا على هذا الأمر، يقول شحاتة محمد شحاتة، مدير مركز الدراسات العربية، إن حالات اختفاء المواطنين، هي مسئولية الحكومة، سواء كانت حالات اختفاء قسري، أو غيرها من حالات الاختفاء. 

وطالب «شحاتة» الحكومة، بوضع حلول من أجل التعرف على «الجثث» وتسليمها إلى ذويهم، مضيفًا أن فكرة إنشاء موقع إليكتروني متخصص فى نشر معلومات وصور الجثث المجهولة، سيكون له دور كبير فى الكشف عنها. 

وأشار إلى أن هناك العديد من الحلول التي تستطيع من خلالها الحكومة، أن تساعد فى هذا الأمر، من خلال إرسال الصور فى بيانات صحفية؛ للصحف، حتى لو كان ذلك بمقابل مبلغ مالى يتم دفعه إلى الصحف.