المستشار وليد عز الدين يكتب: المسؤلية الجنائية الناتجة عن أخطاء الذكاء الاصطناعى

فى السنوات الأخيرة شهد العالم طفرة هائلة فى تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى لم تعد معها هذه التقنية حكرًا على معامل البحث العلمى أو الشركات الكبرى بل امتدت إلى تفاصيل الحياة اليومية بواسطة الهواتف الذكية وتطبيقات المساعدة الصوتية والقيادة الذاتية وتحليل البيانات الضخمة غير أن الوجه الآخر لهذه الثورة التكنولوجية لا يقل خطورة إذا استغلها البعض لارتكاب صور جديدة ومعقدة من الجرائم تتجاوز فى مداها وخطورتها ما كان يمكن تصوره في الماضي.
وظهرت مفاهيم مستحدثة مثل هجمات الاحتيال الذكية واستخدام روبوتات المحادثة لخداع الأفراد والاعتماد على انظمة فى تنفيذ جرائم إلكترونية دون تدخل بشري.
وقد عرف الذكاء الاصطناعي بأنه قدرة الأنظمة التقنية على محاكاة السلوك البشرى واتخاذ قرارات بناء على تحليل البيانات.
الإطار القانوني التقليدي للمسؤولية الجنائية
تُعرف المسؤولية الجنائية بأنها التزام الشخص بتحمل الأثار القانونية المترتبة على قيامه بفعل يعتبر جريمة يُعاقب عليها القانون.
فمخالفة ما أمر به القانون من عمل أو نهى عنه إنما هى جريمة فإذا ما توفرت عناصرها يصبح مرتكبها مسؤلًا ويترتب على هذه المسؤولية تطبيق العقاب عليه.
فالمسؤلية ليست ركن من أركان الجريمة إنما هي نتيجة مترتبة على هذه الأركان وتتوافر أينما توافرت الأهلية أى أن وجودها يعنى أن يتحملها شخص متمتع بالعقل والتمييز فالأهلية شرط أساسى لتوافر المسؤولية لا تتحقق هذه المسؤولية دون توافرها.
المسؤلية الجنائية فى مجال الذكاء الاصطناعى
- الوظيفة الأساسية للقانون الجنائى تتمثل فى حماية الحقوق والمصالح الاجتماعية التى يقوم عليها كيان المجتمع ودعائمه لذلك يٌجرم الشارع الجنائى الأفعال الإرادية إذا كان من شأنها إهدار أحد هذه الحقوق أو تلك المصالح ويعتبرها جرائم يعاقب مرتكبيها وتقوم المسئولية الجنائية بقيام الجريمة بركنيها المادى والمعنوى.
- وقد ساعد التطور التكنولوجى على إعطاء البرمجة المتطورة لبعض الالات التى تعمل بالذكاء الاصطناعى قدرات تصل خطورتها إلى بناء خبرة ذاتية تمكنها من اتخاذ قرارات منفردة مثل الإنسان تمامًا.
- ولا شك أن تنامى الاستعانة بتطبيقات الذكاء الاصطناعى فى شتى المجالات الجنائية من شأنه إثارة العديد من التساؤلات حول القواعد القانونية التى ستخضع لها تلك التطبيقات ومدى انطباق قواعد القانون الجنائى عليها ومدى وقوع المسئولية على الالة التى يتم تشغيلها من خلال تطبيقات الذكاء الاصطناعى.
- وتظهر المسؤولية الجنائية فى تقنيات الذكاء الاصطناعى حال ارتكاب جريمة من الجرائم المعاقب عليها فى القانون فإذا ارتكبت الآله المسيرة بتقنية الذكاء الاصطناعى جريمة كيف سيتم التعامل مع هذه الألة.
طرق تحديد المسؤلية الجنائية عن أعمال الذكاء الاصطناعى.
- حالة ما إذا كانت آلات الذكاء الاصطناعى مبرمجة عمدًا على ارتكاب السلوك الإجرامى يظهر من هذه الحالة أنه هناك شخص ما هو المتحكم فى مثل هذا النوع من الذكاء الاصطناعى وبالتالى هو من يتحمل المسؤلية الجنائية وفقًا لقواعد مسؤولية الفاعل المعنوى وهو الشخص الذى يستغل الغير مسلوبى الارادة أو الإدراك فى ارتكاب الجريمة.
- حالة إذا ارتكبت تطبيقات الذكاء الاصطناعى السلوك الإجرامي نتيجة خلل فى النظام أو تقصير فى الصيانة أو الإهمال ففى هذة الحالة يتحمل المبرمج أو المؤسسة التى يعمل من خلالها الذكاء الاصطناعى المسؤلية الجنائية عن السلوك الإجرامي وذلك فى ضوء المسؤلية الجنائية الناتجة عن الإهمال فى اتخاذ ما يوجبه القانون من الحيطة والحذر من المخاطر المحتملة.
- حالة ارتكاب أنظمة الذكاء الاصطناعى السلوك الاجرامى بناء على تطوره الذاتى معتمدًا فى ذلك على الذكاء الاصطناعى القادر على التطوير الذاتى دون تدخل من الشخص الطبيعى (المبرمج) وهنا يتحمل المسؤلية المصمم والصانع والمستعمل.
وأخيرًا فإن التطور المتسارع فى تقنيات الذكاء الاصطناعى يفرض تحديات قانونية عميقة خصوصًا فيما يتعلق بالمسؤلية الجنائية عن الأفعال والأضرار التى قد تنتج عن استخدام هذه الأنظمة؛ فالنموذج التقليدى للمسؤلية الجنائية القائم على توافر الارادة والتميز لدى الفاعل قد لا يكون كافيًا للتعامل مع الأنظمة الذكية التى تتصرف احيانًا بالاستقلالية عن البشر وفى ظل غياب تشريعات صريحه تنظم هذا النوع من المسؤلية فى القانون المصرى ؛ تبقى الحاجة ملحة لتدخل تشريعى عاجل يعيد صياغة المفاهيم القانونية الكلاسيكية بما يتماشى مع التحولات الرقمية الجديدة كما يجب تعزيز الإطار الرقابي والتقنى لضمان الاستخدام الآمن للذكاء الاصطناعى.