رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

«الظلم» أسبابه وعلاجه

الظلم ( صورة تعبيرية
الظلم ( صورة تعبيرية )

الظلم: هو وضع الشيء في غير موضعه، وهو أيضًا عبارة عن التعدي عن الحق إلى الباطل وفيه نوع من الجور، إذ هو انحراف عن العدل.

أنواع الظلم:

قال البعض: الظلم ثلاثة:

الأول: أن يظلم الناسُ فيما بينهم وبين الله تعالى؛ وأعظمه الكفر والشرك والنفاق، ولذلك قال تعالى: "إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ" [لقمان من الآية:13]، وإياه قصد بقوله: "أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ" [هود من الآية:18].

الثاني: ظلم بينه وبين الناس؛ وإياه قصد بقوله: "وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ" [الشورى:40]، وبقوله: "إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ  فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ" [الشورى:42].

الثالث: ظلم بين العبد وبين نفسه؛ وإياه قصد بقوله: "فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ" [فاطر من الآية:32]، وقوله على لسان نبيه موسى: "رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي" [القصص من الآية:16]، وكل هذه الثلاثة في الحقيقة ظلم للنفس، فإن الإنسان في أول ما يهمُّ بالظلم فقد ظلم نفسه.

وهناك صوراً من الظلم وهى:

- أخذ مال اليتيم.

- المماطلة بحق الإنسان مع القدرة على الوفاء.

- ظلم المرأة حقها من صداق ونفقة وكسوة.

- ظلم الأجير بعدم إعطائه الأجر.

- ومن الظلم البيِّن الجور في القسمة أو تقويم الأشياء.

وقد وردت النصوص تذم الظلم:

قال تعالى: "وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً" [الكهف:59]، وقال سبحانه: "وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ" [الزخرف من الآية:76]، وقال: "وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ" [آل عمران من الآية:57].

وقال: "وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً" [الكهف من الآية:49]، وقال: "وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ" [فصلت من الآية:46].

الشرك، وهو أعظم الظلم:

يعتبر الشرك بالله هو أعظم أنواع الظلم، وهناك العديد من الآيات التى تدل على ذلك منها :

قال تعالى: "ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ" [فاطر:32].

قال تعالى "وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم" (سورة لقمان 13 )

أما ظلم العبد لغيره بالعدوان على المال والنفس وغيرها، فهو المذكور في مثل قوله تعالى: "إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ" [الشورى:42].

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته» ثم قرأ: "وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ
أَلِيمٌ شَدِيدٌ" (رواه البخاري ومسلم).

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم"، وكان معاوية رضي الله عنه يقول: "إني لأستحي أن أظلم من لا يجد علي ناصرًا إلا الله".

وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "لما كشف العذاب عن قوم يونس عليه السلام ترادوا المظالم بينهم، حتى كان الرجل ليقلع الحجر من أساسه فيرده إلى صاحبه".

من أسباب الظلم:

أ- الشيطان؛ قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ" [البقرة:208]، وقال: "اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ" [المجادلة:19].

ب- النفس الأمارة بالسوء؛ قال تعالى: "إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ" [يوسف من الآية:53].

ج- الهوى؛ قال تعالى: "فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ" [النساء من الآية:135]، وقال سبحانه: "وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى . فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى" [النازعات:40-41]، وقال جل وعلا: "وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ" [الكهف من الآية:28]، والآيات كثيرة في هذا الباب.

أسباب تعين على ترك الظلم وتعالجه:

1ـ تذكر تنزهه عز وجل عن الظلم: قال تعالى: "مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ" [فصلت:46]، وقال سبحانه: "إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ" [النساء من الآية:40] وقال: "وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ" [آل عمران من الآية:108].

2ـ النظر في سوء عاقبة الظالمين: قال تعالى: "وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً . ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً" [مريم:71-72]، وقال سبحانه: "وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ" [هود:117]. وقال: "قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ" [الأنعام من الآية:47].

3ـ عدم اليأس من رحمة الله؛ قال تعالى: "إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ" [يوسف من الآية:87]، وعن صفوان بن محرز قال: "قال رجل لابن عمر رضي الله عنهما: كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النجوى؟" قال: سمعته يقول: «يدنو المؤمن يوم القيامة من ربه حتى يضع عليه كنفه، فيقرره بذنوبه، فيقول: هل تعرف؟ فيقول: أي رب أعرف، قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وإني أغفرها لك اليوم، فيعطى صحيفة حسناته، وأما الكافر والمنافق فينادى بهم على رؤوس الخلائق: هؤلاء الذين كذبوا على الله» (رواه مسلم).

وحديث الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا، والذي قال: «لئن قدر الله عليَّ ليعذبني عذابًا لا يعذبه أحدًا من العالمين» (رواه البخاري ومسلم)، وغيره شاهد على هذا المعنى.

4ـ استحضار مشهد فصل القضاء يوم القيامة؛ قال تعالى: "وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ . وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ" [الزمر:68-70].

5ـ الذكر والاستغفار؛ قال تعالى: "وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ" [آل عمران:135].

6ـ كف النفس عن الظلم ورد الحقوق لأصحابها: فالتوبة النصوح أن يندم الإنسان بالقلب ويقلع بالجوارح، وأن يستغفر باللسان، ويسعى في إعطاء كل ذي حق حقه، فمن كانت لأخيه عنده مظلمة، من مالٍ أو عرض، فليتحلل منه اليوم، «قبل أن لا يكون دينار ولا درهم» إلا الحسنات والسيئات، كما صح بذلك الخبر.

بعض آثار الظلم ومضاره:

الظلم يجلب غضب الربّ سبحانه، ويتسلط على الظالم بشتى أنواع العذاب، وهو يُخرِب الديار، وبسببه تنهار الدول، والظالم يُحْرَمُ شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم بجميع أنواعها، وعدم الأخذ على يده يفسد الأمة، والظلم دليل على ظلمة القلب وقسوته، ويؤدي إلى صغر الظالم عند الله وذلته، وما ضاعت نعمة صاحب الجنتين إلا بظلمه، "وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً . وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنقَلَباً" [الكهف:35-36].

وما دُمِّرَت الممالك إلا بسبب الظلم، قال تعالى: "فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" [الأنعام:45]، وقال تعالى عن فرعون: "فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ" [القصص:40]، وقال عن قوم لوط: "فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ . مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ" [هود:82-83].

قال أبو العتاهية:

أما والله إن الظلم لؤم *** وما زال المسيء هو الظلوم

إلى ديان يوم الدين نمضي *** وعند الله تجتمع الخصوم

ستعلم في الحساب إذا التقينا *** غداً عند الإله من الملوم