مصر مقبرة الغزاة .. بين الحقيقة والخيال

:
مينا مؤسسها وأحمس أول من قاوم المحتل
الهكسوس أول من غزوا مصر والإنجليز أخر من خرجوا منها
الإسكندر طرد الفرس وأقام امبراطورية حكمت مصر 300 عام
الرومان حكموا مصر 670 عاما والمماليك 264 عام
المصريون رحبوا بالفتح الإسلامي الذي أنقذهم من بطش الرومان
المماليك والعثمانيين والألبان والإنجليز تقاسموا حكم مصر لعقود
الإسكندر وصلاح الدين الأيوبي وهرقل ونابليون بونابرت أشهر " الغرباء " الذين حكموا مصر .
الدسوقي : المصري يمتاز بالتعايش مع الواقع ومقبرة الغزاة لا تعنى أن المصريين هم من قتلوا
عفيفي : المصريون كانوا يواجهون الغزاة بطريقة " اصبر على جار السوء اما يرحل او تجيه مصيبة تأخده "
أكثر من خمسة آلاف عام هو عمر مصر" المدرك " عند المؤرخين والأثريين منذ مينا موحد القطرين وحتى الأن، فحسب كتاب " تاريخ مصر " للدكتور ناصر الأنصاري، فإن الملك مينا موحد القطرين هو أول حاكم لمصر، ومؤسس أول أسرة حاكمة في تاريخ مصر عام 3200 قبل الميلاد، ومن وقتها اتحد الشعب المصري في ظل حكومة مركزية قوية وثابتة، وأصبح الملك مينا هو أول حاكم يحمل لقب ملك الوجهين البحري والقبلي، حكم خلالها المصريون أصحاب الأرض الحقيقيين حوالى 2500عام، مقابل أن اصحاب الحضارات الأخرى حكموا مصر أكثر 2500 عام أيضا، وأغلب الغزاة كان يتم طردهم بواسطة غزاة أخرين، فالهكسوس حكموا مصر حوالى 150 عاما حتى طردهم الملك أحمس، والفرس حكموا مصر 184 عاما حتى طردهم الإغريق الذين قاموا بحكم مصر 302 عاما، ثم جاء الإحتلال الروماني وظل يحكم مصر 670 عاما، ثم جاء الفتح الإسلامي، حيث حكمت الدولة الأموية 30 عام، والدولة العباسية 122 عام، والدولة الطولونية 38 عام، والدولة الإخشيدية 34 عام، الدولة الفاطمية 209عام، الدولة الأيوبية 79 عام، المماليك 291 عام، الدولة العثمانية 291 عام، اسرة محمد على أو الدولة الألبانية 147 عام، الإحتلال الفرنسي 3 أعوام، الإحتلال الإنجليزي 72 عام .
والسؤال الذي يطرح نفسه هو مدى صحة مقولة " مصر مقبرة الغزاة " وهي مقولة يرددها المصريون دائما، وما هو الدور الذي كان يقوم به المصريين أصحاب الأرض الأصليين في ظل الحكم الخارجي، وإلى أي مدى احتفظت الشخصية المصرية بخصوصيتها، وهل يوجد في مصر مواطني الحضارات الأخرى التي حكمت مصر ؟ ...
مينا موحد القطرين
في 3200 ق.م، اسس مينا موحد القطرين مصر القديمة، وقد استمر حكمه للبلاد 60 عاما، حيث أسس الدولة المصرية الموحدة، وقاوم محاولات الغزو من جانب القبائل الليبية التي حاولت غزو البلاد .
وحسب ما جاء بكتاب " تاريخ مصر " للدكتور ناصر الأنصاري، انتقل الحكم من الأسرة الثانية – مينا وحلفاؤه – إلى الأسرة الثالثة بطريقة هادئة دون ثورات دموية، وكان أول ملك في هذه الأسرة هو الملك " زوسر " مؤسس الأسرة، و صاحب أول بناء حجرى في التاريخ وهو هرم " سقارة " وقد حكم البلاد خلال حكم هذه الأسرة تسعة ملوك لمدة 214 عاما، أبرزهم الملك زوسر .
ثم جاء حكم الأسرة الرابعة، وهي أسرة بناة الأهرام، وظلت تحكم 284 عاما، وقد حكم البلاد من هذه الأسرة ثمانية ملوك، أولهم الملك " سنفرو " ثم خلفه الملك " خوفو " وهو من أعظم ملوك مصر، وهو الذي شيد الهرم الأكبر، ليكون مقبرة له، ثم خلفه " ددف رع " بعد صراع على الخلافة، لكنه لم يستمر طويلا، حيث تولى بعده " خفرع " وهو صاحب الهرم الأوسط وتمثال أبي الهول، ثم خلفه " منكاورع " الذي قام ببناء الهرم الثالث، ثم انتهت الأسرة الرابعة بطريقة غامضة .
وحسب الكتاب فإن الأسرة التي تولت الحكم بعد الأسرة الرابعة وهي الأسرة الخامسة ظلت في الحكم 218 عاما، وأول ملوكها هو الملك " أوسر كاف " وأخر ملوكها هو الملك " اوناس " صاحب الهرم المعروف باسمه
ثم جاءت الأسرة السادسة وحكمت 203 عاما، ومن ملوكها، بيبي الأول، بيتي، أوسر كارع، مرن راع، بيبي الثاني .
إنهيار الدولة القديمة
بانتهاء الأسرة السادسة إنهارت الدولة القديمة، بسبب إهمال القوة العسكرية للبلاد، واتجاه الملوك إلى تبني سياسة مسالمة للغاية، وازدياد شوكة حكام الأقاليم، وسعيهم إلى الإنفصال عن نفوذ الفرعون، وكانت النتيجة الحتمية هي إنهيار السلطة المركزية، وانقسام البلاد إلى أقاليم منفصلة ومستقلة تماما عن السلطة، وانتشار الفوضى والتفكك والإنحلال .
وفي ظل حكم الأسرتين السابعة والثامنة ساد البلاد الفقر والبؤس والقحط، وتتابعت الفتن وانتشرت الفوضى واختل الأمن وتلاشت السلطة المركزية واختفى سلطان العرش، ونهبت القبور وحطمت الأثار، كما أغار بدو الصحراء على الدلتا وعاثوا فيها فسادا .
أدت هذه الأحوال بالبلاد إلى الفوضى والتفكك، وخلال تلك الفوضى ظهرت في مدينة " أهناسيا " بالقرب من بني سويف حاليا، أسرة قوية بزعامة أمير يدعي " خيتي " اغتصب العرش من الأسرة الثامنة الضعيفة .
ثم جاءت الأسرة الحادية عشر، التي أعادت توحيد البلاد والقضاء على الحروب الأهلية، ومن أبرز ملوكها، منتوحتب الثاني، الذي تمكن من لم شمل البلاد وإعادة وحدتها في ظل حكومة قوية، وقد بلغ ملوك هذه الأسرة 16 ملكا، حكموا 23 عاما .
ثم جاءت الأسرة الثانية عشر، وأول ملوكها هو " أمنمحات الأول " وقد قضى تماما على سيطرة الأمراء المحليين واستقلالهم بأقاليمهم، كما طهر البلاد من العدو والقبائل الليبية، وأدب العصاة النوبيين، وساد في عهده الأمن والنظام، وقد أسس اسرة قوية حكمت ما يزيد عن القرنين، ومن ابرز ملوك هذه الأسرة، سنوسرت الأول، وسنوسرت الثالث، وأخر ملكين هما، امنمحات الرابع، سبك نفرو، وفي عهدهما تلاشى نفوذ الفرعون تماما، فكان ذلك نذير بانتهاء الأسرة الثانية عشر، ودخول مصر في عصر فوضى وظلام مرة ثانية .
عصر الإضمحلال
بسقوط الأسرة الثانية عشر، جاء عصر ما يطلق عليه بعصر " الإضمحلال الثاني أو العصر الوسطي الثاني " خلال الفترة من 1785 ق.م، إلى 1560 ق.م، وبانتهاء عصر الدولة الوسطى عام 1785ق.م، دخلت مصر عصر من عصور الضعف والفوضى والذل، فقد كثر تطلع كبار الموظفين، وقواد الجيش، إلى عرش البلاد، ايا كان الطريق إليه بالقتل أو بالخلع أو بالمؤامرات والدسائس، مما أدى إلى إندلاع الثورات، وتتابع الحروب الأهلية، فاضطرب الأمن واختل النظام وساد الفساد، ونتج عن ذلك زيادة أطماع أعداء البلاد من الخارج فوقعت مصر فريسة في يد الهكسوس .
وبعد الوحدة التي تمتعت بها مصر خلال حكم الدولة الوسطى عادت البلاد مرة أخرى إلى الإنقسام والتفكك نتيجة لتنافس الأسرتين الثالثة عشر والرابعة عشر على الحكم، إحداهما تحكم من طيبة في الجنوب وهي الأسرة الثالثة عشر، وعدد ملوكها 60 ملكا، وأسرة أخرى وهي الأسرة الرابعة عشر تحكم في نفس الوقت من مدينة " سخا " في الدلتا وعدد ملوكها 76 ملكا .
الهكسوس .. أول الغزاة لمصر
نتج عن اضطراب الأحوال والتفكك والضعف، أن تجرأت قبائل السلب والنهب الأسيوية المعروفة باسم " الهكسوس " على غزو البلاد عام 1725 ق.م، واتخذوا لأنفسهم اللقب الرسمي لملوك مصر، واتخذوا لأنفسهم من " أوارس " في شرق الدلتا عاصمة لهم .
أحمس يطرد الهكسوس .. بداية عصر الإمبراطورية
عام 1580 ق.م، طرد "أحمس" مؤسس الأسرة الثامنة عشر الهكسوس من مصر، بعد أن ظلوا يحكمونها ما يقرب من 150 عاما، وتعتبر الأسرة الثامنة عشر التي أسسها أحمس هي بداية عصر الدولة الحديثة أو عصر الإمبراطورية، وهذه الأسرة ضمت 15 ملكا، حكموا حوالى 240 عاما، من 1580ق.م – 1350ق.م، بعد طرد الهكسوس، وتميز عصر أحمس الأول أنه أصبح لمصر جيش قوى منظم ومدرب، وأنه عصر الفتوحات الخارجية، حيث وصلت الفتوحات الخارجية في عهد هذه الأسرة حتى سوريا ونهر الفرات، وما بين النهرين، ومن أبرز ملوك هذه الأسرة، أحمس، تحتمس الأول، تحتمس الثاني، الملكة حتشبسوت أرملة تحتمس الثاني، تحتمس الثالث، أمنحوتب الثاني، تحتمس الرابع، أمنحوتب الثالث، أمنحوتب الرابع المعروف باسم " اخناتون " ثم توت عنخ أمون، وأخيرا حور محب .
ثم جاءت بعد ذلك الأسرة التاسعة عشر، وكان أول ملوكها " رمسيس الأول " وعدد ملوك هذه الأسرة ثمانية ملوك، حكموا 145 عاما، ومن ابرز ملوكها، رمسيس الأول، سيتي الأول ابن رمسيس الأول، رمسيس الثاني ابن سيتى الأول، مرن بتاح الأبن الثلاثون لرمسيس الثاني، وأخر ثلاث ملوك هم، سيتي الثاني، آمون مسس، رمسيس سبتاح، وكانوا ملوكا ضعفاء، حيث سادت الفوضى في حكمهم، مما شجع المستعمرات الأسيوية على التخلص من النفوذ المصري عليها .
ثم جاءت الأسرة العشرون، وكان رمسيس الثالث أول ملوكها، وقد أعاد النظام للبلاد، وتتابع على الحكم من بعده تسعة ملوك يحملون اسم رمسيس، ومع حكم رمسيس الثاني عشر أخر فراعنة الأسرة كان الإنهيار الداخلي قد استشرى من جميع الوجوه .
عصر الإضمحلال الأخير
أطلق المؤرخون على الفترة من 1085 – 663 ق.م، التي شهدت حكم الأسر من الحادية والعشرين إلى السادسة والعشرين، فترة العصر المتأخر أو عصر الإضمحلال الأخير، حيث وصلت فيها البلاد إلى مرحلة الإنهيار و الإنحلال ، حيث انفصلت عن الإمبراطورية معسكراتها في الشمال والجنوب، وطمع فيها جيرانها، حيث حكمها الليبيون بعض الوقت، ثم آل الحكم إلى أسرات من اصل نوبي، وفتحها أشور بانييال واعتبروها ولاية آشورية لبضع سنين، بل وتغلغل فيها الوجود الأغريقي .
الغزو الفارسي
غزا الفرس مصر بقيادة قمبيز عام 525 ق.م، بعد أن هزم بسماتيك الثالث أخر ملوك الأسرة السادسة والعشرين، وصار وادي النيل جزء من الإمبراطورية الفارسية، واعتبر قمبيز نفسه وريثا شرعيا للفراعنة، واعطى لنفسه لقب ملك مصر العليا والسفلي، إلا أن الملك " أميرتي " أول ملوك الأسرة الثامنة والعشرين نجح في طرد الفرس خارج البلاد، الذين عادوا إلى حكم البلاد اثناء حكم الأسرة الثلاثون، لكن حكمهم لم يدم سوى أقل من عشر سنوات، من 341 – 332 ق.م، فقد استولى الإسكندر الأكبر على مصر، وطرد الفرس منها وضمها إلى امبراطوريته الناشئة، وبذلك اسدل الستار على ثلاثين قرنا – 3 ألاف عام – من حكم مصر .
الإسكندر – البطالمة
أول صراع على أرض مصر بين الحضارات المختلفة كانت بين الفرس والإغريق، فأثناء حكم الفرس لمصر قام الإغريق بقيادة الإسكندر بطردهم من مصر في عام 334 ق.م، وإقامة دولتهم بدلا منها، فكما جاء في كتاب " تاريخ مصر " أن الإسكندر الأكبر وصل للقدس ثم غزة التي كانت بمثابة بوابة الفرس في مصر، فدخلها الإسكندر دون صعوبة بعد أن سلمها الوالي الفارسي دون مقاومة، وقد استقبله المصريون بالترحاب لتخليصهم من الإحتلال الفارسي عام 332 ق.م، ومنذ وصول الإسكندر إلى مصر عام 332 ق.م، عمل على اكتساب تعاطف الشعب المصري معه فسارع بتقديم القرابين للألهة الوطنة في معبد " بتاح " بل وتوج نفسه على نهج الفراعنة القدماء، حتى يظهر في ثوب ملك شرعي خليفة للفراعنة القدماء فيخلص له المصريون .
بعد أن أنهى الإسكندر مهمته في فتح مصر قام ببناء مدينة الإسكندرية لتكون عاصمة لإمبراطوريته .
وبعد وفاته خلفه في الحكم القائد " بطلميوس " الذي أسس حكم أسرة " البطالمة " التي حكمت مصر من 323 – 30 ق.م، أي حوالى 300 عام .
وقد سار بطليموس الأول في سياساته الداخلية على نهج الإسكندر، من اظهار وده للمصريين واحترامه لهم، وعاش المصريون وإلى جوارهم اليونانيين واليهود جنبا إلى جنب خلال حكمه، ومن تلاه من أوائل البطالمة والعلاقات حسنة .
عصر الرومان
في أغسطس عام 30 ق.م، قام الرومان بيادة " لوكتافيوس " بطرد البطالمة من مصر وإخضاعها للإمبراطورية الرومانية، وأصبحت مصر ولاية رومانية، وأصبح الإمبراطور الروماني هو الملك الرسمي للبلاد، يتمثل في شخصه ما تمثل في شخص فرعون من قداسة وتأليه، وكانت تخلع عليه الألقاب الفرعونية المعروفة .
وتمتد فترة حكم الرومان لمصر حوالى 300 عام، إبتداء من ضمها للإمبراطورية الرومانية على يد الإمبراطور أغسطس عام 30 ق.م، إلى تقسيم الإمبراطورية الرومانية في عهد الإمبراطور " دقلديانوس " من 284-305 م، إلى غربية عاصمتها روما وشرقية عاصمتها بيزنطة " القسطنطينية " فيما بعد، ووقوع مصر في نفوذ الإمبراطورية الرومانية الشرقية أو البيزنطية .
العصر البيزنطي
يبدأ العصر البيزنطي عام 323م بتولي قسطنطين حكم الإمبراطورية، حيث قام بتشييد القسطنطينية لتكون عاصمة لللإمبراطورية الرومانية الشرقية، وكان قسطنطين أول إمبراطور مسيحي، ومع إعتلائه العرش اعترف رسميا بالديانة المسيحية، وترك الحرية لمن يريد اعتناقها، وأصبح للإسكندر الزعامة الدينية في الشرق المسيحي .
وفي السنة الخامسة من حكم " هرقل " زحف الفرس على الإمبراطورية الرومانية واستولوا على " أرضينا " ثم " دمشق " والقدس، وتمكنوا من الإسكندرية عام 618م واحتل الفرس مصر لمدة عشر سنوات، لكن في عام 627م تمكن هرقل من الانتصار على الفرس في معركة " نينوي " وطردهم من مصر وعودتها للنفوذ الروماني .
وكان دخول المسلمين مصر عام 640م فرصة أحدثت تغييرا شاملا في السياسة وفي الدين، ورحب أهل مصر بمن يخلعهم من السلطة الإمبراطورية الرومانية التي عانوا منها الكثير في القرون الثلاثة السابقة .
مصر ولاية إسلامية
عام 639م استقر رأي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب على فتح مصر، واختار لهذه المهمة عمرو ابن العاص الذي استطاع بجيشه الصغير أن يخترق سيناء دون جهد، فوصل من رفح حتى بلبيس لم يقابله إلا حاميات قليلة من البيزنطيين، وبعد معارك تمكن عمرو ابن العاص من الوصول إلى بلبيس .
وقد مال سكان مصر من الأقباط مع العرب على البيزنطيين نتيجة للإدارة السيئة لهؤلاء، بالإضافة إلى السياسة الدينية التي سارت عليها الإمبراطورية البيزنطية في اضطهاد مسيحي مصر الأقباط، حتى انحاز عدد كبير من السكان الأصليين إلى جانب المسلمين فأصبحت مصر جزء من الوطن الإسلامي الكبير، وإحدى ولايات الخلافة الإسلامية .
وقد اقتصر الجهاز الإداري في مصر بعد الفتح العربي على وال يعتبر حاكما وممثلا لأمير المؤمنين أو الخليفة الذي كان هو الحاكم الإداري الأعلى، وهو إمام الصلاة وقائد الجيش والمسئول عن شئون المال .
الخلافة الأموية
وبعد وفاة عمر بن الخطاب انتهى عصر الخلفاء الراشدين، وانتقل الحكم إلى الخلافة الأموية بقيادة معاوية بن ابي سفيان، والذي اتخذ من دمشق عاصمة للدولة الأموية، وظل حكم الخلافة الأموية من 611م – 750 م .
الخلافة العباسية
بعدها تأسست دولة جديدة أو خلافة جديدة وهي الخلافة العباسية التي ألت إليها جميع الممالك الإسلامية التي كانت تحت لواء الدولة الأموية المنهارة ومنها مصر واتخذت من بغداد عاصمة لها .
الدولة الطولونية
وفي 868م قام أحمد ابن طولون الذي عينه الخليفة العباسي واليا على مصر باعلان استقلال مصر عن الخلافة العباسية، واعلانها دولة مستقلة له ولأولاده.
وبعد وفاة أحمد ابن طولون عام 884م تولى بدلا منه ابنه خمارويه، وبعد قتله على ايدي الخدم عام 896م خلفه ابنه ابو العساكر جيش، وبعد وفاته قتلا في سبتمبر 896م خلفه أخوه هارون بن خمارويه .
وبعد سقوط الدولة الطولونية عام 904م عادت مصر إلى الخلافة العباسية .
وفي عام 933م حاول الفاطميون غزو مصر، فصدهم محمد بن طغج، وانتصر عليهم فعهد إليه الخليفة العباسي " الملتقى " بولاية مصر عام 935م، كما امر الخليفة بزيادة لقب " الإخشيد " إلى اسمه، وهو اللقب الذي كان يطلق على ملوك " فرغانة " لكن محمد بن طغج الإخشيد تمكن من أن يؤسس في مصر دولة شبه مستقلة عن الخلافة العباسية، أورثها لأربعة من أسرته .
الدولة الفاطمية
وفي عام 969م انتهز المعز لدين الله الفاطمي عدم الاستقرار في مصر وضعف الدولة العباسية في بغداد لانشغالها بصد غارات البيزنطنيين الذين توغلوا في البلاد، فبعث جيش لغزو مصر بقيادة جوهر الصقلي، وتمكن بهذا الجيش من إقامة الدولة الفاطمية في مصر، حيث قام الفاطميون بنقل دار الخلافة إلى مصر، ومن مصر اقاموا امبراطورية واسعة قوية ذات حضارة مزدهرة، ضمت إلى جانب مصر والمغرب والشام والحجاز واليمن وصقلية، وكان للخلافة الفاطمية هدفا رئيسيا من الاستيلاء على مصر وهو القضاء التام على الخلافة العباسية السنية لتحل محلها الخلافة الفاطمية الشيعية .
وقد حكمت الدولة الفاطمية مصر حوالى 200 عام، من 969 – 1171م، تولى الخلافة خلالها أحد عشر من خلفائها منهم، المعز لدين الله الفاطمي، العزيز بالله، الحاكم بأمر الله، حكم الظاهر والمستنصر .
وقد سقطت الدولة الفاطمية لعدة أسباب منها، ضعف الجيش، الصراع بين الخلفاء والوزراء .
الدولة الأيوبية
وبعد سقوط الخلافة الفاطمية عام 1171م نشأت على أنقاضها الدولة الأيوبية بقيادة صلاح الدين الأيوبي، وقد تولى الملك من الأسرة الأيوبية في مصر 8 ملوك، استمرت مدة حكمهم حوالى 80 عاما، من 1171-1250م، حيث تم القضاء على المذهب الشيعي وإعادة المذهب السني .
المماليك
وفي 1252م تمكن المماليك وهم طائفة من الأرقاء المشترين بالأموال بغرض تطعيم الجيش بهم وتقويته من حكم مصر مدة تزيد على القرنين ونصف بانفرادهم بالسلطة على أسرتين .
الخلافة العثمانية
وبعد سقوط دولتهم في أعقاب الفتح العثماني لمصر عام 1517م، تمكنوا من التغلغل في السلطة حتى كان النفوذ الشكلي للوالي العثماني، أما النفوذ الفعلي فكان لبقايا طبقة المماليك لمدة ثلاثة قرون أخرى، وقد قام محمد على بالتخلص من عدد كبير منهم في مذبحة القلعة الشهيرة عام 1811م .
بعد أن اصبحت مصر ولاية عثمانية، دار صراع طويل بين المماليك وبعضهم البعض، وبينهم وبين الدولة العثمانية على حكم البلاد، حيث تم تقاسم السلطة بينهما، حيث تم تقسيم البلاد إلى طبقات، طبقة أهل الحكم من العثمانيين والمماليك، وطبقة المصريين ذو الأصول المصرية، ثم طبقة العلماء.
الإحتلال الفرنسي
في عام 1798م نجح نابليون بونابرت في احتلال مصر، بعد مقاومة من المماليك، حيث تصدى لهم جيشين من المماليك، الجيش الأول بقيادة مراد بك، والثاني بقيادة إبراهيم بك، لكن الأمر انتهى بهزيمة الجيشين، واحتلال نابليون لمصر، وقام بارساء نظم جديدة للحكم لتحل محل النظم العثمانية والمملوكية .
لكن نابليون بونابرت غادر مصر في أغسطس 1799م، تاركا قيادة مصر للجنرال كليبرن لكن سرعان ما تم قتله على يد سليمان الحلبي السوري الأصل في 14 يونيو عام 1800، فتولى القيادة بعد الجنرال مينو .
في عام 1801م تحالف الأسطول البريطاني مع الأسطول العثماني للقضاء على الوجود الفرنسي، فاضطر الجيش الفرنسي للتسليم والإنسحاب من مصر في 15 أكتوبر عام 1801م وعادت مصر للتبعية العثمانية .
بعد جلاء الفرنسيين عن مصر في 1801م تنازع السلطة ثلاثة قوة مختلفة، هي الإمبراطورية العثمانية وإنجلترا والمماليك .
حكم محمد على وأسرته
وفي مايو 1805م تم خلع الوالى العثماني " خسرو باشا " وتعيين الألباني محمد على، الذي وضع أسس الحكم لأسرة جديدة استمرت في حكم مصر حوالى قرن ونصف من الزمان " 150 عام " من 1800 – 1952 " قيام ثورة يوليو " التي أعادت مصر للمصريين الحقيقيين، وخلال هذه الفترة تم تقاسم السلطة في مصر بين أربعة قوى رئيسية هي، أسرة محمد على، الإمبراطورية العثمانية، إنجلترا، المماليك .
ثورة المصريين
كانت الثورة العرابية في فبراير 1881م بقيادة أحمد عرابي باشا هي أول حركة وطنية خالصة تطالب بالاستقلال الوطني التام، منذ هذا التاريخ بدأت تنتشر المقاومة الشعبية لتحرير مصر من غير المصريين بمن فيهم اسرة محمد على، والمماليك والإنجليز، والإمبراطورية العثمانية، فتبعها ثورة 1919 بقيادة سعد زغلول، وكان من نتيجة هذه المقاومة الشعبية الشرسة من جانب المصريين، اعلان بريطانيا في 28 فبراير 1922، انتهاء الحماية على مصر، والاعتراف بمصر دولة مستقلة ذات سيادة والغاء الاحكام العرفية، ثم تبع ذلك سقوط الخلافة العثمانية في 1924م، ثم قيام ثورة 1952 التي اسقطت أخر ملوك أسرة محمد على وهو الملك فاروق الأول، تبعها جلاء الإنجليز الكامل عن مصر في 1956، من هذا التاريخ عادت مصر بكاملها للمصريين بعد عقود من إحتلالها، ثم تفرغ المصريون لتحرير مصر من الإحتلال الإسرائيلي، فكانت حرب 1967، ثم حرب 1973 التي استرد المصريون فيها أخبر شبر محتل من الأرض، ومن ساعتها اصبحت مصر للمصريين فقط .
عن هذا الموضوع يقول الدكتور عاصم الدسوقي أستاذ التاريخ الحديث بجامعة حلوان، أن هذه المقولة صحيحة وأن وقائع التاريخ تشهد بذلك، مشيرا إلى أن كل قوى قامت بغزو مصر حتى وإن احتلتها فقد انتهت برحيلها وجلائها، وهذا هو معنى مقبرة الغزاة، وتابع أنه بداية من الهكسوس الذين يمثلون أول غزو لمصر تم طردهم على يد أحمس، ثم جاء الفرس، وخرج الفرس وجاء الإسكندر الأكبر، وترك البطالمة يحكمون مصر، ثم خرج البطالمة وجاء الرومان وحكموا مصر أكثر من 670 عاما، ثم جاء العرب، وهكذا، لافتا إلى أن مقولة "مصر مقبرة الغزاة" تنطبق على الغزاة سواء أخرجهم المصريون أو أخرجتهم قوة أخرى جاءت لتحتل البلاد، منوها أن تاريخ مصر بدأ قبل الميلاد بتاريخ مصر الفرعونية، مشيرا إلى أن هذا التاريخ بدأ منذ 3500 قبل الميلاد، حسب التاريخ المدرك، مشيرا إلى أن التاريخ المدرك هو الذي يتم إدراكه أو معرفته من خلال قراءة الأثار، عندما بدأ الإنسان يعبر عن نفسه بالخطوط، أما قبل 3500 ق.م فهو تاريخ غير مدرك، لكنه لا يعنى أن مصر بدأت في 3500 ق.م، حيث كان هناك من يعيش، ولكن لن يتم معرفته إلا من خلال التنقيب عن الأثار وقراءتها، مشيرا إلى أن هذا التاريخ لم يتم معرفته إلا بعد فك شفرات حجر رشيد في مطلع القرن التاسع عشر، وعن دور المصري الحقيقي في ظل حكم الحضارات الأخرى لمصر عبر التاريخ قال الدسوقي، أن المصري يمتاز بالتعايش مع الواقع، وهناك مثل شعبي يقول " اصبر على جار السو حتى يرحل أو تأتي له مصيبة " وليس معنى مقبرة الغزاة أن المصريين هو من قتلوا الغزاة، لكن معناها فشل الغزاة في الإستمرار في حكم البلاد، مشيرا إلى أن بداية مقاومة المصريين للإحتلال بدأت الحركة من 1881 بمطالب عرابي ثم قيام الثورة العرابية، بلغت قمتها في 9 سبتمر 1881م وهي المواجهة التي حدثت بين عرابي والخديوي توفيق، وانتهت بغزو بريطانيا منفردة لمصر في سبتمبر 1882م، ثم مقاومة الإحتلال البريطاني من خلال جمعية " الإنتقام " التي تأسست في أخر عام 1882م، وكانت مهمتها قتل أي إنجليزي في الشارع من جنود الإحتلال، لكنها انتهت سريعا لانها لم تكن قائمة على تنظيم اساسي، وتم حبس انصار هذه الجماعة، توقف هذا العمل وبدأ النضال الحركي من خلال مصطفى كامل ومحمد فريد وثورة 1919، مشيرا إلى أن استقلال مصر التام تم على مرحلتين، الأولى كانت عام 1922م لكنه كان تحت الحماية البريطانية، وتحولت مصر من ولاية عثمانية إلى مملكة تحت الحماية البريطانية، ثم منحت استقلالا جزئيا عام 1936م بمقتضى معاهدة 1936م، التي ابقت جيوش الاحتلال الانجليزي في مصر في ثلاث اماكن، وعادت لمصر وزارة الخارجية، واصبح لها سفير في لندن، واصبح لبريطانيا سفير في مصر، ثم جرت مفاوضات مع الانجليز لالغاء هذه المعاهدة والجلاء عن مصر، لكن المفاوضات كانت تفشل، حتى قامت ثورة 1952م، ونجحت في اجلاء الانجليز عن مصر بمقتضى اتفاقية الجلاء في اكتوبر عام 1954، وتم الجلاء التام في 18 يونيو 1956م، وبالتالي التاريخ الفعلي للإستقلال هو 18 يونيو عام 1956م، حيث تم جلاء أخر جندي بريطاني من ارض مصر، وعن الوجود الإسرائيلي في مصر والذي تم دحره في حرب اكتوبر المجيدة عام 1973، قال استاذ التاريخ الحديث، أن احتلال اسرائيل كان مجرد إحتلال جزئي، مشيرا إلى أن احتلال جزء يختلف عن احتلال بلد بالكامل، فالاحتلال البريطاني كان يحتل البلد ويدير سياستاتها، لكن احتلال سيناء هو احتلال جزء من بلد، وكان حرب 1973 هو حرب تحرير هذا الجزء وليس حرب استقلال بلد، مشيرا إلى أن مصر بموقعها الجغرافي كانت بوابة لاستقبال شعوب من الشرق والغرب والشمال والجنوب، وبالتالي هناك بعض المصريين الآن ليس من أصحاب الأرض الأصليين، فمثلا تجد بعض الأشخاص يحمل اسماء البلاد التي أتوا منها، مثل الشركسي، وهو الذي أتى من بلاد الشركس، والقللى، وهو الذي أتي قولة بالبلقان، وبالتالي هناك الكثير من أبناء الحضارات الأخرى التي حكمت مصر تم تمصيرهم، وصاروا مصريين، وهذا ما تثبته القاعدة التاريخية التي تقول أن " مصر مصرة الذين قدموا إليها " .
من جانبه يقول الدكتور محمد عفيفي استاذ التاريخ الحديث، إن سبب هذه المقولة هو موقع مصر الإستراتيجي، وهذا الموقع جعل مصر مطمعا لكل الدول، مما جعل الكثيرين يقومون بغزوها، مشيرا إلى أن مصر يمكن إحتلالها، ولكن الغزاة لا يتركون أثرا كبيرا على المصريين، بل أن مصر هي التي تترك أثرا على الغزاة، لافتا إلى أنه رغم أن مصر تم إحتلالها لفترات طويلة، لكنها ظلت محتفظة بنفس حدودها ونفس شخصيتها الحضارية، منوها أن الشخصية المصرية منفتحة اكثر، تأخذ من الجميع لكنها لا تتأثر بشكل كبير، كما أنها لا تضيع ولا تذوب لكنها تستفيد من الجميع وهذه ميزة، وعن مدى تفاعل الشخصية المصرية مع الحضارات الأخرى التي كانت موجودة قال عفيفي، إنها تفاعلت بشكل كبير جدا، لكنها تعطى وتأخذ، وتكون نسيج جديد لها وتطور من نفسها، وعن فكرة المقاومة الشعبية ضد المحتل او الغازي ومتى بدأت في مصر قال، دائما يكون هناك مقاومة شعبية ضد الغزاة، إما بطريقة إصبر على جار السوء إما يرحل أو تجيه مصيبة تأخده، أو مقاومة شعبية مسلحة .
وبسؤاله عن بداية تاريخ إستقلال مصر التام والحقيقي قال " فكرة الإستقلال عليها مشكلة كبيرة، لاسيما وأن محمد على بان مصر الحديثة غير مصري، وصلاح الدين الأيوبي الذي قضى على المذهب الشيعي في مصر وحرر بيت المقدس غير مصري، وبالتالي مسألة الإستقلال مشكلة كبيرة جدا " .






