بعد توجيهات الرئيس السيسي.. السردية الوطنية في صدارة أولويات الدولة لبناء وعي الإنسان المصري
في ظل التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة، تتزايد أهمية السردية الوطنية باعتبارها الإطار الجامع الذي يربط بين الماضي والحاضر ويستشرف المستقبل.
فالسردية ليست مجرد خطاب إعلامي أو شعارات، بل هي منظومة متكاملة من القيم والرؤى والوقائع التي تشكل وعي المواطن وتدعم شعوره بالانتماء والمسؤولية تجاه وطنه.
ومن هذا المنطلق، أولت الدولة المصرية اهتمامًا متناميًا بملف السردية الوطنية، خاصة مع إدراك دورها المحوري في دعم الاستقرار المجتمعي، ومواجهة الشائعات، وتعزيز الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة. وقد أصبح هذا الملف من أبرز الموضوعات المطروحة على أجندة المجموعة الوزارية للتنمية البشرية، باعتباره أحد مفاتيح بناء الإنسان المصري وتعزيز وعيه الوطني.
أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي في أكثر من مناسبة على أهمية تطوير السردية الوطنية بما يعكس حقيقة ما تبذله الدولة من جهود تنموية، ويحافظ في الوقت ذاته على تماسك المجتمع في مواجهة التحديات، مشددا على أن بناء وعي وطني مستنير لا يقل أهمية عن تنفيذ المشروعات الاقتصادية، موضحًا أن السردية الوطنية تمثل عنصرًا أساسيًا في بناء الانتماء، ودعم الاستقرار، وصياغة مستقبل أكثر تماسكًا للأجيال القادمة. كما أشار إلى ضرورة أن تكون هذه السردية صادقة وواقعية، تعترف بالتحديات دون تهويل، وتبرز الإنجازات دون مبالغة، بما يعزز مصداقية الخطاب الرسمي ويقربه من المواطنين، لا سيما الشباب.
وتولي المجموعة الوزارية للتنمية البشرية اهتمامًا خاصًا بملف السردية الوطنية باعتباره أحد المحاور الأساسية في بناء الإنسان المصري وتعزيز وعيه الجمعي. وينطلق هذا الاهتمام من إدراك أن السردية الوطنية ليست مجرد خطاب، بل أداة فاعلة لترسيخ قيم الانتماء، وتعزيز الثقة بين المواطن والدولة، ودعم الاستقرار المجتمعي.
وتناقش المجموعة سبل تطوير سردية معاصرة تعكس أولويات الدولة وتوجهات القيادة السياسية، مع التركيز على دور التعليم، والإعلام، والثقافة في تقديم رواية وطنية متوازنة وموحدة، قادرة على مخاطبة مختلف الفئات، خاصة الشباب، ومواجهة الشائعات والتحديات الفكرية، بما يسهم في صياغة مستقبل أكثر تماسكًا واستدامة.
ويرى متخصصون أن تحديث السردية الوطنية يتطلب ربطها المباشر بأولويات الدولة الحالية، وعلى رأسها التنمية البشرية، والعدالة الاجتماعية، وبناء الإنسان. فالسردية المعاصرة يجب أن تتجاوز التركيز التقليدي على الإنجازات الكبرى فقط، لتشمل قصص النجاح اليومية، وتجارب المواطنين، وتأثير السياسات العامة على حياتهم. كما ينبغي أن تستند إلى لغة عصرية قادرة على مخاطبة مختلف الفئات، مع توظيف أدوات الإعلام الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي، التي أصبحت المصدر الرئيسي لتلقي المعلومات، خاصة لدى الشباب.
مسؤولية محورية
قال الدكتور أحمد شوقي، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، إن المؤسسات الإعلامية تتحمل مسؤولية محورية في نقل سردية وطنية دقيقة ومتوازنة. ويوضح أن الآلية الأساسية لتحقيق ذلك تتمثل في “الانتقال من الخطاب الأحادي إلى الخطاب التشاركي”، بحيث لا يقتصر الإعلام على نقل البيانات الرسمية، بل يفتح المجال للتحليل الموضوعي، ويستضيف الخبراء، ويعرض وجهات النظر المختلفة في إطار من المهنية والمسؤولية.
وأضاف شوقي أن المصداقية هي حجر الأساس لأي سردية ناجحة، محذرًا من أن المبالغة أو تجاهل التحديات قد يؤدي إلى نتائج عكسية، ويضعف ثقة الجمهور. كما يشدد على أهمية تدريب الكوادر الإعلامية على مهارات السرد القصصي (Storytelling)، لتحويل الأرقام والبيانات إلى قصص إنسانية قريبة من وجدان المواطن، بما يعزز التفاعل والفهم.
تُعد مشاركة الشباب أحد أهم معايير نجاح السردية الوطنية الحديثة. فالشباب ليسوا مجرد متلقين للخطاب، بل شركاء في صناعته ونشره. ومن خلال المبادرات الشبابية، والمنتديات الحوارية، والأنشطة الثقافية، يمكن دمج رؤاهم وطموحاتهم في سردية تعبر عن تطلعاتهم الحقيقية. كما أن دعم المحتوى الإبداعي الذي ينتجه الشباب على المنصات الرقمية يمثل فرصة لتعزيز خطاب وطني نابع من المجتمع نفسه، وليس مفروضًا عليه.
التحدي الاكبر
من جانبها، ترى الدكتورة منى عبد الله، أستاذة علم الاجتماع، أن التحدي الأكبر أمام ترسيخ سردية وطنية موحدة يتمثل في تنوع الشرائح الاجتماعية واختلاف أولوياتها. وتوضح أن التغلب على هذا التحدي يتطلب الاعتراف بهذا التنوع، وصياغة سردية مرنة تستوعب الاختلاف، دون المساس بالثوابت الوطنية.
وأكدت عبد الله أن المؤسسات التعليمية والثقافية تلعب دورًا لا غنى عنه في هذا السياق، من خلال تطوير المناهج الدراسية، وتعزيز الأنشطة التي تنمي التفكير النقدي والانتماء، وربط التاريخ الوطني بقضايا الحاضر. كما تشير إلى أهمية المسرح، والسينما، والكتاب، في ترسيخ سردية عميقة ومستدامة، تتجاوز التأثير اللحظي للإعلام.



