رئيس التحرير
خالد مهران

كيف تساعد هواية الكتابة على برمجة عقلك وزيادة المرونة؟

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

من إرسال رسالة نصية إلى كتابة مقال رأي، تُمكّنك الكتابة من تحديد ألمك وخلق مسافة بينك وبينه في آنٍ واحد، حيث يُمكن لهواية الكتابة أن تُحوّل حالتك النفسية من الإرهاق واليأس إلى صفاء ذهني، وهو تحوّل يعكس المرونة.

والمرونة صفةٌ فردية يُمكن للناس تعزيزها بالجهد، حيث تُعرّف جمعية علم النفس الأمريكية المرونة بأنها عملية مُستمرة للنمو الشخصي من خلال تحديات الحياة.

وتُشيد عناوين الأخبار بشكل روتيني بالأفراد الذين يرفضون الاستسلام أو يجدون بصيص أمل في أوقات الشدة، ويُشجّع قطاع العافية على التحسين الذاتي المُستمر باعتباره الطريق إلى المرونة.

الكتابة تُعيد برمجة الدماغ

في ثمانينيات القرن الماضي، طوّر العلماء تقنية علاجية تُسمى الكتابة التعبيرية لمساعدة المرضى على معالجة الصدمات النفسية والتحديات النفسية، باستخدام هذه التقنية، حيث يُساعد التدوين المُستمر عن شيء مؤلم على خلق مسافة ذهنية بين التجربة والتجربة، ويُخفف من عبئها المعرفي.

بعبارة أخرى، يُعزز التعبير عن الضيق العاطفي من خلال الكتابة الشعور بالأمان، حيث تُحوّل الكتابة التعبيرية الألم إلى كتاب مجازي على الرف، جاهز لإعادة فتحه بوعي. إنها تُرسل إشارة إلى الدماغ: "لستَ بحاجة إلى حمل هذا بعد الآن".

وترجمة المشاعر والأفكار إلى كلمات على الورق مهمة ذهنية مُعقدة، فهي تتضمن استرجاع الذكريات والتخطيط لما يجب فعله بها، مع إشراك مناطق الدماغ المُرتبطة بالذاكرة واتخاذ القرارات، حيث يتضمن ذلك أيضًا ترجمة تلك الذكريات إلى لغة، وتنشيط الأنظمة البصرية والحركية في الدماغ.

ويدعم تدوين الأشياء عملية ترسيخ الذاكرة، أي تحويل الدماغ للذكريات قصيرة المدى إلى ذكريات طويلة المدى، حيث تُمكّن عملية الدمج الناس من إعادة صياغة التجارب المؤلمة وإدارة مشاعرهم. باختصار، يمكن للكتابة أن تُساعد على تحرير العقل ليعيش اللحظة الراهنة.

العمل من خلال الكتابة

تُظهر دراسات تصوير الدماغ أن صياغة المشاعر بالكلمات تُساعد على تنظيمها، فوصف المشاعر - سواءً من خلال الشتائم والرموز التعبيرية أو الكلمات المُختارة بعناية - له فوائد مُتعددة، فهو يُهدئ اللوزة الدماغية، وهي مجموعة من الخلايا العصبية التي تكتشف التهديد وتُحفز استجابة الخوف: القتال، أو الهروب، أو الجمود، أو التملق، كما أنه يُنشط القشرة الجبهية الأمامية، وهي جزء من الدماغ يدعم تحديد الأهداف وحل المشكلات.

بعبارة أخرى، فإن مجرد تسمية مشاعرك يُمكن أن يُساعدك على الانتقال من رد الفعل إلى الاستجابة، بدلًا من التماهي مع مشاعرك وخلطها بالحقائق، تساعدك الكتابة ببساطة على إدراك ما ينشأ والاستعداد للتصرف المدروس.

وحتى مهام الكتابة البسيطة، كإعداد قائمة مهام، تُحفّز أجزاءً من الدماغ مسؤولة عن التفكير واتخاذ القرارات، مما يساعدك على استعادة التركيز.

خلق المعنى من خلال الكتابة

اختيار الكتابة هو اختيار لخلق المعنى أيضًا، حيث تشير الدراسات إلى أن الشعور بالقدرة على التأثير شرطٌ أساسيٌّ للكتابة ونتيجةٌ لها.

وكما يُدرك الكثيرون في مجال دراسات الكتابة، فإن الكتابة شكلٌ من أشكال التفكير، وهي ممارسةٌ لا ينقطع الناس عن تعلمها، وبذلك، فإن الكتابة قادرةٌ على إعادة تشكيل العقل باستمرار، فالكتابة لا تُعبّر عن الهوية فحسب، بل تُنشئها بنشاط، كما تُنظّم الكتابة حالتك النفسية. 

غالبًا ما تُقدّم التغطية الإعلامية الشائعة لمرونة الإنسان على أنها قدرةٌ استثنائية على التحمل، حيث تشير التغطية الإخبارية للكوارث الطبيعية إلى أنه كلما زادت شدة الصدمة، زاد النمو الشخصي. 

وغالبًا ما يربط علم النفس الشعبي بين المرونة والتفاؤل الراسخ، وقد تُخفي هذه التصورات أشكالًا عادية من التكيف، فالاستراتيجيات التي يستخدمها الناس بالفعل للتعامل مع الحياة اليومية - من رسائل الغضب إلى كتابة خطاب الاستقالة - تُشير إلى التحول.

بناء المرونة من خلال الكتابة

يمكن أن تساعدك هذه النصائح المدعومة بالأبحاث على تطوير ممارسة كتابة تُعزز المرونة:

1. اكتب بخط اليد كلما أمكن ممكن، على عكس الكتابة اليدوية أو النقر على جهاز، تتطلب الكتابة اليدوية تنسيقًا إدراكيًا أكبر، فهي تُبطئ تفكيرك، مما يسمح لك بمعالجة المعلومات، وتكوين الروابط، واستنباط المعنى.

2. اكتب يوميًا، ابدأ بخطوات صغيرة وانتظم. حتى تدوين ملاحظات موجزة عن يومك، ما حدث، ما تشعر به، ما تخطط له أو تنويه، ويمكن أن يساعدك على طرد الأفكار من رأسك ويخفف من اجترار الأفكار.

3. اكتب قبل أن تُصدر رد فعل، فعندما تتدفق المشاعر القوية، دوّنها أولًا، واحتفظ بدفتر ملاحظات في متناول يدك، واجعل من عادتك كتابته قبل أن تُطلقه، وهذا يُعزز التفكير التأملي، ويساعدك على التصرف بوضوح.

5. تعامل مع الكتابة كعملية مستمرة، في كل مرة تكتب فيها مسودةً وتطلب ملاحظاتٍ عليها، فإنك تتدرب على التراجع قليلًا للنظر في وجهات نظرٍ بديلة. إن تطبيق هذه الملاحظات من خلال المراجعة يُعزز الوعي الذاتي ويبني الثقة بالنفس.