محمد مازن يكتب من بكين: لماذا غضب التنين الصيني من اليابان؟
في خضم التوترات المتصاعدة في مضيق تايوان، لم يعد السؤال هو "هل ستغزو الصين تايوان؟" بل "ما هي العواقب؟".
وفي هذا السياق، برزت التصريحات اليابانية الأخيرة كسبب رئيس لغضب بكين، لسبب وجيه: لقد حولت الصراع المحتمل من مسألة داخلية صينية إلى معضلة أمن إقليمي ودولي، مما يهدد بتدخل الولايات المتحدة واليابان بشكل مباشر.
تعتمد الحسابات الاستراتيجية حول تايوان على توازن دقيق بين الردع والغموض. الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تتبع سياسة "الغموض الاستراتيجي" منذ عقود، تبيع الأسلحة لتايوان وتلمح إلى احتمال التدخل العسكري دون الالتزام العلني به. هذا الغموض مصمم لردع الصين عن الغزو مع تجنب استفزازها، فيما تكمله اليابان بسياسة التحذير العلني أو "الاستفزاز" كما تسميها بكين.
وفي هذا السياق، جاءت التصريحات اليابانية، لا سيما من رأس الهرم الحكومي ساناي تاكايتشي، لتكون أكثر وضوحا وحسما.
المصطلح المفصلي هنا هو "وضع يهدد بقاء اليابان" (survival-threatening situation) الذي ربطته رئيسة الوزراء الجديدة بتايوان في جلسة برلمانية هذا الشهر في الدايت الياباني بممارسة حق اليابان في الدفاع الجماعي عن النفس، وبالتحديد في حال حدوث "طوارئ في تايوان" في إشارة إلى يسمى بالغزو الصيني المحتمل.
هذا المصطلح ليس مجرد بلاغة سياسية، بل لغة قانونية مذكورة في تشريع أمني عام 2015 تمكن اليابان من تفعيل حقها في الدفاع الذاتي الجماعي ومساعدة حليف في صراع خارجي، حتى لو لم تتعرض اليابان لهجوم مباشر على أراضيها.
غضب الصين مفهوم لأن هذا الربط محاولة لتغيير الوضع الراهن، الدستور الياباني يفرض قيودا على شن الحرب.
وربط هذا المصطلح بتايوان هو المبرر القانوني الذي يسمح لليابان بالدخول في الصراع بين الصين وتايوان في حال حدث. وبالتالي، ربط أمن تايوان علنا بأمن اليابان والولايات المتحدة، يشكل تحذيرا صريحا لبكين، التي تعهدت بالسيطرة على جزيرتها بالقوة إذا لزم الأمر، بأن أي غزو لن يكون مسألة محلية بل إقليمية.
لكن الأخطر هو أن مجرد اعتبار أزمة تايوان "وضعا يهدد بقاء اليابان"، يصبح التدخل الأمريكي إلزاميا بموجب معاهدة التعاون المتبادل والأمن بين الولايات المتحدة واليابان التي دخلت حيز التنفيذ في 23 يونيو 1960. وتتضمن تلك المعاهدة المعدلة بنودا تحدد التزامات الدفاع المتبادل.
فتدخل اليابان دفاعا عن تايوان، سيثير رد فعل صيني بالتأكيد ضد الأراضي اليابانية، وهنا ستجد الولايات المتحدة نفسها مرغمة على التدخل بموجب التزامها تحت معاهدة 1960.
وهذا التنسيق بين طوكيو وواشنطن يمثل كابوسا استراتيجيا لبكين، التي تفضل التعامل مع تايوان في عزلة نسبية، باعتبارها في الأصل جزء لا يتجزأ من الصين.
إن ربط اليابان والولايات المتحدة أمنهما بأمن تايوان يعزز من "استراتيجية القنفذ" التايوانية. هذه الاستراتيجية الدفاعية غير المتكافئة لا تهدف إلى هزيمة الصين في حرب شاملة، لأن فارق القوة ملحوظ ويصب في صالح الصين، بل إلى جعل تكلفة الغزو باهظة ومؤلمة للغاية (مثل أشواك القنفذ).
الترسانة التايوانية المتنقلة من الصواريخ المضادة للسفن والطائرات المسيرة تهدف إلى إطالة أمد القتال وكسب الوقت الكافي لوصول الدعم الخارجي--الدعم الذي يصبح الآن أكثر احتمالا إذا تدخلت اليابان وأوفت الولايات المتحدة بالتزاماتها التعاهدية.
لحسن الحظ، رغم الاستفزازات اللفظية والتدريبات العسكرية المتزايدة في مضيق تايوان، يرى معظم الخبراء أن الغزو الشامل لتايوان ليس وشيكا في المستقبل القريب. إن التكلفة الاقتصادية العالمية الهائلة، وتدمير صناعة أشباه الموصلات الحيوية، وخطر الانزلاق إلى حرب إقليمية واسعة النطاق مع الولايات المتحدة واليابان، تشكل من بين أمور أخرى عوامل ردع قوية تجعل القيادة الصينية تفضل "إعادة التوحيد السلمي" وتكتيكات "المنطقة الرمادية" في الوقت الراهن، والأخيرة تشير إلى الاجراءات التي تهدف إلى تغيير الوضع الراهن حول تايوان تدريجيا وتحقيق الأهداف الاستراتيجية دون الوصول إلى مستوى النزاع العسكري المباشر أو اطلاق رصاصة واحدة. وتستغل هذه التكتيكات الغموض بين السلم والحرب لتقويض دفاعات تايوان وعزيمتها السياسية بمرور الوقت.
إن الغضب الصيني من التصريحات اليابانية ليس مجرد رد فعل دبلوماسي عابر، بل هو قلق من أن تتحد الإرادة السياسية اليابانية والأمريكية بشكل فعلي يهدد بانزلاق المنطقة إلى صراع واسع. لكن يبدو أن الردع القائم على التكاليف الباهظة والحسابات الدقيقة لا يزال هو سيد الموقف الذي يحول دون تحول التوترات إلى صراع مدمر في المنطقة.