من يملك مستقبل الدفع فى مصر؟
معركة السيطرة على السوق الرقمية بين «إنستاباى» ومحافظ الكاش وكروت الائتمان
تشهد السوق المصرفية المصرية -في الفترة الأخيرة- منافسة متصاعدة بين تطبيقات الدفع الفوري مثل إنستاباي من جهة، ووسائل الدفع التقليدية مثل المحافظ الإلكترونية وبطاقات الائتمان من جهة أخرى، في ظل تسارع التحول نحو الاقتصاد الرقمي وتطبيق الشمول المالي.
مع توسع استخدام الهواتف الذكية وتزايد ثقة المستخدمين في الخدمات البنكية الرقمية، أصبح جميع تطبيقات الدفع الفوري، تسعى إلى جذب شريحة أكبر من العملاء من خلال تقديم خدمات أسرع وأكثر أمانًا، ورسوم أقل.
وبحسب بيانات البنك المركزي، ارتفاع عدد المواطنين الذين يمتلكون ويستخدمون حسابات نشطة تتيح لهم إجراء معاملات مالية سواء في البنوك أو البريد المصري أو محافظ الهاتف المحمول أو البطاقات مسبقة الدفع-إلى 53.8 مليون مواطن في يونيو 2025 بما يمثل 76.3% من إجمالي السكان البالغين (15 سنة فأكثر) وعددهم 70.5 مليون مواطن مقارنة بنحو 74.8% في ديسمبر 2024.
كانت بطاقات الائتمان، لسنوات طويلة الأداة الأساسية للمدفوعات الإلكترونية، وجاء بعدها المحافظ الإلكترونية؛ لتصبح أهم أداة للمدفوعات الرقمية في مصر، حيث وفرت وسيلة آمنة ومريحة لإرسال الأموال ودفع الفواتير عبر الهاتف المحمول، وتبنتها البنوك وشركات الاتصالات، مثل «فودافون كاش» و«أورانج موني» و«اتصالات كاش» و«وي كاش»، لتلبية احتياجات شرائح واسعة لا تمتلك حسابات مصرفية.
لكن رغم انتشارهما، يوجه كلًا من بطاقات الائتمان والمحافظ الإلكترونية تحديات مثل حدود السحب والتحويل، ورسوم الاستخدام، وعدم الربط المباشر بالحسابات البنكية، وهي النقاط التي استغلها «إنستاباي» لتقديم تجربة أكثر تكاملًا، وحلولًا أبسط وأقل تكلفة.
زيادة معدلات تداول النقود
وفي هذا السياق، قال الدكتور صلاح الدين فهمي، أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، إن طرق الدفع الإلكترونية مثل المحافظ وبطاقات الائتمان وإنستاباي انتشرت بشكل واسع خلال السنوات، حيث أصبحت أحد سبل زيادة معدلات تداول وتحويل النقود، وهو الذي يجعل له تأثيرات غير مباشرة مثل ارتفاع الأسعار وزيادة معدلات التضخم.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ«النبأ»، أن الطرق الحديثة في الدفع، تسهل عمليات الشراء، مما يساعد المواطنين على زيادة الاستهلاك والشراء أون لاين، متابعًا: «ولكن الذي ساعد على انتشار تطبيق انستاباي، هو عمليات التحويل مجانًا في بدايته، حيث يعتبر من أحسن الخدمات المالية التى قدمتها الحكومة، وساهمت في انخفاض الزحام داخل البنوك».
وأشار «فهمي»، إلى أن المحافظ الإلكترونية بدأت قبل ظهور انستاباي، ولكن الانتشار الأوسع كان خلال فترة زمنية بسيطة هو لإنستاباي، مؤكدًا أن ذلك لا يلغي التعاملات بكروت الائتمان والمحافظ الإلكترونية وخاصة هناك شريحة كبيرة ليس لديها إنستاباي.
وبالنسبة للأرباح، أوضح أستاذ الاقتصاد، أن دخول إنستاباي إلى السوق الرقمي أثر بشكل أو بأخر على أرباح المحافظ وكروت الائتمان ولكن بنسبة بسيطة، حيث هناك بعض الفئات من المجتمع تضطر إلى استخدامهم.
ولفت إلى أن هناك عروض وترويجات بين شركات الدفع الإلكترونية وبعضها، لجذب أكبر عدد من العملاء، قائلًا: «سوق المعاملات الرقمية واسع والشركات تهدف بشكل أساسي إلى زيادة الربح وتحقيق الشمول المالي».
غيّر شكل المنافسة
ومن ناحيته، قال هاني أبو الفتوح، الخبير المصرفي، إنه خلال الأشهر الأخيرة، أصبح تطبيق إنستاباي، جزءًا من الحياة اليومية في مصر، حيث الكثيرون يستخدمونه للدفع في المطاعم والمتاجر، ولشحن الهاتف، ودفع الفواتير، وتحويل الأموال بسهولة وسرعة.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ«النبأ»، أن هذا الانتشار يؤثر على المحافظ الإلكترونية وبطاقات الائتمان بشكل واضح ، حيث المعاملات عبر المنظومة الوطنية للمدفوعات اللحظية (التي يعمل بها إنستاباي) زادت بشكل ضخم حيث تجاوزت 1.5 مليار عملية بقيمة وصلت إلى 2.9 تريليون جنيه خلال العام الماضي حسب البنك المركزي، مما قلل من استخدام المحافظ الإلكترونية، لأنها عادة تأخذ عمولة بسيطة على بعض عمليات التحويل، بينما إنستاباي، يقدم الخدمة مجانًا للأفراد أو بتكلفة رمزية.
وأشار «أبو الفتوح»، إلى أن بطاقات الائتمان، فهي تواجه صعوبة في جذب المستخدمين الجدد بسبب ارتفاع الفوائد على السحب أو الشراء بالتقسيط، والتي وصلت في بعض البنوك إلى نحو 28% سنويًا وفق تقارير اقتصادية حديثة، في المقابل، يفضّل الكثير الدفع مباشرة من حسابهم البنكي لتجنب الديون أو المصاريف الإضافية.
وتابع: «لكن هذا لا يعني أن المحافظ أو البطاقات ستختفي، حيث من المتوقع أن يتغير دورها فقط، لتخدم فئات معينة مثل الشباب أو من لا يملكون حسابات بنكية، بينما تركز البنوك على تقديم عروض وخدمات أكثر جذبًا لعملائها».
وأوضح الخبير المصرفي، أنه باختصار، تطبيق إنستاباي لم يلغِ الأدوات المصرفية الأخرى، لكنه غيّر شكل المنافسة، فالسوق المصري يسير بسرعة نحو نظام دفع رقمي متكامل يجعل التعاملات المالية أسهل وأسرع.
خدمة العميل بشكل أفضل
بدوره، قال طارق متولي، نائب رئيس بنك بلوم سابقًا، إن المنافسة بين إنستاباي وكروت الائتمان والمحافظ الإلكترونية، في صالح المستهلك، وهو أمر جيد.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ«النبأ»، أن وجود انستاباي، تسبب في انخفاض أرباح كروت الائتمان والمحافظ الإلكترونية، متابعًا: «المنافسة القوية، تجعل الشركات تخفض أرباحها لخدمة العميل بشكل أفضل، ولكن مع دخول شرائح أكثر سيجنى أرباح مضاعفة».
وأشار «متولى»، إلى أن إنستاباي أصبحت من المعاملات التي لا يمكن الاستغناء عنها، حيث إنها سريعة جدًا وآمنة، وتراقب من البنك المركزي وبها حسابات جميع البنوك.
وأكد أنه لا يوجد ما يلغي دور كروت الائتمان والمحافظ الإلكترونية، حيث التطوير ومواكبة الذكاء الاصطناعي وتخفيض التكاليف، هو الأساس، لافتًا إلى ضرورة التطوير من جميع الوسائل الرقمية بما في ذلك إنستاباي والبنوك.
وأوضح نائب رئيس بنك بلوم سابقًا، أن سوق التعاملات الرقمية يوجد بيه ميزة وهي قدرة استعاب أفراد جديدة، فهناك 53.8 مليون مواطن فقط لديهم محافظ وإنستاباي وكروت ائتمان، مضيفًا: «يجب أن يكون للشركات هدف جمع ضعف هذا الرقم خلال الفترة المقبلة».
ولفت إلى أن دخول إنستاباي السوق، رفع نسبة الشمول المالي، وساعدت على انتشار المحافظ الإلكترونية، قائلًا: «المنافسة في صالح الجميع ونتمنى الوصول إلى عدم التعامل بالكاش بشكل نهائي في وقت سريع».

