رئيس التحرير
خالد مهران

شريف عرفة.. قصة مخرج أحب الإبداع أكثر من النجاح

شريف عرفة
شريف عرفة

كانت الجلسة الحوارية التي احتضنها مهرجان الجونة في يومه الخامس، مع المخرج الكبير، شريف عرفة، درسًا حيًا في كيفية صناعة سينما بضمير مهني لا يسعى إلى النجاح الجماهيري وحده، بل يؤمن بالفعل الفني في ذاته.

وفي هذه الفعالية فتح شريف عرفة خزانة تجربته الممتدة منذ بداياته كمساعد مخرج، وحتى صناعته لأيقونات راسخة، متحدثًا بلغة الشخص الذي اختبر الكواليس، وفهم الإنسان قبل الكاميرا، والذاكرة قبل شباك التذاكر.

مهرجان الجونة السينمائي

وشهدت الدورة الثامنة لمهرجان الجونة السينمائي جلسة حوارية استثنائية مع المخرج الكبير شريف عرفة أدارها الكاتب والممثل عباس أبو الحسن وسط حضور لافت من نجوم وصناع السينما من بينهم يسرا وحسين فهمي وأشرف عبد الباقي وأحمد السعدني ونور النبوي ومريم نعوم إضافة إلى المدير التنفيذي للمهرجان عمرو منسي ليغدو اللقاء فرصة نادرة للغوص في ذاكرة مخرج صنعت أفلامه أثرًا بصريًا وفكريًا خالدًا.

واستهل شريف عرفة الحديث بالتعبير عن امتنانه للمشاركة في المهرجان، قائلا إنه جاء بدعوة من الكاتبة مريم نعوم وأن المهرجان رغم صعوبته إلا أنه منظم للغاية معربًا عن سعادته بأن يكون جزءا منه ومتمنيا أن يكون وجوده ذا قيمة وداعيًا إلى فتح النقاش بالصراحة اللازمة في حوار امتد لأكثر من ساعة.

واستعرض عباس أبو الحسن مسيرة عرفة التي تنقلت بين الكوميديا والسينما السياسية وصولا إلى الأفلام الملحمية، مثل الجزيرة والممر، وسأله عن رؤيته للمستقبل بعد هذه المسيرة المتنوعة فأجاب مؤكدًا أنه لم يخطط لمساره مسبقًا، وأن كل فيلم بالنسبة إليه تجربة جديدة، وأن المخرج الحقيقي يصنع الفيلم لأنه يحبه، لا لأنه يبحث عن النجاح أو المكسب المالي، كما أن السينما ليست قضية خطابية بقدر ما هي بحث عن الجمال الإنساني، والتعبير البصري المختلف.

وتحدث شريف عرفة عن بداياته الفنية كمساعد مخرج مع أسماء بارزة كحسن الإمام وسعد عرفة وعاطف سالم، مشيرًا إلى أنه تأثر بالروح والأخلاق العملية أكثر من الأساليب الإخراجية، ووجه نصيحة لجيل المخرجين الشباب موضحًا أن الموهبة أساسية لكنها لا تكفي وأن على كل مخرج أن يحدد موقعه هل هو مبدع أم مقلد، مؤكدًا أن كلا الصنفين موجود وضروري، لكن الفنان الحقيقي هو الذي يخلق ما لم يُر من قبل. 

وتوقف الحوار عند كواليس أفلامه الشهيرة مثل الإرهاب والكباب واللعب مع الكبار والناظر مؤكدًا أن النجاح لا يُقاس بالإيراد فقط بل بقدرة الفيلم على البقاء.

وقال إن الفيلم الذي يبقى في ذاكرة الجمهور بعد عشرين عامًا هو العمل الذي حقق النجاح الحقيقي، حتى لو لم يكسر شباك التذاكر عند عرضه الأول.

وأكد عرفة أهمية احترام الشاشة الكبيرة واعتبار السينما فعلًا بصريًا يحول النص إلى صورة واعترف بعشقه للمشاهد الصغيرة العميقة مستعيدًا لحظة مؤثرة من كواليس فيلم اضحك الصورة تطلع حلوة، وتحديدًا مشهد الفنانة سناء جميل الذي أعيد تصويره 13 مرة، حتى الوصول إلى اللقطة المثالية، وقال إن الدمعة التي نزلت من عينيها بلا كلمة كانت أغنى من الحوار كله.

وتحدث عن علاقته بالنجوم الذين عمل معهم مؤكدًا أن عادل إمام لم يكن مجرد ممثل في أفلامه بل شريكًا حقيقيًا في الإبداع، وصانعًا للتفاصيل وفاهمًا لبنية المشهد وعن أحمد زكي قال إنه عبقري يمثل بلا تقنية ويعتمد على إحساس خام صادق لا يمكن تعويضه أو تكراره.

وبهذه الشهادات والمراجعات لم يكن شريف عرفة يسرد تاريخًا شخصيًا بل كان يعيد توصيف مهنة تعيش على حساسيتها لا على حساباتها وعلى الصدق مع الصورة لا على مطاردة التصفيق، إذ بدا واضحًا عبر الجلسة أن الخلود في السينما لا يتحقق بالرغبة في النجاح بل بالعمل كأن النجاح غير موجود أصلًا.