محمد مازن يكتب من بكين: هل تصل الصين والولايات المتحدة إلى حل دائم في حربهما التجارية؟

تصاعدت التوترات بين الصين والولايات المتحدة هذا الأسبوع مع فرض كل من الطرفين رسوما جديدة على سفن الطرف الآخر في الموانئ، مما أدى إلى اضطرابات ملحوظة في العلاقات الثنائية والأسواق العالمية.
وفي تطور جديد، أعلنت بكين عن قيود أكثر صرامة على تصدير المعادن النادرة، ردًا على توسع واشنطن بشكل كبير في فرض العقوبات على الشركات الصينية، مما أدى إلى تصعيد الأزمة بشكل غير مسبوق. وردًا على ذلك، هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على الواردات الصينية، بالإضافة إلى قيود جديدة على "جميع البرمجيات الحيوية"، وذلك ردًا على الإجراءات الصينية.
وتُعد المعادن النادرة، التي تلعب دورا حيويا في صناعة السيارات الكهربائية ومحركات الطائرات ورادارات الدفاع والأجهزة الإلكترونية اليومية، نقطة خلاف رئيسية في المفاوضات بين البلدين. وتنتج الصين حوالي 70% من المعادن النادرة وتسيطر على نحو 90% من عمليات المعالجة على مستوى العالم، وهو ما يمنح بكين قوة تفاوضية كبيرة.
وكانت خطوة بكين المفاجئة بفرض رسوم على السفن الأمريكية بمثابة رد غير متوقع من قبل ترامب، الذي وصفها بأنها "تحرك خارج عن السيطرة". وعلى الرغم من ذلك، بدا ترامب أكثر هدوءا خلال الأيام الأخيرة، حيث أكد على رغبته في الحوار، رغم استمرار تهديدات فرض الرسوم الجمركية.
وبينما يُتوقع أن يلتقي الرئيس ترامب مع الرئيس شي جين بينغ على هامش قمة أبيك في كوريا الجنوبية في نهاية أكتوبر، وسط أنباء عن محادثات دبلوماسية مكثفة بين الجانبين، يبقى الموقف غير واضح بشأن احتمالية التوصل إلى حل، مع استمرار التصعيد الذي يهدد بتداعيات واسعة النطاق على الاقتصاد العالمي.
عوائق في طريق حل دائم
في خضم الاستعدادات للقمة المرتقبة، يبدو السؤال الأكثر إلحاحا: هل يمكن تحقيق حل دائم للصراع التجاري المتصاعد؟ الواقع أن تحقيق هذا الهدف يواجه عقبات هيكلية وعميقة، تجعل من أي اتفاق مؤقت مجرد مسكن لا يعالج جذور الأزمة.
وفي حين تتهم واشنطن بكين بمحاولة فرض سيطرتها على سوق المعادن النادرة، تشير البيانات إلى أن صادرات الصين إلى دول غير الولايات المتحدة شهدت نموًا ملحوظا، حيث زادت بنسبة 14.8% في سبتمبر، مع توسع في الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي ودول الآسيان وإفريقيا، في وقت تتراجع فيه صادراتها إلى الولايات المتحدة بنسبة تصل إلى 27%.
ويؤكد خبراء أن التصعيد الأخير يعكس صراعًا استراتيجيًا على النفوذ الاقتصادي، وأن الصين تظهر علامات على أنها قد تكون في وضعية أفضل، مع استمرار نمو صادراتها إلى الأسواق غير الأمريكية.
ويفترض على نحو واسع أن العقبات الهيكلية عميقة، فالصراع لم يعد مجرد خلاف تجاري على الميزان، وإنما تحول إلى معركة استراتيجيّة. فالصين، حسب خبراء، من خلال هيمنتها على المعادن النادرة وسلسلة الإمداد، تؤسس لنموذج اقتصادي وقوة جيوسياسية قد تفرض واقعًا جديدًا يحد من النفوذ الأمريكي.
وفي خلفية هذه المعادلة المعقدة، تقف حسابات السياسة الداخلية في البلدين حاجزًا إضافيًا. ففي واشنطن، تظل ضغوط حماية الوظائف والقلق من انتقال التكنولوجيا عوامل حاسمة، بينما تمنع الاعتبارات القومية في بكين تقديم تنازلات قد تُفسر كضعف.
المؤشرات تشير إلى أننا إزاء انفصال اقتصادي تدريجي، حيث تفضل الدول بناء سلاسل إمداد وطنية مرنة، حتى لو كان الثمن التخلي عن جزء من كفاءة التكامل الاقتصادي العالمي. هذا تحول جيوسياسي عميق، لا تُصلحه اتفاقيات تجارية ظرفية.
خيارات محدودة ومسار متعرج
أمام هذه المعطيات، تبرز ثلاثة سيناريوهات محتملة: الاتفاق المؤقت وهو أفضل سيناريو: احتمال حصول اتفاق هش في قمة "أبيك"، يتضمن تراجعًا محدودًا عن بعض الرسوم الجمركية مقابل وعود صينية بتخفيف بعض القيود. لكن هذا السيناريو، حتى إن تحقق، سيكون أشبه بضمادة على جرح غائر.
الثاني: الانفلات الكامل وهو أسوأ سيناريو: فشل المفاوضات وانهيارها، لينتقل الطرفان إلى تطبيق كامل لتهديداتهما بالرسوم الجمركية وضوابط التصدير. هذا المسار قد يدفع بالاقتصاد العالمي إلى حافة الركود.
الثالث: استمرار حرب الاستنزاف وهو السيناريو الأرجح: نمط من التصعيد المتبادل يتخلله فترات هدوء تكتيكية.