بعد 52 عاما على حرب أكتوبر.. الفن ما زال عاجزا عن تخليد النصر كما يستحق

الفن ليس مجرد ترفيه فقط بل هو وسيلة للتأريخ وصناعة الوعي الجمعي والسينما المصرية كان من المفترض أن تكون ذاكرة حية تخلد واحدة من أهم وأعظم البطولات في التاريخ مصر: نصر السادس من أكتوبر 1973.
لكن الحصيلة رغم مرور أكثر من نصف قرن تظل محدودة جدا إذا ما قورنت بحجم الحدث.
أتذكر وأنا طفل في المرحلة الابتدائية أن يوم السادس من أكتوبر كان بمثابة عيد حقيقي يوم إجازة من الدراسة تجتمع فيه الأسرة أمام شاشة التلفزيون لمشاهدة أفلام الحرب بينما يشرح لنا أهلنا أسباب الحرب وأهميتها حيث كنت أتمنى أن أكون جنديا من هؤلاء الأبطال الذين ضحوا لاسترداد الأرض ومحاربة العدو.
وما زلت أتذكر سائق أتوبيس المدرسة عم جلال رجل من جرجا في سوهاج وقد عرفت بالصدفة أنه شارك في حرب أكتوبر من تلك اللحظة
أصبح عم جلال بالنسبة لي بطلا مثل الذين أراهم على الشاشة في الأفلام يقاتلون العدو ومن هنا أيقنت أن السينما والفن يلعبان دورا أساسيا في غرس الانتماء الوطني والقيم والمعتقدات في وصناعة وعي الأجيال لذالك نتسايل عن سبب قلة الأعمال.
حصيلة محدودة.. أفلام قليلة لا تكفي
رغم ضخامة الحدث لم يتجاوز عدد الأفلام التي تناولت حرب أكتوبر والاستنزاف أعمال فنية محدودة بعضها جسد لحظة العبور والانتصار وبعضها تناول مرحلة حرب الاستنزاف باعتبارها التمهيد للانتصار.
أولًا: أبرز أفلام حرب أكتوبر
هذه الأفلام ارتبطت مباشرة بالانتصار وعبور القناة وتحطيم خط بارليف:
•أبناء الصمت (1974) – بطولة نور الشريف، أحمد زكي، ميرفت أمين.
•الرصاصة لا تزال في جيبي (1974) – بطولة محمود ياسين، أحد أشهر أفلام النصر.
•الوفاء العظيم (1974) – بطولة محمود ياسين ونجلاء فتحي، عن قصص الجنود والبطولة.
• العمر لحظة (1978) – بطولة ماجدة، ركّز على دور الصحافة في رفع الوعي الوطني.
• بدور (1974) – تناول الجانب الاجتماعي المرتبط بالحرب.
•الظلال في الجانب الآخر (1974)
عالج تأثير الحرب وانعكاساتها.
•حائط البطولات (إنتاج 1998 عرض لاحقا)—ركز على دور قوات الدفاع الجوي وحائط الصواريخ.
ثانيًا:أبرز أفلام حرب الاستنزاف
مرحلة الاستنزاف (1967 – 1970) اعتبرت التمهيد الحقيقي لعبور أكتوبر وهنا جاءت مجموعة من الأفلام المهمة:
•أغنية على الممر (1972) – بطولة محمود ياسين وصلاح السعدني. عن فصيلة محاصرة ترفض الاستسلام بعد 1967.
•حكايات الغريب (1992) – بطولة محمود الجندي ومحمد منير. عن روح المقاومة بين 1967 و1973.
•الطريق إلى إيلات (1993) – بطولة نبيل الحلفاوي، عن بطولة الضفادع البشرية وتدمير المدمرة الإسرائيلية.
•الممر (2019) – بطولة أحمد عز، ركز على عمليات الجيش خلال حرب الاستنزاف وضرب مواقع العدو.
حسين شمعة: أفلام حرب أكتوبر لم تواكب الحدث العظيم.. و"الرصاصة لا تزال في جيبي" الأفضل
ومن جانبه قال الناقد الفني حسين شمعة إنه لا شك أن انتصار حرب أكتوبر يعد ذكرى عظيمة جدا ومن أهم الأحداث الوطنية في تاريخ مصر موضحا أن السينما المصرية جسدت انتصارات أكتوبر في أفلام قد تكون بسيطة ولم تواكب حجم الحدث العظيم الذي قدمه أبطال القوات المسلحة.
وأضاف أن هناك فترة قدمت فيها أفلام ومسلسلات درامية حاولت توصيل ما حدث في حرب أكتوبر، لكنها لم تتناول الحدث بعمق كافي رغم أن بعض الأعمال تعمقت إلى حد ما مشيرا إلى أن الجمهور عندما يشاهد هذه الأفلام يشعر بإحساس خاص يمزج بين الفخر والانتماء لما تمثله من مشاعر نصر حقيقية.
وأشار شمعة إلى أن أفضل أفلام حرب أكتوبر من وجهة نظره هما "الرصاصة لا تزال في جيبي" بطولة محمود ياسين ونجوى إبراهيم، و**"العمر لحظة "بطولة أحمد زكي وماجدة الصباحي موضحا أن تميز هذه الأعمال يعود إلى سخاء الإنتاج وقوة السيناريو وروعة الموسيقى التصويرية إضافة إلى القصة والديكورات واللوكيشن التي جعلت المشاهد يعيش أجواء الحرب وكأنه بداخلها.
وتابع أن هناك أفلاما أخرى مثل "الوفاء العظيم" و"الصمت" تناولت الحرب أيضا لكنها لم تصل إلى مستوى تلك الأعمال في التأثير والواقعية.
وفي ما يتعلق بالدراما أوضح أن مسلسلات مثل "رأفت الهجان" و"دموع في عيون وقحة" و"خيانة في بئر سبع" تعد من الأعمال المهمة التي كشفت دور رجال القوات المسلحة والمخابرات من عام 1967 وحتى النصر العظيم في أكتوبر 1973.
واختتم شمعة حديثه بالتأكيد على أنه حتى الآن لم يقدم عمل فني جديد عن حرب أكتوبر ومع وجود التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي يمكن الاستفادة منها في إنتاج عمل وطني ضخم يجسد الأحداث المهمة في الحرب مؤكدا أن تلك النوعية من الأعمال تحتاج إلى إنتاج كبير يليق بحجم الحدث التاريخي وبطولات أبطاله.
الناقد عماد يسري: السينما المصرية ظلمت انتصارات أكتوبر.. والجمهور ينتظر الأعمال الحربية المتميزة
أكد الناقد الفني عماد يسري أن السينما المصرية لم تنصف انتصارات حرب أكتوبر نتيجة قلة الأعمال التي تناولت تلك المرحلة المهمة في تاريخ الوطن مشيرا إلى أن الجمهور المصري يقبل بقوة على هذه النوعية من الأفلام إذا قدمت بمستوى إنتاجي وفني يليق بقيمة الحدث.
وقال يسري في تصريحات لـ "النبأ" إن هناك أفلاما تناولت وقائع تاريخية مثل الاستنزاف وأكتوبر وشخصيات وطنية مؤثرة ولاقت رواجا واسعا موضحا أن فيلم "الممر" كان نقطة فارقة كسرت وهم المنتجين بأن الجمهور لا ينجذب لتلك الأعمال بعدما حقق نجاحا جماهيريا كبيرا وإيرادات ضخمة وقت عرضه.
وأضاف: "المشكلة ليست في ذوق الجمهور بل في جرأة المنتج واستعداده لتحمّل كلفة إنتاج فيلم حربي متكامل، يعتمد على سيناريو محكم، وتقنيات عالية، ونجوم شباك لديهم قبول جماهيري" مؤكدًا أن الجمهور المصري واعي ويدرك جودة ما يُقدَّم له ويتفاعل بقوة مع أي عمل وطني متقن.
واختتم: "أقول لأي منتج متخوف من تقديم أفلام حربية إنها ستحقق إيرادات بشرط تقديمها بشكل متميز، لأن الجمهور المصري واعي وينتظر الأعمال الجيدة ليشاهدها".
سمير الجمل: لدينا عشرات السيناريوهات عن أكتوبر تنتظر التنفيذ.. وإرادة النصر لا تتحقق إلا بالفن
قال الكاتب الصحفي والسيناريست سمير الجمل إنه منذ حرب أكتوبر مر 52 عاما لكن عدد الأعمال الفنية التي تناولت هذه الحرب لا يتناسب إطلاقًا مع قيمتها العظيمة
وأوضح الجمل في تصريحات لـ«النبأ» أن ان قيمة هذه الأعمال لا تقتصر على تذكير الناس بالنصر بل في قدرتها على صناعة نصر جديد نصر على المؤامرات التي تحاك ضد مصر داخليا وخارجيا لأن إرادة النصر هي فلسفة وقيمة ومعنى ولا يمكن تجسيدها ونقلها للأجيال إلا من خلال الفن والدراما
وأشار إلى أن الأغنية الوطنية ما زالت موجودة لأنها سهلة الإنتاج بينما تحتاج الأعمال الدرامية إلى وقت وجهد كبيرين والمشكلة الحقيقية ليست في الإمكانيات بل في غياب الإرادة وأضاف قائلا من يقول إنه لا توجد أعمال عن حرب أكتوبر فهو مخطئ فالأعمال موجودة بالفعل ويمكن الرجوع إلى إدارة الشؤون المعنوية لمعرفة عدد السيناريوهات الجاهزة عن الحرب فهناك عشرات الأعمال محفوظة لديهم فضلا عن العديد من السيناريوهات التي يمتلكها المبدعون ولم تنفذ بعد
وتابع الجمل قائلا أنا شخصيا لدي عملان عن حرب أكتوبر أحدهما عن الفريق سعد الدين الشاذلي والآخر عن لواء فقد بصره في الحرب ثم حصل على الدكتوراه في العلوم العسكرية وكان يرتدي بدلته العسكرية وهو كفيف وعندما ذهب إلى ألمانيا اعتبر معجزة هناك لقد عاصرته والتقيت به وكتبت عن قصته فيلما بعنوان "عصفور النور"
وعن رأيه في مدى إقبال الجمهور على هذا النوع من الأعمال أوضح الجمل أن الجمهور مثل الطفل يتأثر بما يقدم له فعندما عرض فيلم "الممر" الجميع وقف على قدم واحدة لمشاهدة الفيلم من كل الفئات وكذلك الحال مع مسلسل "الاختيار" الذي تابعه الصغار والكبار على حد سواء فالصغار جذبهم مشاهد الأكشن والمعارك بينما اهتم الكبار بالرسائل الوطنية والوقائع التي عاشوها
واختتم الجمل تصريحاته مؤكدا ضرورة تدخل الدولة وتعاون الشركة المتحدة مع الشؤون المعنوية لإنتاج تلك الأعمال لأنها واجب قومي خاصة وأن هناك العديد من السيناريوهات الجاهزة فعلا وأشار إلى أن الفنان الراحل لطفي لبيب كان يمتلك مشروع فيلم بعنوان "الكتيبة 26" لكنه توفي قبل تنفيذه مؤكدا أن الأعمال موجودة بالفعل لكنها بحاجة إلى من يتبناها ويخرجها للنور وهذا هو الوقت الأنسب لتحقيق ذلك
لأننا أحوج ما نكون إلى أعمال عن نصر أكتوبر لأنها تمثل قيمة كبيرة في هذا التوقيت بالذات وفي ظل الظروف التي تتعرض لها مصر والمحيطة بالعالم
الكاتب والسيناريست سمير الجمل

الناقد الفني عماد يسري

الناقد الفني حسين جمعة
