رئيس التحرير
خالد مهران

قصة رحلة الآثار المسروقة من باطن الأرض بالقليوبية إلى قاعة المحكمة

المتهمان
المتهمان

في قرية هادئة من قرى محافظة القليوبية، تحديدًا "تصفا" التابعة لمركز كفر شكر، لم يكن أحد يتخيل أن بيتًا متواضعًا هناك سيصبح بؤرة لانطلاق واحدة من أخطر عمليات الاتجار في الآثار، تورط فيها شخصان، وامتدت خيوطها حتى قرية "الحاكمية" بمركز ميت غمر في الدقهلية، قبل أن تنتهي خلف القضبان.

البداية 

رجل من أبناء قرية تصفا، ذاع صيته في قريته والقرى المجاورة كـ "تاجر آثار" محترف، لا يبيع التماثيل والأواني الفرعونية فحسب، بل يعرف كيف يخفيها ويهرّبها أيضًا، لم يكن يتحدث كثيرًا، لكن الألسنة كانت تتداول اسمه في كل مجلس شعبي كعنوان للكنوز المنهوبة من باطن الأرض.

الزبون الجريء

في لحظة طمع أو تهور، قرر صاحب مصنع مقيم بقرية الحاكمية بالدقهلية، أن يدخل هذا العالم المظلم، وتواصل مع تاجر الآثار، واتفق معه على شراء مجموعة من القطع الأثرية، وفي الموعد المحدد، ذهب عبادة إلى بيته، ودفع له ثمن القطع – مبلغ مالي لم يُحدد بالكامل في التحقيقات – وأخذها معه إلى منزله في الدقهلية، حيث أخفاها وبدأ يفكر في كيفية بيعها وتهريبها خارج البلاد، لكن ما لم يعلمه أن جهاز الشرطة كان يتنصت بصمت.

التحريات الدقيقة

الرائد محمد جابر أحمد الخطيب، رئيس وحدة مباحث السياحة والآثار بالدقهلية، تلقى معلومات مؤكدة بأن صاحب المصنع يمتلك مجموعة من القطع الأثرية ويعرضها للبيع، بدأت التحريات، وتم تتبع تحركاته حتى تأكدت الأجهزة الأمنية من صحة المعلومات.

وعليه، صدر إذن من النيابة العامة بتفتيش منزله، وبالفعل تحركت قوة من الشرطة السرية يوم التنفيذ في تمام الساعة الثانية وخمس وأربعين دقيقة عصرًا، وداهمت المنزل.

المفاجأة: 176 قطعة نادرة

لم تكن الكمية قليلة، 176 قطعة أثرية بعضها يعود للحضارة الفرعونية، وأخرى تنتمي إلى العصور اليونانية والرومانية.

قطعة تلو الأخرى، كُشف الستار عن مجموعة تقدر بملايين الجنيهات، وقد وُثقت جميعها في محاضر الضبط الرسمية، بمواجهة المتهم، لم ينكر، بل أقر بأنه اشتراها بالفعل من جورج، وأرشد عن مكان إخفائها.

المحكمة تتكلم

في قاعة محكمة جنايات المنصورة، وقف المتهمان صامتين، ورفض كل منهما إجراء مواجهة مباشرة.
أما الدفاع، فركز على الدفع ببطلان إذن النيابة العامة، بحجة أن التحريات غير جدية.

لكن المحكمة لم تقتنع، وأكدت في حيثيات حكمها أن التحريات كانت جدية ومبنية على معلومات موثقة، وأن ضبط الكميات المهربة يؤكد نية الاتجار لدى المتهمين.

الشهادات تقطع الشك باليقين

جاءت شهادة الرائد محمد جابر حاسمة، وأيدها كل من نصر جبريل إبراهيم (رئيس الإدارة المركزية للأحراز)، وإيهاب محمد علي (مدير إدارة الأحراز بالمجلس الأعلى للآثار)، وكذلك مفتش الآثار محمد صبحي، الذي أكد أن القطع المضبوطة تخضع لقانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته.

النهاية: السجن خمس سنوات

أصدرت المحكمة حكمها القاطع: السجن خمس سنوات لكل من المتهمان، مع مصادرة القطع الأثرية، والسيارة والأدوات المستخدمة في عملية التهريب، لصالح المجلس الأعلى للآثار.