رئيس التحرير
خالد مهران

عادل توماس يكتب: مذيعون بلا هوية وفضائح تهدد مصداقية المهنة

عادل توماس
عادل توماس

في الأيام الأخيرة، تصدرت منصات التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية أخبارًا صادمة عن القبض على عدد من منتحلي صفة الإعلاميين، بعضهم ظهر في برامج على الإنترنت أو قنوات مغمورة يقدمون أنفسهم باعتبارهم "مذيعين"، ليتبين لاحقًا أنهم بلا مؤهلات أو صلة حقيقية بالإعلام، وبعضهم متورط في قضايا جنائية خطيرة مثل التحريض على الفسق أو الاتجار في المخدرات.

أحد أبرز هذه القضايا كانت إلقاء القبض على ما يُعرف بـ "المذيع الفرفوش"، والذي اتُهم صراحة بالتحريض على الفسق من خلال محتوى يُنشر عبر منصات التواصل، يتعمد الإثارة ويخلو من أي قيمة إعلامية أو مهنية. وكذلك تم القبض على المذيعة سارة خليفة – التي تبين أنها لا تحمل أي مؤهل إعلامي، ولا يتعدى مستواها التعليمي شهادة الابتدائية – في قضية اتجار بالمخدرات. هذا إلى جانب المذيعة داليا فؤاد التي تواجه اتهامات مشابهة تتعلق بترويج المخدرات.

الإعلام.. مهنة أم مظهر؟

لطالما كانت مهنة الإعلام من أشرف المهن، تقوم على أصول وقيم ومعايير مهنية صارمة، لكن السنوات الأخيرة شهدت فوضى إعلامية، خاصة بعد اتساع انتشار وسائل البث الرقمي، وغياب الرقابة الفعالة، وظهور عشرات القنوات المجهولة التي تمنح لقب "مذيع" و"إعلامي" لأي شخص دون النظر إلى مؤهلاته أو سلوكه، وتحولت بعض البرامج إلى مسرح للاستعراض والإسفاف، بينما تم تغييب الإعلام الحقيقي الذي يطرح قضايا الناس بصدق وموضوعية.

مطلوب تشريع حاسم

ما يحدث اليوم يكشف عن فراغ قانوني واضح، يتطلب تحركًا عاجلًا من البرلمان ونقابة الصحفيين والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، لوضع تشريع جديد يجرم بوضوح انتحال صفة صحفي أو مذيع أو إعلامي دون ترخيص أو قيد قانوني، يجب أن يُمنع أي شخص من تقديم نفسه بهذه الصفة ما لم يكن عضوًا في جهة معترف بها مثل نقابة الإعلاميين أو حاصلًا على مؤهل إعلامي أو مرخصًا له بمزاولة المهنة.

الصحافة والإعلام في خطر

السكوت على هذه الظاهرة لا يهدد فقط القيم المهنية، بل يُسهِم في نشر الجريمة والفوضى والإباحية تحت ستار حرية التعبير، نحن لا نتحدث عن تضييق على حرية الكلمة، بل عن تنظيم المهنة وحمايتها من العابثين والدخلاء.

ولعل الأخطر من كل ذلك، هو أن بعض هؤلاء "المذيعين المزيفين" يتخذون من صفة الإعلامي ستارًا للنصب والتربح غير المشروع، أو للتأثير في الرأي العام بنشر الشائعات والأكاذيب والمعلومات المضللة، وهو ما يهدد الأمن المجتمعي في الصميم.

دعوة لتحرك وطني

يجب أن تكون هذه الوقائع ناقوس خطر، وشرارة لتحرك وطني يقوده المهنيون والإعلاميون الشرفاء، من أجل إنشاء قاعدة بيانات رسمية بأسماء المذيعين والإعلاميين المرخصين، وحظر استخدام لقب "مذيع" أو "إعلامي" في بطاقات الهوية أو صفحات التواصل أو البرامج إلا بوجود ترخيص، وتوجيه الجهات الأمنية للتحقيق في خلفيات كل من يقدم نفسه بهذه الصفات خارج الأطر الرسمية، وإطلاق حملة إعلامية توعوية لحث الجمهور على التمييز بين الإعلامي الحقيقي والمنتحل.

مهنة لا بد أن تُصان

لقد آن الأوان أن نقف جميعًا في صف حماية الإعلام، مهنة التنوير والتثقيف، من كل من تسوّل له نفسه تدنيسها، ولا بد من إعادة الاعتبار لقيم الصحافة والإعلام النبيل، وتحصينها بالقانون، وردع كل من ينتحلها لتحقيق مكاسب شخصية أو تمرير أهداف خفية.

ولن يتم هذا إلا بوعي مجتمعي، وتشريع صارم، ورقابة مهنية لا تهادن، فالإعلام الحقيقي هو مرآة المجتمع، وإذا كُسرت مرآة الحقيقة، ضاع كل شيء.