رئيس التحرير
خالد مهران

صلة غير متوقعة بين الألم الجسدي ومشاكل الصحة النفسية

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

كشف باحثون عن صلةٍ مفاجئة بين الألم الجسدي المزمن ومشاكل الصحة النفسية في دراسة رائدة استندت إلى عقود من البحث.

ووجد باحثون في كلية لندن الجامعية (UCL) أن الاكتئاب والوحدة أكثر شيوعًا لدى الأشخاص الذين يعانون من الألم المزمن قبل سنوات من بدء الألم فعليًا. 

وتُظهر النتائج وجود صلة قوية بين هذه التحديات المتعلقة بالصحة النفسية والتطور اللاحق للألم المزمن، ويضيف الباحثون أن مشكلة الألم الجسدي المزمن تُمثل مصدر قلق رئيسي للصحة العامة، حيث تؤثر على ما يصل إلى 40% من الناس في المملكة المتحدة وأوروبا، وتُعتبر سببًا رئيسيًا للإعاقة.

وفي حين أثبتت الأبحاث السابقة وجود صلة بين الألم الجسدي المزمن ومشاكل الصحة النفسية كالاكتئاب والشعور بالوحدة، تُلقي هذه الدراسة الضوء على التسلسل الزمني لهذه الحالات، مُثبتةً أن هذه المشاكل غالبًا ما تسبق الألم الجسدي.

تفاصيل الدراسة

قُسّم المشاركون في الدراسة إلى مجموعتين؛ أولئك الذين أصيبوا بألم مزمن، بما في ذلك آلام الظهر والركبة والورك والقدم، وأولئك الذين لم يُصابوا به.

واكتشف الباحثون أن الأفراد الذين عانوا من ألم مزمن أبلغوا عن مستويات أعلى من الاكتئاب والوحدة قبل سنوات من بدء الألم.

ويشير هذا إلى أن معالجة هذه التحديات المتعلقة بالصحة النفسية في وقت مبكر قد تكون حاسمة في الوقاية من الألم المزمن أو التخفيف من آثاره، وتُؤكد هذه الدراسة على أهمية اتباع نهج شامل للرعاية الصحية، مُشددةً على الترابط بين الصحة البدنية والعقلية.

كما وجد الباحثون أن البالغين في منتصف العمر وكبار السن الذين يعانون من الألم هم أكثر عرضة لتفاقم أعراض الاكتئاب لمدة تصل إلى ثماني سنوات قبل ظهور الألم.

وتزداد هذه الأعراض سوءًا في السنوات التي سبقت الألم، ويبدو أنها بلغت ذروتها عند ملاحظة الألم لأول مرة، وظلت مرتفعة في السنوات التي تلت بدء الألم، حيث كانت أعراض الاكتئاب أقل شيوعًا، وأقل حدة، وثابتة نسبيًا بين الأشخاص الذين لم يعانوا من الألم.

كما وجدوا أن الشعور بالوحدة ازداد في السنوات التي سبقت ظهور الألم والسنوات التي تلته، ولكنه ظل منخفضًا وثابتًا نسبيًا بين المجموعة التي لم تعانِ من الألم.

ونتيجةً لذلك، اقترح الباحثون أن علاج الاكتئاب قد يساعد في الوقاية من الآلام والأوجاع اللاحقة أو الحد منها.

ومن المعروف أن الألم والاكتئاب مرتبطان، حيث يُفاقم كل منهما الآخر، ولكننا لا نعرف توقيت ظهور هذه الحالات المترابطة، وتُظهر دراستنا أن أعراض الاكتئاب والوحدة تتفاقم قبل وقت طويل من بدء الألم.

وهذا مهم لأنه يشير إلى إمكانية أن تُسهم الصحة النفسية المبكرة والدعم الاجتماعي في تقليل الألم اللاحق أو تأخيره.

ويمكن أن تُسهم عوامل مثل الاكتئاب والوحدة في الألم من خلال عدة آليات - من خلال التسبب في التوتر، قد تزيد الالتهاب، مما قد يؤدي إلى الألم؛ كما أنها قد تزيد من حساسية الألم عن طريق تغيير الاستجابات المناعية واختلال تنظيم الجهاز العصبي اللاإرادي، وهو شبكة الأعصاب التي تتحكم في العمليات اللاواعية مثل استجابة "الهروب أو القتال".

وتُبرز نتائجنا أهمية التعامل مع الألم ليس فقط من منظور بيولوجي، بل قد تكون تدخلات الصحة النفسية مهمة أيضًا.

ووجد الفريق أن أعراض الاكتئاب كانت أكثر وضوحًا لدى الأشخاص ذوي المستويات التعليمية المنخفضة وبين المرضى الأقل ثراءً، وتقدم هذه الدراسة أدلة إضافية تدعم أهمية استهداف الشعور بالوحدة والصحة النفسية لدى كبار السن.

وهناك حاجة إلى دعم استباقي للصحة النفسية والاجتماعية في العقد الذي يسبق ظهور الألم، ويجب دمجه في استراتيجيات إدارة الألم طويلة المدى، لا سيما للأفراد ذوي الموارد الاجتماعية والاقتصادية المحدودة.