رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

هل تورطت موسكو في انقلاب النيجر؟ ولماذا يخشى الغرب من تمدد الروس في الساحل الأفريقي ؟

هل تورطت موسكو في
هل تورطت موسكو في انقلاب النيجر؟

منذ الوهلة الأولى للانقلاب العسكري في النيجر، رفع متظاهرون مؤيدون للانقلاب، الأعلام الروسية، وصور الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، واتهمت بعض الجهات روسيا ومنظمة فاغنر بالوقوف وراء الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم.

فهل تورطت روسيا في انقلاب النيجر؟

المفاجأة أن واشنطن برأت موسكو من التورط في انقلاب النيجر، فقد أكد وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، أن ما حدث ويحدث في النيجر لا علاقة لروسيا أو مجموعة فاغنر به، لكنه عاد وحذر من أن فاغنر قد تستغل حالة عدم الاستقرار.

وقال وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني، إنه لا معلومات تشير إلى ضلوع روسيا في الانقلاب العسكري في النيجر، وأن طبيعة الاحتجاجات في النيجر كانت بأساسها مناهضة للفرنسيين.

وأضاف في مقابلة مع صحيفة "لا ريبوبليكا": "ليس لدينا أي أخبار عن تورط روسيا في شؤون النيجر في مرحلة تنظيم الانقلاب. المظاهرات مع صور الرئيس الروسي هي من حيث الجوهر تتسم أكثر بالطابع المعادي للفرنسيين. لكن بالطبع، قامت روسيا وعلى مدى سنوات بالتسلل إلى هذه المنطقة بمهارة ".

وشدد نائب مدير قسم الإعلام بالخارجية الروسية، أليكسيي زايتسوف، على أنه من غير المرجح أن يساهم التدخل العسكري من قبل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إكواس" باستقرار الوضع في النيجر.

وصرح زايتسوف خلال إحاطة إعلامية: "نؤيد جهود الوساطة التي تبذلها المجموعة الأفريقية لمساعدة الشعب النيجري على الخروج من الأزمة"، وفق وسائل إعلام روسية.

غير أنه أضاف: "في الوقت نفسه، نعتقد أن تدخل "إكواس" في شؤون دولة ذات سيادة، من غير المرجح أن يسهم في تحقيق سلام دائم في النيجر أو في استقرار الوضع في منطقة الساحل ككل".

فيما ختم قائلًا: "نعول على أن يتم إيجاد حلول مقبولة في إطار المزيد من الجهود الدبلوماسية للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا بشأن النيجر".

وحذر رئيس النيجير محمد بازوم، في مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية من الانقلاب الذي قام به قادة في الجيش ضده "يمكن أن تكون له عواقب وخيمة على بلدنا والمنطقة والعالم بأسره".

وحذر من أن مجموعة فاغنر الروسية لها وجود في منطقة الساحل، وأن هذا "الانقلاب قد يجعل المنطقة أكثر عرضة للنفوذ الروسي".

ويقول ستيفن بلانك في مقال له بموقع "هيل" الأمريكي، أن انقلاب النيجر يمثل إطاحة أخرى بالحكومات الديمقراطية من قبل العسكريين المرتبطين بصورة واضحة بموسكو من خلال مبيعات الأسلحة أو علاقات مع مجموعة فاغنر، التي يدعمها بوتين وحكومته مباشرة، حسب قوله. 

وأضاف أن الانقلابات في النيجر والسودان وبوركينا فاسو ومالي تظهر تشابها مذهلا مع بعضها البعض.

وتابع بأنه في كل هذه الحالات يمكن تمييز اليد الروسية ذات الخبرة الطويلة في تقويض الحكومات، ودعم العملاء الأفارقة لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية متبادلة. وربما ليس من قبيل الصدفة أنه بعد يوم واحد من انقلاب النيجر، برز المتظاهرون على الساحة وهم يهتفون بشعارات مؤيدة لروسيا ومعادية للغرب، ولا سيما شعارات مناهضة لفرنسا.

سر تخوف أمريكا والغرب من انقلاب النيجر؟

ومنذ الوهلة الأولى للانقلاب في النيجر حذرت الولايات المتحدة والغرب من وقوع النيجر في يد روسيا.

فما الأسباب التي تجعل الغرب يخشى من التمدد الروسي في دول الساحل؟

يقول الخبراء، أن الانقلاب العسكري الذي وقع في النيجر يعطل الإستراتيجية الأمريكية بأكملها لمحاربة الجماعات الإسلامية الأكثر تشددًا أثناء توسعها عبر غرب إفريقيا، وربما يمنح روسيا ميزة إستراتيجية في الوقت الذي تحاول فيه توسيع نفوذها في المنطقة حسب صحيفة "وول ستريت جورنال"، بخاصة أن محور النهج الأمريكي تجاه الأمن الإقليمي تركز في إرسال قوات خاصة أمريكية لتدريب نخبة القوات في النيجر لمواجهة تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، اللذين انتشرت أيديولوجيتهما العنيفة بسرعة من الشرق الأوسط وجنوب آسيا إلى منطقة الساحل.

ووفقًا لموقع "بوليتيكو" الأمريكي، قد يكون تغيير النظام في النيجر بمثابة ضربة للغرب وبشكل أكثر تحديدًا للولايات المتحدة وفرنسا، اللتين تربطهما علاقات قوية بالدولة الواقعة في غرب إفريقيا، ذلك أن رحيل بازوم القسري سيمثل انتكاسة أخرى في المنطقة، بعد أشهر فقط من انسحاب القوات الفرنسية من بوركينا فاسو ومالي المجاورتين، الذي عكس تضاؤل نفوذ فرنسا في غرب إفريقيا بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وما يجري الآن يهدد وجود حوالي 1500 جندي فرنسي آخرين في النيجر.

وبالنسبة إلى الولايات المتحدة، سيعيد رحيل الرئيس المنتخب محمد بازوم نكسة للجهود الأمريكية في المنطقة لسببين أوضحهما كاميرون هدسون، المنسق الأول لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، الأول أن الولايات المتحدة تحتفظ بقاعدتين لطائرات "الدرون" في البلاد، ومن هذه القواعد تجمع واشنطن المعلومات الاستخبارية على مساحة واسعة من الساحل وشرق إفريقيا، على طول الطريق من السودان إلى مالي، ومن الشمال في ليبيا إلى الجنوب في نيجيريا، لذا فهي منصة في وسط إفريقيا أصبحت الولايات المتحدة تعتمد عليها في جميع عمليات مكافحة الإرهاب وجميع عمليات جمع المعلومات الاستخبارية في المنطقة.

أما السبب الثاني فهو أن الولايات المتحدة تشارك بنشاط في مكافحة الإرهاب مع قوات النيجر لمواجهة زحف الفروع التابعة لـ "داعش" و"القاعدة" في المنطقة، ومنذ عام 2017 حين قتل أربعة من القوات الأميركية في النيجر خلال عملية دورية لمكافحة الإرهاب، تراجعت واشنطن عن القيام بمزيد من العمليات، واكتفت بتقديم المشورة والمساعدة وتدريب عناصر من القوات الخاصة في النيجر وجيشها لمواجهة هذه التهديدات الإرهابية بأنفسهم.

ووفقًا لهدسون، فإن تضاؤل النفوذ الأمريكي في النيجر بسبب كل هذا، والجيش الوطني لا يمتلك القدرة على مواصلة مكافحة الإرهاب بمفرده، ومثلما حدث في مالي عندما طردت الوحدة الأمنية الأوروبية - الفرنسية هناك، وجهت السلطات في مالي الدعوة إلى مجموعة "فاغنر"، وعلى رغم عدم وجود مؤشرات حتى الآن إلى أن النيجر تخطط لفعل الشيء نفسه، إلا أنه من الصعب تحديد ما إذا كان بإمكان النيجر الصمود أم لا أو إلى متى يمكنهم الصمود في وجه زحف القوى الإرهابية القادمة إلى بلادهم وتقترب من عاصمتهم.

وتنظر الولايات المتحدة إلى النيجر باعتبارها دولة استراتيجية في الحرب على الإرهاب وأحد حلفاء واشنطن الأكثر موثوقية ضد الجماعات الإسلامية المتطرفة مثل "القاعدة" و"داعش" و"بوكو حرام" إذ تستضيف النيجر نحو 1100 من القوات الخاصة الأميركية وفرق التدريب، وهي أيضًا واحدة من دول الساحل التي لم تنشئ تعاونًا مع روسيا على حساب الغرب، وبالنظر إلى أن مستقبل العلاقات العسكرية بين الولايات المتحدة والنيجر غير واضح، حرصت الخارجية الأميركية على عدم التسرع بوصف ما حدث بأنه انقلاب.

ولأن النيجر تبدو في المنظور الاستراتيجي والأمني الأمريكي أشبه بآخر قطعة دومينو في منطقة الساحل على حد وصف مسئولين سابقين في الاستخبارات الأميركية، فإن الأمل الوحيد هو ألا تسقط هذه القطعة الأخيرة، وأشاروا إلى أن جيش النيجر ربما لا يزال يريد تعاونًا وثيقًا مع الغرب، لكن القيود التي يفرضها القانون الأميركي، قد تؤدي إلى دق إسفين بين واشنطن والنيجر.

ويشعر القادة العسكريون الأمريكيون بالقلق من أن الانقلاب سيشجع المسلحين المتشددين، لا سيما من "القاعدة"، الذين شنوا آلاف الهجمات في مالي والنيجر وبوركينا فاسو منذ عام 2017 ويضغطون الآن جنوبًا في المناطق الشمالية من ساحل العاج وتوغو وبنين، كما يشعر المسئولون في أمريكا وغانا بالقلق من أن المسلحين يضعون أعينهم على غانا، وهي قوة اقتصادية وسياسية إقليمية تضم عددًا كبيرًا من المسلمين في شمالها الفقير نسبيًا.