رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

على الهواري يكتب: هل ينجح مخطط إسقاط قدسية «الشعراوي»؟

على الهواري يكتب:
على الهواري يكتب: هل ينجح مخطط «اغتيال الشعراوي»؟

تراجع وزارة الثقافة والمسرح القومي عن عرض مسرحية تتناول السيرة الذاتية للشيخ محمد متولى الشعراوي، ضمن خطة الأعمال المسرحية لعام 2023، بعد الهجوم الشرس الذي تعرض له إمام الدعاة من بعض رموز التيار العلماني في مصر، يطرح الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام حول قوة هذا التيار وقدرته على التأثير، وهل تنجح الحملة التي يشنها التيار العلماني هذه المرة لإسقاط أحد الرموز الدينية المقدسة عند المسلمين على مر العصور، لا سيما وأنها ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها إمام الدعاة للهجوم؟

بدابة الأزمة

 بدأت الأزمة بعد إعلان مدير المسرح القومي، الفنان إيهاب فهمي، مشروعا باسم "السيرة" يتضمن أمسيات تحكي سير الشخصيات التي أثرت في تاريخ مصر، وكان من المفترض أن يشمل المشروع سيرة إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي، وكان من المقرر طرحها في رمضان المقبل.

ففي أول تعليق على هذا الخبر، قال الناقد الفني طارق الشناوي، إنه من الأنسب تقديم عمل يتحدث عن سماحة وعصرية الدين الإسلامي وارتباطه بالآخر، مؤكدًا أن هذا الوقت ليس مناسبًا للحديث عن سيرة الشيخ الشعراوي بسبب "أفكاره الرجعية"، حسب وصفه.

وزعم أن "الشيخ الشعراوي كانت له آراء رجعية، مع كل الاحترام لمحبيه والشعبية الكبيرة التي يتمتع بها، ولكن هذا ليس وقت عمل للشيخ الشعراوي، خاصة أن المجتمع -في الأساس- يتراجع في أفكاره وتحرره، وأنه يأمل تقديم عمل يتحدث عن سماحة وعصرية الدين الإسلامي وارتباطه بالآخر".

وانتقد الشناوي، اختيار المسرح القومي لتقديم سيرة الشيخ الشعراوي لعرضها خلال رمضان المقبل، زاعما "هو شهر روحانيات، ولكن روحانيات الشعراوي متخلفة ورجعية ومتزمتة وغير عصرية"، واستطرد أنه كان من الأفضل تقديم سيرة الدكتور مجدي يعقوب أو الدكتور أحمد زويل.

كما هاجم الإعلامي إبراهيم عيسى، الفكرة، وقال، إن جماهيرية الشيخ الشعراوي خاطئة، مدعيا بأنه شيخ متطرف داعشي سلفي ضد الأقباط ويهين المرأة وليس وسطي كما يرى البعض، وسبب شهرته هو خطابه بالعامية وأداءه التمثيلي، على حد زعمه، مشيرًا إلى ضرورة الفصل بين حب الشيخ الشعراوي والتعلق بأفكاره وأراءه.

وزعم «عيسى» خلال برنامجه «حديث القاهرة»، أن الشيخ الشعراوي ليس مرجعًا بل وهو فقط شيخ شفاهي، ومحبيه هم الطبقة الشعبية المتوسطة، ويتباركون بصور الشيخ الشعراوي، لأنه شيخ ريفي مصري، و90% من جمهوره لم يسمعوه ولم يدققوا في حديثه وأفكاره، بل وأن التعلق به يعود إلى الحنين للذكريات، فهو من فتح باب التلفزيون أمام الدعاة والواعظين الشفاهيين.

أما الكاتبة فريدة الشوباشي عضو مجلس النواب، فقد نشرت صورة ضوئية من طلب الإحاطة الذي تقدمت به، وعلقت: «تقدمت اليوم في مجلس النواب بطلب إحاطة للدكتور مصطفي مدبولي رئيس مجلس الوزراء والدكتورة نيفين الكيلاني وزيرة الثقافة حول ضعف اداء وزارة الثقافة في نشر الوعي وتصحيح المفاهيم المشوهة مثل الفنون عامة سينما ومسرح ومسلسلات».

وأضافت «الشوباشي» عبر حسابها بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: «سؤال على سبيل المثال لا الحصر: كيف يقوم المسرح القومي التابع لوزارة الثقافة بإنتاج مسرحية عن الشيخ الشعراوي الذي سجد لله شكرا على هزيمة 67 وقال بثقة إنه فرح لهزيمة مصر.. وكيف يمكن توطيد شعور الانتماء الوطني لمشاهدي هذه المسرحية وكذلك حرم الشعراوي الفن وأموال الفن إضافة إلى تحريضه على عدم وضع النقود في البنوك لأن فوائد البنوك حرام !!».

وزارة الثقافة تتراجع

وأمام هذا الهجوم من بعض رموز التيار العلماني المتطرف، تراجعت وزارة الثقافة، حيث نفت الدكتورة نيفين الكيلاني ذلك، وقالت إن الشيخ الشعراوي "عليه تحفظات كثيرة".

وأوضحت "الكيلاني"، خلال مداخلة هاتفية ببرنامج "حديث القاهرة"، مع الإعلامية كريمة عوض، المُذاع عبر شاشة "القاهرة والناس"، أنه كان هناك اقتراح مقدم بعمل أمسيات عن بعض الشخصيات الدينية في رمضان، وأن هذا ليس عمل مسرحي كامل، إلا أنه فقط أمسيات عن الشخصيات الدينية، موضحة أن هذا كان مقترح مقدم من مدير المسرح القومي، ولم يعرض على اللجنة حتى الآن، إذ أن اللجنة تقرر الأعمال حسب بعض المعايير.

وأشارت إلى أن الفنانة سميحة أيوب على رأس هذه اللجنة التي تختار الشخصيات الدينية التي سيتم عمل أمسيات لها على المسرح القومي، مؤكدة أن اسم الشيخ الشعراوي كان الأسم المطروح على سبيل المثال وليس تأكيدا، ولم يتم الإعلان عن هذا العمل أو الأعمال الأخرى.

وتابعت: "لا بد أن يكون هناك اختيار للشخصيات التنويرية مؤثرة في المجتمع في كافة المستويات على المسرح القومي"، مؤكدة أنه لا بد أن يكون للشخصيات التي يتم اختيارها أثر إيجابي من الناحية التنويرية لمكافحة الفكر المتطرف.

كما أعلن الفنان إيهاب فهمي، مدير المسرح القومي التابع لوزارة الثقافة، تأجيل إنتاج المسرحية لمراجعة النص، وهو ما اعتبره البعض «تراجعًا مستترًا».

الأزهر وعلماءه وشيوخه يتصدون 

وقد تصدى الأزهر الشريف والكثير من علماءه وشيوخه لهذه الهجمة الشرسة على الشيخ محمد متولى الشعراوي، وقال الأزهر الشريف على صفحته الرسمية بموقع "فيسبوك": فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي، وهب حياته لتفسير كتاب الله، وأوقف عمره لتلك المهمة".

وأضاف الأزهر: "الشيخ محمد متولي الشعراوي، أوصل معاني القرآن لسامعيه بكل سلاسة وعذوبة، وجذب إليه الناس من مختلف المستويات، وأيقظ فيهم ملكات التلقي".

ومن جانبه، قال الدكتور عبد المنعم فؤاد أستاذ العقيدة والفلسفة، المشرف على أروقة الجامع الأزهر، إن مولانا الشيخ الشعراوي رحمه الله سيظل علامة مضيئة في سماء العلم والفلسفة والدين.

وأوضح في منشور له عبر صفحته على موقع "فيسبوك"، الخميس، ردا على الهجوم الذي شنه البعض مؤخرا على الشيخ محمد متولي الشعراوي، أنه سيظل المبطلون يثيرون التراب على السماء في عبط فكري عجيب، فيقع على رؤوسهم وتبقى السماء هي السماء بعلاماتها، ونجومها المضيئة ناصعة البياض بسّامة المحيا.

وقال الدكتور عباس شومان المشرف على الفتوى بالأزهر، عبر صفحته بموقع "فيسبوك":"من يهاجمون الشيخ الشعراوي مثلهم كأطفال أرادوا إتلاف ثمار تخلية عالية، فسقطت أحجارهم فوق رؤوسهم، وظلت الثمار تعجب الناظرين وخالصة للآكلين".

كما علق الدكتور أسامة السيد الأزهري، الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف، والمستشار الديني لرئيس الجمهورية، على من هاجموا الشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي، واصفا إياه بـ«الإمام الكبير»، مؤكدًا أنه في نظره ونظر أبناء الأزهر الشريف وأبناء المدارس العلمية المختلفة يمثل نموذجا مشرفا من أئمة العلم والهدي والدين على طراز أئمة الإسلام الكبار، ومن أعظم ثمرات الأزهر الشريف خلال القرن الماضي.

ووصف «الأزهري»، الشعراوي بأنه باب من أبواب تجديد الخطاب الديني، لافتًا إلى أن مشروعه في تفسير القرآن الكريم وجد أذانا واعية، وصدى في قلوب ووجدان المصريين، وتعلقت قلوب المواطنين بهذا الإنسان العظيم.

وعلق الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، على تعرض الإمام الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي لهجمة شرسة من بعض النقاد والإعلاميين، مشيرًا إلى أنه معروف عن الاتجاه العلماني الإلحادي أنهم إذا أرادوا أن يضربوا دينًا فيضربوا الثوابت والرموز.

وقال كريمة، خلال تصريحات تلفزيونية، إن العلمانيين والملحدين يسلطون بعض المتحولين بالانتقاد والهجوم والتشهير والتشويش على ثوابت الدين الإسلامي سواء من المصادر التشريعية أو الأمور القطعية؛ لإحداث بلبلة ومن ثم نفس المسلك الشائن المسيء ويبدأون التقاط بعض الرموز المؤثرة والكبيرة ذات القامة والقيمة ويوجهون سهام الحقد والغل عليهم.

أسرة الشيخ الشعراوي ترد 

بدورها، قالت فاطمة عصام، حفيدة الشيخ الشعراوي، إنّ قرار وقف عرض مسرحية تجسّد سيرة جدها الراحل على مسرح الدولة خلال شهر رمضان، ضمن أمسيات «السيرة الثقافية»، يخص إدارة البيت الفني للمسرح فقط، والأسرة ليس لديها أي تحفّظ على القرار، وأنّ الأسرة وافقت بشكل مبدأي على عرض المسرحية، بعد اتفاق مع خالها الشيخ سامي الشعراوي، شرط الاطلاع على التفاصيل وطريقة التناول.

وفيما يخص موجة الانتقادات التي طالت الشعراوي مؤخرا، قالت «فاطمة» إنّ جدّها الراحل كان يتغاضى عن أي انتقادات، ويقابلها بالصمت التام، ويرى أنّه من المستحيل إرضاء الناس وجعلهم يتفقون على شيء واحد، متابعة: «جدي كان يتجاهل هذه الأمور كي لا يأخذ الموضوع أكبر من حجمه، وبالتالي فأي حديث عن جدي الراحل لا نرد عليه، وحال التطاول سنتخذ المسارات القانونية».

وكلفت أسرة الشيخ الشعراوي المحامي سمير صبري برفع دعوى قضائية، وتقديم بلاغ للنائب العام ضد الناقدة ماجدة خير الله، مثلما تقدموا ببلاغ مماثل للنائب العام ضد الناقد طارق الشناوي، لإساءته للراحل أيضًا.

هل تنجح الحملة؟

رد الفعل الشعبي، والرسمي متمثلا في الأزهر الشريف وعلماءه وشيوخه  والمستشار الديني لرئيس الجمهورية على هذه الحملة، يؤكد أن الشيخ الشعراوي لا زال يحظى بشعبية كبيرة ومكانة عظيمة في نفوس الغالبية العظمى من المصريين، وهذا ما أكد عليه الاعلامي خيري رمضان، الذي قال تعليقا على الهجوم الذي تعرض لها الشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي خلال الأيام الماضية بسبب تقديم مسرحية تجسد شخصيته: «الشيخ الشعراوي واحد من الذين أثروا في المصريين خلال القرن الماضي ونجح في تفسير القرآن بطريقة بسيطة».

وأضاف الاعلامي خيري رمضان، خلال ببرنامج حديث القاهرة، المذاع على قناة القاهرة والناس، أن الشيخ الشعراوي له شعبية طاغية وسط المصريين ولكن له آراء صادمة استقاها من تراثنا الذي توجد فيه قضايا صادمة، موضحا أن الشيخ الشعراوي ليسه منزه عن النقد وقال: الخضة الحادثة بسبب الهجوم والانتقاد الكامل وما هي الجدوى من انتقاد الشعراوي؟.

وتابع: إحنا محتاجين العلماء يردوا على الآراء المختلفة للشيخ الشعراوي ويكون في حوار علمي ليس الهدف منه الانقضاض على الشعراوي، والانقضاض بيبقى عملية مستفزة، والشعراوي له آراء صادمة واختلف عليها علماء ورفضوها ولكن يجب أن يكون هناك صوت آخر يطالب بهدوء التناول.

وقال المطرب محمد فؤاد، إن الهجوم على الشيخ محمد متولي الشعراوي من أهم علماء الإسلام ومفسرين آيات القرآن الكريم أمر مرفوض تماما، خاصة وأن الراحل الكبير له مكانة خاصة وكبيرة في قلوب الناس الذين ما زالوا يتعلمون من إرثه الكبير.

وأضاف فؤاد: في الحقيقة أي شخص يتطاول على فضيلة الإمام الشعراوي رحمه الله مؤكد سيضع نفسه أمام النقد والهجوم من الكثيرين، وسيكون كلامه دون أي تأثير.

وعن مشاركته منذ سنوات في غناء تتر مسلسل ” إمام الدعاة” للفنان حسن يوسف الذي تناول السيرة الذاتية لفضيلة الإمام، قال: بالطبع علامة مميزة في مشواري الفني، الأغنية مست قلوب الناس بمجرد طرحها وقتها من باب حبهم للشيخ متولي الشعراوي، وستظل من أهم النجاحات في مشواري الفني، وافخر ارتباط اسمي بهذا العمل الكبير، الذي مازال في ذاكرة الجمهور بعد سنوات طويلة.

علاقة الشعراوي برؤساء مصر

يذكر أن الشيخ محمد متولى الشعراوي كانت تربطة علاقات قوية برؤساء مصر السابقين، لا سيما الرئيس محمد أنور السادات، والرئيس محمد حسنى مبارك، كما تظهر صور متداوله له وهو يقرأ الفاتحة على قبر الرئيس جمال عبد الناصر.

رغم بعض الخلافات التي حدثت بينه وبين الرئيس جمال عبد الناصر، إلا أنه بعد إعلان خبر وفاة عبدالناصر، فاجأ الشعراوي الجميع، وألقى خطابًا حزينًا راثيًا الزعيم الراحل، فقال: «قد مات جمال وليس بعجيب أن يموت والناس كلهم يموتون ولكن العجيب وهو ميت أن يعيش معنا. وقليل من الأحياء يعيشون. وخير الموت ألا يغيب المفقود وشر الحياة الموت في مقبرة الوجود. وليس بالأربعين ينتهي الحداد على الثائر المثير. والملهم الملهم. والقائد الحتم. والزعيم بلا زعم. ولو على قدره يكون الحداد لتخطي الميعاد إلى نهاية الآباد»، وفقًا لما ورد في كتاب "الشيخ الشعراوي وفتاوي العصر"، للكاتب محمود فوزي.

وبعد مرور أعوام على وفاة عبدالناصر، زار الشعراوي ضريح الراحل في عام 1995 ودعا له، معللًا سر زيارته في رؤياه للراحل في منامه، فقال في تصريح له لصحيفة الأهرام: «لقد أتاني عبد الناصر في المنام، ومعه صبي صغير وفتاة صغيرة، والصبي ممسكًا بمسطرة هندسية كبيرة والبنت تمسك سماعة طبيب، ويقول لي ألم يكن لدي حق أيها الشيخ، فقلت له بلي يا عبدالناصر أصبت أنت وأخطأت أنا»، مشيرًا إلى أن الرؤية كانت انصافًا لرأي ناصر بإدخال الطب والهندسة لعلوم جامعة الأزهر، والذي عارضه الشيخ بشدة، إذ كان يري الأزهر دار للعلوم الدينية فقط.

كما جمعت الشيخ الشعراوي والرئيس الراحل أنور السادات علاقة قوية، خاصة بعدما عينه الأخير وزيرًا للأوقاف، لكنها لم تخلُ من الخلافات والمشادات، التي بدأت عندما دعته جيهان السادات لإلقاء محاضرة لسيدات الروتاري في رمضان بمصر الجديدة، فاشترط الشعراوي ارتداء السيدات للحجاب، ولكن عندما وصل إلى المقر وجد السيدات بملابس قصيرة دون حجاب، مما أثار غضبه ورحل على الفور، الأمر الذي اعتبره السادات إهانة لزوجته.

لم تتوقف المشاحنات بين الشعراوي والسادات، فكان لهم موقف آخر عندما دعا السادات جميع وزراءه لحضور لحفلة، وكان من ضمنهم الشيخ الشعراوي كوزير للأوقاف، وخلال الحفل، فوجئ الشعراوي بوجود الراقصة نجوى فؤاد وغضب من أداءه، فأدار ظهره للمسرح، وعندما لاحظ السادات أرسل له مطالبًا بعودته إلى مقعده، فرفض الشعراوي طلب السادات وغادر على الفور.

وربطت الشعراوي والرئيس السابق حسني مبارك علاقة وطيدة، أبرزتها العديد من المواقف منها عندما نجا مبارك من مخطط اغتياله في أديس بابا عام 1995، فقال الشعراوي آنذاك: «يا سيادة الرئيس إني أقف على عتبة دنياي، مستقبلا آخرتي ومنتظرا قضاء الله فلن أختم حياتي بنفاق ولن أبرز عنتريتي».

وتابع: «إذا كنتَ قدرَنا فليوفقك الله، وإذا كنا قدرك فليعنك الله علينا».