رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

صداقات فيسبوك.. سرابٌ بقيعة!

الكاتب الصحفي صبري
الكاتب الصحفي صبري الموجي

كشفتْ واقعةُ انقطاع صلتي بالفيس بوك مُؤخرا بعد تمكن المُخترق الخبيث “هاكر” من تعطيل حسابي عن أنَّ الصداقات عبر تلك الوسيلة صداقاتٌ وهمية، أو هي سرابٌ بقيعة، وأن عباراتِ الود والتملق بين الأصدقاء خلالها ما هي إلا نوعٌ من الزيف، الذي يُخالفُ مفهوم المحبة والتواد الذي يجعل البشر كالجسدِ الواحد إذا اشتكي منه عضوٌ تداعتْ له سائرُ الأعضاء بالحمي والسهر، فلا تزيدُ العلاقةُ بين من تربط بينهم تلك الوسيلة -خاصة إن لم تكن بينهم صلة وثيقة تسبق صداقة الفيسبوك - على كونها مجرد بيوت من رمل سرعان ما تنهدم بمجرد أن تصل إليها مياه البحر في نوبة المد!.


عدةُ أيام مضتْ على انقطاع صلتي بتلك الوسيلة، ولم أظفر إلا باهتمام وبحثِ القليل ممن صادقت؛ للاطمئنان على أخباري، ومعرفة سبب انقطاعي، مع دعائهم الصادق بأن يكون المانعُ خيرا.

 
من تلك المحاولات الجادة، محاولةُ الأديبة الراقية عبلة المُنيف سليلة بيت العلم والأدب، التي كان ومازال وسيظل أدبُ عمها الروائي الكبير عبد الرحمن المُنيف بُغيةَ الباحثين عن الأدب الجاد الضارب بجذوره في بطون الحرفية والإبداع، والذي يُعدُ أشهرَ رواة الجزيرة العربية، وأحدَ أعمدة السرد العربي البارزة في العصر الحديث، فلا ننسي من أعماله الروائية المتميزة، "مُدن الملح"، و"أسماء مُستعارة"، و"أرض السواد"، و"عالم بلا خرائط"، وربما سنحت لنا الفرصةُ لاحقا لنغوصَ في عالم ذلك الأديب الفذّ.


أعود وأقول إنه ربما كانت هناك محاولاتٌ أخري للاطمئنان عليَّ من أصدقاء مضتْ علي صداقتي بهم سنوات، وهذا أمرٌ مقطوع به، ولكني حتى الآن لم أعرف عنها شيئا، وحتي يتضحَ الأمرُ دعوني أؤكد أن هذه التجربة جعلتني لا أعولُ كثيرا على صداقات الفيس بوك، ولا أسعدُ بكلمات المدح، أو أحزنُ لكلمات القدحِ والعتاب، من أصدقاء ضُرب بيني وبينهم بسور من الحجب والبُعد والضبابية، التي تُخفي معالم وطباع وأخلاقيات كل طرف.


فبعضٌ من صداقات الفيس تقوم على الغش والتضليل والخداع، وتجميل الصورة، التي تكون أبعد ما تكون عن الحقيقة، ولا أقصد الصداقات التي تنشأ بين أشخاصٍ يتلاقون في الفكر والثقافة والعلم، ولكني أقصدُ الصداقات التي تقوم بدافع الشهوة، فتنشد أغراضا دنيئة بين جنسين مُختلفين، يزعمُ فيها كلُ طرف أنه ملكٌ مُطهرٌ، وهو في حقيقته شيطانٌ رجيم.


نماذجُ هذه الصداقات محل النقد أكثرُ من أن تُعد، وأصعبُ من أن تُحصي، منها على سبيل المثال لا الحصر حرصُ بعضٍ من النساء ممن لَحب منهن الجنبان، واحدودب الظهرُ، على صداقة شباب أصغر من أحفادهن، وتبادل كلمات الحب والهيام؛ اعتمادا على عدم توافر الرؤية، التي إن حدثت، كُشف المستور، وصارت فضيحة الكذَّاب “علي عينك يا تاجر”.


ومنها تصابي من هو طاعنٌ في السن، وحرصه علي صداقة فتيات في شرخ الشباب، دون إخطارهن بسنه الحقيقية، التي لو عرفنها، تيقنّ أن الموتَ نسيه، ومنها صداقاتُ أجناس مُختلفة، يتسلل من خلالها كلُ طرف لعالم الآخر، فيعرف عنه كل صغيرة وكبيرة، وربما استغل أحد الطرفين تلك المعلومات في ابتزاز الآخر، وإجباره على فعل مالا يريد من أفعال يحرمها الله، ويرفضها الدين!.


ومنها صداقاتٌ تُقدم على مائدتها وجباتُ دسمة من الغِيبة والنميمة ونشر الفتن وترويج الشائعات، التي تضعُ بسببها كلُ ذات حَمل حملها، وتري الناسَ من هولها سكاري، وغير ذلك الكثير مما لا يتسع له المقام.


صداقة الفيس يا سادة شيءٌ جميل بشرط أن تُوظفَ توظيفها الصحيح، فترتقي بالفكر، وتُسهم في حل المشكلات، وتُناقش قضايا مصيرية، ولا بد لذلك من توافر المصداقية التي ترتقي بتلك الصداقة، وحتي يتحقق ذلك ستبقي صداقاتُ الفيس صداقاتٍ وهمية!.