رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

جهة سيادية تتدخل لإنقاذ مصر من كارثة بيئية قبل مؤتمر المناخ

جهة سيادية تتدخل
جهة سيادية تتدخل لإنقاذ مصر من كارثة بيئية قبل مؤتمر المناخ

منذ منتصف الشهر الماضي، بدأ عدد من سكان الساحل الشمالي الشكوى من زيادة نحر البحر وتدمير شاطئ خليج سيدي عبد الرحمن الموجود في قرية مراسي المُطلة على البحر المتوسط، ومراسي منتجع سياحي يقطنه عدد من الأغنياء المصريين والأجانب خاصة من دول الخليج. 

ومنتجع مراسي أنشأته شركة إعمار الإماراتية منذ عام 2008، ويقع على بعد 125 كيلو مترا من مدينة الإسكندرية، وبحسب الشكاوى وبيانات وزارة البيئة، فإن شواطئ منتجع مراسي والقرى السياحية المجاورة للمنتجع تعرضت للنحر بسبب إنشاء الأخير مرسى عملاقا لليخوت «مارينا»، تسبب في منع حركة الأمواج والرمال المتجهة من الغرب للشرق.

وقرى الساحل الشمالي لم تعد مجرد وجهة يذهب إليها المصريون هربًا من درجة الحرارة المرتفعة في الصيف، لكنها باتت موقعًا متميزًا يقتصر على «علية القوم»، وتعكس مظاهر الثراء المنتشرة بين فئة محدودة من المجتمع، خصوصًا في قرى مثل: «مراسي»، و«ستيلا هايتس»، و«هاسيندا باي»، و«أمواج» و«تلال»، في تناقض واضح مع أوضاع عشرات الملايين من المصريين البسطاء، الذين يئنون تحت وطأة الفقر والغلاء، والظروف الاقتصادية الصعبة.

ويمتد الساحل الشمالي في مصر بطول 1050 كيلومترًا، من رفح شرقا على شبه جزيرة سيناء إلى السلوم غربًا على الحدود المصرية الليبية، وهو واحد من أطول سواحل البحر المتوسط في شمال إفريقيا، ويتميز بمياهه الزرقاء، ورماله الناعمة.

وبدأ الاهتمام بالساحل الشمالي في ثمانينيات القرن الماضي، عن طريق بناء عدد محدود من القرى السياحية مثل «مراقيا» و«مرابيلا» و«مارينا»، والتي مثلت طفرة كبيرة وقتئذ، لكنها تراجعت مع مرور الوقت أمام مجموعة جديدة من القرى والمنتجعات في منطقة سيدي عبد الرحمن شرق محافظة مطروح.

وبحسب الموقع الإلكتروني للشركة، فإنها تأسست عام 1997 بواسطة رئيس مجلس إدارتها محمد بن علي العبار، وفي البداية كانت مملوكة لحكومة إمارة دبي، ثم بعد طرحها للاكتتاب في بورصة دبي تحولت لشركة عامة مساهمة مدرجة في البورصة وسوق دبي المالي عام 2001. 

سبب الأزمة

يُوضح السفير محمد مرسي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن سبب المشكلة يعود لإقامة شركة إعمار مصر المالكة لمشروع مراسي بالساحل الشمالي مشروع يسمى «مارينا عملاق بالبحر» والذي تسبب في منع حركة الأمواج والرمال المتجهة طبيعيًا من الغرب للشرق وهو ما تسبب أيضًا في نحر شديد على الشواطئ المجاورة لمراسي شرقًا. 

ويُضيف السفير، وهو أحد ملاك قرية الدبلوماسيين المجاورة لمشروع مراسي، أن تجاوزات الشركة بحرم البحر خطيرة جدًا، مشيرًا إلى وجود خيط رفيع بين تشجيع الاستثمار وبين الحفاظ على مقدرات الوطن واحترام مصالح مواطنيه وقوانينه وسيادته، متابعًا: «الموضوع هو مخالفة والتفاف شركة إعمار مصر المالكة لمشروع مراسي في الساحل الشمالي على القوانين وإقامة مارينا عملاق بالبحر تسبب في منع حركة الأمواج».

ويشير إلى أن مشروع المارينا تسبب في نحر شديد للشواطئ المجاورة لمراسي شرقًا بدأت العام الماضي فور بدء بناء المارينا وظهرت بشدة هذا العام وأصابت الشواطئ المجاورة لمراسي التي رأيتها، خلال الأيام الماضية بعيني، وامتدت عبر عدة قرى وتقترب الآن من العلمين الجديدة. 

وألمح إلى أنه بعد شكاوي القرى شرقي مراسي، تدخلت جهة سيادية مشكورة وعقدت عدة اجتماعات، خلال العام الماضي، مع الأطراف المعنية، انتهت بإجبار شركة إعمار على حل مؤقت بوضع شكائر أو أجولة مليئة بالرمال لمحاولة وقف النحر الذي أدى حتى الآن إلى تآكل أكثر من خمسين مترًا هذا العام فقط في بعض المناطق من عرض الشاطئ الذي هو تابع للأراضي المصرية، واضطرت القرى لتعويض بعض هذا الضرر أيضًا بشراء رمال من خارج القرى. 

تعهدات وزارة البيئة

ونقلًا عن وزيرة البيئة الدكتورة ياسمين فؤاد، فإن الوزارة أخذت التعهدات اللازمة على إدارة قرية «مراسي» السياحية بعدم استئناف أي أعمال جديدة، ومغادرة الكراكة الضخمة للموقع، وفك المعدات المتصلة بها، لا سيما مع وجود عكارة في مياه البحر بالمنطقة الشاطئية المجاورة للقرية، متابعة أنه جارٍ إعداد تقرير للتعرف على أسباب المشكلة، ووضع الحلول لها، للعرض على اللجنة العليا للتراخيص في وزارة الموارد المائية والري لاتخاذ القرار المناسب، باعتبارها الجهة المنوطة بإصدار التراخيص لأية أعمال بمنطقة حرم الشاطئ أو البحر. 

وكانت قررت وزارة البيئة، عمل لجنة والانتقال لموقع منتجع مراسي والقرى المجاورة لها، وإجراء معاينات استمرت 3 أيام متتالية للتعرف على أسباب الشكوى واتخاذ الإجراءات اللازمة، وتبيّن من المعاينات والقياسات الكيميائية الميدانية لنوعية مياه البحر وجود عكارة بنسب مختلفة أعلى من معدلاتها الطبيعية بالمنطقة الشاطئية للقرى المشار إليها نتيجة أعمال تكريك بالمنطقة.

وبناء عليه صدرت التعليمات بإيقاف كافة أعمال التكريك وأخذ التعهدات اللازمة بعدم استئناف أى أعمال جديدة ومغادرة الكراكة للموقع وفك المعدات المتصلة بها.

واستمرت أعمال اللجنة الميدانية لوزارة البيئة، فى متابعة تنفيذ إيقاف الأعمال وأخذ العينات اليومية اللازمة من مياه البحر بالمنطقة، وتبيّن أن معدلات تركيزات العكارة عادت إلى معدلاتها الطبيعية تدريجيًا، واستمرت اللجنة في المتابعة والقياسات اليومية التي أكدت على عودة نوعية مياه البحر لطبيعتها، كما أن الوضع البيئي بالمنطقة المتضررة آمن ولا يؤثر على الاستخدامات والأنشطة السياحية. 

وقالت «فؤاد»: «إنني أتحدث عن خطر داهم يتمثل في تعرض نحو 500 كيلومتر من شواطئ مصر للنحر، إذ إن شواطئ كثيرة عادت إلى الخلف في منطقة الساحل الشمالي، وسط شكاوى تتعلق بظهور الصخور على الشواطئ من ملاك بعض القرى السياحية المجاورة لمنتجع مراسي».

وكانت أظهرت دراسات عالمية، أن معدلات التعرية تزداد بشكل كبير مع زيادة درجة حرارة ماء البحر، حيث أدى زيادة درجة حرارة الماء بمقدار 10 درجات مئوية إلى زيادة متوسط معدلات التعرية بمقدار ثمانية أضعاف، حيث سجلت السواحل المصرية زيادة قدرها 1.6 درجة مئوية في الفترة من 1993 وحتى 2020 مما يعجل من معدل النحر.

وأكدت وزيرة البيئة، أنه تم التنسيق بين وزارتي البيئة والري، والمسئولين بقرى مراسي وستيلا والدبلوماسيين، لوضع حلول عاجلة لمعالجة النحر بالمنطقة، استمرارًا لجهود وزارة البيئة بشأن متابعة تعرض أحد الشواطئ للنحر بمنطقة سيدي عبد الرحمن في الساحل الشمالي، ووجود عكارة بمياه البحر بالمنطقة الشاطئية المجاورة لقرية مراسي المملوكة لشركة إعمار الإماراتية.

وأوضحت وزيرة البيئة، أنه يجرى حاليًا إعداد التقرير اللازم للتعرف على أسباب المشكلة، ووضع الحلول المناسبة لعرضها على اللجنة العليا للتراخيص بوزارة الموارد المائية والري لاتخاذ القرار المناسب، باعتبارها الجهة المنوطة بإصدار التراخيص لأية أعمال بمنطقة حرم الشاطئ أو البحر بالتنسيق مع الجهات الأخرى ذات الصلة. 

حماية الشواطئ المصرية من النحر

من جهته، يقول الدكتور مجدي علام، الخبير الدولي في شئون البيئة، إن حماية الشواطئ التابعة لوزارة الري ووزارة البيئة والتنمية المحلية، حيث إنهم يتابعون أي نشاط على شواطئ البحر أو الأنهار في البلاد، مضيفًا أن هذا التدخل الذي يحدث في شواطئ البحار والأنهار من قبل شركة أو أنشطة تجارية أو محافظة، يجب أن يتم بعد أخذ تصريح وموافقة من وزارة البيئة وفق دراسة تسمى «تقييم الأثر البيئي».

وأضاف «علام»، أنه لحصول أي مواطن أو شركة على موافقة لحفر شاطئ البحر أو النهر يجب أن تأتي هذه الموافقة من خلال دراسة الأثر البيئي، وعند تقديم طلب للبيئة على إقامة أي مشروع أو حفر على الشواطئ، تطلب البيئة من المواطن الذهاب لمكتب استشاري يساعده في الحصول على دراسة الأثر البيئي.

وتابع الخبير البيئي، أن الشرط الثاني للحصول على موافقة لحفر الشواطئ، هو موافقة البيئة على تلك الدراسة التي يقدمها المواطن، وفي بعض الأحيان تطلب البيئة تعديلات على الدراسة، وبالتالي يجب أن يكون هناك موافقة نهائية على دراسة تقييم الأثر البيئي من قبل البيئة، بشرط أن يعدها مكتب استشاري معتمد لدى وزارة البيئة. 

ولفت إلى أن وزارة البيئة تمتلك كشف يحتوي على نحو 40 مكتبا استشاريا معتمدا، ويتم تقسيم المشروعات لثلاثة أنواع، وهي: المشروعات الصغيرة ويكون رمزها "أ"، المشروعات المتوسطة رمزها "ب"، المشروعات الكبيرة رمزها "ج"، مشيرًا إلى قيام وزارة البيئة بعد الموافقة على دراسة تقييم الأثر البيئي، بعقد جلسة للسكان المحليين وأصحاب المصلحة، وهم أصحاب المجمعات السكنية وأصحاب المصايف حول هذا المشروع المتقدم للبيئة، وإذا كانت المواصفات البيئية سليمة، ولكن اعترض هؤلاء السكان، هنا لن يتم هذا المشروع، مما يعني أن هناك اشتراطات بيئية لتحديد كيف تتعامل الشركات مع شاطئ البحر أو النهر.

ويتابع، أن شركة إعمار الإماراتية لم تأخذ موافقة وزارة البيئة على دراسة الأثر البيئي للقيام بحفر البحر، ولذلك قررت وزارة البيئة أنها تشكل لجنة لدراسة الموقف ومن ثم يتم عرض المشكلة على وزيرة البيئة لإيجاد الحل المناسب، وفي انتظار قرار الوزارة.

إلى ذلك، يقول الدكتور حسام مغازي؛ وزير الري الأسبق؛ إن جهة سيادية حاليًا تدير موضوع النحر في شاطئ خليج سيدي عبد الرحمن بالساحل الشمالي، متابعًا أن تلك الجهة تدخلت وكلفت مكتبا استشاريا دوليا ويقوم حاليًا بعمل دراسة للخليج والقرى التي تعاني من النحر والمكتب الاستشاري عرض تقريره منذ أسبوعين.

ويُضيف، أن المكتب يعمل على إعداد التقرير النهائي ووضع الحلول النهائية لحل مشكلة النحر في سيدي عبد الرحمن والمكتب مكلف بوضع الحلول، مشيرًا إلى أن تلك الجهة السيادية تدير هذه الأزمة باقتدار وحماية للشواطئ وبأسلوب علمي، وتم تكليف مكتب استشاري هولندي لوضع الحل الأمثل.

ويلفت إلى أنه، خلال أسبوعين أو ثلاثة، سوف يتم إقرار الحل النهائي وبالتالي يتم التنفيذ على الأرض عقب موسم الصيف.