رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

على الهواري يكتب: ثالوث تفكيك القرية المصرية

على الهواري يكتب:
على الهواري يكتب: التطرف الاجتماعي وثالوث تفكيك القرية

في الماضي كانوا يصفون، الفقر والجهل والمرض، بالثالوث المدمر للقرية المصرية، لكن الأن تغير هذا المفهوم وأصبح الثالوث المدمر للقرية المصرية هو، كثرة المال والعلم والمرض، بالإضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة وعلى رأسها «الفيس بوك».

الفيس بوك.. سلاح ذو حدين 

القيس بوك «fecbook»، هو شبكة اجتماعية إلكترونية، وهو أحد وسائل التواصل الاجتماعي «السوشيال ميديا» وأبرزها على الشبكة العنكبوتية، والأشهر والأكثر استخداما وتأثيرا على مستوى العالم.

 ويعرفه آخرون، بأنه عبارة عن تجمعات اجتماعية تظهر عبر شبكة الإنترنت عندما يدخل عـدد كـاف مـن النـاس فـي مناقشـات عبـر فتـرة كافيـة مـن الـزمن، يجمـع بيـنهم شـعور إنسـاني كـاف، بحيـث يشـكلون مواقع للعلاقات الشخصية عبر الفضاء الإليكتروني.

وقد أنشأت هذه الوسيلة الإلكترونية من أجل التواصل والتعارف وتكوين الصداقات النافعة والجيدة، وطرح الأفكار المختلفة النافعة، وتبادل الأراء، ونشر ثقافة التسامح بين الناس على اختلاف أديانهم وألوانهم وثقافتهم وانتماءاتهم، وتوطيد وتقوية العلاقات الاجتماعية بين بني البشر، لا سيما بين أبناء البلد الواحد.

وكذلك ضغط المسافات وربط الناس عن بعد، كالأقارب والأصدقاء الذين فرقتهم الظروف، مما يؤدي إلى زيادة «رأس المال الاجتماعي»، حسب تعبير عالم الاجتماع الفرنسي بيير بوردو، وكذلك تبادل الأفكار والمعلومات المفيدة للمجتمع، وتعزيز ثقافة التكافل الاجتماعي، ونشر ثقافة الحب والمودة، وتقوية اللحمة المجتمعية، ونشر ثقافة الاحترام المتبادل، ونبذ الكراهية بين بني البشر، لا سيما بين أبناء البلد الواحد، وكذلك وسيلة للتقارب ونشر المحبة والمودة والألفة وإزالة الاحقاد والضغائن.

وكلها قيم ومبادئ حض عليها ديننا الحنيف وأكد عليها واعتبرها جزء من عقيدة المسلم، حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال «الدين المعاملة».

لكن على العكس من ذلك، تحولت منصة الفيس بوك، التي تحمل أهدافا نبيلة في بلادنا وخاصة في القرى والنجوع، إلى وسيلة لإثارة الفتنة والفرقة والشقاق ونشر العداوة والبغضاء، وتأجيج مشاعر الكراهية والتحريض على العنف بين العائلات والأسر، وعدم القبول بالاختلاف مع الاخرين، وكراهية الخير للاخرين المختلفين، والتشهير والتحقير من الآخرين، والسب والقذف وتشويه السمعة، والاساءة والايذاء والسخرية، ونشر الأخبار الكاذبة والشائعات، التراشق والتلاسن واستعراض القوة بين أبناء البلد الواحد، والطعن في الأعراض والأنساب.

ولم تعد خطورة وسائل التواصل الاجتماعي «السوشيال ميديا»، وأثارها السلبية، وخاصة «الفيس بوك» قاصرة على الدولة المركزية، بل أصبحت تمتد إلى القري والنجوع والكفور، بعد أن تحولت في الفترة الأخيرة إلى خطر داهم يهدد وحدة القرية المصرية وأمنها التي ظلت تنعم به لقرون وعقود طويلة، وتهدد النسيج الاجتماعي لأبناء البلد الواحد، الذين عاشوا مئات السنين أسرة واحدة في أمن وسلام ووئام.، وكما يقول دائما بعض الكبار، أنهم كانوا «يأكلون من طبق واحد».

فالكثير من الشباب المتعلم في القرى والنجوع أصبح يستغل هذه الوسيلة الخطيرة بشكل سيئ، سواء بوعي أو دون وعي، وبشكل يهدد بتفكيك الرابط الاجتماعي، وهو الرباط المقدس، والضامن لأمن القرية ووحدتها على مر العصور والأزمنة.

فهذه الوسيلة أصبحت سلاحا خطيرا وفتاكا يستخدمه البعض لتأجيج مشاعر الكراهية، وإثارة الفتنة، ونشر ثقافة العداء والشقاق والفرقة، والتحريض على قطع صلة الأرحام، التي اعتبرها الله تعالى جزء منه، من وصلها وصله ومن قطعها قطعه، من أجل تقسيم البلاد والعباد، وضرب الوحدة المجتمعية في مقتل، تطبيقا لنظرية «فرق تسد».

وهذه السلوكيات البغيضة، زادت من حدة العصبية العائلية، والنعرات الطائفية والاحتقان المجتمعي، والتباعد بين الأسر والعائلات، والتحزب والتعصب للعائلة والأسرة، والصراع والتناحر بين العائلات والتي يمكن أن يصل لحد الحروب الأهلية، مما يهدد الأمن والسلم والنسيج الاجتماعي في القرى والنجوع، وضرب الأمن والاستقرار التي تتمتع به القرية المصرية في مقتل، وهذا سوف يكون له انعكاسات سلبية على الدولة المركزية ووحدتها واستقرارها، فسكان القرى والنجوع أو الريف يمثلون أكثر من 50% من عدد سكان مصر.

وأكدت دراسة بحثية، من أن خطاب الكراهية عبر الفيسبوك قد يؤدي إلى التطرف والتناحر الديني والمذهبي، ويضعف التكافل الاجتماعي بين الناس، كما تعمل شبكات التواصل االجتماعي على إثارة الفتن بين مكونات المجتمع وتؤدي إلى الفرقة والتناحر، وأنها تفقد المجتمع تماسكه الداخلي فيصبح ضعيفًا أمام الأزمات، وأن خطاب الكراهية عبر الفيسبوك يكون له تاثير سلبي على منظومة القيم الدينية الاجتماعية والثقافية.

ومن الأثار السلبية للفيس بوك-حسب الدراسة- أنها تؤدي إلى تهديد السلم الاجتماعي، والانقسام المجتمعي، ونشر أفكار التعصب، وتزكية ممارسات العنف، الحض على الكراهية وإثارة الأحقاد والضغائن، كما ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في إضعاف العادات والتقاليد، وتقليص العلاقات الاجتماعية.

 كما كشفت الدراسة، عن عدد من الآثار السلبية لتقنيات التواصل الاجتماعي الحديثة على عادات المجتمع وتقاليده. وتتلخص أهم تلك السلبيات فيما يلي:-

• المعايدة بالـرسائل والبريد الإلكتروني يلغي الخصوصية الثقافية في تفقد المرضى والمسنين وذوي الاحتياجات والجيران في الأعياد.

• تقلصت علاقات الجوار بحيث أصبح القرب المكاني غير مهم وحل محله المكان الإسفيري/الافتراضي.

• اختفاء فضيلة الأكل الجماعي بين أفراد الأسرة والجيران.

• الزيارات الاجتماعية للتهنئة بالعيد ووصل الأرحام ومعاودة المرضى وتفقد الفقراء كلها وظائف اجتماعية ترفع من مستوى التضامن الاجتماعي وتزيد من كفاءة المؤسسات الاجتماعية في الضبط الاجتماعي.

• كان المسافرون وسكان المدن يحاولون الرجوع إلى قراهم ومسقط رؤوسهم في مواسم الأعياد. ولكن مؤخرا أصبحت التهنئة بالعيد إحدى وظائف وسائل التواصل الاجتماعي.

• تهديد الهوية الثقافية للشباب الذين لم يمارسوا أو يطلعوا بعد على الكثير من التقاليد المفيدة لجيل الآباء والأجداد.

• تقلص دور كبار السن في التربية من خلال الحكايات والقصص (الجد والجدة وحكواتي القرية أو الحي كنماذج).

• تقليل التواصل مع أفراد الأسرة عن طريق تقليل وقت اللقاءات الأسرية يهدد التماسك الأسري.

• تهديد الاستقرار الأسري للمتزوجين الذين ينشغلون يدمنون الإنترنت.

• ضعف العلاقات بين الجيران لعدم وجود الوقت الكافي أو الخشية منهم (وهذه ترتبط أكثر بشيوع نمط الحياة الحضرية).

• ضعف التواصل مع ذوي الأرحام إلا في المناسبات (كالزواج والوفاة).

• شيوع التفكك الاجتماعي على مستوى الجماعات المختلفة (الأسرة – الحي – موقع العمل – والمجتمع العام).

• فقدان الأصدقاء والاستعاضة عنهم بالعلاقات عبر الأثير علما بأن حاجة الإنسان لمن حوله من البشر لا تنقطع. ولهذا أوصى الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالجار لكونه يكون حاضرا وسريع الاستجابة لدواعي المساعدة.

العلم.. من النور إلى الجهل

ورغم أن هناك علاقة طردية بين العلم والوعي والقيم النبيلة، وعكسية بين العلم والجهل، إلا أن العكس يحدث في القرية المصرية الأن، فانتشار التعليم في القرى والنجوع لم ينجح في محاربة الافكار المتخلفة مثل الحض على الكراهية وإثارة النعرات الطائفية والعنصرية، كما لم ينجح في نشر قيم التسامح والمحبة والتألف، بل أصبح يلعب دورا سلبيا وخطيرا في الكثير من الأحيان، مثل زيادة الفجوة بين العائلات، ونشر العنصرية العائلية والطبقية المقيتة، وتمجيد المال على حساب القيم والمبادئ والأخلاق، والتمسك بالعادات والتقاليد المتخلفة التي تعود إلى عصور الجاهلية الأولى، رغم علاقات الأصل والدين والدم والمصاهرة والمصير المشترك، التي تربط بين أبناء البلد الواحد، فالغالبية العظمى من سكان القرى جدهم واحد ودينهم واحد ودمهم واحد وتربطهم شبكة عنكبوتية قوية ومتشعبة من النسب والمصاهرة.

المال وضرب القيم في مقتل

في السابق كان المال في القرية قليلا وشحيحا، وكان الذين يملكون هذا المال يعدون على أصابع اليد الواحدة، ورغم ذلك كان هناك محبة وألفة وصلة رحم وتكافل اجتماعي، وكان الناس في القرية يأكلون من طبق واحد، وكان هناك بركة، والأن ورغم أن الجميع أصبح لديه مال، إلا أن المال المتدفق من دول الخليج نتيجة للهجرة الجماعية لشباب القرى لهذه الدول، أصبح يلعب دورا سلبيا في القرية المصرية، حيث تحول هذا المال من نعمة إلى نقمة، فبدلا من أن يكون عامل اصلاح وبناء وتقارب تحول إلى سلاح افساد وهدم وتباعد، فهذا المال رغم كثرته أدى إلى قطع صلة الأرحام، وزاد من التباعد بين الناس، كما أدى إلى ظهور أمراض خطيرة مثل التكبر والتعالي والنرجسية، فالكل أصبح يتكبر على الكل، والكل أصبح يرى في نفسه أنه أفضل من الكل، والكل أصبح يستقوى على الناس بهذا المال.

من منتجة إلى مستهلكة

تحولت القرية المصرية من منتجة إلى مستهلكة، فالقرية المصرية الأن أصبحت تستورد كل شئ من الخارج، بما في ذلك الألبان والجبن واللحوم والخضروات والفواكه، بعد أن كانت منتجة ومصدرة لها على مر العصور والأزمان، كما أنها أصبحت تستهلك أنواع جديدة من الأطعمة المستوردة من الخارج وهي أغلبها أغذية محفوظة، حيث أدى ذلك إلى انتشار الأمراض بصورة كبيرة وخاصة بين الأطفال، فالقرية التي كان أهلها يتمتعون بصحة جيدة أصابتهم الأن الأمراض الفتاكة التي لم تكن في أسلافهم مثل السرطانات والفشل الكلوي والكبدي والضغط والسكر، وكلها أمراض حديثة العهد بالقرية، بسبب التلوث الذي أصاب كل شئ في القرية، بدء من المياه وحتى الغذاء، ففي السابق كان سكان القرى يشربون من مياه الترع والمصارف، دون أن يصيبهم ذلك بالأمراض، لكن رغم وجود الفلاتر والمياه النظيفة الأن يعاني أغلب سكان القرى من الأمراض الفتاكة مثل الفشل الكلوي والكبدي والضغط والسكر.

القرية في القرأن الكريم

وقد جاء ذكر اسم القرية في القرأن الكريم في أكثر من موضع، فيقول تعالى في سورة النساء « رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا»، ويقول تعالى في سورة الأنعام« وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا»، ويقول تعالى في سورة الأنعام« وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا»، ويقول تعالى في سورة « َٰذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ»، ويقول تعالى في سورة الأعراف« وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ»، ويقول تعالى في سورة الأعراف« وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ»، ويقول تعالى في سورة الأعراف« لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا»، ويقول تعالى في سورة الأعراف « وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ»، ويقول تعالى في سورة الأعراف« وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ»، ويقول تعالى في سورة الأعراف« أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ»، ويقول تعالى في سورة الأعراف« أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ»، ويقول تعالى في سورة يونس« فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ»، ويقول تعالى في سورة هود« وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ»، ويقول تعالى في سورة هود« وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ»، ويقول تعالى في سورة الحجر« وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ».

قانون لمحاربة التطرف الاجتماعي

في النهاية أطالب الحكومة المصرية ومجلس النواب بسن قانون يجرم التطرف الاجتماعي داخل القرية المصرية، فالتطرف الاجتماعي والتطرف الديني وجهان لعملة واحدة، والتشدد الاجتماعي لا يقل خطورة على المجتمع من التشدد الديني، فالاثنان يقسمان المجتمع ويحرضان على العنف والكراهية والفتنة.