رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

على الهواري يكتب: العلمانيون والإرهابيون والأزهر

على الهواري يكتب:
على الهواري يكتب: العلمانيون والإرهابيون والأزهر

أثبتت الأحداث الأخيرة على أن العلمانيين في مصر أمثال إبراهيم عيسى واسلام بحيري وخالد منتصر، ومن قبلهم الدكتور جابر عصفور وسيد القمني وأحمد عبده ماهر وغيرهم، لا يفرقون بين الأزهر والجماعات الإرهابية والمتطرفة، ولا بين الإسلام المعتدل والإسلام المتطرف، ولا بين علماء وشيوخ الأزهر وشيوخ السلفية وزعماء الجماعات الإسلامية مثل داعش والقاعدة، ولا حتى بين علماء وشيوخ الأزهر وشيوخ السلفية أمثال ياسر برهامي ومحمد حسين يعقوب ومحمد حسان وأبو اسحاق الحويني، ولا بين الأزهر وداعش والقاعدة والإخوان والسلفيين.

وهذا يؤكد ما قاله الدكتور أسامة الأزهري، المستشار الديني لرئيس الجمهورية من، أن الفكر المتطرف العلماني والديني وجهان لعملة واحدة.

وما قاله بعض العلماء، من أن التطرف العلماني هو الوجه الآخر للجماعات الإرهابية.

والأخطر من ذلك هو، أن العلمانية المتطرفة وحدت الجماعات الإسلامية المتطرفة والمتشددة والأزهر- بشكل غير ممنهج- في الكثير من القضايا الدينية التي طعن وشكك فيها التيار العلماني مثل، عذاب القبر، والإسراء والمعراج، والمساواة في الميراث، والتشكيك في السنة النبوية، والطعن في الصحابة وكتب الحديث والتراث، وهذا ما استغلته العلمانية المتطرفة لإتهام الأزهر بالتطرف وتفريخ الإرهاب، كما استغلته الجماعات الإرهابية والمتطرفة في تشويه صورة علماء الأزهر واظهارهم بالمتطرفين والمتشددين، وكذلك اثبات نظريتهم الذين يروجون لها وهي، أن المؤامرة على الإسلام وليس على التيارات الدينية المتطرفة. 

وشهدت الفترة الأخيرة حملة إعلامية ممنهجة من بعض وسائل الإعلام المصرية على الأزهر وشيوخه، وصلت لحد المطالبة بتنحي شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، بدأها الإعلامي عمرو أديب، بعد أن قام بإعادة بث فيديو قديم للدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر يتحدث فيه عن قضية «ضرب الزوجات».

الهجوم على الأزهر ليس وليد اللحظة

والهجوم على الأزهر الشريف من قبل التيار العلماني ليس وليد اللحظة، فهو مستمر ومتجدد وممتد، حيث خاض روؤس العلمانية في مصر العديد من المعارك ضد الأزهر وشيوخه وعلماءه، وصلت لحد اتهامه بتفريخ الإرهاب، والمطالبة بإغلاقه.

فقد جدد الكاتب الصحفي والإعلامي إبراهيم عيسى هجومه على مؤسسة الأزهر الشريف، مؤكدا أن الأزهر يوفر البيئة الحاضنة للإرهاب من خلال اختراقه من الإخوان والسلفيين والوهابيين وموافقته على إصدار كتب متطرفة حسب قوله.

وقال عيسى:''تغلغل الإخوان في كافة جوانب الأزهر وسيطرة السلفيين عليه وتغيير الوهابيين لمناهجه، كل هذا يؤكد الفشل، بجانب عدم قيام الأزهر بمواجهة التطرف والإرهاب الذي انتشر، فهو فاشل وأدائه فاشل وعلمائه فاشلين، ومصر كانت مرتع للإخوان كل هذه السنوات، والرئيس السيسي جاء الآن وقال بوضوح الفكر الديني يحتاج لثورة وهذا معناه إن الأزهر غير ناجح''.

وزعم عيسى، أن الأزهر غير قادر على القيام بثورة دينية نظرا لفشله طوال السنوات الماضية وعدم قدرته على مواجهة الأفكار والجماعات المتطرفة حسب قوله، مشيرا إلى وجود تشابه بين فكر وموقف الأزهر وداعش عن الشريعة والخلافة.

أما الدكتور خالد منتصر فقال، إن الأزهر يسيطر عليه تيار سلفى متشدد، وأن الأزهر الشريف يرفض المنهج العقلى خوفا من علمائه من فقدان السطوة المجتمعية، كما قال إن وجود الكليات العلمية داخل جامعة الأزهر مثل الطب والهندسة هو أمر غير دستورى وعنصرى، لأن تلك الكليات المدنية لا تقبل طلابا أقباطا فى أوساطها.

ودعا الكاتب والباحث سيد القمنى، إلى إدراج مؤسسة الأزهر ضمن المنظمات الإرهابية، ونشر عبر صفحته الشخصية على شبكة "فيس بوك" عريضة توقيعات تم تدشينها على موقع جمع التوقيعات الشهير "آفاز" بهدف تقديمها إلى الأمم المتحدة للتصديق على إدراج الأزهر ضمن قائمة المنظمات الإرهابية دوليا.

وواصل القمني، هجومه على الأزهر الشريف، حيث قال في ندوة ثقافية، إنه نذر ما تبقى من عمره لمحاربة الأزهر، واصفًا المؤسسة الدينية بآخر قلاع الاحتلال العربى، زاعمًا أن «داعش» مشروع ناجح تخرج من الأزهر، مضيفًا: «ولو عندى فلوس هستمتع بدنيتى فى الخمارات».

أما الدكتور جابر عصفور، المفكر ووزير الثقافة الأسبق، فله الكثير من التصريحات والمواقف التي يهاجم فيها الأزهر منها قوله، أن الأزهر ليس المصدر الرئيسي للتشريع، وأن وظيفة شيخ الأزهر لا تجعله يستحق مادة كاملة فى الدستور، وأن الأزهر ليس من شأنه الفتوى ومن حق كل مسلم أن يفتي، واتهم الأزهر بسيطرة الإخوان والسلفين عليه.

وشن وكيل مؤسسي الحزب العلماني المصري -تحت التأسيس- هشام عوف هجوما عنيفا على الأزهر الشريف، معتبرا أنه لا إمكانية لتقدم مصر ما دام بها مؤسسة مثله.

وشدد عوف، على أن هذه المؤسسة الدينية تجاوزت حدودها ومارست نفوذها لقمع حرية الرأي والإبداع، مضيفا ان العلمانية غير ممثلة سياسيًا، والأحزاب الليبرالية سقطت في فخ المساومات.

أما المفكر أحمد عبده ماهر، فدائم الهجوم على الأزهر وعلى مناهجه، حيث طالب باغلاق الأزهر لمدة 10 سنوات، وزعم أن مناهج الأزهر هي السبب في انتشار التطرف والإرهاب في مصر والعالم بأسره.

كما قام برفع  3 دعاوى قضائية منذ نحو 14 سنة، أول دعوى طالبت بتنقية صحيح البخاري، والثانية ضد كتب الصحاح الستة حيث طالب بإلغاء تدريسها في الأزهر، أما الدعوى الثالثة فكانت بهدف إلغاء تدريس فقه الأئمة الأربعة للتلاميذ الأزاهرة، لأنه في رأيه أنه دموي وعنصري ومليء بالكراهية لغير المسلمين، واصفًا إياه بـ "الفقه المعتوه".

وزعم أن كتب الترات التي يدرّسها الأزهر مليئة بما هو أفظع وأشنع مما يفعله داعش، وهذا ما يفعله تنظيم داعش الآن، ومن الممكن أن يكون التنظيم الإرهابي أكثر رحمة مما تدعو إليه هذه الكتب.

أما وزير الثقافة السابق، حلمي النمنم، فقد هاجم الأزهر الشريف، ومناهجه التعليمية التى قال إنها تحرض على العنف، وحمل التعليم الأزهري جزءا من مسئولية نشر ثقافة العنف الديني عبر المناهج الدينية التي تدرس في المعاهد الدينية. 

وفي الفترة الأخيرة، لجأ بعض المحسوبين على التيار العلماني إلى الدراما من أجل ضرب مكانة الأزهر الشريف وتشويه صورة علماءه المعتدلين، من خلال مسلسل «أمل حربي»، لمؤلفه إبراهيم عيسى.

وقد أصدر مركز الفتوى التابع للأزهر الشريف، بيانا شديد اللهجة، على هذا المسلسل، قال فيه: "إن تعمد تقديم عالم الدين الإسلامي بعمامته الأزهرية البيضاء في صورة الجاهل، الإمعة، معدوم المروءة، دنيء النفس، عَيِي اللسان -في بعض الأعمال الفنية- تنمر مستنكر، وتشويه مقصود مرفوض، لا ينال من العلماء بقدر ما ينال من منتقصيهم، ولا يتناسب وتوقير شعب مصر العظيم لعلماء الدين ورجاله".

وأضاف الأزهر: "لا كهنوتية في الإسلام، ولم يدع أحد من الأئمة والفقهاء العِصمة لنفسة على مرِ العصور، بل كلهم بين ما رآه حقا وَفق أدوات العلم ومعايير التخصص على وجه الإيضاح، لا الإلزام، ونسبة هذه الأوصاف الشائنة للعلماء تدليس، ووصاية، وخلط متعمد يهدف إلى تشويههم، وإسقاط مكانتهم ومقامهم، كما يهدف إلى تشويه مفاهيم الدين الحنيف وتفريغه من محتواه".

التطرف بين الديني والعلماني

قال الكاتب أحمد عبد ربه، في مقال له على موقع الشروق، تحت عنوان «التطرف بين الديني والعلماني»، أن التطرف باسم الإله يساوى التطرف باسم الإنسان أو باسم العلم أو باسم الحداثة أو غيرها من أفكار تقدمية، فكلاهما لا يكتفى فقط بعدم الاعتراف بالآخر أو حتى بالتخلص منه، ولكنه يدعى امتلاك الحقيقة المطلقة التى تبرر له الاستئثار بالسلطة وصنع القرار وتوزيع الموارد، فيتحول كلاهما إلى ظل السماء فى الأرض الحاكم الناهى بأمره لتنتفى معهما أى معارضة أو مشاركة فى الحكم أو رقابة أو شفافية ومن هنا فليس صحيحا أن الدول الدينية فقط هى التى تصنع ديكتاتوريات، فقد شهد التاريخ الحديث من العلمانيات الشمولية الدموية أيضا!.

كما تؤدى ثنائية التطرف العلمانى الدينى أيضا إلى قتل التعددية والحريات الشخصية لأنها تعتقد أن سلطتها المقدسة قادرة على إجبار البشر أن يلبسوا ويتكلموا ويفكروا بالطريقة نفسها! ولعل ملاحظة الذات المتطرفة تثير الكثير من المفارقات والملاحظات، فذات المتطرف دينيا تتضخم بفعل اعتقادها الاتحاد مع الذات الإلهية صاحبة السيادة الكلية وهذا تفسير قدرتها النفسية على تقبل القتل وسفك الدماء اعتقادا أنها تقوم بعمل مقدس، وبنفس الطريقة فإن الذات العلمانية المتطرفة تتضخم بفعل إيمانها المطلق بعقلها وبقدراتها على تسيير الطبيعة والتحكم فى مصائر غيرها من البشر، ومن هنا فإن كلتا الذاتين لا تجد غضاضة فى القتل والسفك فضلا قطعا عن التدخل فى حياة البشر وتحويلهم إلى مجرد تروس فى آلة عملاقة تدعى النقاء المطلق.

ويضيف: إذا ما انتقلنا إلى الحالة المصرية والعربية، فنجد أن أحد أهم أسباب التطرف الدينى والإرهاب والعنف هو ــ ضمن عوامل أخرى قطعا ــ انتشار التطرف العلمانى والمغالاة فى الانحياز للأرض على حساب السماء دون مراعاة للخصوصيات الثقافية أو الطبيعة النفسية والمزاجية للمجتمعات العربية عامة والمجتمع المصرى تحديدا، فبنفس الطريقة التى تجد بها متطرفا دينيا يدعو إلى إلزام المرأة بيتها تماما أو تغطيتها بالكامل حتى تختفى هويتها كلية وتصبح مجرد مفعولا به فى المجتمع، مرورا إلى رفضه تولى من هو على غير دينه لأى منصب سيادى فى الدولة بل وتضييقه على غيره فى بناء دور العبادة وممارسة الشعائر الدينية بل استهداف هذه الدور أيضا، وصولا إلى تكفير المجتمع وحمل السلاح عليه واستحلال دمه، تجد أن غلاة العلمانية أيضا وبنفس الطريقة يريدون إجبار المرأة على لباس معين بما فيه التخلى عما تعتقد أنه لباس معبر عن هويتها أو عن تدينها، بل يربطون ربطا ساذجا وغير قادر على الصمود أمام أى نقاش عقلانى منطقى بين هذا اللباس أو ذاك وبين التقدم والتنمية! مرورا باعتبار أنفسهم آلهة التنوير المحددين والمعرفين لماهية الخطاب العلمانى والتنويرى والحداثى فإذا ما أراد غيرهم إبداء آراء مخالفة أو مغايرة رموه فورا بالتهم الجزاف لأنهم يشعرون أن سلطة احتكارهم لتعريف العلمانى الحداثى التنويرى أصبحت مهددة! وصولا إلى تشجيعهم وتأييدهم قتل المخالفين وسحقهم بأدوات الدولة العنيفة بحجة أن فرصة تاريخية قد حانت لهم للتخلص من خصومهم التاريخيين فى فاشية علمانية وانتهازية لا تقل أبدا عن نظيرتها الدينية.