رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

علي الهواري يكتب: تقسيم ليبيا مسألة وقت.. لماذا؟

تقسيم ليبيا مسألة
تقسيم ليبيا مسألة وقت.. لماذا؟

لاشك أن رفض حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبد الحميد الدبيبة تسليم السلطة لحكومة فتحي باشاغا، التي تم تزكيتها من جانب مجلس النواب الليبي بقيادة عقيلة صالح في شهر مارس الماضي، وفشل جهود الأمم المتحدة في جمع ممثلي مجلسي الدولة والنواب على طاولة المفاوضات في تونس للتوافق حول قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات الليبية في أقرب وقت ممكن، وتأكيد مجلس النواب بقيادة عقيلة صالح والجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، أن حكومة الدبيبة لم يعد لها شرعية وأن ولايتها انتهت، أدخل البلاد في حالة من الجمود والهدوء السياسي والعسكري الذي يسبق العاصفة، وزاد الوضع في هذا البلد العربي الأفريقي الغني بالنفط والغاز  والموارد الطبيعية تأزيما وتعقيدا وتصعيدا.

 

وما زالت ليبيا تعيش حالة من الانقسام الحاد والانسداد السياسي المزمن، والاستقطاب الاقليمي والدولي وتضارب الأجندات الإقليمية والدولية، هي الأعنف والأكثر تعقيدا منذ اندلاع ثورة 17 فبراير 2011، التي اطاحت بحكم الزعيم الليبي معمر القذافي. 

والسؤال هو: إلى أين تتجه الأوضاع في ليبيا في ظل هذه الأزمة المستفحلة والمرشحة للاشتعال أكثر الفترة القادمة؟

لماذا اصبح تقسيم ليبيا مسألة وقت؟ 

الإجابة عن هذا السؤال من وجهة نظري، وبصفتي من المراقبين والمتابعين للشأن الليبي، استطيع أن أقول أن ليبيا تتجه إلى التقسيم، وأن تقسيمها أصبح مسألة وقت لا أكثر، وهذا رأيي منذ اندلاع الأزمة الليبية، بل من وجهة نظري أن سيناريو تقسيم ليبيا أصبح أقرب للتحقيق اليوم من أي وقت مضى.

فأنا منذ اندلاع الأزمة في ليبيا أجريت عشرات الحوارات والتحقيقات الصحفية مع سفراء وخبراء سياسيين وعسكريين حول الأزمة الليبية، وكان هناك شبه اجماع  على استبعاد سيناريو تقسيم ليبيا، ولكن كان رأيي دائما وأنا أتحدث معهم أن تقسيم ليبيا أمرا حتميا، بغض النظر عن شكل هذا التقسيم، هل هو فيدرالي أم كنفدرالي.. لماذا؟.. لعدة اسباب منها:

أولا: هناك 8 جهات محلية تتصارع على حكم ليبيا، مدعومة من جهات وتحالفات إقليمية ودولية، تحمل أجندات متضاربة ومصالح متباينة.

وهذه الجهات الثمانية هي:

في الغرب الليبي، هناك مجلس الدولة بقيادة خالد المشري، المجلس الرئاسي برئاسة محمد المنيفي، حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبد الحميد الدبيبة، وهذه القوى لها جناح عسكري مكون من عدد من الميليشيات والتشكيلات والجماعات العسكرية والمسلحة، ومدعومة بقوة من جانب تركيا وقطر.

أما في الشرق الليبي، فهناك الجيش الوطين الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، ومعه مجلس النواب، جناح عقيلة صالح رئيس المجلس، وحكومة فتحي باشاغا التي تم تزكيتها من جانب البرلمان الليبي، وترفض حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبد الحميد الدبيبة تسليمها السلطة حتى الأن.

 وهناك مجلس النواب المنقسم بين الشرق والغرب، بين حكومة الدبيبة وحكومة فتحي باشاغا، رغم أن الأغلبية مع حكومة فتحي باشاغا.

وهناك القبائل الليبية المنقسمة على نفسها والمشتتة بين الشرق والغرب.

أما القوى الخارجية التي تدعم هذه الجهات الداخلية التي تتصارع على السلطة، فهي تركيا وقطر وروسيا وفرنسا وايطاليا والولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا والاتحاد الأوربي.

كما يلعب المقاتلون الأجانب والجماعات الإرهابية المسلحة التي جلبتها الأطراف الخارجية إلى ليبيا للقتال بجوار الأطراف الداخلية الداعمة لها دورا حاسما في اشعال الأوضاع وتأزيمها داخل ليبيا.

وهذا التقسيم للقوى المتصارعة وصاحبة النفوذ في ليبيا يؤكد على أن الوضع في هذا البلد العربي يتجه للتقسيم، لا سيما في ظل أزمة الثقة المستفحلة بين أطراف الأزمة، فالكل يخاف من الكل ولا يثق به، وهذا هو سبب فشل كل المحاولات التي تمت من قبل الأمم المتحدة لترميم الوضع المتأزم في ليبيا، وعدم اجراء الانتخابات في موعدها الذي كان محددا في شهر ديسمبر الماضي.

خطر التقسيم يدق بعنف على أبواب ليبيا ليستهدف تمزيقها إلى 3 دول

ومما يدعم موقفي هو توافقه مع رأي الكثير من المحللين والمراقبين للشأن الليبي، الذين يرون أن خطر التقسيم يدق بعنف على أبواب ليبيا ليستهدف تمزيقها إلى 3 دول، واحدة فى الشرق «برقة» تتصارع عليها عدة دول على رأسها فرنسا وروسيا ثم بريطانيا التى تترقب تسارع الأحداث من وراء الستار، والثانية فى الغرب «طرابلس» تتنافس للفوز بها إيطاليا وتركيا، والثالثة فى الجنوب «فزان» التى أصبحت عرضة لخطط استعمارية قديمة تستهدف إعطاءها لقبائل الطوارق والعرقيات الإفريقية لتصبح واقعة تحت النفوذ الفرنسى!

كما يرى البعض أن تقسيم ليبيا إلى شطرين، غربي وشرقي، قد أصبح السيناريو الأكثر حتمية، ولا سيما بعد أن فشلت حتى الآن كل محاولات الوساطة بين طرفي النزاع لوقف إطلاق النار والتوصل لاتفاق سياسي يفضي إلى إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية.

ويقول المحللون، إن الأزمة التي تعيشها الدولة الليبية اليوم أزمة مصيرية ذات أبعاد سياسية وتباينات قانونية وتدخلات خارجية وتحركات داخلية، وتتعلق بالرهان على مستقبل غامض يحمل كثيرا من السيناريوهات التي هي أقرب إلى منعطفات خطرة تحتاج إلى رؤى مغايرة ومقاربات متنوعة قادرة على التعامل مع مخرجاتها المعقدة ونتائجها المتشابكة، خشية أن تتحول ليبيا إلى مستنقع لمختلف التنظيمات الإرهابية التي تبحث عن ساحة جديدة تهيمن على مقدراتها وتعيد ترتيب أوضاعها على أراضيها بعد فقدانها لساحات نجحت في إخراجها على غرار ما حدث في سوريا والعراق، ويجري اليوم في أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي منها.

وحذر المحلل السياسي الليبي محمد صالح اللافي، في حديث لموقع «سكاي نيوز عربية»، من التدخلات الخارجية خاصة التدخلات التركية، والتأثير على وحدة التراب الليبي، لافتا إلى أن الحديث عن إقليم رابع عرقي للأمازيغ يكشف المشاريع الخارجية للتقسيم ليبيا.

وأضاف اللافي، أن الأهداف الخارجية في الملف الليبي واضحة، وهو وضع ليبيا تحت الوصاية الدولية وتقسيمها إلى 6 أو 7 دول كما حدث مع يوغسلافيا بعد سقوط الاتحاد السوفييتي.

وأوضح أن الأمازيغ لديهم ميليشيات مسلحة مدعومة من الكونجرس الدولي للأمازيغ وأطراف خارجية - لم يسمها - في جبل نفوسة والزاوية والمسيطرة على المعابر الحدودية، وأعلنت عن رفع العلم الأمازيغي، في خطوة مخالفة لوحدة التراب الليبي وسيادة الدولة الليبية، موضحا أن الإقليم الرابع قد يكون نواة لحكم ذاتي يذهب إلى تقرير المصير.

ونبّه إلى مخططات ومشاريع ضد وحدة التراب الليبي وأمن واستقرار البلاد، لافتا إلى أن الهدف هو وضع ليبيا تحت الوصاية الدولية ونهب ثروات الشعب الليبي، مضيفا أن الأهداف الدولية في الداخل الليبي، والتقسيم على طاولة الدول الطامعة في ليبيا.

مؤامرة تقسيم ليبيا

في 2017، كشفت صحيفة «الجارديان» البريطانية فى تقرير خاص لها عن أن سباستيان كورجا، نائب مساعد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى ملف السياسة الخارجية، اقترح خطة لتقسيم ليبيا إلى ثلاث دويلات، ورسم هذه الخطة على "منديل ورق" أثناء لقاءه مع دبلوماسى أوروبى رفيع المستوى. 

وأضافت الصحيفة أن كورجا الذى تعرض لانتقادات كبيرة بسبب صلته مع جماعات اليمين المتطرف المجرية، اقترح هذه الفكرة قبل أسابيع من تنصيب الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب.

وقال مسئول على إطلاع بهذه المسألة، إن الدبلوماسى الأوروبى رد عليه قائلا إن هذا الحل سيكون "الأسوأ" لليبيا. 

ووفقا للجارديان، فاجأ جوركا المسئولين الأوروبيين بخريطة تقسيم اعتمد فيها على الولايات العثمانية القديمة التى كانت فى البلاد، وهى برقة فى الشرق وطرابلس فى الغرب وفزان فى الجنوب. 

وأشارت "الجارديان" إلى أن جوركا يُعرف بتبنى السياسات الداعية إلى "القضاء على الإسلام المتطرف"، فضلا عن أنه يرى جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية تسعى إلى التسلل داخل الولايات المتحدة. 

ونقلت الصحيفة البريطانية عن خبير الشئون الليبية، ماتيا تاولدو، قوله: "إذا كان كل ما تعرفه عن ليبيا هو أنها كانت مقسمة إلى ثلاث ولايات، فهذا دليل على أنك لا تعرف شيئا عنها". 

وتضيف الصحيفة، أنه ورغم أن الكثير من الانفصاليين الذين يدعمون التقسيم يزعمون أنه يمكن بناء دولة فى شرق ليبيا، يتفق معظم الخبراء على أن هذه الخطوة من شأنها أن تشعل نيران حرب أهلية جديدة نظرا للنزاع الذى سيحدث حول الحدود. 

ماذا عن الموقف المصري؟

موقف مصر من الأزمة الليبية ثابت، وقد عبر عنه الرئيس عبد الفتاح السيسي أكثر من مرة، وهو توحيد الجيش الوطني الليبي، وتوحيد مؤسسات الدولة الليبية، وخروج المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية من ليبيا، وترك ليبيا للشعب الليبي، ودعم المسار السياسي وصولا إلى إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية.

وقد استضافت مصر أكثر من مرة الفرقاء السياسيين الليبيين، من أجل تقريب وجهات النظر وتوحيد الصف الليبي، من أجل تحقيق هذا الهدف، وتفويت الفرصة على القوى الأجنبية التي تسعى إلى تقسيم وتفتيت ليبيا ونهب ثرواتها وتبديد مقدرات ابناءها، وبالتالي لا يمكن اعتبار مصر طرفا في الصراع الليبي، ولكنها شريك للشعب الليبي، لا سيما وأن ليبيا جزء لا يتجزأ من الأمن القومي لمصر.