رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

أبرزها عدم وجود قانون موحد.. أزمات تواجه عالم الاحتضان والأسر البديلة

الاحتضان في مصر
الاحتضان في مصر

صاحبة أول مبادرة للكفالة: نطالب بقانون موحد للمحتضنين

والدة داود وسليمان: نريد تشجيع الأسر على احتضان الذكور



حكايات وقصص، تشعر لوهلة أنها تنتمي لعالم الأحلام بما يحمله من لُطف وبراءة أبطال نجحوا في نسج وطن محتضن لأطفال تركهم أصلابهم، يواجهون مصير اليتم، والفقد، فكانوا لهم الاب والأم والأسرة البديلة.

ولسنوات طويلة، ظلت قصص الاحتضان حبيسة أفكار المجتمع ومعتقداته الخاطئة التي كانت تخلط بين التبني المحرم شرعا والكفالة التي أوصى بها الرسول الكريم ووعد أصحابها بالجوار بالجنة، حتى أن بعض الأسر البديلة كانت تخشي من الكشف عن هوية الطفل المحتضن خوفا من وصمه، أو معايرته في المستقبل، حتى خرجت بعض الدعوات والمبادرات الداعية للكفالة، والتشجيع على الاحتضان.
بغير العالم لابنتي 
ظل حلم الأمومة، لـ9 سنوات من الزواج، يراودها بآمال معلقة على أعتاب الرجاء والمستحيل في إنجاب طفل يروي ظمأ شغفها، ولقدر يعلمه الله تبددت إمكانية تحقيقه، ولكنها لم تيأس، وطرقت أبوابا أخرى بديلة للحلم، وهو الاحتضان، وكفالة طفلتها "ليلى"، رافعة شعار  ليس شرط أن يكون طفلك من رحمك ولكن من الممكن أن يكون ابن قلبك".



تقول يمنى دحروج، صاحبة أول مبادرة للاحتضان في مصر، إنها فكرت في قرار الاحتضان هي وزوجها في 2015، لكن الأمر لم يتم سوى في ديسمبر 2018، لتتكفل بطفلتها وهي في عُمر الأشهر، مضيفة: "مكنش عندي نية أعمل أي حاجة في الدنيا خالص وكنت زي أي أسرة عادي".

ولم يكن قرار احتضان ليلي، هو التحدي الأول لدحروج، ولكنه كان الشرارة نحو انطلاقة جديدة تقوم على تغيير ثقافة المجتمع نحو الطفل المحتضن، والدعوة للكفالة.
وعن بداية إطلاق أول مبادرة للاحتضان تقول دحروح، "حينما ذهبت إلى مراكز الإيواء التابعة لوزارة الصحة قررت اتخاذ خطوة لإنقاذ هؤلاء الأطفال، كانوا أولاد وبنات في عمر الشهور، ولما رأيتهم أخذت القرار، وفكرت أنى أغير العالم لبنتى".


وتكشف دحروج، لـ"النبأ" عن الصعوبات التى تواجه فريق عمل المبادرة، والتي ترتبط بعدم وجود قانون موحد خاص بالأطفال المحتضنة:  "المشاكل القانونية مفيش ولكن لا يوجد قانون شامل للطفل المحتضن وبالتالي أي جهة حكومية أو غير حكومية تتعامل بحالات فردية علشان يتعمل استثناء للطفل ودي بتكون حالات فردية وعلشان يتعمل للأم استثناء وهكذا بسبب عدم وجود قانون واضح للطفل المحتضن في مصر".

وتؤكد أنه من المتوقع أن يصدر قانون خلال الفترة المقبلة لتنظيم هذه المسألة وذلك حفاظا على حقوق هؤلاء الأطفال، مضيفة "فكر الأشخاص تغير إلى حد ما ونظرتهم لفكرة الاحتضان وأن دور الرعاية ليست أفضل حل بالنسبة لهؤلاء الأطفال ولكن يوجد حل آخر شرعي وحلال ومتاح".
وعن أصعب حالة واجهتها "يمنى" تمثلت في أن أسرة أقدمت على إرجاع طفل عمره ١٤ عاما في سن المراهقة وحالة أخرى أم احتضنت بنتا ولم تعلم أنها مريضة وهي الآن في عمر ٩ سنوات وتعاني من التأخر وصعوبات التعلم.

وتشدد "يمنى" على أن المبادرة تستهدف التعامل للطفل المحتضن أو المعثور عليه داخل الدولة كأي إنسان عادي بدون اختلاف أو تمييز.

وعن الصعوبات التي يواجهها الأطفال في دور الرعاية أو مراكز الصحة، تشير إلى أن أوضاعهم في دور الرعاية أصعب وأكثر وحشة من مراكز الصحة وخاصة فيما يتعلق بالتأثيرات النفسية.

حلم الـ10 سنوات 
واستطاعت أسرة عماد الحاضنة للطفلة مليكة، شق طريقها لأغوار قلوب متابعيها على صفحات التواصل الاجتماعي، فلم تكن صورة مليكة، ذات الابتسامة الملائكية، والوجه الصبوح، المدخل الوحيد لتربعها على اهتمام الجميع في مجتمع الأسر البديلة  ولكن أيضا، بسبب يوميات وقصة أسرتها المحتضنة التى نجحت في تجسيد حالة الحب على ملامح طفلتهم.


وتقول والدة الطفلة المحتضنة، لـ"النبأ" إن فكرة الاحتضان كانت موجود لديهم منذ وقت طويل "من أكثر من 10 سنوات وأنا وعماد زوجي  متفقين ومقررين على كفالة طفلة لولا القوانين وقتها كانت رافضة كفالة بنت وعندنا أولاد ذكور فى عمر 16و 12 سنة والآن بعد ولادنا ما كبروا واتغيرت القوانين قدمنا وبفضل الله تم الموافقة بعد طلوع الروح".

ولم تكن رحلة الوصول لمليكة، سهلة بالنسبة لعائلة عمادالتي ظلت لشهور في إجراءات الحضانة حتى الاستلام، قائلة "احنا كنا مقتنعين الأول قبل ما ندور على طفلة لابد من الحصول على جواب المشاهدة؛ خوفا من أننا نرتبط بطفلة والإجراءات تطول، أو يرفض طلبنا فيؤثر تأثير سلبي علينا، وبالفعل قدمنا الأوراق المطلوبة للتقديم وقتها، وبعد حصولنا على الموافقة بدأت رحلة البحث الشاقة.  

وتعمد مسؤولو الدار عدم الكشف عن وجود طفلة لديهم، وبحثنا في مجموعة مجتمعات الاحتضان، وسافرنا الإسماعيلية للبحث وفقدنا الأمل، وقرر زوجى عدم البحث وتركناها على الله، فوجئت ثانى يوم بزوجي يرسل لي صورة مليكة وعرفنا أنها من المنيا واتصلنا بمديرة الدار وطلبنا الزيارة، وبدأت مع دكتورة رضاعة وقتها كان مليكة عندها سنة وثمانية أشهر، وسافرنا لها أكثر من 10 مرات أما الرضاعة أو لمساعدة مديرة الدار فى استخراج شهادة الميلاد'".

"لو موتنا انا وباباهم هايكملوا مع اختهم"، بهذه الجملة أعربت والدة مليكة عن ارتياحها بقرار احتضان مليكة رغم عمر أولادها الكبيرة مضيفة" لدى مجدي 26 عاما ومحمد 22عاما، ومليكة سنتان وشهرين، الفرق الكبير في السن ساعدني خاصة أنهم لديهم النضج والقناعة الكافية بقرار الاحتضان".



تتحدث والدة مليكة، عن ملامح ابنتها التى تبدلت قبل وبعد الاحتضان، "نفسية الطفل وصحته والعناية والرعاية، بتغير الطفل، مليكة كل اللى شاف صورها وهى فى دار الرعاية كانوا شايفينها حزينة ومش بتضحك واللى شاف صورها بعد وجودها فى وسطنا قال إنها نورت".

وتشير والدة مليكة إلى أن هناك صعوبات تواجه الأسر البديلة تتمثل في تأخير إقامة اللجنة، واستخراج شهادة الميلاد الميمكنة للطفل المحتضن لأنهم يعتبروه ساقط القيد، متابعة "مافيش مساعدة في إنهاء إجراءات الاحتضان من قبل الدار المسؤولة عن الأطفال".

وتطالب، باقتصار الاستعلام الأمنى على وزارتي الداخلية والتضامن دون إدخال الأسر التى تقدم على الاحتضان مضيفة أصبح هناك استعلام أمنى وده فى حد ذاته متعب للأسر، المفروض الاستعلام بيكون بين الوزارتين بدون معرفة الأسرة البديلة، خاصة أن كل المعلومات موجودة بالبيانات التى تقدمنا بها".

بذرة لاحتضان الذكور 

اتخذت أسرة الصيدلانية ميرنا وزوجها، الحب شعارا في صناعة عالم  جديد يستوعب طفلها المحتضن داود، مع ابنها البيولوجي سليمان، عنوانه "حيثما توجد أسرة فهناك حب".
بصورة لطفلين تعتقد للوهلة الأولى أنهم توءمان، مصحوبًا بكلمات رقيقة لأم عاشقة، تطل ميرنا عبر حساباتها على انستجرام، وفيسبوك وتويتر، على متابعيها لتدعيم فكرتها الداعية لاحتضان الذكور.


تحكي ميرنا، عن بدايات احتضان طفلها داوود، الذي يكبر أخاه بـ6 أشهر، "أن الأمر لم يكن سهلا في بدايته، كان به رهبة، ومشاعر كثيرة، خاصة أنه جاء في ظل حملي الذي تأخر كثيرا".

وتضيف: أثناء الخطوبة عرض زوجي محمد علي الاحتضان طبعا ووافقت، ولكن بعد الإنجاب، ولكنني شعرت من الخطأ ربط رزق الاحتضان بالخلفة، وبعدها تقدمت بإجراءات الاحتضان ولكننى اكتشفت بعدها إني حامل، حينها وجدت الكثير من الضغوطات من المحيطين الذين نصحوني بتأجيل الخطوة بدعوى أننى سأظلمه ولكنني كنت على يقين بأن الإعانة من الله وحده، لو ربنا رزقني بتوءم هبقي بظلمهم او ينفع ارجع واحد"، وبالفعل كانت المقابلات في شهر حملي الثامن واللجنة كانت بعد ولادتي سليمان".

"مش هبالغ لو قولت هو اللي اختارني" بهذه الكلمات تسترجع ميرنا تفاصيل اختيارها لطفلها داوود، قائلة كنا من وقت للتانى نزور دور أيتام، لكن من أول يوم قدمنا على إجراءات الكفالة قررنا نوقف زيارات عشان منتعلقش بطفل ممكن على ما ناخد جواب المُشاهدة يكون بقى مع أسرة تانية، كنا قبل القرار بدأنا نتابع جروب مؤسسة الاحتضان في مصر كفالة الاطفال (Official group) وعرفنا أن هناك عزوفًا عن كفالة الاطفال الاولاد - فقررنا نكون البذرة الأولى فى تشجيع أسر تانية ع كفالة الاولاد".



وتؤكد ميرنا، أن الوسامة وغربية الملامح التى يتمتع بها طفلها المحتضن، داوود لم تشكل فارقا في بداية الاختيار "كان لدينا حيرة أخلاقية من فكرة الاختيار بين أكتر من طفل، فوضعنا بعض المعايير البعيدة عن الشكل واللون، كالاسم والعمر وتاريخ ميلاد مميز، وبعد زيارات عدة لدور الصحة، فوجئت بـ"دادة" تحمل طفلا وعندما اقتربت منه وجدته عانقني ووضع يده على رقبتي حينها خفق قلبي وعرفت أنه ابني".
تضيف ميرنا: الآن أولادي داوود وسليمان أعتبرهما توءمين، بشتري من كل شيء اثنين واعتبرت أولادي توءمم وأعانني الله على تربيتهما والاهتمام بهما حتى أصبح عمر داود اليوم سنة و8 أشهر وسليمان عمره سنة وشهرين فقط، ولم أكن أتخيل حياتي بدون كلاهما، كما أن عائلتي وعائلة زوجي نسوا تمامًا أن داود طفل مكفول وأصبحوا يتعاملون معه على أنه الحفيد الأول للعائلة.
 


وتناشد ميرنا الأسر باتخاذ قرار الاحتضان: "كل همي الآن هؤلاء الصغار الذين يملئون الدور لو أن كل محروم من نعمة الإنجاب فكر في احتضان أحدهم سنحميهم من الكثير من المخاطر، الأطفال دائمًا مكانهم أحضان الأمهات ودفء البيوت لذلك أردت أن أوصل رسالة للمجتمع بقصتنا وهي أن الله إذا كلف يعين وأن احتضان الأطفال هو أجمل خطوة يمكن أن يقدم عليها أي زوجين وأنني دائمًا أنظر في قلب عيون داود وأرى فرحتي فيهما فهو أول من قال لي ماما وأنا أول يد سندته في خطواته الأولى في الدنيا".
نقطة نور

وتكشف تصريحات وزارة التضامن عن عدد الأسر البديلة زاد بشكل ملحوظ، إذ استقبلت الوزارة ١٠٠ طلب كفالة خلال النصف الثانى من العام الماضى.
ويقول محمود شعبان، مدير الإدارة العامة للأسرة والطفولة بوزارة التضامن الاجتماعى، إن شروط الكفالة تتضمن أن يكون أحد الزوجين، راغبى الكفالة، متعلمًا، ولا يقل عمرهما عن ٢١ عامًا ولا يزيد على ٦٠ عامًا، وهنا استثناء يمكن للسيدة التى لم تتزوج أو الأرملة أن تكفل طفلًا بشرط أن تبلغ ٣٠ عامًا، وبعد إتمام الأمر يمكن أن يحصل الطفل على لقب العائلة أو الأب أو الأم البديلة. 


ومن الشروط التي يجب أن تتوافر فى الزوجين مقومات النضج الأخلاقى والاجتماعى بناء على بحث اجتماعى تقوم به الإدارة الاجتماعية المختصة والجمعية والمؤسسة الاهلية المختصة. 
ويؤكد أن وزارة التضامن تدعم مشروع الأسر البديلة عبر تبسيط الإجراءات وتغيير القوانين واللوائح لتشجيع الناس على كفالة الأيتام، لافتًا إلى أن عدد الأطفال المكفولين ١١ ألفًا و٥٠٠ طفل، وعدد الأسر ١١ ألفًا ٤٣٣ أسرة بديلة. 
ويكشف: «التضامن» تشرف على نحو ٤٥٠ دار رعاية وتستضيف نحو ١٠ آلاف طفل وتصل نسبة مجهولى النسب بينهم إلى أكثر من ٨٠٪، مشيرًا إلى وجود مئات دور الرعاية التابعة للجمعيات الاهلية.