رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

فنانون لكن فقراء

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

هل كل الفنانين والمطربين يحصلون على الملايين، إذا شاركوا فى أى فيلم أو مسلسل أو مسرحية أو أغنية؟!
الإجابة الصادقة الصادمة هى: لا، ومن يحصل على هذه الأجور الفلكية ربما لا يتجاوز ١٠٠ شخص فى مهنة يعمل بها ربما أكثر من ٣٠ ألف شخص ما بين ممثل ومطرب وملحن وآلاف الفنيين الذين يقفون خلف الكاميرات. وإذا افترضنا أن نصف العاملين فى هذه المهنة من المستورين، فهناك النصف الآخر يعانى بصورة لا يتخيلها أحد، فى الوقت الذى يعتقد معظمنا أنهم أغنياء جدا. نعم هناك أباطرة قليلون فى هذه المهنة يتقاضون الملايين عن العمل الواحد، لكنهم يظلون قلة.
هذا الوضع لم يتغير منذ عقود طويلة وربما لا يعرف كثير من المصريين أن نجوما كبارا جدا ماتوا فقراء، بل معدمين.
عقب توجيه الرئيس عبدالفتاح السيسى للحكومة الأسبوع قبل الماضى ببحث توفير الحماية التأمينية والرعاية الاجتماعية للفنانين، بحثت فى الأرشيف، فوجدت مئات الأخبار والقصص والتقارير الخبرية التى تتحدث عن مآسى عاشها كبار النجوم الذين أسعدوا ملايين العرب، ولا يزالون يفعلون حتى الآن رغم رحيل معظمهم عن عالمنا. كثير من هؤلاء ماتوا فقراء جدا، ولم يجدوا حتى ثمن الدواء، أو الحد الأدنى من الرعاية.
من بين التقارير الكثيرة التى طالعتها فى هذا المجال تقرير كتبته الزميلة جهاد الدينارى فى موقع «اليوم السابع» فى ١٣ سبتمبر ٢٠١٤، وفيه نكتشف مثلا أن سعاد حسنى وهى واحدة من أهم ممثلات السينما المصرية، وحينما لقيت مصرعها فى لندن، لم تكن تملك سوى ٣٩٥٠ جنيها إسترلينيا مخصصة للعلاج، و٥٨٠ جنيها أخرى لنفقات المعيشة، بعد أن توقفت عنها الإعانة الطبية التى كانت ترسلها الحكومة.
الفنان الكبير أمين الهنيدى، مات بالمستشفى ولم يستطع أهله تسديد مصاريف علاجه التى لم تكن تزيد على ألفى جنيه، وهو ما أدى إلى صعوبة استخراج جثته لدفنه.
الفنان الكبير إسماعيل ياسين الذى أسعد غالبية العرب، حاصرته الديون قبل وفاته بأربع سنوات، اضطر للعودة وتقديم منولوجات، وسافر إلى لبنان لتقديم أعمال فنية، لكنها لم تنجح، وفى النهاية باع كل أملاكه، حتى توفى عام ١٩٧٢.
نفس الأمر حدث إلى حد كبير مع الفنان عبدالسلام النابلسى الذى أصيب بمرض خطير وابتعدت عنه الأضواء، وقام أحد البنوك بإعلان إفلاسه وعاش معزولا، إلى أن مات عام ١٩٨٦.
الفنان القدير استيفان روستى ابن البارون النمسوى، مات وهو لا يملك ثمن دفنه، فجمع له الناس مصاريف الجنازة.
زينات صدقى، التى أضحكت الملايين، خصوصا مع إسماعيل ياسين اضطرت لبيع أثاث منزلها لتأمين احتياجاتها المعيشية، ويقال إن الرئيس الأسبق محمد أنور السادات أمر بمساعدتها، وأن تحج على نفقة الدولة، لكنها لم تتمكن بعد إصابتها بمرض خطير فى الرئة إلى أن توفاها الله.
نهاية الفنان القدير عبدالفتاح القصرى كانت أكثر من مأسوية، حيث أصيب بالعمى أثناء تقديمه لأحد العروض المسرحية مع إسماعيل ياسين، ويقال إن زوجته جعلته يوقع لها على بيع أملاكه بالكامل، وعاش بقية حياته فى حجرة تحت السلم، حتى توفى وحيدا عام ١٩٦٤.
نفس النهاية المأسوية تعرض لها الفنان الكبير رياض القصبجى الذى اشتهر خصوصا بأداء شخصية «الشاويش عطية» فى سلسلة الأفلام التى حملت اسم إسماعيل ياسين، وانتهى به الأمر حبيسا فى مستشفى بعد الوفاة، حيث لم يستطع أهله إخراج جثمانه، إلا بعد تدخل المخرج حسن الإمام الذى سدد مصاريف علاجه، وكذلك مصاريف دفنه.
وعلى موقع بوابة الوفد قرأت للزميل والصديق أمجد مصطفى فى ٢٤ ديمسبر ٢٠١٥ قصة مؤثرة بعنوان «فنانون ماتوا من الجوع وآخرون عاشوا تحت بير السلم».
ويحكى فيها عن نماذج من هؤلاء الفنانين مركزا على حالة الفنانة القديرة فاطمة رشدى أو «سارة برنار الشرق»، والتى انتهى بها الأمر وهى تعيش فقيرة مع أسرة فى حارة بحى الدرب الأحمر، حتى تدخلت الفنانة صفاء أبوالسعود لمساعدتها وكذلك الراحل الكبير فريد شوقى.
هذه نماذج لفنانين كنا نظن أنهم امتلكوا كل شىء فى حياتهم وتركوا لورثتهم الكثير.
والملفت والمدهش أن الأمر يتكرر مع العديد منهم هذه الأيام.. وبالتالى تأتى أهمية تنفيذ تعليمات الرئيس عبدالفتاح السيسى بتوفير الحماية التأمينية والرعاية الاجتماعية للمحتاجين منهم وكبار السن.

نقلا عن "الشروق"