رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

بعد مهزلة الامتحانات.. طلاب الثانوية العامة في قبضة «سماسرة التنسيق»

التنسيق
التنسيق


«نطلع من نقرة لدحديرة ومن فخ لفخ»، هذه ليست مجرد كلمات مونولوج كوميدي لثلاثي أضواء المدينة، ولكنها لسان حال طلاب شهادة الثانوية العامة وأولياء أمورهم، الذين ما لبثوا أن انتهوا من الامتحانات، حتى وجدوا أنفسهم في قبضة سماسرة النسيق، الذين يستغلون عدم دراية الطلاب بالقواعد التي وضعتها وزارة التعليم العالي، ويستنزفون الطلاب وأسرهم.

زيادة مصروفات القدرات

في 17 يوليو الماضي كشف المجلس الأعلى للجامعات عن رسوم أداء الاختبارات، بواقع 450 جنيها، بزيادة 50 جنيهًا عن العام الماضي 20192020، و100 جنيه عن العام قبل الماضي 20182019، بل أضاف المجلس كليتي التمريض والسياحة والفنادق للكليات التي تحتاج القبول بها اجتياز هذه الاختبارات.

وبهذا تُجرى اختبارات القدرات لكليات «التمريض- السياحة والفنادق- الإعلام– الفنون الجميلة– الفنون التطبيقة– التربية النوعية– التربية الرياضية– التربية الفنية– التربية الموسيقية– الكليات التكنولوجية».


وبحسب «الأعلى للجامعات»، توزع رسوم أداء اختبارات القدرات إلى حصص، بواقع 300 جنيه للكلية التي يؤدي بها الطالب الاختبارات، و100 جنيه لصندوق رعاية المُبتكرين بأكاديمية البحث العلمي، و50 جنيهًا للمجلس؛ وأوضح المجلس أن هذه الاختبارات تكون لتغطي مصاريف بناء الاختبارات الإلكترونية التي تعتمد على أساتذة متخصصين، بالإضافة إلى مكافآت تسيير الامتحانات من إدخال بيانات لبنك الأسئلة ومراجعة وإصدار اختبارات وطباعة وتغليف وتسليم ومتابعة طوال فترة الامتحانات.


سبوبة القدرات

ويرى البعض أن اختبارات القدرات لا تعدو كونها سبوبة، لاسيما وأنه يتقدم سنويًا عشرات الآلاف من الطلاب إلى تلك الاختبارات، وقيمة إجمالي رسوم الاختبارات تتعدى الـ 50 مليون، وبحسب وزارة التعليم العالي تقدم لاختبارات القدرات العام الماضي 130 ألف طالب وطالبة بواقع 20% من إجمالي طلاب الثانوية العامة آنذاك، وبلغ إجمالي الرسوم لمجموع الطلبة المتقدمين 52 مليون جنيه، من المفترض أنها دخلت خزائن الكليات التي تُجري اختبارات القدرات، وفقًا لمقال للصحفي محمد أحمد طنطاوي، منشور 21 يوليو 2019.

ولن يتجاوز عدد المقبولين 20% فقط من إجمالي المتقدمين، هذا وإنها تتم قبل ظهور نتيجة الثانوية العامة، أي إن بعض الطلاب لن يتمكنوا من الالتحاق بالكليات التي يرغبون فيها بسبب ضعف مجموعهم، حتى وإن تجاوزوا اختبارات القدرات.


وبحسب رئيس قطاع التعليم بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، والمشرف العام على مكتب التنسيق، السيد عطا، وصل عدد المتقدمين لاختبارات القدرات إلى 75 ألف طالب وطالبة، حتى يوم الإثنين 9 أغسطس الجاري، ويستمر موقع التنسيق الإلكتروني في استقبال رغبات الطلاب لإجراء اختبارات القدرات إلى يوم الخميس 19 أغسطس الجاري.


سماسرة اختبارات القدرات

يأبى سماسرة اختبارات القدرات أن تكون مصروفات الاختبار وحدها التي تُثقل على كاهل أولياء أمور الطلاب، لتجدهم يقتاتون هم الآخرون على آمال الطلاب وأولياء أمورهم باللحاق بكلية من كليات القدرات خوفًا من التنسيق وغدره، أو ربما تكون إحدى تلك الكليات حلمًا طالما راود الطالب طيلة فترة دراسته بالثانوية العامة وعمل جاهدًا ووالداه لأن يصل إليها مهما كلفه الأمر، ولذلك فور الانتهاء من امتحانات الثانوية العامة بدأ هؤلاء السماسرة يلاحقون الطلاب بإعلانات عن دورات لاجتياز اختبارات القدرات في مختلف الكليات، وتتراوح أسعار كورسات اختبارات القدرات ما بين 250 إلى 500 جنيه حسب كل كلية، بعضها بالأدوات المطلوبة في الاختبار والأخرى بدون، واتخذت تلك المراكز من «الفيسبوك» ملاذًا لها لإعلان خدماتها للطلاب، وعمدت إلى مجموعات طلاب شهادة الثانوية العامة للترويج والتسويق للكورسات المتاحة لديها.


وتجد بعض تلك المراكز خصص موقعا إلكترونيا له، وكل موقع يُحذر من المواقع أو المراكز غير الموثوقة، ويخلي مسؤوليته منها وأنه لا علاقة له بهذا المركز أو الذي يحمل اسمه، بل تجد تلك المواقع الإلكترونية خصصت تبويب لآراء العملاء "الطلاب" وأولياء أمورهم، وليس غريب أن تجد كل الآراء تمتدح الموقع أو المركز وتشيد بالخدمات المُقدمة.


تحذير من «التعليم العالي»

في 14 يوليو الماضي حذر المجلس الأعلى للجامعات ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي، الطلاب الراغبين في الالتحاق بالكليات التي تشترط الالتحاق بها اجتياز اختبارات القدرات بجانب ترشيح مكتب التنسيق وفقًا للحد الأدنى لكل كلية، من الكيانات الوهمية لتي تدّعي منح تدريبات كافية لتهيئة الطلاب على كيفية أداء اختبارات قدرات الطلاب بالكليات، مؤكدة أنّ هذه الكيانات لا تمت للجامعات ووزارة التعليم العالي بصلة، ولا ندعمها.

ورغم تحذيرات الوزارة والأعلى للجامعات إلا أن تلك المراكز مستمرة، بل تجد مركزا يحذر من نظيره بأن العاملين به غير مؤهلين وليسوا أهل تخصص، الأمر الذي أثار تساؤلات مهمة لدى المُختصين بشأن مُقدمي تلك الدورات ما إذا كانوا مؤهلين من عدمه؟ وإذا كانوا ذوي اختصاص فهل منتسبون إلى الجامعات كما تزعم بعض المراكز وأين الوزارة من ذلك؟


سماسرة التنسيق

أما عن سماسرة التنسيق التي تعلن عن خدمة ملء رغبات الطلاب لقاء 25 إلى 30 جنيهًا، مستغلة جهل بعض الطلبة بالتعامل مع موقع تسجيل الرغبات، وبحسب بعض المختصين هذا الأمر لا يُمكن السيطرة عليه، لاسيما مع عدم معرفة الطلبة التعامل مع الموقع، إلا أنهم يتحفظون على تدخل هؤلاء السماسرة في رغبات الطالب التي من المفترض أن يسجلها بنفسه دون تأثير أحد عليه.

"أُحذر الطلاب من الانسياق خلف مروجي السناتر والمراكز والأكاديميات الوهمية، التي تدعي انتسابها للجامعات بغرض منح الدورات التدريبية والتأهيلية للطلاب"، كانت تلك رسالة رئيس لجنة قطاع كليات الفنون الجميلة بالمجلس الأعلى للجامعات، الدكتور سيد قنديل، إلى الطلاب الراغبين في الالتحاق بالكليات تُجري اختبارات قدرات.


وأشار «قنديل» إلى أنه لا توجد مراكز تتبع الجامعات والكليات، تمنح الطلاب دورات تدريبة تأهيلًا للتعامل مع اختبارات القدرات 2022 كما يزعم بعض المراكز، مؤكدًا أن الهدف الرئيسي من اختبارات القدرات يتمثل في اكتشاف مواهب وقدرات الطلاب التي من المُفترض أن تؤهلهم للالتحاق بالكلية التي يريد الالتحاق بها.


واختتم «قنديل» حديثه بأنه ليست هناك أماكن داخل الجامعات مخصصة للتدريب أو التعريف باختبارات القدرات لكل كلية، مؤكدًا أنه لا توجد أي شراكة أو عقود تعاون بين الجامعات وأي مراكز بهذا الشأن.

دورات من الوزارة

"كنت أتمنى أن تكون وزارة التعليم العالي باعتبارها وزارة منوطة بهذا الأمر أن تقيم دورات تدريبية سواء جلسة أو اتنين أو تلاتة، ولكن في نفس الأماكن اللي الطالب اللي هيمتحن فيها"، وهذا حتى تكون لدى الطالب معرفة مسبقة في أي إطار سيجري الامتحان ومنها حماية لولي الأمر من ناحية واستفادة للطلاب من ناحية أخرى، وكان ذلك اقتراح «عبدالعزيز» لحل الأزمة بدلًا من أن تُترك للمراكز الخاصة التي تفرض شروطها على أولياء الأمور والطلاب وتستنزف أموالهم.


ورأى «عبدالعزيز» أن تحذيرات الوزارة والمجلس الأعلى للجامعات غير كافية فالوزارة لم تُوجِد البديل أمام الطلاب، مُقترحًا أن تُقيم الكليات على الأقل ندوة تعريفية مجانية للطلاب عن اختبارات القدرات على أن تكون ضمن رسوم الاختبارات.


أين الرقابة؟

وشدَّد أستاذ علوم التربية بجامعة عين شمس، على أن تتخذ وزارة التعليم العالي إجراءات ضد هذه المراكز والقائمين عليها، موجهًا تساؤلات مُهمًا للوزارة قائلًا: هل القائمون على هذه المراكز مؤهلون ومختصون؟ وهل لو هم مختصون يعملون بالجامعات أم من خارجها وأين الرقابة عليهم؟

"بعض المراكز يصل الكورس الواحد 500 جنيه، فهل تلك المراكز تخضع للضرائب"، يستنكر الدكتور محمد عبدالعزيز، وجود تلك المراكز في ظل تحذيرات الوزارة والمجلس الأعلى، لاسيما وأن بعض الطلاب غير المؤهلين يجتازون القدرات بطريقة أو بأخرى، وتجدهم يتعثرون في الدراسة، وهنا تكمن الكارثة.


واختتم «عبدالعزيز» حديثه مع «النبأ»، بأنه كان لابد أن تبدأ القدرات مُبكرًا أثناء الدراسة في الشهادة الثانوية ليس بعد الانتهاء من الامتحانات وقبل ظهور النتيجة، وحتى لا يكون الطالب فريسة لمثل هذه المراكز، قائلًا: فما المانع من أن تتكشف الوزارة قدرات الطلاب أثناء الدراسة ويتم توجيههم، مُضيفًا أن سماسرة التنسيق وتسجيل الرغبات، أمر لا يُمكن السيطرة عليه لاسيما وأن الكثير من الطلاب لا يعرف تسجيل الرغبات.


مجال واسع للنصب

"مرحلة ما قبل دخول الجامعة باتت مجالا للتجارة الواسعة والمفتوحة ولا توجد رقابة على ما يحدث من استغلال للطلاب وأولياء أمورهم، سواء فيما يتعلق بسماسرة التنسيق أو سماسرة اختبارات القدرات"، بهذه الكلمات بدأ ممثل المعلمين المُستقلين، مُحب عبود، حديثه مع «النبأ».


وتابع، "الناس بتكون عارفة إن الالتحاق بالكليات في الجامعات يعتمد على المجموع، ولذلك يستعد الطالب إلى أن يبيع كل ما يملك من أجل الالتحاق بكلية ذات قيمة"، مُشيرًا إلى أن هناك أعدادا غفيرة تكتشف عند دخول اختبارات القدرات أن ما درسوه في الدورات التدريبية لا علاقة له بالاختبارات، وما هو إلا استنزاف لا طائل من ورائه.


واختتم «عبود» حديثه مع «النبأ» مستنكرًا انسحاب الدولة من كل المجالات –بحسب زعمه- وترك المواطن في مواجهة المستنزفين، لاسيما في هذا المجال، ولكنها تتدخل بعد خرق القوانين، مُضيفًا أن توسع الوزارة في قبول أعداد كبيرة من الطلاب في اختبارات القدرات بمختلف الكليات فتح المجال للنصب والاستغلال، والمُبالغة في الأسعار.