رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

محمد مازن يكتب من بكين: شهية الصين للاستيراد توفر آفاقا رحبة لتعزيز صادرات مصر الزراعية وسط الجائحة

النبأ


في عام 2018، اجتمع مسؤولون من مصر مع نظرائهم في الصين من أجل فتح الباب أمام المزيد من الصادرات إلى أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان. ومؤخرا، عرفت بعض الفواكة المصرية طريقها إلى موائد الصينيين، وباتت فواكه مثل العنب والبرتقال والرمان نقاط مضيئة في سلة صادرات زراعية مصرية-- لا تزال قليلة-- إلى الصين تضم أيضا البنجر والتمر.
 
ووسط كوفيد-19، وزيادة في الطلب العالمي عموما على السلع الزراعية، تقف مصر في موقف جيد لتحقيق استفادة أوسع من توسع الطلب الصيني واستراتيجية بكين لدفع وارداتها في السنوات القادمة، بما يمكن أن يخدم من جهة مساعي مصر ويشكل حافزا لها لاعادة القطاع الزراعي الى سابق عهده من حيث مساهمته في الناتج القومي، والإسهام ولو بجزء في إحداث قليل من التوازن في الميزان التجاري المصري-الصيني الذي يميل بشكل هائل لمصلحة الأخيرة من جهة أخرى.
 
- مساهمة قليلة
لا يزال الإنتاج الزراعي مكونا صحيا للاقتصاد الوطني المصري، غير أن مساهمة القطاع في الناتج القومي تعد ضئيلة مقارنة بالماضي، إذ "يبلغ متوسط مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي 11 بالمئة"، وفقا لما ذكر وزير الزراعة السيد القصير مؤخرا، ويستوعب القطاع 25 بالمئة من إجمالي القوى العاملة. وتمثل هذه الأرقام انخفاضا في مساهمة القطاع الإجمالية في الاقتصاد المصري، والتي شكلت 29 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي في عام 1970، وفقا للمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، وحوالي 50 بالمئة من العمالة الوطنية في السبعينيات. ورغم هذه الانخفاضات، التي تأثرت بالنمو بالطبع بمجالات الاقتصاد الأخرى، لا تزال الزراعة تحظى باهتمام كبير في سلم أولويات الحكومة المصرية من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي والتصدير للحصول على العملة الصعبة.


ويأتي تعزيز صادرات القطاع كأحد الأولويات الرئيسية لكل من الجهات الفاعلة العامة والمشغلين الخاصين. وقد أدى الانخفاض الكبير في قيمة العملة إلى زيادة جاذبية صادرات مصر من الفواكه والخضروات للمشترين الدوليين. ووفقا للتصريحات الرسمية حول العام 2020، بلغ إجمالي حجم الصادرات الزراعية المصرية الطازجة المصدرة إلى مختلف دول العالم ‏‏حوالي 5.2 مليون طن بقيمة قدرها ‏نحو 2.2 مليار دولار، بما يعادل 33 مليار جنيه مصري، بخلاف الصادرات من المنتجات الزراعية المصنعة والمعبأة. وبنهاية عام 2020، بلغ إجمالي عدد الأسواق الخارجية التي يتم نفاذ الصادرات المصرية الزراعية إليها ‏عدد 150 دولة مستوردة، كما وصل إجمالي عدد الأصناف التي يتم تصديرها إلى ما يزيد عن 255 ‏سلعة وصنف.
 
ورغم هذا العدد الكبير من الأسواق المتاحة، إلا أن أكبر أسواق المنتجات الزراعية المصرية تتمثل في أسواق الخليج والاتحاد الأوروبي وروسيا والولايات المتحدة، لكن الوصول إلى الهند والصين ودول جنوب شرق آسيا يعتبر شيئا آخر في ضوء التعداد السكاني الهائل للصين والهند، وخطط توسيع الواردات المطروحة، وخاصة من قبل الصين، ثاني أكبر اقتصاد وأكبر سوق في العالم.
 
وتعتزم الصين خلال الـ15 عاما القادمة استيراد سلع تزيد قيمتها على 30 تريليون دولار أمريكي وخدمات تبلغ قيمتها حوالي 10 تريليونات دولار أمريكي.

ويتوقع أن تعطي خطة الاستيراد الصينية دفعة قوية للاقتصاد العالمي وتوفر فرصا للشركات الأجنبية لتوسيع الأعمال والشراكات في السوق الصينية. وتكمن هنا فرصة قوية لتوسيع الصادرات المصرية.

- ترحيب صيني بالمزيد
وفي هذا الصدد، أكد المسؤولون الصينيون مرارا أن بلادهم تولي أهمية كبيرة للالتزام بفتح أسواقها أمام المنتجات الزراعية المصرية وتعزيز التنمية المتوازنة والصحية للتجارة الثنائية بين البلدين. وتعد مصر هي الدولة الأولى والوحيدة المسموح لها بتصدير التمر للأسواق الصينية، وقد أصبحت ثانى أكبر بلد مصدر للبرتقال الطازج إلى الصين، حيث تمثل ما يقارب 20 بالمئة من سوق البرتقال الصيني المستورد.

وتحولت مصر إلى أكبر مصدر للبرتقال في العالم من حيث الحجم، متجاوزة منافسيها إسبانيا وجنوب إفريقيا، على الرغم من أن هذين البلدين لا يزالان يحققان عوائد أكبر بكثير من صادراتهما من البرتقال. وصدرت مصر ما يقرب من 1.8 مليون طن من البرتقال في 2019/2020، بزيادة قدرها 9 بالمئة مقارنة بالعام السابق، مما أدى إلى تحقيق عائدات قدرها 660 مليون دولار أمريكي.

وتحقق الارتفاع الكبير في صادرات البرتقال على مدى السنوات الثلاث الماضية بشكل أساسي بفضل الانخفاض في قيمة الجنيه المصري، إلى جانب خطة عمل حكومية أدت إلى تحسين الجودة لجعله أكثر قدرة على المنافسة في السوق الدولية.وزادت الصين على على وجه الخصوص من حجم وارداتها بشكل كبير منذ عام 2019 لتلبية الطلب المحلي بعد أن تأثر إنتاجها بمرض أصاب انتاجها، حيث يشترك البلدان في نفس موسم الحصاد تقريبا، مما جعل مصر خيارا مناسبا. وبين يناير وأكتوبر 2019، شحنت مصر 191 ألف طن من البرتقال إلى الصين، بزيادة قدرها 107 بالمئة عن الفترة نفسها من العام الماضي، مما جعلها المصدر الرئيسي للبرتقال إلى الصين في ذلك العام.

واستوردت الصين في عام 2020 من مصر بـ110 مليون دولار فاكهة، منها بـ96 مليون دولار برتقال طازج، و13 مليون دولار فراولة مجمدة. وحققت صادرات مصر من الفاكهة إلى الصين في عام 2020 زيادة قدرها 423.8 بالمئة مقارنة بعام 2015.

وبدأ عنب المائدة المصري يحتل مكانه في السوق الصينية بفضل شراكات تبلورت مع الشركات الصينية وتدريب العمالة والعمل المشترك للبلدين على القضايا الفنية. وفي عام 2020، صدرت مصر بقيمة 0.5 مليون دولار عنب طازج على الرغم من استمرار أزمة مرض فيروس كورونا الجديد.

-إمكانيات قوية
ورغم أن السوق الصينية تعد من الأسواق الأكثر انفتاحا ويتوسع الطلب فيها باستمرار في ضوء تقدم الاقتصاد وتحسين معيشة الناس وإنتشال أكبر عدد من الفقراء في العالم، إلا أن وصول المنتجات الزراعية ليس بالأمر السهل، "لأنها تعتمد على حل قضايا فنية مثل المناخ والأمراض والآفات الحشرية وفحص بوابات التفتيش والحجر الصحي"، وفقا للملحق التجاري الصيني في القاهرة هان بينغ.
 
وتملك الصين ومصر سوقين كبيرين تدعمان فرص مزيد من التعاون الاقتصادي والمزيد من الاستثمار والتبادل التجاري بين البلدين. وتخظى المنتجات المصرية بتسهيلات كبيرة من قبل السلطات الصينية في ضوء التطور الكبير للعلاقات بين البلدين وتوجيهات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الصيني شي جين بينغ.
 
وتم رفع العلاقات بين مصر والصين في عام 2014 إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة بدعم من القياة السياسية للبلدين. وتعمل حاليا في مصر أكثر من 1600 شركة صينية بإجمالي استثمارات تزيد عن 7 مليارات دولار، مما يوفر أكثر من 30 ألف فرصة عمل في أكثر الدول العربية اكتظاظا بالسكان.
 
ورغم ظروف تفشي كوفيد-19، صمدت سوق التجارة بين مصر والصين في عام 2020، ولا تزال الصين الشريك التجاري الأكبر لمصر، إلا أن التباين في الميزان التجاري لا يزال واضحا بقوة بين الصين ومصر. ففي الفترة من يناير إلى نوفمبر 2020، بلغ حجم الواردات والصادرات الثنائية للسلع بين الصين ومصر 12.895 مليار دولار أمريكي، بحوالي 12.06 مليار دولار أمريكي صادرات صينية الى مصر، فيما استوردت مصر بضائع خلال تلك الفترة بما قيمته 835 مليون دولار أمريكي.
 
ويمكن أن تساعد السياسات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة المصرية والمتمثلة في برنامج الإصلاحات الهيكلية في دفع الصادرات إلى الصين وأسواق جديدة في آسيا من خلال جعل القطاع أكثر مرونة بحيث يستطيع أن يواكب التغيرات العالمية والإقليمية ويستفيد من الفرص التي تتيحها تلك المتغيرات. ويتمثل أحد الاتجاهات التي يمكن أن تعزز إمكانات عائدات القطاع الزراعي في زيادة نسبة السلع الزراعية المجهزة وصادرات سلع الحلال كنسبة مئوية من إجمالي الصادرات الزراعية إلى الصين في ظل ارتفاع شهية الصين للاستيراد.