رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

قرار تدريس الهيروغليفية بالمدارس يشعل ثورة عارمة ضد «فذلكة» وزارة التعليم

تدريس اللغة الهيروغلفية
تدريس اللغة الهيروغلفية والصينية بالمدارس


يبدو أن وزارة التربية والتعليم قررت أن تشعل ثورة غضب ضدها كل يوم، عبر قرارات غير معروفة السبب أو الغاية، إذ لم تكتف الوزارة بالجدل والارتباك، الذي تسببت فيهما بقراراتها المرتبطة بنظام التعليم الجديد، وكذلك بالقرارات المتخبطة المرتبطة بطريقة استكمال العام الدراسي، في ظل جائحة كورونا، وإنما خرجت فجأة على أولياء الأمور لتعلن إضافة منهج جديد يتضمن تعليم اللغة الهيروغليفية لطلاب المرحلة الابتدائية، ضاربة عرض الحائط بكونها لغة ميتة، أي غير مستخدمة في العالم اليوم!

وبينما يرى البعض أن تدريس الهيروغليفية، يربط النشء بتاريخ الوطن العريق لقدماء المصريين، فإن الأغلبية الغالبة من الخبراء يرون أن هذا الربط يمكن أن يحدث بتعزيز مناهج التاريخ، وزيادة الموضوعات التي تتحدث عن تاريخ مصر القديمة، دون الحاجة إلى تدريس الهيروغليفية، خاصة أن الظروغ غير مهيأة حاليا لاتخاذ هذه الخطوة، في ظل التغييرات الجذرية التي تجريها الوزارة على مناهج وأساليب التدريس والامتحانات، وهو ما يمثل بمفرده حملا ثقيلا يثير رعب الطلاب وأولياء أمورهم على السواء.

الأكثر إثارة للدهشة، هو أن الوزارة أعلنت إضافة منهج لتعليم اللغة الصينية أيضا، وهي لغة شديدة الصعوبة، ولا يجيدها إلا الصينيون أنفسهم، وليست منتشرة في أي مكان آخر من العالم، وهو ما دفع المتابعين إلى مطالبة الوزارة بالتركيز على المناهج التي تنفع الطلاب في معترك العمل المتاح فعلا في مصر، والتوقف على "الفذلكة"!


الهيروغلفية في المدارس


في الخامس من أبريل الجاري، وبعد الانتهاء من موكب الرحلة الذهبية للمومياوات الملكية، صرح وزير التربية والتعليم، د. طارق شوقي، بأنه سيتم تدريس رموز اللغة الهيروغلفية للطلاب بدءًا من الصف الرابع الابتدائي، وحتى الصف الثاني الثانوي، بهدف تنمية الوعي الأثري والسياحي للطلاب.

كما أشارت الوزارة إلى أنها تسعى إلى تكامل المواد الدراسية كافة، من أجل هذا الهدف، وأن خطة تطوير المناهج المستقبلية، تتضمن تطورًا واضحًا لتنمية وعي الطلاب الأثري والسياحي، ومن المُقرر أن يتم تطبيقها بدءًا من العام الدراسي المُقبل، على الطلاب من الصف الرابع الابتدائي وحتى الصف الثاني الثانوي.


اعتراضات واسعة

إعلان الوزارة تدريس الهيروغلفية قابلته اعتراضات واسعة من بعض أولياء الأمور، معتبرين أن ذلك يزيد الأعباء على كاهل الطلاب، لاسيما وأنهم مشتتون في ظل تطبيق نظام الامتحان المجمع، الذي يضطر الطلاب إلى مراجعة جميع المواد ليلة الامتحان، هذا فضلًا عن الاعتراض من جانب عدد من الخبراء التربويين الذين أكدوا أنه ليست هنا فائدة من تدريس رموز الهيروغلفية للطلبة في المدارس.

رد الوزارة على تلك الاعتراضات كان غريبا بحسب وصف البعض، حيث أكدت أن إدخال رموز الكتابة الهيروغلفية، وما يقابلها من معان باللغة العربية في المناهج، يهدف إلى إطلاع الطلاب على تاريخهم القديم، بهدف المعرفة ورفع الوعي وإثارة اهتمام الطلاب بالكتابة الهيروغليفية والتي كانت من أهم وسائل التواصل مع الحضارة المصرية القديمة، وليس للحفظ، معتبرةً أن تلك هي الطريقة الوحيدة لإطلاع الطلاب على تاريخهم القديم.


مش ناقصة لخبطة!


"حسبي الله ونعم الوكيل، المناهج اللي بيدرسوها أصلًا تعتبر هيروغليفية، والحكاية مش ناقصة لخبطة تاني!"، هكذا بدأت ريم صبحي، إحدى أولياء الأمور، حديثها مع «النبأ»، معتبرة أن الطلاب يعانون من قرارات الوزير المتغيرة، ووصفت المناهج بأنها «هيروغليفية» أصلا، في إشارة منها إلى صعوبة المناهج التي يدرسونها.


"مش دي لغة انقرضت من سنين، هيدرسوها ليه؟!"، هكذا استنكرت، إحدى أولياء الأمور، إصرار الوزارة على تدريس الهيروغلفية، ورأت أنها لا جدوى من تدريسها للطلاب، سوى أنها تزيد من الأعباء الدراسية عليهم، خاصة لكونها لغة ميتة.

الله يعين


"الله يعين، دا أنا كل ما أكلم المدرسين عن مستوى بنتي، يقولوا لي المنهج صعب، دا (الماث) فيه حاجات المدرسين مش فاهمينها، أمال مع الصيني والهيروغليفي هيعملوا إيه!"، هذا ما تراه ولية الأمر أسماء نجم، مشيرة إلى أنه من الصعب تدريس رموز الهيروغليفية، لأن الطلبة لن يستوعبوها، كما أن اللغة الصينية صعبة جدًا، ومن المستحيل أن يستوعبها الطلاب، حتى ولو كانوا في المرحلة الثانوية، بل إنه يصعب تدريسها في تلك المرحلة تحديدًا، لا سيما أن اللغات تحتاج إلى تعلمها مُنذ الصغر.


تهريج

"لا أستطيع فهم ماذا يعني أن يتعلم طفل الهيروغليفية، لا سيما وأنها صعبة جدًا على استيعابهم لها، الأمر غير منطقي وتهريج"، هكذا استنكر الخبير التربوي وأستاذ العلوم والتربية، بجامعة عين شمس، الدكتور محمد عبد العزيز، أثناء حديثه مع «النبأ الوطني»، تدريس الهيروغليفية للطلاب في المدارس.


وأضاف: "رغم أن الكثير من البرديات المصرية، وما دونه فيها المصري القديم، غير مفهوم للمختصين الدارسين للغة الهيروغليفية إلى الآن، لا سيما أن تفسير معنى الآلهة أو الإله عند المصريين القدماء، حتى الآن مشكوك فيه، وبالتالي فإن ترجمة اللغة الهيروغليفية فيها مشكلة من الأساس، لذا لا أعلم لماذا التفكير في تدريسها.


أما عن مسألة تدريس اللغة الهيروغليفية بحجة أن يحب الأطفال تاريخ بلدهم، فيرى «عبد العزيز» أنه أمر غير منطقي، لأن هناك الكثير من الوسائل لتوطيد الاعتزاز بحضارة وتاريخ مصر القديمة عند الأطفال، وفي حالة كان لدى أحد التلاميذ ميول لتعلم الهيروغليفية، فهناك مؤسسات مختصة لصقل ميوله وتطويرها.

كما استنكر أستاذ العلوم والتربية بجامعة عين شمس، فكرة تدريس الصينية للطلاب الثانوية العامة، حتى باعتبارها لغة أجنبية ثانية، لاسيما وأنه يرى أنه غير متوفر مدرسين لتدريس اللغة للطلاب، "لو هتحط اللغة الصينية لغة تانية عندك مدرسين لها! دا غير إنها من أصعب اللغات هي واللغة اليابانية، وفيه مركز ثقافي صيني وسفارة صينية لمن يريد تعلم الصينية".


ويرى «عبد العزيز» أن كون الصين دولة يلتفت إليها العالم، ليس مبررًا لتدريس الصينية للطلاب، والأولى تعليم العمل على إتقان الطلاب للغاات الأسياسية التي من المفترض أن يتعامل بها في الحياة العملية.


فكرة رائعة

"تدريس اللغة الهيروغلفية للطلاب سواء في المرحلة الابتدائية أو الإعدادية أو الثانوية، فكرة رائعة وتحيي التراث المصري القديم"، هذا هو الرأي المقابل الذي أبداه الخبير الآثاري عمر زكي، مشيرا إلى أن نماذج كثيرة من الأطفال في الخارج في سن ما بين 10 إلى 12 سنة، تعلموا كتابة أسمائهم برموز الهيروغليفية، وذلك بفضل تدريسها بهذه الدول.

وأضاف: "نحن أولى أن ندرسها لأولادنا في مصر؛ لزيادة الوعي الأثري، وإحساس المصريين بقيمة الحضارة التي ينتمون إليها، بحسب وصف «زكي".


وأوضح الخبير الآثاري، أنه من السهل أن توفر الوزارة معلمين لتدريس اللغة الهيروغليفية للطلاب في المدارس، وذلك لأن كليات الآثار تنتشر في جميع محافظات مصر، بالإضافة إلى تواجد العديد من مفتشي الآثار في المراكز والمحافظات كافة، جميعهم يحمل درجات الماجيستير والدكتوراه وعلى قدر جيد باللغة الهيروغليفية والهيراطيقية أيضًا، وبالتالي فإن توفير معلمين لتعليم الهيروغليفية لن يكون صعبًا في حال تم التنسيق مع كليات وأقسام الآثار والمناطق والأثرية.