رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

قصة مدفع الإفطار وسر تسميته بالحاجة فاطمة

مدفع الأفطار
مدفع الأفطار


كشف الدكتور علي جمعة، المفتي السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، عن قصة مدفع الإفطار الملقب بـ " مدفع الحاجة فاطمة " وقال: إنه برغم انتشار هذا الاسم فإن الكثير من الناس لا يعرفون الإجابة عن هذه الأسئلة‏، ومدفع الحاجة فاطمة هو مدفع رمضان الشهير الذي ارتبط ذكره بشهر رمضان الكريم‏.


والحاجة فاطمة هي الأميرة فاطمة ابنة الخديوي إسماعيل تزوجت عام ‏1871‏ م من الأمير طوسون بن محمد سعيد باشا‏،‏ والي مصر‏،‏ وقد تميزت في حياتها وبين أخواتها بحبها للعمل العام والتطوعي‏,‏ فحرصت على المساهمة في أعمال الخير ورعاية الثقافة والعلم‏,‏ وقد نقلت هذه الثقافة وتأثر بها ابنها الأمير عمر طوسون‏,‏ الذي كان أكثر أمراء أسرة محمد إقبالا على العمل العام‏.‏


وأضاف جمعة، عرفت الأميرة فاطمة إسماعيل عن طريق طبيبها أن هناك مجموعة من الصعوبات التي تعاني منها جامعة القاهرة وذلك بعدما دعي إليها مصطفي كامل عام ‏1906‏م‏,‏ فقررت تجاوبا مع الحركة الوطنية ورعاية للعلم وتشجيعا للعلماء‏، وقف مساحة من أراضيها وتبرعت بنحو‏6‏ أفدنة لإقامة مبني للجامعة الأهلية ‏(القاهرة الآن‏)‏ ووهبت مجوهراتها الثمينة للإنفاق علي تكاليف البناء‏،‏ وقد نشرت مجلة الهلال الشهرية صورة لها وهي مرتدية جميع هذه المجوهرات قبل التبرع بها‏،‏ كما أوقفت ‏661‏ فدانا علي مشروع الجامعة من أراضيها في المنصورة‏,‏ وأعلنت الأميرة فاطمة أن سائر تكاليف البناء سوف تتحملها كاملة والتي قدرت وقتها بمبلغ ‏26‏ ألف جنيه‏,‏ ومن كرمها أيضا أعلنت تحملها جميع نفقات حفل وضع حجر الأساس‏,‏ والذي كان سيحمل الجامعة نفقات كبيرة‏,‏ خاصة أن الخديوي عباس حلمي الثاني كان قد أعلن انه سيحضر حفل الافتتاح هو والأمير احمد فؤاد‏,‏ وبرغم أنها شاركت في وضع حجر الأساس للجامعة‏,‏ فإنها توفيت عام ‏1920‏ م قبل أن ترى صرح الجامعة ومنارتها التي قدمتها للعلم في مصر والوطن العربي‏,‏ وعرفانا بجهود الأميرة لإنشاء الجامعة قررت الإدارة نقش اسمها علي واجهة كلية الآداب ومازال النقش موجودا حتى الآن وفيه آثار حضرة صاحبة السمو الأميرة فاطمة إسماعيل‏.‏


وأوضح المفتي السابق قائلا: لارتباط اسم المدفع باسم الأميرة قصة طريفة معروفة في التراث الشعبي المصري‏,‏ فقد كان بعض الجنود في عهد الخديوي إسماعيل يقومون بتنظيف أحد المدافع‏,‏ فانطلقت قذيفة حينها علي سبيل الخطأ وقد تصادف ذلك وقت أذان المغرب في أحد أيام رمضان فاعتقد الناس أن هذا نظام جديد من قبل الحكومة للإعلان عن موعد الإفطار‏,‏ ولما علمت الحاجة فاطمة ابنة الخديوي إسماعيل بهذا الأمر‏,‏ أعجبتها الفكرة‏,‏ وأصدرت فرمانا ليتم استخدام هذا المدفع عند الإفطار والإمساك وفي الأعياد الرسمية‏,‏ وقد ارتبط اسم المدفع باسم الأميرة منذ ذلك الوقت قبل أن يشتهر بعد ذلك باسم مدفع رمضان‏,‏ وهو موجود حاليا بمتحف الشرطة بقلعة صلاح الدين كأحد الآثار المصرية‏.‏

 

وتابع : تختلف طلقات مدفع رمضان عن الطلقات المستخدمة في الحروب‏,‏ حيث يوضع بها كتلة من البارود لتعطي صوتا مرتفعا فقط‏,‏ ومن ثم لا تحدث أضرارا ناتجة عن إطلاق المدفع‏,‏ وتتم عملية الإطلاق بشد الحبل علي كتل البارود لينطلق الصوت ويوضع -قبل شد الحبل- بعض الحجارة أمام وخلف عجلات المدفع لتثبيته حتى لا ينزلق لحظة الانطلاق‏,‏ واعتاد توفير مدفع آخر إلي جانب المدفع الرئيسي لتبادل الطلقات وتوفير البديل في حالة حدوث عطل‏.‏


ويرتفع المدفع عن سطح الأرض بمقدار ‏170‏ مترا وينطلق صوته مترددا في الأفق لمسافة تصل إلي عشرة كيلو مترات حتى يسمعه اغلب سكان القاهرة‏,‏ ومع ظهور الإذاعة المصرية‏,‏ بدأت في نقل صوت المدفع مواكبا لموعد أذان المغرب مع ترديد العبارة الشهيرة مدفع الإفطار‏..‏ اضرب ويتولي إطلاق المدفع عسكري برتبة صول ويشترط توافر الورع والتقوى فيه بالإضافة إلى التزامه وانضباط العسكري.

 

وشهدت فترة السبعينيات من القرن الماضي إهمال استخدام المدفع والاعتماد فقط علي تسجيل الإذاعة حتى قامت وزارة الداخلية في عام‏1983‏ م بإصدار قرار إعادة استخدام المدفع خلال شهر رمضان‏,‏ وذلك بعد نقله من قلعة صلاح الدين إلي هضبة المقطم لتفادي حدوث أضرار للآثار الإسلامية في منطقة القلعة بسبب صوته المرتفع‏,‏ كما لم يقتصر استخدام المدفع علي العاصمة فقط‏,‏ وامتد لبقية محافظات الجمهورية‏.‏ حيث يوضع عند مدخل المحافظة ويقوم علي خدمته الآن أربعة من رجال الأمن الذين يعدون البارود كل يوم مرتين لإطلاق المدفع لحظة الإفطار ولحظة الإمساك‏.‏


وتتميز عملية إطلاق مدفع رمضان بطقوس خاصة‏,‏ فيحضر الموظف المسئول على عملية الإطلاق إلي الساحة الموجود فيها المدفع قبل الموعد بنصف ساعة‏,‏ وقد اعتاد الكثير من الأطفال وحتى الكبار والأهالي -أن يتجمعوا في الساحة وبل ويتزاحموا فوق أسطح المنازل المجاورة لها ليشاهدوا عملية الإطلاق التي كانوا يقابلونها بالهتاف والتصفيق والتصفير‏,‏ وهكذا الحال طوال الشهر الكريم‏,‏ وفي ليلة العيد وبعد ثبوت رؤية الهلال في ليلة التاسع والعشرين يطلق المدفع سبع طلقات متتالية‏,‏ أما إذا أتم رمضان ثلاثين يوما فيطلق المدفع سبع طلقات بعد العصر احتفالا بالعيد‏,‏ وأثناء أيام العيد الثلاثة‏,‏ يطلق المدفع عند كل أذان‏,‏ وتتكرر العملية في أيام عيد الأضحى المبارك‏.‏